أعظم أيام تاريخنا

بقلم / خليفة عثمان حامد

نصف قرن من الزمان مرّ على اليوم الذي صار أعظم أيام تاريخنا! ذلك اليوم الذي نفض فيه عواتي ورفاقه الغبار عن أسلحتهم العتيقة، وأعلنوا تمردهم على المحتل. فكان ذلك بداية تغيير مسار تاريخ بلادنا !!  فمنذ ذلك اليوم أمسك الشعب قضيته بين يديه، مصرًّا على أن يقرر مصيره بنفسه.

زمن طويل مرّ على انطلاقة الثورة ولكن أحداثها ما تزال عالقة في الأذهان تتناقلها الأجيال. لقد بلغ الحماس للثورة الوليدة قمته أينما وُجد الإرتريون. ففي مناطق الانطلاقة احتضن الشعب الثائرين وقدم لهم كل ما يستطيع تقديمه من دعم، وتحول من تلقاء نفسه إلى عيونهم الساهرة التي تتابع تحركات العدو ومكائد أعوانه الهادفة إلى وأد الثورة في مهدها. وإذا كان العمال والطلبة في الوطن قد مهدوا للثورة بإضراباتهم ومظاهراتهم، فإن نظراءهم في المهجر لم يكونوا أقل شأنا. فقد كان العمال في منطقة الشرق الأوسط ولفترة غير قصيرة من عمر الثورة الداعم الأساسي لها باشتراكاتهم وتبرعاتهم. أما الطلبة فيها والذين شاركوا في تأسيس جبهة التحرير الإرترية في العام 1960 والتي احتضنت تمرد عواتي المسلح على المحتل، فقد كان حماسهم لها كبيرًا، بل والتحق العديد منهم بجيش التحرير الإرتري الناشئ منذ البداية. وفي قلب مدن العدو اشتعل حماس الإرتريين المقيمين فيها واندفعوا لتقديم دعمهم لها، ولم يكن ذلك بأقل من تسريب الأسلحة من عاصمة “الإمبراطورية الإثيوبية” إلى الثائرين ضدها في سهول إرتريا. كما لم يتخلف الطلبة الإرتريون في أوروبا عن نظرائهم في الشرق الأوسط، حيث استخدموا الاجتماعات السنوية للطلبة الإثيوبيين والتي كانت تعقد بتمويل ودعم من الحكومة الإثيوبية كـ ” نقطة تجمع لهم ليعقدوا من وراء ظهر المؤتمر” اجتماعاتهم الخاصة لمناقشة أحوال شعبهم وتتبع مسار ثورتهم الوليدة.

لقد كانت ثورة عواتي ثورة شعبية بحق… ولا عجب ! فما حمل عواتي ورفاقه السلاح ضد المحتل إلا تلبية لرغبة الشعب في التحرر والانعتاق من قهر المحتل. ولكننا قد نجافي الحقيقة إن لم نشر إلى لعب العدو على وتر التناقضات الثانوية مطلقًا عملاءه لنشر الأكاذيب حول أهداف الثورة، مدّعيًا بأنها تعمل بوحي من الخارج ولأهداف غير وطنية وبأنها تستهدف مكونات بعينها. وقد مثل ذلك عائقًا لتقدم الثورة لفترة غير قصيرة، ولكن في النهاية انهار جدار الأكاذيب وتقدمت الثورة فعمّت كل المناطق والتف كل الشعب حولها ودون استثناء، حتى كتب لها النصر. ولكن من هو عواتي ؟ هذا الذي غيَّر وجهة التاريخ في بلادنا؟ من المؤسف حقًّا ألا تحوي مكتبة الثورة الإرترية كتابًا مخصصًا لسيرة حياة القائد عواتي !! فكل ما نجده اليوم هو معلومات متناثرة هنا وهناك. وقد أتاح هذا النقص للعدو وللذين في قلوبهم مرض، الفرصة لتشويه صورة عواتي.

