إرادة الحياة
كلمة سر الشعوب المقهورة “تونس”
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
لا شئ يلهب المشاعر ويوقظ الوجدان ويحرك الأفئدة مثل الثورة إنها ذلك الفعل الجماهيري الشعبي الشامل الكاسح الذي يتفجر في لحظة عبقرية ليغير الواقع من حال إلى حال آخر إنها البوتقة التي تصهر فيها إرادة تغيير الواقع مع رومانسية الحلم بالمستقبل إنها لحظة الصدق التي تنهي عهود الكذب والخداع لحظة الفعل التي تمحو عهود الخوف والإستكانة لحظة الأمل التي تطوي صفحة اليأس والإحباط وها قد أراد شعب تونس ومصر فاستجاب لهم القدر وإنجلى ظلام ليله وأنكسرت قيود جلاديه وغدا في إرتريا ثورة الشعب سترغم الديكتاتور على الهرب من البلاد فقد تأكد بما لا يحمل قدرا للشك عدم إستبعاد قدرة الشعوب التي ترزح تحت نير الحكم الإسبدادي مهما طال أمده واشتدت فبضته الأمنية على فرض التغيير عبر ثورات شعبية تخور أمامها قوة الرصاص وسطوة الفساد .
من كان يتصور حتى أسابيع فائتة أن تكون المنطقة بأسرها تنتفض بعد أن اشعلتها تونس ذلك البلد العربي المغاربي الهادئ والمستقر، فهي بوتقة ثورة شعبية حقيقية تلهم الشعوب المقهورة في العالم كله، من كان يظن أن ينتفض الشعب التونسي و شعوب عربية من الشرق إلى المغرب انتفاضة شعبية تراجعت أمامها قوات الأمن والقوات المسلحة التي ما تلبث أن تنضم إلى مطالب الشعب الحر، في مشاهد فياضة ومؤثرة لم يجد أمامها المستبدون مفرا ولا منجى سوى الهرب خارج البلاد أو الإنزواء في المنتجعات المحصنة.
وإذا كان الشعبين التونسي والمصري قد استطاعا أن يحققا نصرا على الطغاة، فإن من المفيد هنا أن نستخلص الدروس التي ينطوي عليها ذلك الحدثين الكبيرين :
• الدرس الأول : أن طول الإسبداد وقسوته لا ينالان أبدا من الحقيقة الأزلية البسيطة وهي أن لكل شيء نهاية وكل حكم استبدادي أوان طال الأمد أم قصر وتأتي لحظة التغيير بالتحديد عقب تبلور موقف ثوري حيث يستحيل على الشعب أن يستمر في العيش بنفس الطريقة القديمة في الوقت الذي يعجز فيه النظام الحاكم باطراد عن القيام بوظائفه في إشباع حاجات مواطنيه سواء كانت مادية أو معنوية وقد تفجرت الثورة الشعبية بعد أن تزايدت ضغوط البطالة والفساد على الشعب في حين أن النظام لم يعجز فقط عن الوفاء بمطالب الشعب وإنما تمادى في الفساد والمحسوبية وترويع المواطنين من خلال حكم بوليسي شرس وقاس .
• الدرس الثاني : أنه مع التسليم بحيوية مطالب وضغوط التغيير باعتبارها القوى الدافعة والمحركة للثورة إلا أنه توجد دائما الشرارة التي تشعل فتيل الثورة وقد تمثلت تلك الشرارة في الاحتجاجات و المظاهرات والمصادمات الدامية التي شهدتها لعدة أيام متوالية عقب قيام الشاب محمد بوعزيزي بإشعال النار في نفسه في تونس، أما مصر فكانت معركة جحافل البلطجية بالغال والجمال ورجال الأمن في الزي المدني المدججين بالأسلحة ، ونرى تلك الشرارة متوفرة كذلك في البحرين وليبيا واليمن، مع أنه لم ترضخ تلك الأنظمة بعض لمطالب شعوبها، فدم الشهيد أبدا لن تذهب هباءا.
