أسرار الجبهة الشعبية في المزاد العلني
إعداد وترجمة: ماجد سليمان
معلومات وخبايا وأسرار مذهلة يكشف عنها قائد عسكري سابق في تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا بشجاعة فائقة وبسلاسة متناهية وبتماسك مدهش وذلك امام نافذة تلفزيونية إريترية بالسويد.
حينما يبزغ الفجروتسطع الشمس وتتوارد الحقائق يتواري الأفاكون والخراصون خجلاً… حينما يتجاوز البعض الخطوط الحمراء ويسردون ماعندهم في لحظة شعورهم بالمسئولية الوطنية ووفاءهم لدماء الشهداء وذكري المناضلين عندها تتجلي المأساة الكبيرة الذي يعيشها الشعب الإريتري… تشريد وقتل وتصفية وإستغلال وإستبداد وإقصاء وإهمال وما الي ذلك من مفردات القبح… حينما يمتلك البعض أفئدة تحس وتتحرك وتهفو للمساعدة عندها يتعاظمون في نفوسنا بالقدر الذي يصغر فيه أولئك الاشرار الذين أرتضوا ان يكونوا بجانب الشيطان ـ قولاً وفعلاً وكتابةً ـ وهو يتلذذ بممارسة هواياته.
نحن اليوم امام واحداً من أولئك الذين خرجوا من “جلباب” الجبهة الشعبية وأرادوا أن يساهموا بما يملكونه من حقائق ووقائع وأحداث تأريخية… الكابتن ولداي فقراي وعلي مدي أربعة ساعات تقريباً وفي وقت سابق من هذا العام (2003) يتحدث امام TV Zete لينقل لنا صوراً من الداخل عن الاعدامات والتصفيات الجسدية والاعتقالات وعن المكائد بدول الجواروعن الثغرات الامنية والعسكرية الخطيرة في الحرب الاريترية ـ الاثيوبية الاخيرة وعن… وعن… ليذكرنا مرةً أخري بما نعرفه وبما نعيشه وما لايريد أن يعرفه بعضنا وهو ان الجبهة الشعبية سلسلة من أخطاء جسيمة وقاتلة حان وقت إجراء مراجعة حقيقية وعلنية لها.
في هذه المقابلة سيطلع القارئ علي حقائق ذكرها شخص عاشها بنفسه أو سمعها من أشخاص صنعوها أو شاهدوها وهو بذلك يعتبر أفضل من يتحدث عن التنظيم لأنه واكب الجبهة الشعبية لأكثر من عشرين عاماً وهو يعيش الآن مهاجراً في السويد بعد ان فرّ بجلده من جحيم إسياس أفورقي… ولمن أراد الاطلاع علي المقابلة الحيّة وهي جرت بلغة التيجرينية من قبل محاري أبراهام وسلمون قبري فيمكنه شراء شريط الفيديو الذي وصل لأعداد كبيرة من الاريتريين في مختلف أرجاء العالم.
المقدمة: سلام وتحية من TV Zete اليوم نقدم لكم برنامج مختلف عنوانه (ليتعرف شعبنا على الحقيقه) سنتناقش فيه حول مواضيع واسعه من الاخبار والتحليلات لمعرفة الحقيقه .. اختلاف البرنامج عن سابقيه لأننا سوف نتطرق فيه الى مواضيع تشمل حالة الجبهه الشعبيه بصفه خاصه والحركه السياسيه فى بلادنا بصفة عامة، ومايقوم به هذا النظام من دور سياسى فى بلادنا، سنستمع الى احد العسكريين الذى عاصر هذا الوضع من فترة الكفاح المسلح الكابتن / فقرى ولداى الذى يقيم حاليا فى السويد، سنقيم حواراً واسعاً حول المسائل السياسيه والاجتماعية والاقتصادية والعسكريه.
سنقسم الحوار الى ثلاثه أقسام:
أولاً: من هو الكابتن فقرى ولداى.
