أثر عقوبات مجلس الأمن الدولي علي النظام الارتري

بقلم: علي عبد العليم
5/1/2010م

أصدر مجلس الأمن الدولي قراره بالرقم (1907) بتاريخ 23/12/2009م ، بإيقاع عقوبات علي النظام الارتري ، علي خلفية دعمه للمعارضة الصومالية المسلحة ، وعدم امتثاله لقرار المجلس (1862) الصادر في 14/1/2009م ، والخاص بسحب قواته من المنطقة المتنازع عليها مع جيبوتي .
يتضمن القرار الذي أيده (13) عضوا ، وعارضه عضو واحد (ليبيا) في حين امتنع العضو الخامس عشر عن التصويت ( الصين) ، يتضمن القرار حظر تصدير السلاح ومراقبة المطارات والسواحل وتفتيش السفن التي يشتبه فيها بنقل أسلحة وإمدادات إلي قوات المعارضة الصومالية المناوأة لحكومة الرئيس شريف شيخ أحمد .. إضافة إلي تجميد أرصدة الحكومة الارترية وشركاتها ومسئوليها النافذين من سياسيين وعسكريين ، ومنع سفرهم ممن تتضمنهم قائمة العقوبات القائمة
وينتظر أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا إلي مجلس الأمن بشأن مدي تعاون ارتريا بعد ستة أشهر من سريان العقوبات .
لقد خلف صدور قرار العقوبات ردود أفعال متباينة ، ففي الجانب الارتري :-
وصف سفير ارتريا الدائم في الأمم المتحدة آرأيا دستا العقوبات بأنها إجراءات عقابية مثيرة للسخرية ، محذرا من أن تلك الخطوة قد تهدد المنطقة بالوقوع في دوامة أخري من الصراع ، مشيرا إلي أنها قد تشجع إثيوبيا علي التفكير فيما سماه مغامرات عسكرية طائشة ..
وزاد السفير الارتري بوصفه للعقوبات بأنها (مخزية) ، متهما في نفس الوقت الولايات المتحدة بأنها استخدمت عمليات (لي الأذرع) لتمرير هذا القرار، رافضا كافة الاتهامات التي وجهها مجلس الأمن لبلاده بدعم المسلحين المعارضين للحكومة الصومالية المؤقتة ، واحتلال جزء من أراضي جيبوتي ، مطالبا بعقد مؤتمر شامل لحل القضية الصومالية .
من جانبها أصدرت الخارجية الارترية بيانا أنحت فيه باللائمة علي الولايات المتحدة واتهمتها بالوقوف خلف القرار رغم محاولات التغطية عليه بعباءة الاتحاد الإفريقي للإيهام بأن مصدره أفريقي ، في حين تم نسجه من قبل الولايات المتحدة ، واكتملت حلقاته بولادة قيصرية ، وان بريطانيا ويوغندا قد أختيرتا لتصبحا مظلة للقرار وراعيتين له ؟!. وذلك حسب بيان الخارجية الارترية ، الذي نعت القرار بأنه مخجلا بحق ارتريا ، ويمثل خطورة للعالم ذي القطب الواحد ..
رحبت إثيوبيا بالقرار الذي فرض حظرا علي مبيعات الأسلحة إلي ارتريا ، إضافة إلي عقوبات أخري ، ووصفته بالعادل والمناسب ،؟! وفي ذات السياق اعتبرته جيبوتي نصرا دبلوماسيا لها ، أحرزته بسبب إدارة أزمتها الحدودية مع ارتريا عبر السبل السلمية .. وتوعد وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف ارتريا بمزيد من العقوبات إذا لم تعدل عن تصرفاتها العدائية تجاه المنطقة ، قائلا إن مجلس الأمن سيصدر قرارا آخرا يتضمن عقوبات أشد تطال جميع المسئولين في هذه الدولة !.
أما الصين والتي امتنعت عن التصويت علي القرار فقد دعت علي لسان مندوبها الدائم تشانغ يي سو ، مجلس الأمن أن ( يعمل بتعقل في فرض العقوبات ) وأن لايجعل من فرض العقوبات بديلا للجهود الدبلوماسية لحل الخلافات من خلال الحوار والمفاوضات .
