أولوية المعارضة الاريترية في هذه المرحلة
بقلم/ محمد نور أحمد
5 سبتمبر 2004م
منذ فترة يتردد من مصادر متعددة ان الحكومة الاثيوبية تراكم اسلحة من مختلف الأصناف والأوزان، كان من بينها صفقة لخمس طائرات ميراج تم ابطالها بضغوط علي فرنسا من دول غربية من بينها الولايات المتحدة الامريكية، خشية الا يشجع تكديس الأسلحة علي اشعال نار الحرب من جديد بين النظامين الاريتري والأثيوبي يدفع الشعبين ثمنه من أرواح شبابهما وقدراتهما الأقتصادية الشحيحة، لأن أسباب الحرب متوفرة لدي الطرفين، فالجانب الاريتري يري ان اثيوبيا تحتل أرضه لأنها لم تلتزم بقرار محكمة التحكيم الدولية وأن عليها أن تقبل دون شروط ببدأ عملية ترسيم الحدود لأنها قبلت نتائج الحكم مسبقاً قبل أن يصدر عن توقيعها اتفاقية الجزائر للسلام بين البلدين في ديسمبر عام 2000م، ليس هذا فحسب بل أن وزير خارجيتها السيد سيوم مسفن أعلن بعد استلامه لقرار المحكمة مباشرة بأن بلاده حصلت من الأراض مالم تكن تطالب به. بيد أن حكومته تراجعت عن ذلك كله حين اتضح من عملية تخطيط الحدود علي الخرائط التي وضعت بناء علي قرار المحكمة بأن “بادما” بقت علي الجانب الاريتري من الحدود، فطالبت كما هو معروف بتوضيح بعض الجوانب في الحكم وتفسير البعض منه وتصحيح آخر. كان رد المحكمة ازاء ذلك قاطع، قالقرار واضح ليس به أي غموض أو لبس أو خطأ. فقد صدر بعد دراسة متأنية لإتفاقيات 1900،1902،1908،بين حكومة الامبراطور منليك الثاني في أثيوبيا والإدارة الإيطالية وقتذاك في اريتريا، أما اذا تطلب تعديل علي الأرض أثناء عملية الترسيم بسبب موجب فأن من شأن البلدين ماأتفقا عليه وليس لأي جهة أخري الصلاحية في ذلك، لأن القانون الدولي قاطع في اتفاقيات الحدود أو الأحكام المتعلقة بها. من هنا يتمسك النظام الاريتري بتنفيذ قرار المحكمة دون شروط مسبق. علي العكس من ذلك يتمسك الجانب الأثيوبي باجراء التفاوض بين الطرفين أولاً للوصول الي تنازلات مشتركة يتم بموجبها تعديل الحكم، وتعديل الحكم المطلوب في تقديري هو بالنسبة لـ “بادما” بالدرجة الأولي، فهي التي أنطلقت منها شرارة الحرب، وصارت الآن مسألة كرامة بالنسبة للنظامين، فأثيوبيا كسبت المعركة العسكرية في الحرب رغم أن اسياس هو الذي أشعلها ضدها، لكن نصرها العسكري لم يتحول الي نصر سياسي، وتلك نقطة ضعف تستغلها المعارضة الأثيوبية ضد تحالف السلطة القائم في “أديس أبابا” سواء بإتهامه بعدم توفير الوثائق اللازمة لكسب المعركة القضائية أو عدم استجابته منذ البداية مالم يكن واثقاً من ذلك لمغريات الحرب، فكان بذلك جنب البلاد الخسائر المادية والبشرية التي رتبتها الحرب. إن ذلك سيؤثر بالتأكيد علي نتائج الإنتخابات في الدورة البرلمانية القادمة، ومن جهة أخري أدت خسارة أثيوبيا للموانئ الاريترية بسبب هذه الحرب الي إرتفاع فاتورة النقل للصادرات والواردات الأثيوبية بسبب البعد الجغرافي للموانئ الحالية التي تستخدمها الحكومة الأثيوبية مما يضع بالضرورة أعباء مالية جديدة علي برامج التنمية إذ يرفع من تكلفتها، لاسيما في أقاليم “تقراي” و”ولو” و”غندر” وحتي “غوجام” وعلي المستهلك وعلي الصادرات من مواجهة المنافسة في الأسواق العالمية وستزداد هذه التكلفة إذا أستمر نظام أسياس وطال بقاؤه مع تبنيه للمعارضة الأثيوبية وخاصة جبهة تحرير أرومو ومعارضي النظام من أقليم “تقراي” ومنحهم معسكرات تدريب في “ساوا” لاعدادهم عسكرياً. كل هذا لاشك يدعو الي القلق بالنسبة للتحالف الحاكم في أثيوبيا لأنه يهدد مستقبله في استمرار حكمه ويعوق برامج التنمية، لذلك من البديهي أن يبحث الجانب الأثيوبي عن حل سريع ومواجهة عاجلة لهذه المهددات ولا يتحقق ذلك مادام اسياس قابض علي السلطة في أسمرا. هذا بالنسبة للجانب الأثيوبي.