وسننقل هنا مقاطع من كتيب كان قد قام مكتب الإعلام لجبهة التحرير الإرترية – المجلس الثوري بإعداده للرد على الافتراءات التي كان وما يزال يروج لها أولئك الذين وقعت إرتريا المستقلة تحت قبضتهم، في حق جبهة التحرير الإرترية الأم، سعيًا لتشويه تاريخ نضالاتها. وقد حالت ظروف دون نشر هذا الكتيب.

من ضمن ما ورد في الكتيب عن عواتي ما يلي:-

“يمكننا أن نقف على بعض ملامح شخصية عواتي من التقرير الذي كتبه حاكم المديرية الغربية بعد لقائه به في الرابع من ديسمبر 1951 وضمنه انطباعاته عنه. وعلى الرغم من أن التقرير فيه تجنّ كبير، حينما يساوي بين عصابات النهب المسلح “الشفتا” والتي نشأت معظمها بدعم وتمويل من إثيوبيا في سبيل إرهاب المواطنين واغتيال الزعماء المطالبين بالاستقلال، وبين المجموعات التي حملت السلاح للتصدي لتلك العصابات دفاعًا عن الشعب مثل مجموعة عواتي. جاء في التقرير (( إنه – أي عواتي – لا يشعر بالندم أو العرفان للعفو الذي منحته له الإدارة البريطانية ولا يُكِنُّ لها ولضباطها الاحترام. يتباهى في حضور الإرتريين ويجد السعادة في الحديث إليهم. لا يعتزم الخضوع لأية سلطة قبلية ويكرر في حديثه عند الإشارة لزعماء القبائل كلمة “الصغار” في لهجة ازدراء واضحة، رافضًا أن يشارك في أية تسوية يُعد لها أولئك الصغار)) “.

هذه المواقف التي ينكرها عليه المسؤول البريطاني هي في الحقيقة مصدر فخر واعتزاز وتدل على قوة الشخصية والشجاعة والثقة في النفس التي كان يتحلى بها عواتي. وبعد عودته إلى الحياة المدنية، بموجب اتفاق تم بينه وبين الكولنيل البريطاني كرانكيل، عُين عواتي شيخ خط لمناطق قرست وفانكو حتى سيتونا وأوقارو وأم حجر وهيكوتا. وكدأبه ظل هاجسه هو حماية مواطني منطقته من كل ما يمكن أن يتعرضوا له من شر ومما يحول بينهم وبين أن يعيشوا حياتهم في أمان وسلام. وتعكس ذلك الهاجس، الرسالة التي بعث بها في الأول من مارس 1956 إلى وزارة الداخلية الإرترية، عندما استفحل الأمر في المنطقة وعاد “الشفتا” يمارسون أعمال النهب والقتل، في الوقت الذي بدا فيه واضحًا عجز الحكومة الإرترية عن حماية منطقته وأهلها. لقد طلب عواتي في رسالته بأن يسمح له تكوين مجموعة من المتطوعين من أبناء المنطقة للدفاع عن سكانها وعن الرعاة الذين يفدون إليها من المرتفعات بمواشيهم، مذكرًا إياها بالاتفاق الذي تم بينه وبين الإدارة البريطانية في العام 1951. ويلاحظ من رسالته بأنه لم يفرق وهو يعدد من يحتاجون للحماية بين سكان المنطقة وبين من يأتون إليها من المرتفعات للرعي، على الرغم من أنه يشكو في رسالته من “الشفتا” الذين ينطلقون من المرتفعات الإرترية وأولئك الذين يعبرون الحدود من “عدي أبو” الإثيوبية. ويدل هذا التناول للمسألة عن وعي متقدم لدى عواتي، وذلك بتمييزه بين المواطنين المسالمين وبين العصابات المسلحة التي تنغص حياة المواطنين الآمنين.

هذا هو عواتي وبهذه الروح فجر وقاد الثورة. وما أحوجنا اليوم لأن نقتدي به في نظرته للوطن والمواطن وألا نقع في الفخ الذي نصبه لنا النظام الديكتاتوري القائم مقتديًا أثر المستعمرين !!

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17817

نشرت بواسطة في أكتوبر 6 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010