قالت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة ، سوزان رايس للصحفيين أن القرار لم ينجز علي (عجل) وأن الدول الإفريقية في المجلس هي التي دعت إلي تمريره ، وأشارت إلي أن الولايات المتحدة سعت خلال العديد من الأشهر إلي حوار بناء مع ارتريا لتشجيع حكومتها علي اتخاذ الخطوات التي تزمع باتخاذها ولم تتخذها بعد .
وأضافت رايس ( لا نري الباب قد أغلق أمام ارتريا بل العكس فان هناك فرصة أخري أمامها للعب دور أكثر مسئولية في المنطقة ) .
وعلي الصعيد الصومالي فقد رحبت الحكومة الانتقالية بالقرار علي لسان عبدي حاجي غوبدون ، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء والناطق الرسمي باسم الحكومة الصومالية ،
فيما عقد نائب رئيس الوزراء عبد الواحد نور جامع ، مؤتمرا صحفيا في مقديشو عبر فيه عن سعادة الحكومة الصومالية وسرورها بقرار مجلس الأمن مطالبا بتنفيذ القرار علي الأرض .
في حين ندد الحزب الإسلامي الصومالي المعارض بالقرار بشدة ، ووصفه علي لسان مسئوله الإعلامي الشيخ محمد معلم بأنه جائر ويخدم إثيوبيا ، وقال للبي بي سي :- (إن القرار أعمي ويعتبر هدية لإثيوبيا ) وقال أن ارتريا تتعرض للعقاب لأنها رفضت الغزو الإثيوبي للصومال .
أما الجبهة الشعبية لتحرير إقليم أوغادين التي تخوض حرب عصابات شرسة ضد إثيوبيا فعبرت عن أسفها على أن المجتمع الدولي أخذ يتعاطى مع قضية القرن الأفريقي بمفهوم ما يسمى بالحرب على الإرهاب، معتبرة أن الصراع بين الصومال وإثيوبيا يقف على أسس جغرافية وسياسية ودينية وأنه يمتد لقرون وعارضت الجبهة القرار و أعلنت تضامنها مع إريتريا !!.
أعلن البرلمان العربي الانتقالي مساندته للقرار الصادر عن مجلس الأمن والخاص بفرض عقوبات على اريتريا وأدان الحكومة الاريترية لتدخلها في الشأن الصومالي من خلال التدريب والتسليح والدعم السياسي للأطراف المتمردة على الحكومة الصومالية الشرعية مؤكدا مساندته لها سياسيا وماليا وأمنيا حتى تتمكن من مواجهة التمرد وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد.
رحب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلي بقرار مجلس الأمن الدولي الصادر مؤخرا بشأن النزاع الحدودي بين إريتريا وجيبوتي .
وناشد أوغلي في بيانه المجتمع الدولي وضع هذا القرار موضع التنفيذ الكامل كوسيلة لتصعيد الضغط على ارتريا حتى تضع حدا لاحتلالها المستمر لأراضي جيبوتي .. داعيا في الوقت ذاته ارتريا إلى التعاون والامتثال على نحو تام للمطالب الواردة في القرار.

وفي صعيد المعارضة الارترية ، طالب الحزب الإسلامي الارتري للعدالة والتنمية ، في البيان الختامي لاجتماعات مجلس الشورى للدورة الخامسة ، أن يعمل المجتمع الدولي علي أن لا تتعدي العقوبات النظام الارتري ومؤسساته إلي الشعب المغلوب علي أمره ، حتى لا تزيد من معاناته .
كما أصدر التحالف الديمقراطي الارتري تصريحا صحفيا عبر فيه عن تأييده القوي لهذا القرار ، ويعتبره قرارا مسئولا ، وخطوة ضرورية وصحيحة في اتجاه إيقاف صلف هذا النظام وغطرسته في المنطقة ، ويأتي ملبيا لرغبة الشعب الإرتري الذي عانى منه أقسى أنواع القهر والإرهاب ، ويفتح له نافذة أمل لانفراج مأساته ومعاناته التي فرضها عليه . وأضاف التصريح : ( يرى التحالف أن هذه العقوبات جاءت متأخرة جدا بعد أن عاث النظام في المنطقة فسادا ، وخلق فيها مشاكل معقدة ستكلف المجتمع الدولي ودول المنطقة الكثير من الجهود لمعالجتها ، ولكن أن تأتي متأخرة خير من أن لا تأتي أبدا ) .
