أيّــام فى التّـأريخ الإرترى: قــصّـة الكوخ وفزعة العيد و تـكاس وقهوة كلمبو فى كرن
بقلم/ عبدالفتـّاح ودّ الخليفة
بورتن المملكة المتّحدة
الجزء الأوّل
أيّها المؤمنون المصلّون… إنّ هناك منزلا يحترق فهبّو للمساعدة وأجركم عند الله عظيم… هكذا كان نداء الشيخ (محمّد إدريس عثمان)… فى صلاة العيد وفى ملعب (كرة القدم) فى التّـاسع والعشرين من شهر نوفيمبر عام 1970) فى مدينة كرن…
إلتفت الشّباب والشّيب إلى مكان الحريق فكان فى حىّ (عد دبر) على حافة جبل (إيتعبّر)…
كنّا صبية صغار فكلّ واحد منّا شدّ على جلبابه وأخد نعليه فى يديه وهبطنا الوادى (محاز) لنصعد عتبات جبل (إيتعبّر)… ولكن بعض الشّباب الكبار تريّثو وعينهم على قوّات الجيش الإثيوبى (الطّور سراويت) و (الكماندوس) الّتى كانت تحيط بالمصلّين من كلّ جانب إذْ كانو قد أخذو مواقعهم حوالى الملعب (المصلّى)…
ففى الصّباح عرج الآباء والخلفاء إلى ضريح السّيد (بكرى إبن السّيد جعفر الميرغنى) وحملو بيارق الختميّة كالعادة… لتنصب فى المصلّى ونحن الصّبية نهرول خلفهم… حمل الكبار البيارق(عثمان حيلا –وضرار محمود ضرار –وإبراهيم ضرار- عبدالمجيد عبدالله سعيد (بيلى) – على إدريس أمان – محمّد الحسن ود باشاى- عبدو دروى)…
وبدأ التّكبير من ضريح السّيد (بكرى) وأثناء السّير والتّكبير أمر الخليفة الجموع بالتوقّف أمام منزل السّيد (عبدالله إبن السّيد بكرى الميرغنى)… لوقت قليل حتّى ينضمّ إلى القوم… المصلّون القادمون من حلّة تكارير (الميرغنية لاحقا))… والأزقّة القريبة والبعيدة من حلّة(عد سودان)…
ولكن لوحظ ولأول مرّة وجود قوّة كبيرة من الكمانودس والـ (طورسراويت) أمام منزل السّيد (عبدالله) وهبوطا حتّى الوادى (المحاز) وصعودا حتّى الشّارع المؤدّى إلى (شركة الكهرباء)… أثناء التّكبير رفعنا البصر إلى كلّ موقع المصلّى… لنجد أنّ (الأوباش) منتشرون متمركزون وفى حلقة دائريّة محيطون بكلّ المنطقة… ومن أمام منزل السّيد (عبدالله الميرغنى) شرقا حتّى أمام منزل (آل أبوبكر أكد) ومتجر السّيد (قبرى ولدى قابر) المعروف فى المدينة بـ(قبرى طمّع) وعلى الممرّ الّذى يهبط على الوادى قادما من (حلّة تكارير) (الميرغنيّة لاحقا) تقف مصفّحة عسكرية يعلوها مقاتل ويده على المدفع الرّشاش المنصوب على المصفّحة… وفى المقابل فى الطّريق المؤدّى إلى شركة (الكهرباء) والّذى يمرّ بمنزل الشّيخ عبدالرّحيم كيكيا وآل (أنّاتى) مصفّحة أخرى من نفس الطّراز بنفس المدفع والجندى…
وعند ما صعد القوم إلى (الملعب المصلّى) لوحظ وجود مصفّحات أخرى وراء شجر (البان) الـ (قلاميطوس) وعند االطّريق المؤدّى إلى شركة العلك البرّى (شركة لبان)… وعند مدخل الملعب للقادمين من السّوق قاطعين الطّريق المسفلت مرورا (بشركة (جونيو) وعيادة (زيو إندريوتى)
