أواسا محطة في تجاربنا السلبية
بقلم/ محمد نور – بركان
من المسلمات ان يتأثر الفرد بمحيطه الجغرافي وبشتى مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية المحيطة به. حيث يعتبر هذا ارث انساني وامر بديهي ان تستلهم الشعوب ما يناسبها من تجارب البشرية، على ان يحتفظ كل مجتمع بخصوصياته وان يظل هذا التأثير بعيداً عن التبعية والاستنساخ،
الملفت في النظر في واقعنا السياسي الارتري، هو التقليد غير المبرر لتجارب الآخرين ظل يمارس من قبل النخب السياسية منذ فترة تقرير المصير مروراً بعهد الثورة وحتى يومنا هذا.
استطاع حزب الرابطة الاسلامية (النسخة الاصلية) ان يستقطب دعم الشعب الباكستاني فالتفت الجماهير حول الحزب ومؤسسه محمد علي جناح حتى نالت البلاد استقلالها من الهند في أغسطس 1974م نفس التجربة لم يكتب لها النجاح في ارتريا لخصوصية المجتمع بل ادت الى بروز تيارات مناهضة للاستقلال تدعو الى الوحدة بين الضحية والجلاد من جهة ومن جهة اخرى تيارات تنادي بالاستقلال الوطني وتيارات اخرى تنادي بتقسيم البلاد بين اثيوبيا وارتريا مما افقد الشعب الوحدة وكانت نتيجته ان ادخل البلاد في التآمر الفيدرالي والذي انتهى بالضم القسري لاحقاً.
كانت هذه الحلقة الأولى في حلقات الفرص الضائعة على الشعب الارتري لنيل استقلاله بسبب جوهري هو عدم وفقا وطني جامع افقد خسر فيه الجميع الاستقلال المبكر.
وفي فترة الكفاح المسلح اتجه ثوار ارتريا في بداية الأمر غرباً الى بلد المليون شهيد حيث خاض الثوار هناك حرباً ضروساً ضد مستعمر شرس هو الاستعمار الفرنسي لخصوصة الجزائر الجغرافية من رقعة شاسعة وتضاريس وعرة مما صعب السيطرة والتواصل التمويني لادارة المعركة مما حدى بالثوار الى تقسيم البلاد الى مناطق بما يتناسب وطبيعة العمليات العسكرية من كر وفر ولتسهيل التواصل والدعم فيما بينهم نجحت التجربة في الجزائر فنقل الثوار الارتريون التجرية الى الساحة الارترية فتحولت البلاد الى كنتونات معزولة عن بعضها البعض وفي حالة من التنافس حيناً والتنافر حيناً أخر في بينها على اسس قبلية ومناطقية مما عمق تلك المشاعر ففشلت التجربة فشلاً ذريعاً واثرت سلباً على الزخم الثوري الذي رافق اندلاع الكفاح المسلح خاصة بعد معركة تقوربا المجيدة، وبدلاً من معالجة تداعيات هذا الاخفاق انطلقت النخب الثورية في البحث عن نظريات جديدة يمكن اسقاطها على الواقع الارتري، فوجدت النخبة ضالتها في النظرية الاشتراكية فولوا وجههم شطر موسكو وجاءوا الينا بحزب العمل سيء الصيت. حاول الرفاق الجدد تطبيق الفكر الماركسي بدقة واخلاص شديدين على مجتمع رعوي بسيط لم يكتمل نموه الطبيعي حتى كاد الأمر ان يختلط على البعض في التفريط بين مفجر الثورة عواتي وصاحب النظرية كارل ماركس، كانت التجربة في مجملها اشبه ما تكون بالقفز الى المجهول، ضاعت فرصة اخرى على الشعب الارتري للانعتاق من نير المستعمر مرة اخرى نتيجة حسابات النخب الخاطئة في تقييم الأمور.