ثانيا: الحالة التى كانت عليها الجبهة الشعبية فى زمن الكفاح، مايتعلق بالمناضلين وكذلك بعد الحريه وماجلبته الشعبيه من أجندة خفية وكيفية فرضه على البلاد وبسط السيطرة وكيفية نشوءه وتداعياته.
ثالثاً: الخلاف الذى ظهر بعد الاستقلال وتداعياته وأسبابه وربطه بفترة الكفاح المسلح وخلق المشاكل مع الجيران والدخول فى حروب خاصة مع النظام الحاكم فى اثيوبيا والحالة العسكريه فى تلك الفترة وحالة القادة فى فترة الحروب ومابعدها، الكابتن فقرى ولداى سيقوم بشرح كل ذلك ونحن فى تلفزيون TV ZETE نشكره على تلبيته لدعوتنا وشعوره بالمسؤوليه الوطنيه. بإسمى وإسم المشاهدين أشكره على ذلك.
اليوم أنا محارى ابراهام وزميلى سلمون قبرى سنقوم بإدارة الحوار وأنقل البداية للسيد سلمون لبدء السؤال.
سلمون: سعيد بوجودك معنا وقيامك بواجبك لكشف الحقيقه لشعبنا حتى يستيقظ ومساعدته على معرفة مايجرى فى بلاده نشكرك على ذلك والحمد لله على سلامتك. فى بداية سؤالى اتمني أن نلقى عليك الضوء ونعرفك للجمهور ماذا عن نشأتك، مكان الميلاد، مكان الاهل والاخوان، هل تتفضل بشرح ذلك؟
فقرى والداى: بداية أتقدم لكم بالشكر لإتاحتكم لى هذه الفرصه وأتمنى أن تتاح لكل انسان ناضل ليدلى بدلوه… وسوف أدخل مباشره فى سؤالك.
أنا من أسرة فلاحية متوسطه والدى – تارقى – وأمى هيمانوت كدانى، ولدت فى سنة 1964م فى منطقة (سراى) فى ضواحى (عدى خالا) (أندا ازماش عقبى) بلدة (أندا إغبير)، بالنسبة لأخوتى فنحن تسعة، أحد اخوتى عمره 29 عاما يعتبر الآن من المفقودين بعد أن شارك فى الحرب مع ويانى، نحن نعتبره غير موجود ولو أنه لاتوجد أدلة رسمية على ذلك وإخوتى الآخرين موجودين فى ارتريا يعملون فى الخدمة العسكريه والمدنيه ويمارسون حياتهم.
محارى: كم أنتم فى البيت وكم عدد اخوانك؟
فقرى والداى: كما قلت نحن تسعة مع الاخ الذى ذكرته لكم الغير موجود بسبب الحرب فى هذه الاوقات المأساويه.
سلمون: أكثر أوقات صباك فى ماذا كنت تصرفه (كيف نشأت)؟
فقرى والداى: نشأت كحالة كل ارترى فى منطقة معينة وبإمكانيات محدوده فى عائلة فلاحية متوسطه ونشأت فى ظرف كهذا أشارك فى الحياة الفلاحية ودرست فى مدارس تلك المنطقة حتى الفصل السادس.
