اثيوبيا و ارتريا: تصعيد غير مسبوق وصدام محتمل
ترجمة وتحليل آبسلاب ارتريا
مقدمة
تشهد منطقة القرن الأفريقي توتراً متصاعداً بين إثيوبيا و ارتريا، حيث أصدرت الحكومة الإرترية بياناً شديد اللهجة ضد الحكومة الإثيوبية، في سابقة نادرة وغير معهودة في العلاقات بين البلدين. يثير هذا التصعيد أسئلة جوهرية حول طبيعة الخلافات المتفاقمة بين الطرفين، وإلى أي مدى قد يصل هذا الصدام، وهل سيتطور إلى مواجهة عسكرية مباشرة أم سيبقى في إطار الحرب الدبلوماسية والتصريحات النارية؟
تحليل البيان الإرتري: موقف هجومي غير مسبوق
يُظهر البيان الصادر عن وزارة الإعلام الإرترية أن أسمره لم تعد تتعامل مع الأزمة باعتبارها مجرد خلاف إعلامي أو دبلوماسي، بل اعتبرتها مواجهة مباشرة مع الحكومة الإثيوبية برئاسة آبي أحمد. وقد جاء في البيان الإرتري:
- إثيوبيا شنت الحرب على ارتريا في عام 1998، واستولت على أراضٍ إرترية سيادية مثل منطقة بادمي.
- إثيوبيا لم تلتزم بقرارات لجنة ترسيم الحدود الدولية، رغم اتفاق السلام الذي تم توقيعه عام 2018.
- ارتريا لم تتدخل في ملف تنفيذ اتفاق بريتوريا، لكنها ترى أن إثيوبيا تماطل في تنفيذ الاتفاق وتستغل الوقت لمصلحتها السياسية والعسكرية.
- إثيوبيا أطلقت حملة تهدف إلى الوصول إلى الموانئ الإرترية بالقوة أو بالطرق القانونية، مما يعتبر تهديدًا مباشرًا للسيادة الإرترية.
- ارتريا تتهم إثيوبيا بأنها المحرك الرئيسي لعدم الاستقرار في القرن الأفريقي، خلافاً لما تروجه أديس أبابا بأن أسمره هي من تلعب دور المزعزع الإقليمي.
هذه النقاط تشير إلى تحول في الخطاب السياسي الإرتري، حيث لم يكتفِ بانتقاد إثيوبيا بشكل ضمني، بل وجه لها اتهامات مباشرة بمحاولة الهيمنة على المنطقة وافتعال الأزمات لتغطية مشاكلها الداخلية.
التوترات التاريخية بين ارتريا وإثيوبيا: جذور الأزمة المستمرة
الصراع بين ارتريا وإثيوبيا ليس جديداً، بل هو امتداد لعقود من الحروب والمواجهات الدموية التي تعود إلى زمن الاحتلال الإثيوبي لإرتريا قبل استقلالها عام 1993. منذ ذلك الحين، ظلت العلاقات بين البلدين متوترة، حيث اندلعت حرب الحدود عام 1998 واستمرت حتى 2000، خلفت آلاف القتلى من الجانبين. ورغم توقيع اتفاق الجزائر عام 2000 وتشكيل لجنة لترسيم الحدود، إلا أن إثيوبيا ظلت تماطل في تنفيذ القرار الدولي، مما جعل العلاقات بين البلدين تتأرجح بين الهدوء والتصعيد المتكرر.
اتفاق السلام الموقع عام 2018 بين آبي أحمد وإسياس أفورقي كان يبدو في البداية وكأنه صفحة جديدة من التعاون، لكنه سرعان ما تحول إلى خلافات عميقة، خاصة بعد اندلاع الحرب في تيغراي عام 2020، حيث انخرطت القوات الإرترية في القتال إلى جانب الجيش الإثيوبي ضد جبهة تحرير تيغراي. ومع انتهاء الحرب رسمياً، بدأت الفجوة بين الطرفين تتسع مرة أخرى، نتيجة لعدم التزام إثيوبيا الكامل بتعهداتها.
تحليل سياسي: إثيوبيا بين التوسع الإقليمي والأزمة الداخلية
إثيوبيا تواجه أزمات داخلية حادة، بدءاً من الحرب في إقليم أمهرة، مروراً بالأزمات الاقتصادية، وانتهاءً بصراعها على الوصول إلى البحر الأحمر. هذا الوضع دفع آبي أحمد إلى اتباع استراتيجية تعتمد على تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج، سواء عبر إثارة قضية الموانئ، أو خلق عدو خارجي متمثل في إرتريا لصرف الأنظار عن المشاكل المتفاقمة داخل إثيوبيا.