الحركة الاسلامية الارترية ايضاً لم تنأ بنفسها عن استنساخ تجارب بعينها وتطبيقها على الساحة الارترية على الرغم من ان نصف سكان البلاد يدينون بالاسلام، حدث ذلك في اعقاب انتصار الجهاد الافغاني وما صاحب ذلك من مد للاسلام السياسي في المنطقة هذا بالاضافة الى انفراد الجبهة الشعبية ذات التوجه غير العروبي بالساحة الارترية، بعد انحسار دور التنظيمات الوطنية الاخرى في الفترة التي سبقت تحرير البلاد، كانت بداية الحركة الاسلامية متمثلة في الجهاد الارتري قوية ومتماسكة ووجدت تعاطف كبير من عوام الشعب الارتري مما لكلمة الجهاد مردود نفسي في وجدان المسلمين الارتريين.
الا انها سرعان ما بدأت في التقوقع الانحسار واصابها ما اصاب من مجاهدي كابول من انقسام وتناحر فانشقت الحركة الى فصيلين وكأنها تعكس الصراع الذي كان قائماً بين قلب الدين حكمتيار وأحمد شاه مسعود أي المدرسة السلفية والاخوانية ثم واصلنا الانقسامات والتشرذمات حتى وصلنا الى ما وصلوا اليه من بشتونيات وأزباكيات.
اليوم وبعد مرور عقدين من الاستقلال الوطني، عادت بنا معارضة الخارج الى المربع الأول منذ ظهورالمعارضة الارتري باشكال ومسميات مختلفة من تجمع وطني مروراً بتحالف ديمقراطي وقيادات تتبادل الدورات السنوية والشهرية حتى وصل بنا الأمر الى سن اليأس. ففقدت الاختراق والتجديد واستيعاب الاخرين، فتجمعت تارة وتحالفت اخرى مع بعض المنظمات المدنية المسيسة، وبما اننا نحمل فيروس تقليد الآخرين هذه المرة الوجهة كانت التجربة الاثيوبية لهذا الصدد ذهب القوم (النخبة السياسية) الى أواسا حيث يوجد بها 56 قومية تعيش متساوية في الحقوق والواجبات للاطلاع عن قرب على هذه التجربة ” العظيمة ” فقلدناها بسخاء كبير واصبحنا 90 قومية وقبيلة ولكل قومية وزير في الحكومة ومجلسها بدل واصحنا نتفوق على تقسيمات النظام في قومياته ال 9. ليس هذا فقط بل ان تنظيماتنا الوطنية صاحبت البرامج الوطنية الشاملة لقد اسهمت في هذا التشرذم القبلي أو تجمدت على افضل تقدير.
كثيرون هم الذين هللوا وكبروا لهذا المؤتمر والبعض منهم رجم كل من خالفه الرأي بعبارات باليأس والاحباط، لكل منا الحق ان يتمنى ويحلم ويتخيل أواسا ببنغازي ويشبه المجلس الوطني الارتري بالمجلس الانتقالي الليبي ولكن لا يفرض علينا حلمه، هؤلاء الاخوة الذين يدافعون عن هذا المؤتمر ويأملون فيه الكثير يعزفون على اوتار متراخية سوف يكتشفون الحقيقة عندما يصطدم هذا الحماس بالواقع.
نستنتج ان المعارضة الارترية مصابة كما جاء بالتقليد بدءاً من التجربة الباكستانية مروراً بالتجربة الجزائرية مروراً بالتجربة الافغانية وانتهاءاً بالتجربة الاثيوبية. القفز على الواقع وعدم ترتيب الأولويات من تنظيم وتأطير الجماهير في الداخل والخارج كركيزة اسياسية في انطلاق أي حراك سياسي لتغيير النظام وبفقدان هذا العامل سنظل نلف في هذه الدوامة ولم ولن نصل الى أي حلول لمشكلاتنا.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=39735
أحدث النعليقات