محارى: كيف كان مفهومك للنضال الوطنى فى تلك الفترة؟
فقرى والداى: لاأستطيع أن أقول بأننى كنت ملما بكل الأوضاع السياسية فصغر سنى لم يسمح لى بفهم الامور فهما صحيحا ولكن كالآخرين الارتريين كانت لى معرفة بما يجرى حولنا خاصة أنه كانت لجبهة التحرير الارتريه اليد العليا فى المنطقة، والشباب بصفة عامة كان متحمسا للنضال ولدينا شعور بكراهية الاستعمار وكنت أسمع من المناضلين مايزيد معلوماتى وينمى عندى الحس الوطنى حتى سنة 1978 عندما سيطرت جبهة التحرير الارتريه على منطقتنا (مندفرا وعدى خلا) فدرست فى تلك المدارس التى انشأتها الجبهه ومن خلال المدرسة والتدريس زادت قناعتى وزاد حسى الوطنى وتطور حتى انضممت الى الجبهه ولكن بضغوط من أهلى ولصغر سنى استطاعوا ارجاعى الى البيت واستمر الوضع على ذلك منذ ارجاعى وإلى خروجى مرة أخرى لم أستطع الدراسة رغم رغبة الاهل فقاطعت الدراسة وكنت فى (قيح عمبابا) واستمر الشعور بالكفاح فى جوارحى فواظبت فى الاستماع الى مذياع جبهة التحرير والجبهة الشعبية وحتى أضع نهاية لذلك خرجت الى النضال الى الجبهه الشعبية هذه المرة وكان ذلك سنة 1981م.
سلمون: اذاً كنت فى الجبهة فى عام 1978م، وكنت فى (كوكب طباح) وليس فى (قيح عمبابا) وأخذت فيه دورات ثوريه.
فقرى والداى: لم تكن دراسات سياسية بدرجه كبيرة، كنّا نعرف ب (طباح) وكانوا يدرسون ويشرحوا لنا أسباب الخلاف مع الشعبية ويشرحوا لنا أوضاع الوطن والنضال وكنت أستمع جيداً ليس حباً فى السياسة ولكن كانت جوارحى مع الوطن وكراهيتى للعدو الاثيوبى متأصلة ، ماذا تعتقد أن يكون شعورك وأنت ترى بأم عينيك عائلات تقتل وتذبح من الأمهرا (اثيوبيا) ففى المنطقة التى كنت فيها كان لجبهة التحرير مواقع والاثيوبيين كانوا ينتقمون من سكان المنطقه وأحرقوا قرية وقتلوا فيها أكثر من ثلاثين شخصا ،ً كل هذا كان يدفعنى فى اتجاه الخروج للنضال لكى أساهم فى إخراج العدو عن بلادى مثل أى مواطن شاب خرج الى الجبال.
محارى: فى سنة 1981 كانت هناك حروب أهلية كبيره بالإضافة الى الحملة الاثيوبيه السادسة لإبادة الثورة فكيف كان شعورك وأنت جديد الالتحاق بالجبهة الشعبية.
فقرى والداى: فى تلك الفترة الجبهة والشعبية كانوا يحاربون بعضهم بعضا وكأى مواطن ارترى كنت أتمنى الوحدة وأعرف أن الخلاف ليس فى صالح القضية وفى أثناء دخول الجبهة الى السودان كنت فى (كبسا) ثم انتقلت الى الساحل وهذه القضية انتهت وكانت هناك استعدادات مهمة من أجل مواجهة وإفشال الحملة العسكرية الاثيوبية الكبرى (الحملة السادسة) التى استعدت لها اثيوبيا بكل ماأعطيت من قوة من رجال وسلاح واستخدمت لأول مرة (قيح كوكب) “النجم الأحمر”، واستخدمت المواد السامة، فى هذه الأوضاع العالم كان يؤمن بأنه سوف تكون نهاية الثورة إلا دولة النرويج وقفت معنا فى هذه الحملة، قامت اثيوبيا ليلاً نهاراً بالطيران والصوارخ والهليكوبترات وشنت هجوماً كبيراً استعملت فيه الغازات السامة وكل الناس كانوا يلبسون الاقنعة وأنا كنت صغيراً لاأستطيع ان اقول أننى أنجزت أو عملت الكثير ولكن على حسب امكانياتى نفذت كل ماأمرت به لفترة أربعة شهور كنت مع المناضلين أعمل عملا دؤوباً ودافعنا حتى أفشلنا الهجوم ودحرنا الحملة الرهيبة.