- حلم آبي أحمد بالتوسع البحري
تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي حول الحاجة إلى منفذ بحري ليست مجرد تصريحات عابرة، بل تعكس مشروعًا توسعيًا خطيرًا قد يؤدي إلى صدام عسكري مع ارتريا أو دول الجوار الأخرى. آبي أحمد يدرك أن استمرار إثيوبيا كدولة كبرى في المنطقة دون منفذ بحري يعوق طموحاته الاقتصادية والعسكرية، مما يجعله يلوح بورقة الضغط العسكري لتحقيق ذلك الهدف.
- تفكيك التحالف مع ارتريا
رغم أن ارتريا وقفت إلى جانب إثيوبيا في حربها ضد تيغراي، إلا أن العلاقات بين الجانبين لم تكن قائمة على الثقة المتبادلة، بل كانت تحالفاً مؤقتاً فرضته ضرورات الحرب. ومع انتهاء الحرب، لم يعد هناك مبرر لاستمرار هذا التحالف، وبدأ كل طرف يبحث عن مصالحه الخاصة، مما أدى إلى تصاعد الخلافات بينهما بشكل حاد.
- إثيوبيا وتصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج
الوضع الداخلي الإثيوبي كارثي؛ الحرب في إقليم أمهرة لا تزال مستمرة، والأزمة الاقتصادية تتفاقم، والمعارضة تزداد قوة. في ظل هذه الظروف، يبحث آبي أحمد عن وسيلة لتوحيد الداخل الإثيوبي عبر خلق “عدو خارجي”، و إرتريا تبدو المرشح الأول لهذا الدور.
وجهة نظر المعارضة الإرترية: إسياس أفورقي في مأزق
على الجانب الإرتري، لا يمكن قراءة هذا التصعيد دون فهم الوضع الداخلي في أسمرا. إسياس أفورقي، الذي يحكم ارتريا منذ استقلالها، يواجه تحديات خطيرة من الداخل، حيث تعاني البلاد من عزلة دولية خانقة، وانهيار اقتصادي، وهروب جماعي للشباب الإرتري من التجنيد الإجباري والقمع السياسي. لذا، فإن إثارة الصراع مع إثيوبيا قد يكون محاولة لصرف الانتباه عن هذه الأزمات الداخلية وإعادة توحيد الشعب الإرتري تحت ذريعة “الخطر الإثيوبي”.
- النظام الإرتري والاستبداد المستمر
يعد نظام إسياس أفورقي من أكثر الأنظمة قمعاً في أفريقيا، حيث لا توجد انتخابات، ولا حرية صحافة، ويخضع المواطنون لرقابة شديدة. هذا النظام يعتمد بشكل أساسي على خلق أعداء خارجيين لتبرير قمعه الداخلي. وبالتالي، فإن التصعيد مع إثيوبيا قد يكون خطوة محسوبة لإعادة إنتاج خطاب “الوحدة الوطنية ضد العدو الخارجي”.
- الأزمة الاقتصادية وهروب الشباب
ارتريا تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، والشباب الإرتري يفر بأعداد كبيرة بحثاً عن حياة أفضل في أوروبا، مما يهدد استقرار النظام. في هذا السياق، يمكن للنظام أن يستخدم الصراع مع إثيوبيا كذريعة لفرض المزيد من القمع وإبقاء البلاد في حالة طوارئ دائمة.
استنتاج: هل نحن أمام مواجهة عسكرية؟
في الوقت الحالي، لا يزال الصراع بين إثيوبيا و إرتريا في إطار التصريحات النارية والحرب الإعلامية، لكن احتمالات التصعيد العسكري تظل قائمة. آبي أحمد يريد الوصول إلى البحر الأحمر بأي ثمن، وإسياس أفورقي يريد الحفاظ على سلطته بأي وسيلة. إذا استمر الطرفان في تصعيد الخطاب العدائي، فإن المواجهة العسكرية قد تصبح حتمية، مما سيؤدي إلى كارثة جديدة في القرن الأفريقي.
الخاتمة
العلاقة بين إثيوبيا و إرتريا لم تكن يوماً مستقرة، لكنها الآن في مرحلة حرجة قد تقود إلى مواجهة غير مسبوقة. بينما يسعى آبي أحمد لتحقيق طموحاته التوسعية، يحاول إسياس أفورقي الحفاظ على نظامه القمعي عبر تصعيد النزاع. وفي ظل غياب أي جهود دبلوماسية حقيقية لنزع فتيل الأزمة، فإن القرن الأفريقي قد يكون على أعتاب صراع جديد ستكون له تداعيات مدمرة على المنطقة بأكملها.
المصدر: فيديو يوتيوب الاستاذ ساجد
إلى اللقاء في الحلقة القادمة، …….
ابسلاب ارتريا
نشر بالفيسبوك
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47463