أثناء الصعود إلى المصلّى بدأ الآباء يكثرون من التكبير ويردّدون قول الله (لا حول ولا قوّة إلا بالله العلىّ العظيم) ويدعون الرّب القدير ليجعل كيدهم فى نحرهم… وسمعنا الخليفة يردّد كثيرا (ربّنا أكفنا هم بما شئت )… (ربّنا أكفنا هم بما شئت)…
تجمّعت كلّ الحشود المصلية فى أرتال وجماعات (مجموعة الشيخ (خليفة عمار) (من عد حباب) وأرتـال من البشر يتقدّمها الخليفة (أحمد شنقب) وإدريس نور شنقب… (من حىّ عد عقب) وجموع أخرى يتقدّمها الخليفة (صالح بئمنت) ومجاميع من (قزا باندا)… والكل يهلّلْ ويكبّر للواحد الصّمد…
لم تختفى بسمة العيد من المؤمنين والمصلّين بعد… ولكن أحسّ الصبية بنوع من القشعريرة وكثير من الخوف بالرّغم من وجود هؤولاء دائما معنا وبيننا إلآ ذاك التواجد الكثيف حوالى تجمّع المصليّن كان لا يبعث بالإرتياح…
ولأنّ مقتل الجنرال (تشومى إرقتو المشؤوم) كان ولا زال حديثا ملقيا بظلاله على أجواء المدينة… وجنود (الطورسراويت) عيونهم يشعّ منها الحقد والكره وحبّ الإنتقام… الصبية يجرون ويهرولون نحو المصلّى… وفرحة العيد تملأ القلوب والجوانح… ولربّما ما كان ينتظرنا فى الدّيور من لحوم العيد ووجبة الـ(حمّتو)… كان أحد أسباب الفرح والسّرور…
وساور بعض الصبية الشّك والريبة بأن لا يفسد علينا هؤولاء فرحة العيد…
المتابعون للأمور والمسيّسون كانو يتوّجّسون… ويخافون من ردّ الفعل الأعمى… ولكن المؤمنون فى المدينة إحتسبو أمرهم إلى الله الواحد القهّار قاهر المُلك والملوك… فعاشو حياتهم كالمعتاد بثبات وإيمان منقطع. النّظير… ولأنّ لكلّ أجل كتاب…
تجمّع الشّيوخ والكبار من كلّ طرف وصوب المدينة وحضر الشّيخ القاضى(موسى آدم عمران)… وجلس بالقرب من السّيد عبدالله إبن السّيد بكرى الميرغنى وإبنيه (إسماعيل ومحمّد) وإبن أخيه السّيد (بكرى إبن السّيد إبراهيم) وبجانبهم كلأ من الشّيح محمّد إدريساى, والشيخ محمّد إدريس عثمان والحاج حامد وجلّ شيوخ وخلفاء الطّريقة الختميّة… والتّهليل والتّكبير يسمع صداه حتّى جبل (إيتعبّر)… وصوت الأطفال الصّغار يعطى موجة أخرى من طبقات الصوت الأخرى مثل الكورس الغنائى ولكن فى رحاب الله… ونحن جلوس والمؤمنون المصلّون يهتفون بالتكبير والتهليل بكلّ خشوع… وعيونهم لا ترى إلاّ مكان سجودهم لله الصّمد خالق السّماء بلا عمد…
ولكن الأطفال عين على الشيوخ المهلّلة والمكبّرة… وعين على الجند و المصفّحات… ولكن أحيانا يسرق إنتباههم العم (إبراهيمو)… (إسباتورى إبراهيم إحمدين)… مفتّش شرطة البلدية الّذى يبدأ بتخطّيط ومعاينة موقع صلاة العيد قبل إسبوع… والّذى يقف أحيانا ويمرّ على الصّفوف ويراقب الأمن… والإنضباط فى الصّفوف… ولكنّه فى ذالك اليوم كان فى غير حال ببدلته العسكريّة البيضاء ونظّـارته السّوداء… والإضجار ظاهرا على ملامحه وتصرّفاته (حسب قول مراقب فطن فى ذالك اليوم)…