محارى: ماذا كان دورك تحديداً؟
فقرى والداى: كنت فيتوراى (لقب يطلق على صغار السن من المناضلين) مع غيرى الكثيرين من حديثى السن لايحق لنا المشاركة فى القتال ولكن كنا نقوم بعمل فى المكاتب ورفضنا ذلك مراراً وقلنا لهم أننا جئنا من أجل القتال وليس لعمل مراسلين، ولكن بعد انتهاء الحملة السادسة شاركت فى معظم المعارك وأصبحت عسكرى فى النظام.
سلمون: عندما بدأت تهتم بالنضال كان عمرك اثنا عشر أو ثلاثه عشر عاما أى نس تطيع أن نقول أنك كبرت فى الثورة؟
فقرى والداى: نعم كنت صغيرا فى العمر، ولدت فى سنة 1964 وانضممت للجبهه الشعبية عندما كان عمرى 17 عاما.
محارى: من المعلوم لأى عضو جديد يلتحق بالثورة مروره بمرحلة توعية سياسية فى مدارس أو معاهد متخصصه لهذا الغرض تدرس فيها أبعاد القضية وتؤخذ فيها أيضا تدريبات عسكرية، هلاّ شرحت لنا كيف كانت تلك المرحلة؟
فقرى والداى: نعم فى تلك الفترة كانت هناك معاهد تستقبل الجدد من المجندين، فى البداية كانت دراسات سياسية حقيقية وبمرور الوقت أخذنا حصتنا المطلوبة من الدراسات السياسية والعسكرية وكما سبق وذكرت لك كنت مع غيرى من المناضلين صغار السن ممنوعين من المشاركة فى القتال ونحن نعارض ذلك الى أن أنتهت الحملة السادسة، ولكن الذين استقبلونا من المسؤولين والكوادر كانوا فى قمة الوطنية والمسؤولية، وكانوا يعرفون مصلحتنا ولكن نحن الصغار غايتنا كانت المشاركة فى القتال والموت من اجل الوطن، وأخيراً نحن الذين فرضنا عليهم أن يخرجونا للمشاركة فى القتال.
محارى: الدراسات السياسية فى الثورة عادة ماكانت عن الوطنية والنضال والاستقلال والطرق السياسية التى ينبغى سلوكها، كيف وجدت تلك الدراسات مقارنة مع معرفتك ومشاعرك الوطنية قبل الالتحاق بالثورة؟
فقرى والداى: فى تلك الفترة على حسب معلوماتى وامكانياتى أستطيع أن اقول ان العالم كان منقسماً الى امبريالى واشتراكى ، فدرسنا كتب فلسفة “ماو” و “لينين” و “ماركس” ونحن فى الشعبية كنا نؤمن بالاشتراكية وليس الاشتراكية وحسب بل ب “communism” (مرحلة أخيره من مراحل تطور المجتمع فى النظريه الماركسيه)، وتلك الدراسات الاشتراكيه كانت مستمرة وعقيدتنا كانت كذلك أنه بعد الاستقلال بلادنا سوف يكون فيها دور للفلاح والكادح.
استمر هذا الشعور لدينا فى جميع المراحل بالرغم من عدم وجود أى ادلة على امكانية حدوثه. ورغم المآسى التى كان يعيش فيها المناضل من جوع وعطش وترحال رغم كل هذا كنا نؤمن بأننا سوف نصل فى النهاية الى الحرية ونقيم نظام اشتراكى يكون فيه الحكم للجميع. كل هذا كان حتى عام 1987 وبعد هذا التأريخ تُرك هذا النوع من الدراسات الاشتراكيه ، وقد بدأت بوادر تركه فى العام السابق (1986) حيث كانت هناك بوادر أولية تتمثل فى قلة الدراسات الى أن تم الاستغناء عن هذه الدراسات كليةً فى عام 1987.
فى عام 1987 خلال مؤتمر الجبهة الشعبيه فى شهر مارس من نفس العام أعلن رسميا انسلاخ الشعبية من الاشتراكيه.
محارى: سنعود الى موضوع المؤتمر لاحقاً لأنه يستحق أن نتوقف عنده.