أما النظام الإريتري فانه رغم إقتناعه بأنه كسب القضية سياسياً بغض النظر عن خسارته العسكرية فأنه عاجز علي توظيف هذا النصر داخلياً، مادامت “بادما” تحت الادارة الأثيوبية مالم تتحقق شروطها، الا باستخدام القوة العسكرية، وذلك طريق مسدود، لأنه لايملك هذه القوة لمحدودية عمقه البشري خاصة اذا طال أمد الحرب كما أتضح في الجولات السابقة. ولا يملك التسليح المتفوق وحتي الموازي لتسليح الخصم. ولا السند الجماهيري أو الدعم الأقليمي أو الدولي، فهو يواجه مقاومة داخلية تتعاظم كل يوم وعزلة اقليمية ودولية، ويعيش اقتصادياً علي مادون الكفاف. ويتعرض جيشه ـ ان صح انه موال له ـ لعملية التعرية المستمرة، إذ يهرب منه يومياً مالايقل عن خمسين عنصراً في بعض الأحيان عبر الحدود السودانية ومثلهم عبر الحدود الأثيوبية وهذه أرقام حقيقية يمكن التثبت منها من سجلات معتمديات اللاجئين بالبلدين. لهذا لايتوقع من اسياس أن يجرأ علي إشعال حرب جديدة مهما كانت الدوافع لأن فيها نهايته. وإسياس حريص علي البقاء في السلطة أطول مدة ممكنة عسي أن يساعد الزمن علي إضعاف ذاكرة الشعب الاريتري ونسيان جرائمه. في حين أن النظام الأثيوبي وان كان هو الآخر يواجه معارضة داخلية، فهي ليست بالتي تهدد استمراريته علي الأقل في المستقبل المنظور. أضف الي ذلك العمق البشري الذي يمكن أن يفرق منه في فترة قياسية أي عدد من المجندين مع ميزة الموارد الاقتصادية والوضع الأقليمي والدولي الأفضل مقارنة بنظيره الاريتري وهي عوامل يمكن أن تغريه في إستخدام القوة العسكرية ضد النظام الاريتري وتصفية حساباته معه من موقع المنتصر ومن مركز القوة. لكن هذه الميزات تفتقر الي المبرر الأخلاقي علي الأقل من وجهة نظر القانون الدولي والشرعية الدولية. فأثيوبيا تحتل أرضا اريترية حسب قرار محكمة التحكيم وانها ستكون مطالبة بأخلائها بمجرد انفاذ عملية الترسيم التي تقف هي أثيوبيا عقبة أمام البدأ بأنفاذها باشتراط التفاوض أولاً، يشجعها علي ذلك دعم المجتمع الدولي لفكرة التفاوض بما في ذلك “كوفي عنان” الأمين العام للأمم المتحدة والذي عين وزير خارجية كندا الأسبق للتسهيل لهذه المهمة وهذا مارفضه النظام الاريتري، وعملية الرفض لكل مقترح أو مبادرة أو قرار هو ماأتسم به هذا النظام ورئيسه منذ نشوء الأزمة الاريترية ـ الأثيوبية، فكان فشله في ادارة المعركة الدبلماسية وما زال كما فشل في ادارة المعركة العسكرية التي أشعل فتيلها بنفسه ولا غرابة في ذلك لأنه بالأصل فشل في ادارة البلاد ويعيش عصراً غير عصره ويحمل مفاهيم وأفكار عفي عنها الزمن. لكن هل ستجد أثيوبيا فيما ذكرنا من مبررات وميزات من صالحها مسوغاً لإستخدام القوة، رغم المحاذير الأخلاقية والقانونية التي يجب أن تحد من ذلك؟ وما ذا سيكون رد فعل الرأي العام الاريتري عموماً والمقاتل الاريتري خصوصاً؟ وهل ستجازف برصيدها لدي المعارضة الاريترية لأن تبعات هذه المعركة ستقع علي الشعب الاريتري بالدرجة الأولي والذي سيدفع من أبنائه غالياً؟ ليس من اليسير علي كاتب هذه الأسطر أن يتوقع من السلطة الأثيوبية إرتكاب مثل هذه الحماقة. وان كنا نشاهد في عالم اليوم حماقات كثيرة ترتكب دون وازع أو ضمير. ولا نعتقد انها لاتحسب حساب الحمية الوطنية للاريتريين أو معارضة المجتمع الدولي لأن أثيوبيا ليست الولايات المتحدة الامريكية وحتي هذه تبذل جهداً لإقناع شعبها والمجتمع الدولي للقيام بعمل ما تحقيقاً لمصالحها القومية خارج أرضها. صحيح ان الرئيس “ملس زناوي” رئيس وزراء أثيوبيا صرح مرةً بان رفض النظام الاريتري للتفاوض هو دعوة للحرب، وفي تصريح آخر قال انه لايعرف أين ستقف قواته لو أندلعت الحرب مرةً أخري. هل يعني ذلك بالضرورة تعبير عن نية مبيتة للحرب؟ لايمكن تأويله أيضاً بأنه ممارسة ضغط علي نظام اسياس لقبول التفاوض، وصحيح أيضاً ان اثيوبيا ابتاعت كميات من الأسلحة من مختلف الأنواع. هل علينا أن نفسر ذلك بالضرورة بأنه تمهيد لشن حرب ضد النظام الاريتري؟ إن تكديس الأسلحة في العالم الثالث لاتقتضيه فقط عوامل خارجية فقد ثبت بالتجربة ان استخدامها للأغراض الداخلية كان أكثر من استخدامها للدفاع عن الحدود.