كما أصدرت جبهة التضامن الارترية بيانا رحبت فيه هي الأخرى بالقرار وقالت : ( ونحن إذ نعد هذا القرار خطوة في الاتجاه الصحيح لإيقاف نظام افورقي عند حدوده وانتصارا للعدالة وإحقاقا للحقوق نوصي مجلس الأمن بضرورة الأخذ بعين الاعتبار احترام سيادة الدولة و أن لا تمس العقوبات مصالح الشعب الارتري مع ممارسة المزيد من الضغط علي النظام لإطلاق سراح السجناء.
وذكَر المجلس بالأضرار والاذي الجسيم الذي مارسه النظام ضد الشعب الارتري حتى لا يتوصل معه إلي تسوية سياسية بعيدا عن مصالح الشعب الارتري والتي تكمن في التخلص من هذا النظام الذي عم ضرره كل دول الإقليم ) .

وكشف موقع أفركا كوم الإخباري أن معظم الإرتريين بالداخل أيدوا قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بفرض عقوبات على بلادهم بسبب تدخلها في الصومال ودعمها للمعارضة المسلحة . وقد أيد القرار حسب أفركا كوم حوالي 51.4 % من الإرتريين الذين صوتوا حول هذه القضية جـميع ما تضمنته العـقوبات ، كمـا أن 7.1 % منهم ساندوا جزء منها .. قد أجرى الموقع الاستطلاع عبر الإنترنت و الهاتف مع شخصيات اعتبارية وطلبة و آلاف من الإريتريين في المهجر عبروا عن تأييدهم للقرار ووصوا أن تشمل القرارات الإصلاحات الداخلية والتحول الديمقراطي كشرط لرفع الحظر عن النظام .
يلاحظ أن السمة البارزة في ردود الأفعال وسط الارتريين هي الترحيب بالقرار ، وذهب أحدهم إلي القول في شيء من التشفي فليذق النظام من نفس الكأس التي أذاقها شعبنا الأعزل وحرمه من الحرية ، فليقبع أخيرا في نفس السجن الكبير الذي سجن فيه شعب بكامله !. فبعد اليوم لا يستطيع أن يخرج إلي الخارج للتسول و للدعاية لحزبه النازي !!.

وعلي صعيد دول الجوار الارتري الأخرى ، لم تصدر أي تصريحات رسمية ، فيما تناولت بعض الصحف ، خاصة الخليجية منها ، القرار بالترحيب الواسع وانتقدت سياسات النظام الارتري وتحرشاته تجاه الجوار العربي ، مما يشكل تحديا للأمن القومي العربي !!.
وفي اليمن ذكرت بعض الصحف أن العقوبات ضمنيا قد شملت الدور الارتري في دعم تمرد الحوثيين ، وهي عقوبة يستحقها النظام الارتري الضالع في دعم المعارضين المسلحين في المنطقة .
وفي السودان وصف رئيس تحرير صحيفة الرأي العام المقرب من الحكومة ، قرارات مجلس الأمن ضد ارتريا بالظالمة ، مناشدا الاتحاد الإفريقي بالتدخل ؟!.
وكتب الصحفي السوداني ( فيصل محمد صالح ) في صحيفة الأخبار: ( لكن الذي يغيظ أن العالم ومؤسساته الدولية ، بما فيها مجلس الأمن، كلها ظلت تتفرج على معاناة الشعب الاريتري دون أن تتحرك لمساعدته ، وما دفعته للتحرك وفرض العقوبات إلا المصالح الغربية التي تتهددها الأوضاع في الصومال. . إن لم تكن انتهاكات حقوق الإنسان والقمع المستمر للحريات والمئات الذين تمتلئ بهم السجون الإريترية دون أن يعرف أحد مصيرهم، كافية لأن يتحرك مجلس الأمن والمنظمات الدولية لمساعدة وإنصاف الشعب الإريتري..) فما الذي يحركهم يا تري؟!.