سلمون: ذكرت لنا الحالة السياسية وفلسفتها وأهدافها عن الديمقراطية والمساواة والعدالة والانفتاح والحرية كانت الاركان التى ارتكز عليها المناضل وكان ينادى من أجلها، هل كان لكم كمناضلين أى معرفة عن ما كان يجرى من تغيير فى التنظيم حتى فوجئتم به عام 1987؟
فقرى والداى: لاأستطيع أن اكد لك إلمامي بكل التفاصيل ففي تلك الفترة كنت جديداً وقليل المعرفة والامكانيات، فقد كنت احمل ايماناً بأن الجبهة الشعبية سوف تأتي بالحرية ولكن عام 1987 في المؤتمر الثاني كان النظام السوفيتي قد أنتهي والعالم أخذ يتغير مع سقوط الشيوعية وربما كانت الشعبية أخذت في الاعتبار هذا التغيير كغيرها من أنظمة العالم، ولكن المشكلة هي أن الجبهة الشعبية كانت لها مشاكل في القيادة وهذه المشاكل كانت منذ السبعينات منذ إنفصالها عن الجبهة، ولحل مشكلة القيادة قامت حركة عرفت بحركة (موسيى – Musie) وذلك عام 1973 وعرفت تلك الحركة من الدراسات التي أعطيت لنا وشرحوا لنا ملابساتها وتداعياتها وكيف حلت تلك المشكلة حيث كان الحل بالعصا وهي كانت طريقة التعامل التي دأب عليها النظام في حل مشكلة اختلاف الرأي، وعندما أقول العصا أقصد مجموعة خفية تابعة لأسياس أفورقي مباشرةً منذ بداية الثورة في السبعينات حيث قامت بسجن تولدي أيوب وموسي وغيرهم كثيرين من الذين كانوا يعبرون عن رأيهم وكل ماقالوه انكم مخطئين فكان نصيبهم الاعدام.
درسنا تلك المرحلة حيث كانوا يعترفون أن “موسي” كان شخصاً ذكياً وأنه كان مدرسهم، واكثر المناضلين تجاهلوا ذلك ريثما تحل أو تأتي الحرية وزعموا أنه لابد من ذلك حتي تأتي الحرية، بعده جاءت حركة “منكع” (جماعة سلمون ولدي ماريام) وجوبهت أو قمعت بنفس الطريقة، وبعدها جاء دور الاستاذ تسفو الذي كان يعيش في السودان مع آخرين حيث حمل معه أفكاراً من أجل حل هذه المشاكل ولكنه جوبه أيضاً بالعصا حيث تم قتل مجموعته إلا أنه أستطاع النجاة حيث إستنجد بالجنود السودانيين في الاراضي السودانية وهكذا نجا من القتل.
كل ماأردت قوله هو أن هذا المرض (ظاهرة القمع) لم يأت بعد الاستقلال فقط وانما كانت أساليب القوة والعنف مع الرأي المخالف هي وسيلة الشعبية منذ القدم وكنا نعرف ذلك ولكن نتقاضي من أجل الحرية والاستقلال علي الاقل كان هذا شعوري حيث كنت أري بتحرير الارض أولاً ثم يكون لنا وضع آخر آخذين في الاعتبار الظروف والمتغيرات الدولية والاقليمية لكني في النهاية وصلت الي قناعة بأن السياسة الاشتراكية والعدالة مجرد لعبة عرفتها وأفقت من الحلم عام 1987.
محاري: في سنة 1987؟
فقرى والداى: نعم 1987، هذا الموضوع تكلمنا فيه كثيراً لماذا لم تخبرنا قيادة الشعبية بذلك فى عام 1987، كثيرين من المتعلمين الذين ينضمون للشعبيه كانوا يلقبونهم بالرجعيين – ولكن هل نحن الرجعيين أم السوفيت، لماذا نحن وقد كنا نتبع المفهوم السوفيتى ولكن لماذا كان السوفيت يقتلوننا مع العدو، كان الكثير منا يناقش هذه المسألة وهذه المشكلة، كيف حلوها، طبعا بالقوة.
