اجتماع أديس ابابا ومحاولة الإسهام في صياغة إستراتيجة جديدة للمعارضة
لن تكن المرة الأخيرة كما لم تكن الاولى التي تنقسم فيها ساحة المعارضة حيال حدث يتعلق بمستقبلها ، وهذا الانقسام في الرأى والرؤية والذي يتخذ من وسائطنا الاعلامية الشحيحة متنفساً يخلق في ذاته حالة من الانعاش للبعض والإحباط للبعض الآخر . ومن بين تلك الاحداث التي شهدت هذا النوع من الانقسامات الموضوعية أحيانا والجانحة تارة أخرى مؤتمر بروكسل ، ملتقى الحوار الوطني ، إجتماع إديس ابابا (للمثقفين) وبالتأكيد مؤتمر الحوار الوطني التي تنتظره الساحة كفكرة كلية ، أو بعض أجندته مثل مسودة الدستور التي يتوقع أن تشهد نقاشا حول ضرورته في هذه المرحلة . ولعل أحدث ما يثير الجدل في ساحة المعارضة هذه الايام هو الإجتماع الذي عقد في أديس ابابا بدعوة من الحكومة الاثيوبية في الفترة من الخامس وحتى التاسع من سبتمبر الجاري وشارك فيه عدد (61) ناشطا من مختلف مناطق تواجد الارتريين في العالم مضافا اليهم (15) من قادة او ممثلي التنظيمات السياسية بصفة مراقب باعتبار أن قيادات التنظيمات السياسية كانوا قد عقدو إجتماعاً مماثلا قبل اسبوعين من هذا الاجتماع . ولأهمية الاجتماع في تقديري ، وضرورة توضيح بعض القضايا التي أثيرت من البعض ، خاصة وأن هؤلاء البعض ليسوا ممن يشكك في حسن نواياهم ورغبتهم الصادقة في تفعيل المعارضة وتسريع ايقاعها ، رأيت من المناسب ان أتطرق ببعض التفصيل لفعاليات الاجتماع ، كما سأحاول ان القى الضوء على بعض النقاط التي انطلق منها المنتقدون ، وليس هدف هذا المقال التبرير ، فليس هنالك ما يستحق ، بل الدفع ومحاولة الاقناع أن تكون روح الاجتماع وأهدافه بعض من موجهات المرحلة القادمة ، كما يجب التنبيه ، رغم أنه تم اختياري والاخ محاري ابرهام (السويد ) كمتحدثين رسميين إلا أنه معلوم أن تلك المهمة قد إنتهت مع نهاية الإجتماع ، وعليه فمرافعتي هذه هي رؤية شخصية من منظوري الخاص قد يتفق الحاضرون أو يختلفون حولها ، خاصة وأن طبيعة الاجتماع هى محاولة الاسهام في صياغة رؤية عامة غير تفصيلية ، وعليه لا غضاضة في وجود اختلافات حتي بين الحاضرين في التفسيرات والمرامي .
وبما أن هذه المحاولة تهدف لتناول النقاط مثار الاعتراض ، وفي ذات الوقت القاء الضوء على القضايا التي تناولها الاجتماع ، عليه سوف اتناول القضايا الاجرائية في البداية ومن ثم أدلف الى القضية الموضوعية التي كانت محور نقاشات الايام الأربعة .