اثر العــقـوبـات :
قبل الحديث عن الآثار المتوقع أن تلحقها العقوبات الأممية بإرتريا ، فلنعط إجابة علي السؤال التالي :-
هل من المتوقع أن يرضخ النظام الارتري للقرارات الدولية وبالتالي يجنب نفسه وشعبه آثارها السيئة ؟؟.
بالنظر إلي سيكولوجية النظام الارتري وطبيعته الصدامية التي طفحت بعد استقلال ارتريا مباشرة ، بهجومه الكاسح علي الاتحاد الإفريقي ، وسخريته من جامعة الدول العربية ، وتجاوزاته بحق المنظمات الدولية ، وطرده منسوبيها ، وحتى الاتحاد الاروبي لم يسلم من هجومه وتعديه حيث طرد سفيره في اسمرا .. لكل ذلك فليس من المنتظر أن ينصاع النظام للقرارات الدولية ، بل نتوقع أن يواجهها بشتى السبل ، فليس أدل علي نيته المبيتة تلك إرساله لقائد القوات الجوية ، ومدير البنك التجاري إلي أوكرانيا لعقد صفقة عاجلة توفر له احتياجاته من الطائرات الحربية والأنظمة الدفاعية الجوية ، حسبما أورده ( موقع من أجل ارتريا الالكتروني ) ، ويرمي النظام من وراء ذلك استباق القرارات لتقوية قواته الجوية ، ولا يدع لإثيوبيا ميزة التفوق الجوي عليه ، والتي بدت جلية في جولتي الحرب بين البلدين في 1998م و 2000م .
وإذا نظرنا إلي اثر العقوبات علي ارتريا من جانب عقوبة حظر تصدير السلاح ومراقبة المطارات والموانئ للتحقق من تطبيقها ، فان انقطاع إمدادات الأسلحة وخاصة الطيران والصيانات والتدريب المتعلق به ، سيلحق ضررا بليغا بمقدرة الجيش الارتري الدفاعية والهجومية معا . ومن هنا ندرك ترحيب إثيوبيا بعقوبات مجلس الأمن خاصة المتعلق منها بحظر تصدير السلاح إلي ارتريا ، وكلما تطاول أمد العقوبات فان كفة الميزان العسكري سترجح لصالح إثيوبيا ، الأمر الذي إذا تضافرت معه عوامل أخري قد يشجع إثيوبيا علي القيام بعمل عسكري ، تكون له آثار وخيمة علي مجمل منطقة القرن الإفريقي .
أما إمدادات الأسلحة إلي المعارضة الصومالية المسلحة والحوثيين فقد لا تتأثر علي المدى القريب ، لأن بعض التقارير تشير إلي وجود مخزون كبير من السلاح في القواعد الإيرانية في ارتريا ، تكفي لتغطية احتياجات تلك المجموعات المسلحة لبعض الوقت ، مع توفر إمكانية توصيل إمدادات الأسلحة والذخائر عبر القوارب ، ومن خلال الجزر الحصينة ، التي خبر أفراد البحرية الارترية دروبها والطرق المفضية منا واليها ، ومن خلال التخزين المتدرج في تلك الجزر يمكن تمريرها إلي المعارضين علي مراحل ..
إن مقدرة الأساطيل الدولية التي تجوب البحار القريبة من المنطقة علي أحكام سيطرتها علي المداخل والمخارج ومراقبتها ليست بالصورة المثلي وإلا لما استمرت ظاهرة لقرصنة البحرية دون حسم ؟!.
إن تجارة السلاح عالميا رائجة ، ولها شبكات دولية يديرها رجال أعمال يطلق عليهم (تجار الموت) بالاشتراك مع دول نافذة ، وهذه الشبكات علي استعداد لتلبية طلبات الشراء من مختلف أنواع الأسلحة ، ومهما كان حجم الكميات المطلوبة ، ولا يحدها إلا المقدرة المالية للطالب !!.
