إنتقام البذرة الفاسدة
( وكأن لم أكن هناك ) عنوان صادم لفيلم تمنيت أن أكون بحق هناك في أرض الأحداث لأنتقم أو أثور ضد تلك الانتهاكات التي لم يغفرها التاريخ أبدا أو على الأقل أبكي دموع تطفئ اللهيب الذي أشعله هؤلاء الجناة الطغاة الساديون في جسد وروح ضحاياهم
الفيلم الأيرلندي السويدي المقدوني عاد بنا إلى ما نفتقده من سينما الواقع تكشف لحظة حقيقية غض فيها الزمن والتاريخ والإنسانية والشرف والكرامة والبراءة والأخلاق والبصر لحظة سيطر فيها على البذرة الفاسدة شيطان الإنتقام من المجتمع وعشق الدم وإهدار الكرامات لحظة تخلص الإنسان فيها من الإنسان
أحداث الفيلم المأخوذة عن قصة واقعة حقيقية تدور على أرض البوسنة لتكشف أبشع مشهد في حرب الصرب والبوسنة التي دارت في التسعينيات حينما أحتل جنود الصرب إحدى القرى وتخلصوا من كل الرجال بها وحبسوا كل السيدات والأطفال والفتيات في معسكر مغلق تم اغتصابهن فيه يوميا حيث يتبادل أكثر من رجل على جسد إمرأة واحدة خلال ساعة واحدة
أتت من سراييفو شابة جميلة تدعى سميرة لتقوم بالتدريس في إحدى قرى البوسنة ، جاءت وهي تحمل أحلامها الصغيرة في تعليم الأطفال وهو الهدف الذي ربما أذاب عنها الإحساس بالغربة لكنها لم تكن تدري ما يخبئ لها القدر … عفوا إنه ليس قدرا خالصا حيث أصبح هناك من يتلاعبون بمقدرات البشر ، المهم إجتاح جنود الصرب القرية واخذوا يقودون كل رجالها إلى جانب بعيد نسمع صوت إطلاق الرصاص عليهم دون أن نرى المشهد لكننا بالفعل أدركنا الصورة وباتت كل النساء رهائن المعسكر البربري ويتم إغتصاب جميع النساء ومع تكرار الإنتهاك البدني مع شخصية المدرسة ونماذج نسائية أخرى بالإضافة لطفلة تتعرض للتعذيب وهتك العرض والحفر بالسكين على ظهرها رسما يشبه الصليب يؤدي بها إلى الموت
وذات صباح إنكشفت الغمة وزالت عندما فوجئ الجميع بترحيل السجينات الضحايا في أتوبيسات حيث أعلن احد الجنود أن إنتهت وبعد الخروج من منطقة الحرب والقرية الموبؤة تكتشف أنها حامل في طفل والده من سفاحي الحرب تنوي التخلص من الجنين ثم يخبرها الطبيب أنها تأخرت فتستسلم لقدرها ثم تنجب الولد لكن أيضا تهم للمرة الأخرى التخلص منه بوأده فترى صورتها مع والديها فتتعاظم لديها مشاعر الأمومة لتتغلب على كل مأساة الحدث ترضع الطفل ثم تزرف دموعها تلك هي النهاية المؤثرة والموجعة والمؤلمة لمصير فتيات كثيرات مثل سميرة خرجن وبأحشائهن أطفال وأبناء لمجرمي الحرب
هذه قصة حقيقية حدثت في البوسنة فمن يحكي ما يحدث في معسكر ساوا سيئ السمعة فما يحدث هناك أفزع مما حدث في البوسنة وذلك بإسم الخدمة الوطنية لأخواتنا وبناتنا بنات الشهداء وأخوات الشهداء حيث ما حدث في البوسنة كان من العدو أما ما يحدث في إرتريا في معسكر ساوا هو من أبناء الوطن من أولئك الذين حرروا البلاد من العدو حيث يختار الضابط أجمل فتات من فتيات الدفعة وتصبح خادمته في النهار وزوجته في الليل وإن رفضت يكون مصيرها التعذيب حتى الموت ولقد حدث ذلك مع فتات مسلمة في معسكر ساوا وكانت شابة جميلة مثل سميرة البوسنة ولكن سميرة إرتريا رفضت أن تصبح مرتعا لضابط الشعبية في ساوا وكان مسيرها التعذيب حتى الموت حيث تم ربطها بالعمود حتى إنتقلت إلى رحمة الله شهيدة لأنها ماتت في سبيل شرفها وعرضها ولكن كم سميرة أخرى يا ترى في ارتريا ضعفت وإستسلمت ولم تتحدث خوفا من الفضيحة والفارق هو أن سميرة البوسنة تحدثت وتم توثيقه وتحويله لفيلم أما في إرتريا فمثل تلك الجرائم تحدث كل يوم حتى في هذه اللحظة ولكنها تمر في صمت
إن الفيلم لم يغتصب مشاعرنا وأحاسيسنا بتصرفات الحرب القذرة ،
ولم يلهب أهاتتا ولا إعجابنا الشديد بجودة التصوير و جمال السيناريو وروعة الحوار بل كانت موجات الإعجاب متلاحقة بوازع طبيعي للمخرجة والممثلة التي أتت على بقايا إرهاصات سينما زائفة طاردتنا لتغرس مكانها جذور سينما حقيقية ممتعة مهما كانت مرارتها
محمد احمد ابراهيم
m-ahmad-e@hotmail.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=9979
أحدث النعليقات