الطرف الداعي :-
لم يعد سرا أن نقول أن هذا الاجتماع هو فكرة إثيوبية ، بتنفيذ إرتري ، وقد هدفت اثيوبيا توضيح سياستها الجديدة تجاه هذا الملف ، بل يمكن القول أنها حاولت الاستفادة من كافة الفعاليات الارترية لصياغة هذه السياسة بما يتناسب والأهداف الرئيسية لها ، وفي هذا الإطار جاء الاجتماع بقيادات التنظيمات السياسية ، ومن ثم أعقبه الاجتماع موضوع المقال ، وقد جاء توصيف المدعوين كصناع الرأى (Opinion makers) في الساحة الارترية المعارضة الذي تتعاطي معه إثيوبيا ، والأخيرة تدرك أن اى سياسة تجاه إرتريا لا يمكن ان تصاغ بمعزل عن الفعاليات الارترية المتعددة ، كما أن تنفيذها لا يمكن أن يكون من غير هذه الفعاليات ، وبالتالي هي عامل فاعل في هذه السياسة ويمكن ان ترتقي لأن تكون شريكا في صياغها إذا اقتنعت هذه الفعاليات أن هنالك مصلحة مشتركة للجميع ، وعليه فإن إجتماعاً هذه فكرته وهذا عنوانه لا يصلح أن تدعوا له غير الجهة الاصليه ، كما أن التحايل والادعاء بأن المفوضية او التحالف هو الداعي للإجتماع لا يعدو أن يكون ذرا للرماد في العيون ، ويتناقض تماماً مع مبدأ الشفافية والمصداقية التي يسعى لها الجميع ، ولأن أثيوبيا هى صاحبت الدعوة فقد كرست للإجتماع وقتاً وجهداُ كبيرين ، وليس أدل من ذلك وجود وزير بمستوى السيد (برخت سيمون ) وجودا فاعلاً وليس شرفيا في كافة جلسات الاجتماع من مبتدأه الى منتهاه . يبقى الجانب الآخر هل هنالك مانع أخلاقي او عملى من تلبية دعوة إثيوبية ؟ الأمر هنا يتوقف على منطلق كل مؤيد او معترض ، ولكن تبقى الحقائق التي لا يمكن تجاوزها أن اثيوبيا هى الداعم الوحيد والمعلن للمعارضة الارترية ، وان جل قيادات المعارضة توجد هنالك ، وكل التنيظمات لها ممثلين ومكاتب ، ومن خلال هذه القيادات والمكاتب والممثلين هنالك حوار يومي ، إضافة الى الوجود السياسي هنالك حوالي 60 الف إرتري أختاروا اثيوبيا ملاذا هروباً من جحيم النظام .
معايير الاختيار:-
بما أن الفكرة والمبادرة هي إثيوبية بتنفيذ إرتري (المفوضية ) كما اسلفت ، فإن الفكرة في ملامحها تحدد معايير الاختيار للإجتماع ، وقد حددت اثيوبيا العنوان بـ (Opinion makers) كما انها اقترحت بعض الاسماء من خلال متابعتها لهذا الملف كما تمت ترشيحات أخرى بواسطة شخصيات في المعارضة ، ولكن يبقى الاساس هو إجتهاد المفوضية في بقية الاسماء ، وعندما يطرح السؤال عن معايير الاختيار يجب أن لا يكون الضيق بالسؤال هو رد الفعل ، فهذا السؤال قائم ومشروع ، ليس مع هذا الاجتماع وحسب ، بل كل الاجتماعات والانشطة القائمة ، والسبب بسيط وموضوعي ، انه ليس لدينا مؤسسات حتى الآن ، وأن المجتمع الإرتري لا زال اقرب الى المجتمع البدوي منه الى المجتمع المدني الذي يقوم على المؤسسات ، فمثلاً عندما أنعقد إجتماع التنظيمات السياسية لم تثار قضية التمثيل والمعايير ، لأن التنيظمات السياسية لها هياكل معروفة ، ولكن فيما عدا ذلك أجد أن السؤال طبيعي جداً ، وسؤال المعايير لا يمكن حله إلا من خلال مأسسة المجتمع ، أو الإنتخابات ، أو التنافس المباشر كما يعمل به في الاختيار للوظائف ، او المشاركات من خلال أوراق في المؤتمرات ، ولكن كل هذه المقترحات غير عملية في الواقع الارتري ، أما لطبيعة المجتمع أو الظرف ، او طبيعة الحدث أو كلها مجتمعة ، وعليه تبقى القضية معلقة على الجهة التي يقع علي عاتقها إختيار المشاركين في مثل هذه الأحداث ، وطالما المسالة تقديرية فسيختلف التقدير من شخص الى آخر وهو أمر طبيعي ، والتقديرات تبنى على عوامل كثير يختلط فيها هوى الذات والموضوع ، واحيانا يصعب الفصل بين هذا وذاك حتى على الجهة المنوط بها التقدير ، ومعروف في التاريخ الإسلامي أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أختار الصحابي اسامة بن زيد قائدا للجيش وفيه كبار الصحابة ، لم يجد التقدير رضى عند البعض ، وهو وما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (ما مقالة بلغتنى عن بعضكم في تأمير أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أبيه من قبله ، وأيم الله إنه كان خليقا بالإمارة ، وإن ابنه من بعده لخليق بها ) (1) . والمعنى هنا أن التقديرات البشرية لن تجد رضى الجميع مهما كانت تحمل من سمات الدقة. ومع هذا يجب الاعتراف أن تعدد قنوات الدعوات ، وطريقتها كان يمكن أن تكون بأفضل من هذا بكثير ، كما أن هذا لا يعنى أن المشاركون هم وحدهم الذين يمكن أن يساهموا في صناعة الرأى ، فهنالك كثير غيرهم ، ولكن الاجتهاد لأحضار هذه الاسماء يجب أن يؤخذ في إطار الزمان والظروف التي أنعقد فيها الإجتماع ، كما أن ملاحظات المنتقدين يجب أن تؤخذ في الإعتبار في ما يستحدث من انشطة مماثلة.
