إرتريا الفدرالية
بقلم: بشرى بركت
توطئة
عزيزي الإرتري، ما ستقرأ هنا ليس إلّا جزءاً من فكر نتداوله في محاولة لتجميع القدر اللازم من القراءات لوضعنا الداخلي والإقليمي حتى نصل إلى تعريف أفضل لحالنا بمستجدّته وقديم عهده السّحيق، وقد قدمت في هذا الإطار مجموعة من المقالات التي توجد في زاوية “البشرى” في موقع “فرجّت” حتى تكون مقدّمة لمجمل الفكرة التي أحاول الوصول بها إليكم لعلها تجد نصيباً من المناقشة، وقد نأتي بها إلى توزيع الرؤية الورقي ومواقع التواصل الإجتماعي للمناقشة الشعبية لاحقاً.
لَنْ تَكُونَ كُلَّ المُسَلَّمَاتِ فِي مَأْمَنٍ مِنَ النِّقَاشِ!!
إرتريا الفدرالية
الكيان السياسي
تمّ التقسيم الجغرافي للقارة الإفريقية بحسب رُسُوّ مراكب المستعمر الأوروبي ومصالحه التوافقية والتّنافسية دون أدنى إعتبار لموروثات الشعوب ومساحات تواجدها الجغرافية.
وبالرغم من أنّ ذلك المنطق ينطبق على الشعب الإرتري وتكوين كيانه إلّا أنّ لشعبنا ما يميزه إستنادا على وجهتين،
أولاهما،
الموقع الجغرافي المُتمثّل في:
أ- الحاجز النهري الذي ظل منطقة تماس بين ممالك البجا والممالك الحبشية مما يعني التطور التنافسي المبني على الإختلاف.
ب- البيئة الإثيوبية التي تعتبر حاجزاً طبيعياً يحول دون إندفاع أهلها باتجاه المناطق الحارة، وهذا ينطبق على المناطق الشّرقية لإرتريا بما فيها مجمل مُثلّث العفر الذي لم يكن يوما ذي علاقة مع الكيان الإثيوبي بقدر ما كان على ارتباط بمن هو أقرب إلى البحر.
ثانيهما،
الإنكماش الإثيوبي الدائم إلى اليابسة بعيداً عن التفاعل البشري مع العالم الخارجي الذي تمثّله الشّواطيء ممّا كان لذلك أكبر الأثر في التّطوّر المستقل للشّعب الإرتري. وهذا يمكن إجمال الكثير منه في الطبيعة البشريّة المختلفة في كثير من جوانبها لفرد المجتمع الإرتري متحدّث لغة التّقرنيا مع جاره الإثيوبي متحدّث ذات اللغة، إذا إستثنينا من ذلك ضغوط الكنيسة الأرتودوكسية، التي كانت مُسَخّرة كلّيا لكل من حكم إثيوبيا على مدار التاريخ. أمّا إذا رأينا تأثير ذلك على باقي مكونات مجتمعنا فسنجده مؤكّداً على ذلك المنطق بقوّة.
وإستناداً إلى ذلك فإنّ للشعب الإرتري تطوّر خاص به ميّزه عن باقي الشّعوب المجاورة ومن ثمّ تكوين الشّخصية الإرترية المُميّزة عبر التاريخ.
البنية الديموغرافية
للشعب الإرتري أصول حامية وسامية وكوشية مختلطة في مجملها عكس الكثير من شعوب المناطق المجاورة كإثيوبيا والسودان والصومال، وقد يكون صعباً أن تجد مواطناً إرتريا غير مُنْتَمٍ لعدّة مكوّنات ضمن الأصول التي ذكرنا وما أن تلتقي أحداً إلّا وأثبت لك بأنّه من مجموعة كذا إلّا أنّ والدته من مجموعة أخرى وجدّته لوالده من كذا وجدّته لوالدته من كذا إلخ القصة التي نعرف جميعنا. وسيكون أمراً بالغ الصعوبة أن تعرف نسبة إنتماء الفرد لأي مجموعة مُدّعاة. أبني على ذلك حقيقة أنّ الشعب الإرتري تزاوج فيما بينه بشكل طبيعي عبر السنين الطّوال تحقيقاً للتمازج الذي يصل بنا إلى حقيقة أنّه شعب تكوّن عبر الأجيال ليصل بنا إلى سحنة واحدة وطبيعة متقاربة وموروثات متداخلة. ومن ثمّ إعتُبِرَ كياناً واحداً أوجده التّطوّر الطبيعي للشّعوب المُتحضِّرة.