ولكن الصّبية يتململون دائما فى الصّلاة إن طالت كما فى صلاة التّراويح… ولكن فى ذالك اليوم… بدأ البعض يتململ ويضطجر فى أعظم يوم من أيّـام فرحة الأطفال يحسبون أيّامها بالسّـاعات والدّقائق… لأنّ الأطفال والصّبية حسّاسون كالمرآة… كان لهم ما يدعوهم بعدم الشّعور الطّيب… وتبدّل طعم ورائحة ذاك العيد من أعياد الله المباركة فى المدينة…
ولكن يقطع أحدهم التّكبير ليسأل رفيقه (من من لعقبونا هلّو لطور)… يقول الصّبىّ (من مّن يحرسوننا هؤلاء الطّور)… يردّ الآخر بفكاهة كرنية عابثة وطفولية قائلا:
نوراى… (أفو إيتقيس كا لا طور إيتســأل… إيتأنفرّ منينانى…) والقصد… نوراى من الأحسن أن تذهب إلى الطّور نفسهم وأسألهم فضلا من أن تزعجنــا نحن… وفجأة يدخل خليفة الختميّة بمدحة للرّسول تعوّد النّـاس على سمعها فى الأعياد فى إستراحة تكابير العيد قبل الصّـلاة وقبل الخطبة…
يقول عبيد ميرغنىّّ سأبدأ لنظم بمدح المصطفى وأًنبّأُ بحمد إلهى رِب حمدَا ويتلؤ له الشّكر شكرا فى الوجود منمّـأً صلاتى على خير الأنام المبرأً
يواصل مؤمنو المدينة فى تكبيراتهم وتهليلاتهم لتعانق الجبال الّتى تحيط بالمدينة… وتشهد على توحيدهم ووحدتهم العقيدية وتتمًّ الصّلاة بإمامة الشّيخ الجليل (محمّد إدريس عثمان)… ولكن بعض النّفوس مشمئزّة من التواجد العسكرى الكثيف حولها والمفاجئة أصابت البعض بالذّهول… ولكن كان لا يزال الإيمان والثّـبات يملأ القلوب والجوانح…
وبدأ الشّيخ المؤمن (محمّد إدريس عثمان) خطبته للعيد… والكلّ صامد صابر ومحتسب ولا يبرح المكان…
وهى لحظات من عمر الزّمن حتّى نطق الشيخ الودود الوقور بالنّداء…
أيّها المصلّون المؤنون… هناك كوخ يحترق فى حىّ (عد دبر) فهبّو للمساعدة يرحمكم الله وأجركم عند الله عظيم…
قفز صبية حىّ (عد دبر) إلى جبلهم (إيتعبّر) كالنّسور من دافع حبّ الإستطلاع… ثمّ لحق بهم الشّباب الكبار… أرتالا وبلا إرتباك… تجاوزو الوادى(محاز) و جموعالـ (الكماندوس والطّور) المتخندقين حوالى متجر السّيد (قبرى ولدى قابر) الملقّب (بقبرى طمّـاع) نظروإلى جبلهم(إيتعبّر) فتيقّنو أن الحريق فى حيـّهم… واصلو فى الهرولة والجرى… ولكن أثناء الهرولة وعند الوصول إلى منازل (آل الكنانى)… سأل صبي بعفويّة (كفو رأيّا سيدنا محمّد إدريس لإســات)… والمعنى (كيف رآى الشّـيخ (محمّد إدريس عثمان) الحريق… لأنّ من موقع الإمام لا ترى (حلّة عد دبر) كاملة لكثرة أشجار (ألبان) (قلاميطوس) وأشجارالـ (شقلا) شجرة (تفّاح القرود) وبالذات ذاك الكوخ الّذى يحترق!!!
