أدركوا التراث الأرتري قبل الاندثار…
بقلم المهندس / سليمان دارشح
1/1/2018م
يعتبر التراث ، جزءاً أساسياً ، من مكونات وتاريخ وحضارة الشعوب الحية التي تعتز بتراثها ، فهو الوعاء الذي تستمد منه تقاليدها وقيمها الأصيلة، ولغتها وأفكارها ، وممارستها وأسلوب حياتها ، الذي يعبر عن ثقافتها وهويتها الوطنية ، وهو أحد الركائز الأساسية في عملية التنمية والتطوير والبناء ، وهو أيضاً المكون الأساسي في صياغة الشخصية وبلورة الهوية الوطنية ، هو كذلك ما خلفه الأجداد لكي يكون عبرةً من الماضي ونهجاً يستسقي منه الأبناء الدروس ليعبروا بها من الحاضر إلي المستقبل.
لذلك فإن أي نهضة لا تصل ماضي المجتمع بحاضره ، وصولاً إلي مستقبله ، تكون محدودة المدي ، موقوته التأثير، لأن جذورها لم تضرب في قلوب أفراد المجتمع ووجدانهم.
وفي إرتريا تراث وتاريخ متنوع ، متجدد عميقاً في ذاكرة الزمن والحضارة ، ويتكون هذا التراث العظيم من مظاهر متعددة ، ترتبط بتاريخ الشعب الإرتري ، منذ نشأته إلي عصرنا الحالي ، وهذه المظاهر بعضها حضاري ، ويتمثل في الآثار والنقوش ، والمسلاة والشواهد ، وشكل وتصميم المباني والمساجد والكنائس القديمة ، والبعض الآخر يتمثل في المهارات والصناعات التقليدية ، والأعمال والحرف اليدوية ، والطب الشعبي ، والمهن النقلية التي تتوارثها الأجيال ، جيلاً عن جيل ، بالأخذ المباشر بالخبرة العينية والسمعية والعملية إلي وقتنا الحاضر.
والمظهر الثالث ، هو الذي يتمثل في العقائد ، والحكايات المأثورة ، والحكم والشعر ، والأمثال ، والقيم والأخلاق السمحة ، والعادات والتقاليد الكريمة ، والأعياد وكيفية الاحتفال بها ، وشكل طقوس الاحتفال ، وطرق الزينة ، والملابس وشكلها ، وأشكال البيوت التراثية المتنقلة وزينتها ، والأدوات ، وطريقة تقديم الفنون مثل الموسيقي والرقص والغناء ، والألعاب ، وأشكال العلاقات الاجتماعية ، والأعراف والعهود ( القلد) ، وطرق التعبير عن الفرح أو الحزن…الخ.
والمظهر الأخير يتمثل في الأحداث والوقائع والمواقف التاريخية التي شهدتها البلاد علي مر العصور والأزمان ، والأبطال الوطنيين الذين خلدوا اسماءهم في صفاحات التاريخ القديم والحديث.
كما أن للتراث الإرتري امتدادات كبيرة ، فهو ليس منغلقاً علي شعب إرتريا ، بل أنه يمتد ويتفاعل مع تراث كل البشر بمختلف أوطانهم وقبائلهم وشعوبهم وقاراتهم وبعدهم الثقافي ، لأن الإنسانية مشتركة كلها في تراثها القديم.
هذه هي بعض المظاهر من التراث الإرتري الذي أخذه الخلف من السلف ، وكان الأمل معقود علي أن تقوم حكومة الهقدف التي إستلمت عشية الإستقلال مقاليد الحكم في البلاد ، بتدوينه وتوثيقه وحفظه ، ولكن للأسف والحسرة ، لا يوجد حتى هذا اليوم أي تدوين وتوثيق يذكر، وهذه جريمة من جرائم هذه الطغمة الحاكمة للبلاد ، حيث عملت بقصد وبلا هوادة لطمس وتزوير هذا التراث ، والوقوف بالضد من تطلعات الشعب الإرتري، بل ذهبت هذه الطغمة المتخلفة إلي أبعد من ذلك بكثير ، عندما حاولت تكراراً صياغة وجدان وهوية هذا الشعب العظيم ، بما يوافق نهجها المجرد من كل القيم والأخلاق ، بصورة يستحيل فيها التعايش السلمي مع مكونات الشعب أو الحفاظ علي تراثه الوطني ومكتسباته الوطنية الأخرى.
وهنا لكي لا يحسب حدثنا ضرباً من العموميات ، لأبد أن نوجه حديثنا مباشراً لأبناء هذا البلد الذين تتقطع قلوبهم لحالها المزري ، نقول لهم : إلتفوا إلي هذا الخطر ، والتنبه منه ، وأولوا تراثكم الوطني جل اهتمامكم وكبير عنايتكم ، للم اشتاته وحفظه ، حتى لا يندثر ، بإندثاره يكون – لا سمح الله – لشعبكم قد فقد كل معتقداته ومقومات الحياة الراهنة ، وكل الأسس الثابتة التي ستبني عليها الحياة المستقبلية.
نقول هذا القول ، لأن هذا التراث الذي تسعي حكومة الهقدف – الحزب الحاكم – إلي طمسه وتدميره هو أكثر من التراث ، لأنه فيه تزدهر الشخصية الإرترية ، وتنمو ملكاتها ، بحيث تحقق ذاتها في كل مجالات الخلق والإبداع.
إذنً نحن محتاجون للبحث عن سبل لمواجهة هذا النظام الذي يرمي إلي هدم الشخصية والهوية الوطنية ، وتحطيم التراث الوطني ، ولعل أجدي المواجهة ، هي النزول إلي ساحة العمل للشروع فوراً في تدوين وتسجيل وتوثيق كل التراث، من كل حفظته ، من معمرين وغيرهم ، المتواجدين داخل البلاد وخارجها ، قبل أن يذهب هؤلاء ، وبنهايتهم تضيع الفرصة ، ويركب الجميع ندم يأكل الأفئدة!!.
نقول: بصوت عالي لأبناء هذا البلد الشرفاء الحادبين علي تراثهم وتاريخهم العريق أبدوا الخطوة الجادة بتكوين اللجان المتطوعة – تحت إشراف التنظيمات الوطنية ، ومنظمات المجتمع المدني ، والكتاب والباحثين من ذوي الاختصاص – لتقوم بأعباء التدوين والتسجيل ، وحددوا مراكز ليتم فيها الحصر والفحص ، وإرسال المحصول الذي يتم فحصه ، فحصاً دقيقاً، إلي أماكن الحفظ المركزية التي تحددها الجهة المشرفة ، ومن بعدها القيام بطباعة النتائج ونشرها ، وتوزيعها ليطلع عليها المواطنين بالدرجة الأولي ، وذلك لربطهم عقلياً ونفسياً ووجدانياً ببلدهم ، ليحبوها ولينتموا إليها أكثر ، ويتفانوا في العمل لإصلاح شأنها أكبر ، ويتشرب تراثهم الوطني ليلتحم بهم التحام الجلد باللحم ، حتى تمتلئ نفوسهم بأمجاد الماضي وروحه البطولية وقيمه الحية ، وليس هذا فحسب ، بل بالإضافة إلي ذلك ، أحياء ونجاح هذا المشروع الحضاري ، يدرك به الشعب الإرتري تراثه قبل الاندثار .. فهل من مستجيب؟.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=42597
أحدث النعليقات