كان بوعزيزي شابا جامعيا يئس من الحصول على عمل فما كان أمامه إلا أن يعمل بائعا جائلا لبعض الخضروات والفاكهة على عربة يد في إحدى أسواق سيدي بوزيد ولكن رجال شرطة البلدية أستوقفوه لعمله دون ترخيص، وصفعه أحدهم على وجهه وسط الشارع، فما كان من الشاب المسكين إلا أن يسكب البنزين على جسمه ويشعل النار في نفسه وسط ذهول الناس من حوله وبموته في المستشفى بعدها بأيام قليلة التي اشعلت ثورة الشعب واسقطت النظام الإستبدادي وكم من شاب ارتري اشعلت عليه النيران وكم سقط شباب في الصحراء وكم غرق في البحر وكم من حرة اسقطت جنيها بعد أن اجبرت على على المنكر، وكم وكم، ولكنها ساعة الإنفجار التي ان حانت فلا تنام بعدها أعين الجبناء، فلابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر، وسوف تشرق شمس الحرية في ارتريا الخضراء الثورة الشعبية القادمة، ومثلما حررت الأرض ستحرر الانسان.
• الدرس الثالث : ان التنازلات التي يسعى النظام الحاكم تقديمها بعد أن تتفاقم المشاكل ويتصاعد الإحتقان الجماهيري تصبح عديمة الجدوى لانها تأتي في الوقت الضائع فقد حاول متأخرا جدا أن ينحي للعاصفة. فلم يعد اقصاء وزراء وتعيين آخرين ينطوي على أحد فقد أصبح المطلوب الآن هو رحيل رأس النظام الاستبدادي ونظامه إلى الأبد .
• الدرس الرابع : أن قوة الثورة التونسية وما تلاها من ثورات عارمة تكمن في أنها تمت كانتفاضة شعبيه جماهيرية واسعة، وليست كعمل نخبوي أو انقلاب عسكري أو مؤامرة، ولم تحمل أي فكر ايديولوجي، اشتراكي كان أو اسلامي او قومي ولا قبلي. ان قوة تلك الثورة وقيمتها تستمد من شمولها وشعبيتها وديمقراطيتها . أيتها المعارضة الارترية ان لم تلحقي بقافلة ارادة الشعوب وتنضوي ضمن أدوات التغيير الحقيقي على الأرض سوف تتجاوزك الثورة الشعبية .
•الدرس الخامس : أنه بالرغم من اهتمام النظامين التونسي والمصري المستبدين بتوطيد علاقاتهما مع القوى الكبرى في العالم خاصة الولايات المتحدة وبلاد أوروبا الغربية بالرغم من أن هذه الأخيرة تساند تلك الأنظمة بل تدعمها طالما تحقق لها مصالحه فإن هذه الدول في حالة وجود ثورة شعبية حقيقية لا تملك الا أن تسلم بإرادة الشعوب وتعلن مواقفها المحايدة والمؤيدة لاختياراتها الحرة ، ورأينا ذلك الموقف أيضا تجاه الحرق و المجاز البشعة التي مارسها النظام الليبي ضد شعبه الأعزل المسالم، فان مايحدد مصير أي شعب هو أولا واخيرا أرادته الحرة وتصميمه وفعله الإيجابي ولن يملك العالم كله سوى التسليم بتلك الإرادة والتكيف معها والانصياع لها أنا كانت وحيثما اتجهت.
•الدرس السادس : أن الشعوب حين تسعى بالفعل ان تفرض التغيير والإطاحة بالحاكم المستبد لا تعبر عن ذلك فقط من خلال مسيرات ومظاهرات ترفع الشعارات البراقة للديمقراطية وحقوق الانسان والحكم الرشيد والانتخابات النزيهة بل تخرج بالأساس إلى الشارع وفي لحظات غير متوقعة للمطالبة بحوقها الاقتصادية والاجتماعية في المقام الأول ثم السياسية والثقافية وبالحد من الفساد ومحاسبة الفاسدين فتلك هي القضايا الحياتية التي تؤثر على جموع المواطنين مباشرة وتدفعهم الى المشاركة بكثافة في الحراك الشعبي الذي قد يبدأ صغيرا وفئويا، ليتحول جميع فآت الشعب الى ذلك الحراك للمطالبة بالتغيير الديمقراطي لكونه الأسلوب الأمثل الذي تحمى به حقوق المواطنين والحد من الفساد. ففي تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن لم يرفع اليافطات البراقة ولم يحمل بمسيراتها على الأكتاف نشطاء المعارضة والمجتمع المدني الذين أكتفوا طوال العقود الماضية بالمطالبة بالحقوق العامة بالتغيير والحكم الرشيد دون أن يقدموا أي ثمن من التضحيات .