والصّبايا حقيقة مرآة الواقع… مافى القلب هو فى اللّسـان… دار الحوار بين الصّبية لشهور وشهور مرّت على الحادثة… الشّيخ (محمّد إدريس)… مشهود له بأنه لا ينظر إلا إلى مكان سجوده وركوعه… وحتّى فى الطّريق العام لا يلتفت يمينا ولا يسارا… فكيف تمكّن من رؤية الكوخ المحترق وهو فى بداياته… ولكن يقول أحد الصّبية… هل بلّغه أحد المصلّين بالحريق؟ وكيف رآى من بلّغ… ألم يكن الكل منهمكا بسماع الخطبة؟
ولكن لم يجرأ أحدا بأن يقول…هل فى الأمر تدبير وتقدير ولكن من من؟
ذالكم هو السّؤال الّذى دار فى مخيلة الصّبية والأطفال لزمن طال وبلا إجابة… وعندما عرف البعض بأن الأمر كان مدبّرا و من جبهة التحرير الإرترية؟ ولكن كيف؟ تلك أيضا لم تكن فى متناول اليد!! ولكن كان الإعجاب ظاهرا وواضحا فى العمل الّذى حصل وسرعته وجرأته.. ولكن لماذا فعلو ما فعلوه؟
وإن حصلو على معلومات تفيد بأن القتلة فى (الفورتو) أرادو إفناء المصلّين وهم سجّدا و ركوع من أين حصلو على المعلومة؟ ولكن كلّها تركت ليجيب عليها الزّمن ولو بعد حين…
و الأمر لم يحتجّ إلى بيان وتبيان لأنّ الأحداث كانت تنطق بنفسها… من يتابع سير عمليّة إستئصال (الجنرال إرقتو) لا يصعب عليه فهم كيفية حصول مخابرات الجبهة على معلومة أو خبريّة مثل هذه.. ولكنّ عنفوان الصّبا والشّباب لم يترك مجالا للصّبر والتأنّى …
تخطّّى الصّبية منازل (آل ياقوت)… وهم صعود إلى حافّـة جبل (إيتعبّر) حيث الكوخ المحترق.. ليجدو المعركة محتدمة بين (أهلنا) (آل محمّد حامد دويدا)..والشّاب (صالح تكـاس) إبنهم من جانب وأختيه.. من جانب آخر و (تكاس) قميصه ممزّق وهو بين يدىّ إخواتيه الإثنين يتنهّد.. والأخوات يزجرنه ويوبّخنه شرّ توبيخ..
و نســاء الحىّ والأمّهات يهدأن من إبن الحىّ الصّامت دائما (صالح محمّد حامد دويدا).. والنّار تلتهم المنزل قطعة قطعة والأخوات بكلّ شجاعة أخرجن كثير من أثاث المنزل.. ونحن الأطفال نســاعد على تجميع الأثاثات .. لم تكن هناك قوّات مطافئ بل أيدى الصّبية الصّغار وسواعد النّساء كانت هى الأدوات الوحيدة لإطفاء الحريق….