محارى: حياة المناضل فى تلك الفتره النضالية وإيمانه الراسخ بفلسفة معينة وماتخللها من معاناة وحروب وعدو وغيره من الصعوبات التى واجهتكم ، كيف كانت العلاقة بينكم وبين القيادة؟
فقرى والداى: أعتقد وغيرى ربما أن تأخير أو أن طول فترة النضال لم يكن ليأخذ كل هذا الزمن لو لم تكن هناك قيادة فاسدة وبالذات فى المسؤولين الكبار حتى انه وصلت الى درجه كان المناضل لايجد مايأكله ويبيت على وجبة ماء وملح ، كانت القيادة تدهن منازلها بالحليب فى ذلك الوقت، كان أسياس بالنسبة للمناضلين كإلاه “والعياذ بالله”، كيف لا! وهو الذى كان يقوم بإثارة مسألة تفشى الفساد بين القادة وأتى بمثل (فلبوس) وكان قائداً فى اتجاه الساحل وكان يقول للجنود هذا الرجل الذى يقودكم فاسد، فأسياس كان يعقد الاجتماعات ويحرض ضد القادة ويتجسس عليهم ويقول لنا أنهم وصلوا الى مرحلة كبيرة من الرفاهية، وكان أسياس يتظاهر بالوقوف بجانب المناضلين المستضعفين ولكن هل كان محقا فى ذلك!؟ كان كلام فى كلام فقط! فقد عقد اجتماعات وتحدث أمامهم ووبخهم أمام الكل ولكن الغد تراهم بلا محاكمة أو تجريد من مناصبهم، كله كان تلاعب بمشاعر المناضلين، كيف أن تكون نجماً وتستمر فى السلطة، هذا ماكان يرمى اليه اسياس، وإلا فإن أسياس فى ذلك الوقت كان له مايكفى من القوه للتغيير فهو الذى أعطاهم السلطة وكان بإستطاعته ازاحتهم وهو الذى تركهم فى مناصبهم حتى من بعد التحرير لم يفعل لهم أى شيئ.
محارى: اذاً هل بإمكاننا أن نقول أن العلاقة بين المناضل والقائد كانت علاقة مالك بمملوكه؟
فقرى والداى: مالك ومملوك؟ لاأستطيع أن انكر ذلك، نعم الأمر كان كذلك، هذا ماقاله أسياس بنفسه أمامهم وسماهم المفسدين، فمثلا ميزانية الجيش كاملة كانت تحت تصرف أشخاص معينيين فى السلطة، النساء أيضا قال لهن أسياس جئتن من أجل القتال والشهادة ولكن أصبحتن ملازمات للقادة بلا إنتاج، ولكن هل كان صادقاً؟ وهل عمل أى قانون؟ طبعاً لا، واستمرينا على ذلك، ولكن عندما أقول ذلك لاأعنى النساء اللآئ كن يخدمن فى جبهات القتال، بل أجزم أنه لولا هؤلاء النساء فى الجبهات لما جاءت الحرية، لم يكن أسياس صادقاً أبداً، اذا كان صادقاً لغير الوضع، هل كان هناك مفسدين فى السلطه؟ نعم كانوا موجودين وهو الذى فضحهم وكانت له السلطة العليا والجيش كان تحت امرته ولكن لم يفعل أى شئ سوى الكلام.