ويتكون الشعب الإرتري بمفهومه العصري، والمبني على تلك المعطيات التأريخية التي ذكرنا، من كلّ من كان إرتريًّا قبل الإستعمار البريطاني وأنّ التدفق البشري الموجه الذي أتى بعد ذلك لابد وأن يخضع لقوانين الحصول على الجنسية الإرترية التي سيقرّها البرلمان الفدرالي الإرتري، والتي بدورها لابد أن تخضع لضوابط عدم الإضرار بالتركيبة الديموغرافية للشّعب الإرتري.
لغات الحديث
قد يتحدّث الفرد منّا لهجة وإثنتين وثلاث فأكثر ولكنه يتعامل دائما بإحدى ثلاث، اللغة العربية، اللغة الإنجليزية، ولغة التقرنيا، متأثّراً بالجوار
الجغرافي والتّبادل الثيوقراطي الواصل عبر كلً لغة. ولن تكون لغة الفرد هي ما يتحدّث بها بقدر ما تكون لغته هي التي يتواصل بها قُرباً وبُعداً وتكون اللغة العربية لغة الّتّواصل الأساسية في رُبوع إرتريا عبر التأريخ بما في ذلك حكام المرتفعات على مدار فترات حكمهم المستقل عن إثيوبيا. وفي كلِّ تواصل رسمي غير مرتبط بإثيوبيا كان التّواصل باللغة العربية مما يعني أنّها اللغة المعتمدة في التّعامل الخارجي من كلّ إرتريا على مدار التاريخ.
التقسيم غير المنطقي
التقسيم الماثل أمامنا اليوم تقسيم موجّه كان للإستعمار البريطاني “الهادف لمكافأة إثيويبا” فيه دور الموجِّه بحيث يكون الكيان الدّاعم لإثيوبيا حينها وحدةً متكاملة على عكس الكيانات التي أريد لها أن تكون متناثرة ومبعثرة إلى حد التّباعد الكلّي، ممّا يعني أنّ مواقفها الدّاعمة للإستقلال لن تلتئم بناءاً على أي نداء موحِّد، ومن ثمّ فإن الدّاعين حينها لتبعيّة إرتريا لإثيوبيا متأثرين بإثيوبيا ثيولوجيّاً كانوا في حالة تنظيم متكامل الأركان والآخرون في حالة عدم إستيعاب للحالة العامة ومن ثمّ كانت الأحداث أسرع من تفاعلهم معها. وبناءاً عليه تحقق الهدف البريطاني الإثيوبي فيما سمى بالتصويت على الإستقلال أو الإنضمام إلى إثيوبيا.
إذن التقسيم الحالي تشتيتي أكثر من كونه جامع للثقافات المختلفة والأصول المتباعدة، وهو تقسيم ساعي لوجود كتلة كبيرة متماسكة وكتل صغيرة متنازعة والإستناد الوحيد الذي تمّ على أساسه التقسيم هو لغة الحديث التي إختلطت بقدرة كلّ مواطن إرتري على الحديث بأربع أو خمس لغات منها ومن ثمّ لا معنى لذاك التقسيم الهادف لتباعد مكونات الشعب الإرتري.
نحن أمام تقسيم جغرافي وتواصل ثقافي عبر كيانات ثلاث:
1- الكيان الجنوبي المرتبط جزئيا بحكم أكسوم البائد وهو الذي حاول الإثيوبيون فصله عبر سطوة الكنيسة الأورتودوكسية عن باقي مكونات
المجتمع الإرتري، ولا ننكر أنّ له إرتباط ثقافي مع المكون الإثيوبي متقارب التراث معه في إقليم تقراي الإثيوبي.