كان ذاك نذر شؤم فى صباح يوم العيد وضحايا العيد من أغنام ونعاج مربوطة فى الدّيور… بتنا ليلتنا كلّها نرقبها ونطعمها ونسقيها.. وجهّزنا مع الإخوة الكبار الحبال على شجرة الـ (اللاّلوب)) التّى فى ديورنا والبعض نصب عمدانا وجهّز الحبال لرفع كبش الضّحية على العمدان لسلخها.. فإذا بنا نفاجأ بالأوغاد يحيطون بنا من كلّ صوب فى المصلّى… ثمّ يتبعه حريق فى حىّ (أيتعبّر العريق) مرتع صبانا ومخزن ذكرياتنا وساحة فهمنا ووعينا ومعاركنا الخيالية مع الأحباش والملك…
تقول الخالة(عيربيت).. هذا عام الإمتحان توفّى فيه (شيخ الجبل) وخليفة خلفاءنا.. ثمّ وفاة أمّ المساكين فى الحىّ (أم عبدو)… واليوم هذا الحدث المشؤوم فى يوم عيدنا السّعيد…
ولكن ما الّذى جعل (الشّاب صالح محمّد حامد دويدا) يحرق كوخ عاءلته؟؟ تســأل الخالة (عيربايت)…
وتجيب بنفسهــا… (لبّاس عيد قبئ إى زابو إقلو).. تقول .. ربّما لم يشترو له ملابس العيد.. الأسر على قدّ حالها والظّروف يعلم بها الخالق والعطالة كانت شيئ ملازم للشّباب والكبار فى ذالك الزّمن… ولكن صبية الحىّ.. يتساءلون هل عدم شراء ملابس العيد يترك شابا فى عمر (صالح) يحرق منزل أسرته الوحيد ووالده بلا عمل وفى سنّ الشيخوخة…
هرع كثير من الشّباب من بقيّة الأحياء فى المدينة.. لإطفاء الحريق تاركين وراءهم خطبة صلاة العيد… ثمّ لحق الأعمام (حمّد درار- ومحمود ضرار لأن الكوخ المحترق هو كوخ شقيقتهم (أمّ النّصر درار حيلا)…
الشّاب صالح أخذه خيلانه على جنب وبدأو يهدّونه… ولكن لأنّنا كبرنا وترعرعنا فى هذا الحىّ.. وكلّ الدّيور هى ملاعبنا وحدائقنا.. نعرف من شدّ الرّحال بعيدا عن الحّى.. ومن حطّ الرّحال قادما من سفر.. نعرف طباع آباءنا وأعمامنا فى الحىّ..واحدا واحدا… (العم محمود ضرار وأخيه حمّد ضرار كانا رجلين ونعم الرّجال… وأبوين حنونين لكل الحارة والأطفال… ولكن شديديّ البأس لا يقبلان التّسيّب والإنفلات وتوقّعنا إن ما فعله (الشّـاب صالح) سوف لم ولن يمر هكذا.. وبلا حساب من خيلانه …
(الشّاب صالح) كالمخبول وجهه يتصبّب عرقا وصدره عاريا …لأن ملابسه كانت قد تمزّقت فى معركة الخناقة مع أخواته (زهرة وسعدية) اللّتان حاولتا لمنعه من إرتكاب (جريمة حرق منزلهم)… ولكن عندما صعدا إلى المنزل فى حافة الجبل العمّين (حمّد ومحمود)… وجّهـا حديثيهما إلى النّسوة وإلى أخوات (صالح تكـاس) بالتحديد….