فإذا ما وجد طرف يدفع فان السلاح سيتدفق ولو عبر طرف ثالث .. إلا انه في هذه الحالة سيكون النظام الارتري في وضع غير مريح يؤهله للعب دور السمسار الذي برع فيه منذ مدة ، وقد عاد عليه في السابق بموارد ساعدته في دعم اقتصاده المتهالك .
ومن جانب آخر ، إذا ما أفلحت الأساطيل الدولية في فرض حصار قوي علي الشواطئ الارترية ربما تأثرت جراء ذلك عمليات التهريب التي تتم مع الساحل اليمني للحصول علي المواد الغذائية والمحروقات ، ذلك أن الكميات التي تصل من السودان عبر الحدود المشتركة لا تغطي احتياجات ارتريا ، التي في الأصل تعاني من فجوة وشح كبيرين ، مما سيفاقم من معاناة الشعب الارتري ..
وعن أثر عقوبة تجميد أرصدة الحكومة الارترية وبعض النافذين فيها لدي البنوك العالمية ، فان معظم الاستثمارات الحكومية واستثمارات حزب الجبهة الشعبية الحاكم تتم تحت أسماء أشخاص نافذين فيها ، فإذا ما أغفلتهم قائمة الحظر فان موارد مقدرة ستفلت من قيد التجميد ، وبالتالي إمكانية استخدامها في التقليل من آثار العقوبات !.
من جهة أخري ، وبغض النظر عن حجم الأرصدة التي يشملها التجميد ، فإنها ستكون خارج نطاق الاستخدام ، مما يحرم الحكومة الارترية من موارد كان يمكن أن تجري بها مشترياتها الخارجية ، وتمول بها بعض البرامج الحكومية .. في ظل شح كبير في احتياطييها من العملات الصعبة ..
من جهة ثانية ، فإذا ما شمل التجميد أرصدة المعونات الدولية أو الدعم الناتج عن بروتوكولات ثنائية ، أو دعم من منظمات بحكم عضوية ارتريا فيها ، فان التأثير سيكون كبيرا ، فلنأخذ مثلا دعم الاتحاد الأوروبي الذي يبلغ (122) مليون يورو سنويا ، فإذا أطلق الاتحاد الأوروبي معونة هذا العام كما فعل العام الماضي برغم مناشدات منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني الارتري ، وتحذيرها من أن المعونات ستضل طريقها ويساء استخدامها في غير مصلحة الشعب الارتري ، مما يطيل ليل معاناته !!.
وما لم تغير المفوضية الأوربية من سياستها وتعمل علي مراجعة معونتها السنوية للنظام الارتري ، وأطلقتها ، ثم شملها قرار تجميد الأرصدة فان الأثر علي الحكومة الارترية سيكون كبيرا ، إذ ستفقد حينها ما يعادل حوالي ربع إيرادات ميزانيتها للعام 2007م ..
إن قرار تجميد الأرصدة سيؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة علي أعمال الشركات الأجنبية خاصة تلك العاملة في قطاع الإنشاءات والتعدين ، وكمؤشر لذلك فقد حملت الأنباء انخفاض أسهم شركة نيفسون الكندية التي تمتلك الحكومة الارترية نسبة 40% من أسهمها ، وتراوح الانخفاض بين 10.7% – 14% ، وذلك عقب فرض مجلس الأمن عقوباته ضد ارتريا .
مهما يكن من أمر ، فان عقوبة تجميد الأرصدة المصرفية ستحد من تهريب ثروات الشعب الارتري إلي الحسابات الخاصة بالمسئولين الكبار في الحكومة الارترية لدى البنوك الخارجية .
إن النظام الارتري يعيش منذ مدة في عزلة فرضها علي نفسه نتيجة للصراعات التي افتعلها مع دول الجوار .. ومع محدودية نطاق علاقاته الرسمية بالدول والتي تكاد تنحصر في الشرق الأوسط وفيها علي ثلاثة دول فقط !. فان النظام الارتري لا يعول علي الدبلوماسية كآلية لخلق وتوثيق العلاقات ، ولا يجيد استخدامها لخلفيته الثورية ، وعقليته المهيمن عليها منطق القوة ، فليس من المنتظر أن يتأثر هذا الجانب كثيرا بحظر سفر المسئولين ؟!!.