وهذا درس بليغ للمعارضات ومنظمات المجتمع المدني أن التغيير الحقيقي يأتي من داخل الوطن وليس من خارجه ، من يريد أن يغير يكون جزء من الشعب الذي يعاني من نظام استبدادي حتى يحس بمعاناته وعندها فقط يعمل من أجل التغيير لا من خلال الاجتماعات والملتقيات التي ينبري لها قادة من ورق خارج الوطن !
ان انتفاضة الشعوب في المنطقة من حولنا لم تكن زلزالا سياسيا عالي الدرجة فحسب ولكنها مثلت صدمة أيضا إذ ان الأهم من ذلك هو ما تصورناه كوننا ودعنا عصر التحولات والانقلابات التي تثور على الاوضاع المهيمنة و كاد اليأس يدب في قلوبنا من امكانية تغيير الواقع، بعد ما عاشت البلاد في حالة من الجمود السياسي لعقدين من الزمان رغم توافر أسباب الانفجار الشعبي في أكثر من مرة ، عندما تم اعتقال وسجن المعلمين من جميع المدن الارترية في عام 1994 م ، وكذلك ابادة مصابي التحرير في لمح البصر، ثم بعد حرب دامي التي خرج فيها النظام مهزوما، واخيرا خروج مجموعة الخمس عشر وسجنهم حتى تصفيتهم على حسب الحرس الهارب من مكان اعتقالهم ، وفي كل تلك الظروف لم ينتفض الشعب الارتري وظن الناس أنه شعب مستكين، استمرئ الزل والهوان، فلم يظل الشعب مسكونا بالغضب ومهيئا للانفجار في أي لحظة وحين، فقد تماثلت اوضاعه مع غيرها من الشعوب الثائرة الآن ان لم تظغى عليها، وجبروت بن علي وقسوته وقبضته الحديدية ما ردعت قوة الشعوب عن الثورة، وها هو مبارك الحكيم يعض أنامل الندم في منفاه بمنتجع شرم الشيخ بعد أن جر أزيال الخزي والعار والهزيمة، وما بال القزافي يصف شعبه بالجرزان ثم يتوارى خلف اسوار محصنة تحت الأرض. فالشعب الارتري الذي قاد ثورته المباركة نحو التحرير على مدار ثلاث عقود دون كلل ولا يأس من عدالة قضيته لا تثنيه جبروت الطاغية ولا عدتها ولا عتاده عن الثورة ، ولن تنبري عليه الفرية التي روج لها النظام وصدقها واصبحت الدين الذي ينافح عنها البعض خلال السنوات الأخيرة بأن الأوضاع القائمة بالوطن المكلوم هي قدرهم الذي لا فكاك منه ومن ثم فخيارهم الوحيد هو الرضى والتكيف معه، ولا أمل في تغيير ليست محسوبة عقباه، و بذل جهابذة الموالاة ومنظروا النظام جهدا كبيرا لمحو فكرة الثورة الشعبية عن الأذهان حتى باتت تلك الفكرة موضوعا دائما للتندر، ولكن الذي حدث في المنطقة بدد تلك الأفكار وأعاد إلى الأذهان بقوة فكرة التغيير الذي تفرضه الجماهير رغم الانسداد السياسي . أي من خارج الأطر والقنوات الخاضعة للرقابة والتوجيه الرسمي وأثبت أن إرادة الجماهير تستطيع أن تفرض نفسها وأن تتحدى جبروت الأنظمة وسلطانها اذا ما تسلحت بالتصميم والوحدة وكانت مستعدة لدفع ثمن وموقفها الرافض للاستبداد .
“إذا ما طمحت إلى غاية ركبتُ المنى ونسيت الحذر
ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر”
نار تونس ومصر ثم لييبا والبحرين واليمن وغيرها تسري في هشيم الشوراع والخبز والماء يسقطان العروش، فهل من عاقل يستوعب ويعود الى حجر العدالة والمساواة ويكون التغير بالتراضي قبل ان يذهب إلى مزبلة التاريخ في طائرته الخاصة فالملك الأبدي لخالق السماوات والارض الذي يؤتي الملك من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شئ قدير .
مجموعة تجديد الصحوة،،
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=11371
أحدث النعليقات