سلمون: عُقد المؤتمر وحدث ماحدث وكنتم شاهدين على ذلك، ماذا كانت امنياتكم وقد رأيتم الفساد كمناضلين ماذا كان يجب أن يُعمل برأيكم؟ طلباتكم لم تنفذ فلماذا لم تستمروا فى المطالبة بالاصلاح؟
فقرى والداى: كما ذكرت لكم سابقاًعن نتائج الإستمرار فى المعارضة، والحديث بصوت عالى يجب أن تعرف ماذا سيحدث لك! كما سبق وذكرت عن حوادث 1973 وحتى 1987 كانوا يعزلون بعض الأشخاص بتهم البرجوازية، لايمنحوا أى مناصب قيادية، مثلاً اذا إلتحق بنا دكتوراً أو بروفسوراً يلقى به تحت قيادة قائد سرية، وبعد أن استطاع اخمادهم عن طريق المجموعة السرية التى كانت تنفذ له مخططاته استطاع أن يضمن استقرار الوضع له ويتحكم فى البقية الباقية منهم بعد أن استهلكهم فى ظروف مختلفة سواء فى الحروب أو غيره وجاء بالذين انتهت معنوياتهم ونصّبهم فى مراكز لخدمته وأتى بقادة الألوية ودنّاهم إلى قادة مجموعات، وهكذا تلاعب بالجميع. (يقصد اسياس افورقي).
محارى: مادام جئنا على ذكر المتعلمين فى فترة النضال، كان الكثير من الارتريين المتعلمين من الشرق والغرب وشمال أمريكا ومختلف أرجاء العالم ينضمون الى الشعبيه ويشاركون فى النضال وسمعنا من مناضلين أنهم كانوا يُدفعون الى الحروب لكى يموتوا فماهى حقيقة ذلك؟
فقرى والداى: كلما تقدم الزمن تظهر حقائق، ان محاربة المتعلمين كانت من زمن مايسمى المنكع وإطلاق هذا اللقب عليهم وغيرهم من الذين شاركوا فى النضال وأنا شاهد على ذلك، وكان هذا الأمر مقصوداً أن لايُعطوا مناصب وأن يكونوا مهمشين وفى أدنى درجه ممكنة، فماذا كانت النتيجة؟ بعضهم قتل فى الحرب والبعض الآخر هرب الى السودان، ماذا تريدهم أن يعملوا؟ لامكان لهم، اذا كان الطالب الذى انهى الفصل الثامن كان يسمى برجوازيى، كثيرين منهم ماتوا من أجل الوطن وأنا شاهد على ذلك، كل هذا كان عملاً مدروساً من أجل تمكين أسياس من السلطة ولكن فى 1986 و 1987 وبعد أن استهلكهم جميعاً استطاع أن يضم منهم البقية الباقيه تحت قبضته، وهكذا استطاع فى التلاعب من اجل الاستمرار فى السلطه.
سلمون: فى فترة النضال أى معارض كان يقتل، وكان ينعت بما عُرف بحركات يمينيه وقد تفضلت بذكر البعض منها كحركة (موسيي) والاستاذ (تسفوا)، فهل كانت هناك حركات معارضه أخرى؟ ماهى معلوماتك حول هذا الموضوع؟
فقرى والداى: اذا رجعنا الى أسباب الخلاف فى الأساس كان بسبب القيادة، وكما ذكرت لك الجهاز السرى لأسياس كان يقوم بدور التصفية، ماذا أقول لك، شخصا ما يكون معك ولاتعرف أين هو غداً، لذلك كان لاأحد بإستطاعته أن يجهر بأى معارضة فى القيادة أو الجيش، لأننا كنا نعلم بأننا لانسطيع أن نعمل أى شيئ، كنا فقط نفكر فى الحرية.
الحلقة القادمة “فريباً”
محارى: لذلك بين الحين والآخر كانت هناك عمليات تصفية جسدية؟
فقرى والداى: نعم، بالاضافة فى ظل هذه الأوضاع ممكن أن تبدأ الحرب مع العدو فلانفكر الا فى الحرب ونتجنب أى اشكالات بالاضافة لأن اسياس كان يمثل دور المتعاطف مع المناضلين، فالبعض كان يؤمن به وذهبوا معه الى النهاية، والجزء المتبقى كان لايهتم الا بالحرية ويرى حل المشاكل تحت مظلة الوطن بعد الحريه، وأنا أيضاً كنت أرى بذلك.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=39856
أحدث النعليقات