2- الكيان الغربي المرتبط تاريخيّا بممالك البلو والبجا، وهذا له تطوّره الطّبيعي وجواره الذي تأثر به على مدار التاريخ هذا بالإضافة إلى من قدِموا إليه وأضافوا له ما لديهم وتطبّعوا بطبعه كالكيانات الأقوية التي إبتعدت عن أصلها داخل إثيوبيا اليوم لما يربو على ال900 عام.
3– الكيان الشرقي والمتمثّل في إمتداد مثلّث العفر داخل الخريطة الإرترية المعاصرة، وهذا الكيان كانت له إستقلاليته وتفاعلاته الخاصة به عبر البحر ثم عبر مناطق التماس الجغرافي متشابهة المناخ في إرتريا والصومال وجيبوتي.
إذا أقررنا بهذا الواقع كمحور للتّباين الثّقافي وتباعد الأولويات إستناداً إلى الموروثات التاريخية والتفاعلات البيئية داخل الكيان الإرتري فإنّنا سنكون أمام الاقاليم الفدرالية الرئيسية للكيان الإرتري. وسيتم تأكيد حسن الإدارة وإستقلالية الحكومة الفدرالية إذا ما أقررننا أسمرا العاصمة الصيفية وعدوليس العاصمة الشتوية والتاريخية المعبرة عن وجود الكيان الإرتري عبر التاريخ لتكوين (4- إقليم العاصمة الفدرالية) ويضمّ المناطق الواصلة بينهما، بالإضافة إلى ضمان التواصل الجغرافي بينه وبين باقي الأقاليم.
الجوار السياسي
سؤال منطقي لا شكّ أنّه قد تبادر على ذهن كلّ منّا وهو الإرتباط الإقليمي مع الكيانات المتواجدة في دول الجوار وهذا أمرٌ منطقي لابد أن يكون ضمن الأجندة المستقبلية في تحقيق مناطق تكامل بين الدول وتثبيت حق التواصل بين الشعوب المتقاربة ثقافيا وعليه نرى أن لا حل نهائي إلّا بالتنسيق مع الجوار الجغرافي ووضع أولويات للمصالح المشتركة والإستقرار القائم على إلتئام الشعوب ببعضها بناءاً على إتفاقيات ومعاهدات ثنائية وثلاثية، مع الإحتفاظ بمحدّدات السّيادة الوطنية لكلّ دولة.
هذه الرؤية ستضمن تلافي أي خلاف مستقبلي غير منطقي كما هو حال خلاف بامي المدمّر.
البنية الإقتصاية
عُرف الشعب الإرتري بإقتصاده الزّراعي والرّعوي وقليل من التّجاري وهذا كان كافياً لإستمرار الكيان والإحتفاظ بخصوصيته، إلّا أنّ ذلك بعيد كلّ البعد عن واقع الإقتصاد العام الذي يفترض أن يكون لدولة تمتلك عشرات الجزر الإسترتيجية وثروة بحرية مهولة سريعة التجدّد لكثرة المضايق المائية فيها، وجو دافئ على مدار العام ممّا يكون مصدراً آخر اساسي للإقتصاد وهو السياحة الشاطئية القريبة من كلّ مناطق الطّلب كأوروبا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، ثُمّ أنّ هناك الخدمات البحرية التي تسهّلها حالة إقتراب بعض جزرنا من المياه العميقة في البحر الأحمر. ممّا يستدعي وضع رؤى إقتصادية حديثة غير مرتبطة بالموروث الإقتصادي وتشجيع الشعب الإرتري على الإقتراب من الشواطيء أكثر لبناء إقتصاد منافس للإقتصادات الخارجية بقوّة وليس لإقتصادات الدّول المغلقة كما هو حال إثيوبيا على سبيل المثال. الإقتراب من البحر أكثر وإستغلال الثروات الطبيعية المتجدّدة فيه أهمّ من أعمال التّعدين كداعم أساسي للإقتصاد التّقليدي رغم أهميته.
في الجزء القادم من الرؤية سنتناول بشيء من التفصيل الأوّلي لنظام الحكم الفدرالي المقترح
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=41688
أحدث النعليقات