مع ذلك دعونا لانفرط في التفاؤل كثيراً، لذلك نفترض مع زميلنا في قيادة الحزب الديمقراطي الاريتري مسفن حقوس بأن ثمة سحب للحرب تتكون في سماء المنطقة، يجب اعداد العدة لمواجهتها، لكن ذلك لايتم بالإصطفاف الي جانب الحزب الحاكم وتحت قيادة اسياس لأن علي الأخير استحقاقات للشعب الاريتري يجب إستيفاءها، كما انني لاأعتقد أنه أي إسياس سيكون عند حسن ظن الأخ مسفن حقوس فيفرج عن الكفاءات العسكرية المعتقلة للنضال بجانبه، فهؤلاء خصومه الذين أتهمهم بالخيانة الوطنية ورمي بهم في معتقلات لايعرف أحد مكانها وحتي لايعرف عنهم ان كانوا أحياء أم ميتون. فهؤلاء في نظره مجرمون يجب أن ينالوا قصاصهم، اللهم إلا إذا استجد جديد غائب عن علمي. وإنني وإن أختلف مع الزميل مسفن في ندائه الموجه الي الشعب الاريتري إلا أنني أقر بحقه في الإدلاء بوجهة نظره الشخصية في مختلف القضايا دون أن يتعارض ذلك مع قرارات المؤتمر التأسيسي للحزب والسياسات المنبثقة عنه، وسبب إختلافي معه أنه لم يأت بجديد منذ المؤتمر التأسيسي للحزب ولا بأدلة قطعية عن وجود حرب مرتقبة وانما أعتمد علي قرائن تفيد في التكهنات وليس في إصدار الأحكام، وحتي لو أفترضنا جدلاً ان القيادة الأثيوبية تبيت نية لشن هجوم لإسقاط نظام إسياس فإن المطلوب هو ـ بعد التحقق ـ العمل علي إجهاض هذه النية قبل أن تترجم الي عمل وذلك ليس من خلال التعبئة العامة للوقوف الي جانب إسياس وإنما من خلال اصطفاف المعارضة في إطار جبهوي واحد ومواجهة الحكومة الأثيوبية كشريك من التضرر من نظام اسياس والضغط عليها مباشرةً أو من خلال الأصدقاء لاثنائها عن نيتها وحثها علي مضاعفة دعمها للمعارضة الاريترية للتسريع بمهمة اسقاط النظام لأنه ليس هناك من ينوب عنها في هذه المهمة وعلي قوي المعارضة أن تتخلي عن الحسابات التنظيمية الضيقة وتركز علي لم صفوفها والإتفاق علي برنامج للحد الأدني وتوحيد آداة تنفيذه في أقرب وقت ممكن ومخاطبة الجماهير الاريترية بصوت واحد بدلاً من الأصوات المتعددة التي باتت تشوش عليها وهو مافشلت فيه في الحقيقة حتي كتابة هذه الأسطر. وعندما تلملم المعارضة صفوفها وتوحد طاقاتها، حينئذ وحينئذ فقط سوف يتفهمها شعبها ويتفهمها الأصدقاء ويشد الجميع من أزرها، فالأولوية الآن هي لإسقاط النظام ولا تتقدمها أية مهمة أخري. لأن النظام هو أصل كل ماحل بالبلاد والفشل في ذلك سيجعل الباب مفتوح أمام أسوأ الإحتمالات.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=5918
أحدث النعليقات