يا بنات وبصوت رجولى قوّى إعتدنا عليه فى الحىّ من (العمّين)… أتركو صالح..أتركوه…والغضب يملأ صدر العمّين.. بدأو يتحدّثون بلهجة شديدة وقويّة مع صالح ومدّ العم (محمود) يده لصفع (صالح).. قبض صالح يد خاله.. وهمهم بكلمات لم نفهم منها شيئ.. ولم نسمع بعدها كلمة منهم وكأنّه قال لهما (كلمة السّر) بل إستمال صالح خيلانه بالإنزواء من أمام (الكوخ المحترق).. وكفّ الأعمام عن الحدّة فى الكلام.. وحسّ الصّـبية تغيّر فى لهجتيهما.. وتغّيرت ملا محهما.. ونظر العم (حمّد) طويلا فى وجه إبن أخته.. وكأنّه يرى ملامح الوطن المجروح فى وجهه… …هدأ العمين(محمود وحمّد)..وتغيّر الجوّ العام فى الدّار.. وتبدّد الخوف من ردّ فعل العمين…
وعاد الكل وإنشغل بإطفاء الحريق…
وكان ولا يزال كلّ شيئ بالنّسبة لصبية الحىّ غير مفهوم.. أخبار وأحداث مزعجة وفى يوم العيد الّذى ينتظرونه بفارق الصّبر وبطقوس عجيبة وفريدة.. وعيد الأضحى بالذّات لما فيه من ولائم والأكلات الدّسمة وصحن الـ(حمّتو) الـ (الكمّونية) والمطبوخة بطريقة إرترية خاصّة… ولكن نسى الصّبية الأحداث المفزعة سريعا حتّى اللّيل.. لتوقظ بعضهم حلما وكابوسا…
ثمّ… وذبحت الأضاحى وقسّمت الكرامات على مساكين الحىّ وهبط العم محمود ضرار إلى داره الثّانية وحصنه.. مكان مربط حصينه وبقية حيواناته الأليفة.. لذبح كبش فداء الضّحية علّه يفدى به أبرياء المدينة كما فدى بالكبش (إبراهيم ) إبنه (إسماعيل) عليهما السّـلام….وترك صبية الحىّ(الشّاب صالح) العجيب جالسا تحت شجرة العنب أمام دار خاله محمود ضرار بعد أن لبس جلباب العيد وكأنّ عيده بدأ من تلك اللحظة…
وعندما أتت الشّرطة إلى الحىّ لتحقّق مع (صالح تكاس).. أصبح صالح أكثر صمتا وكتمانا من ذى قبل .. فقط يطلق إيماءات وإشـارات.. فجاء العم (حمّد والعم محمود ومحمّد حامد والده.. ليبعدو الصّـبية عن دار (آل حيلا) ومن أعين الشّرطة… وحينها حاول الأعمام أقناعهم بأن الشّاب (صالح ) ليس على ما يرام.. وأن صحّته العقليّة معتلّة.. وأنّه تحت العلاج عند الشّيوخ هذا ما عرفناه لاحقا من جلسات أنس المسائيات للكبار فقط..
ولكن السّلطات لم تقتنع بذالك فأخذو (صالح ) (المخبول) إلى مكتب التّحقيقات ومنعو أىّ أحد من الأسرة لحضور التّحقيق معه…
صالح لم يخف عليه أحدا لأنّه مشهور فى المدينة بصمته وشجاعة لا تضاهى.. ولكن خاله (حمّد) الّذى كان يتردّد على مكتب التّحقيقات يوميّا ليتفقّد حاله.. ولأنّ المحقّقين (تقرنية وأمحرا)… إختارت العائلة العم (حمّد) ليتابع سير التّحقيقات لأنّه يجيد التّقرنية والأمحرنية بحكم ماضيه عسكريّا و جنديّا فى جيش (الطّليان) وحضر معركة (عدوا) وكانت السّر فى معرفته وإجادته للّغتين وكان أيضا مترجم الحىّ فى ما يتعلّق بلغة الأمحرا.. وفى اليوم الثّالث من العيد نجح (العم) حمّد فى إنتزاع إبنه من براثن المحقّقين المجرمين بضمانته شخصيّا … ولكن وهو يصطحبه إلى خارج (الكارشلى) (السّجن ومكتب التّحقيقات).. حامدا ربّه على نعمة إطلاق سراحه… سمع العم (حمّد) إطلاق نار كثيف.. وصوت مدفع من الـ (فورتو) القلعة مقرّ الأوغاد… فتشهّد وكبّر وقبل أن يصل إلى منزله عرف أنّ هناك من جاء هاربا من مذبحة ترتكب فى شعب بريئ ومسالم فى ضاحية كرن… (عونا)… (كما ذكر لى إبن العم (حمّد ضرار) عبدو…
القارئ العزيز نتابع فى الحلقة القادمة ما تبقّى من قصّة الكوخ الحترق… والمناضل (صالح تكاس)
للتواصل: khulafa20@yahoo.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=39725
أحدث النعليقات