هناك جانب مهم وله أثر اقتصادي وهو جولات المسئولين الخارجية حيث الجاليات الارترية ، مصحوبين بالفرق الموسيقية الشعبية ، لتعبئة واستقطاب دعم الارتريين المعروفين بالغيرة الوطنية العالية ، ضد أي قوي خارجية تستهدف وطنهم ، وقد استغل النظام هذا الجانب اكبر استغلال من خلال إقامة المهرجانات التي اسماها معارضو النظام ( مهرجانات التسول ) للإشارة إلي استدرار تبرعات الارتريين في المهجر من خلال استثارة الحماس الوطني فيهم ضد عدو متوهم ..!
هذا الجانب سيتأثر كثيرا لغياب من يقود حملات التبرعات والمهرجانات من قيادات الحكومة الارترية البارزين ، وقطعا سيتأثر العائد من تلك المهرجانات والجولات الخارجية ..
وإذا ما شمل حظر سفر المسئولين رأ س النظام ووزير خارجيته وعدد آخر من المسئولين فان وضعهم سيكون شبيه بالحبيس في معتقل كبير لا يستطيع التواصل الفاعل مع المحيط الخارجي ، وفي هذا عامل نفسي ضاغط عميق الأثر علي القيادات الحكومية وعلي سير أدائها اليومي .؟!
وسينعكس هذا كذلك علي الدور الذي تضطلع به القيادة الارترية في المساعدة علي حل مشكلات الجوار كالسودان ( ملف دارفور والشرق ) حيث ما يزال النظام الارتري يمتلك كروت فاعلة يمكنه استخدامها .. كما أنه لن يتوانى في استخدامها لتخفيف وطأة العقوبات عليه ؟!.
في مارس القادم ، يفترض أن يفتتح الرئيس الارتري أسياس الطريق البري الذي يربط بلده بالسودان ، والذي يشيَد بتمويل من دولة قطر ، وسيكون محرجا للسودان استقباله في ظل العقوبات الدولية ، ومن المؤكد أن السودان سيعتذر عن استقبال الرئيس الارتري إذا ما ضمته القائمة الأممية للمحظورين من السفر إلي الخارج ..
ومع ذلك سيظل السودان المنفذ الأهم لإرتريا ، لاستجلاب احتياجاته خاصة من المواد الغذائية والمحروقات ..
وعلي صعيد السودان أيضا ، يتوقع أن تشهد الفترة القادمة تزايد معدلات التهريب للسلع عبر الحدود المشتركة ، وكذلك تزايد أعداد الهاربين من جحيم الأوضاع المتفاقمة في ارتريا .. وتبعا لذلك سيطَرد نشاط عصابات التهريب البشري ، وما يستتبعه من عبء مالي ونفسي كبير علي كثير من الأسر الارترية !.
ولأن الشباب الهارب إلي السودان يتخذه معبرا لمروره إلي الجنات الموعودة في الغرب ، ولو عبر إسرائيل ، فان الضغط علي الخدمات والأمن يتوقع ألا يكون كبيرا ، خاصة في ظل نهوض المفوضية السامية لشئون اللاجئين بواجباتها تجاه هؤلاء الهاربين من اللاجئين الارتريين ..

الخلاصة ، ليس من المنتظر رؤية آثار فورية للعقوبات ، ولكن رهان المعارضة الارترية سيكون علي رفض النظام الارتري الالتزام بقرارات مجلس الأمن ، ومن ثم لجوء المجلس إلي استخدام القوة لإنفاذ قراراته تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة .. حينها فقط يمكن أن تتاح الفرصة لمشاكل الوضع الداخلي من انتهاكات حقوق الإنسان وانعدام الديمقراطية والحريات وغيرها ، من أن تبرز علي السطح وتنعكس علي المرآة الخارجية .. لتنبه الدوائر الغربية أن قد حان الأوان للبحث عن بديل لرأس النظام ، وحينها يمكن أن تلتفت تلك الدوائر إلي المعارضة الارترية الغائبة حاليا عن الاستراتيجيات الغربية في المنطقة .

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=40612

نشرت بواسطة في يناير 5 2010 في صفحة المنبر الحر, تقارير. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010