غياب الاجندة :-
واحدة من القضايا التي أثارها البعض ومن بين هؤلاء الاستاذ سليمان حسين رئيس منظمة سدري في مقابلته مع موقع عركوكباى ، هي غياب الاجندة ضمن الدعوة (2) ، كما أن الكثيرين علقوا قائلين أن ( المثقف ) الذي يحترم نفسه لا يمكن أن يهرول الى دعوة لا يعرف مضمونها ، والكلام في عمومياته قد يكون صحيحاً ، ولكن يبقى السؤال ، ما الذي يربط هؤلاء باثيوبيا ، هل هنالك أجندة متعددة يمكن مناقشاتها ؟ هل هنالك مواضيع عن الاقتصاد او الثقافة او مياه النيل مثلاً؟ لا اعتقد ذلك ، هنالك قضية رئيسية واحدة تجمع هؤلاء باثيوبيا هى الوضع الارتري ، ومصلحة واحدة اساسية تجمعهم في هذه المرحلة ، هي إزالة النظام ، كل التفاصيل الأخرى لن تخرج عن هذا الاطار ، وكما تقول العرب فإن المعروف لا يعرف ، والذين يبحثون عن أجندة كما تعودوا في المؤتمرات والسمنارات التي تعقد في أماكن أخرى لهم كل الحق في ذلك طالما كانت القضايا الاجرائية هي مثار تركيزهم ، ولكن الفرق في بقية الانشطة ذات الاجندة المكتوبة سلفاً ، أن تلك الاحداث تصلح لأن تكون لأكثر من عنوان وموضوع ، فمثلاً اجتماع لإرتريين فقط يمكن أن يكون حول قضايا كثيرة مثلاً وضع المعارضة ، التصالح مع النظام ، مع او ضد الحصار ، السلم او الحرب ، البيئة ، الجندر ، السلام في القرن الافريقي .. ولكن عندما تكون هنالك قضية ملحة موجودة بينك وبين الآخر على الطاولة ، فلن تحتاج لتسأله عن سبب دعوته لك ، فقط عليك أن تلبي او ترفض فالأمر معروف ابتداءا . ولكن كما في الدين مدارس فهنالك المدرسية الظاهرية الذين يأخذون بظاهر النصوص ، وكذلك في الادب وغيرها من دروب العلوم الانسانية ، المدرسية الظاهرية لها وجود معتبر ، ولأن المطلوب هو حشد كافة الطاقات في هذه المرحلة ، فلا غضاضة في الدعوات المقبلة أن تكون مكتوبة ، وفيها الاجندة ، ومواعيد الاكل والشرب والراحة ، وكافة التفاصيل التي تزين الدعوات التي ألفها القوم في المؤتمرات والاجتماعات حيث يقيمون شرقاً كان أو غربا.
القضايا الموضوعية :-
عبورا الى القضايا الموضوعية ، وأعني ما دار في الاجتماع ، ولن أتبع المنهج السردي بحيث يكون حديثى وصفا لما دار في الاجتماع ، ولكن ساحاول ان اسخر المنهج التوصيفي لأضع المقال في إطار الهدف العام للحدث والتوقيت . مع بداية الاجتماع توافق الحضور على أجندة الاجتماع الاربعة كالتالي : 1- توصيف النظام. 2- تقييم وضع المعارضة. 3.ملامح تصور واستراتيجة عمل المعارضة في المستقبل. 4.ماذا تريد المعارضة من أثيوبيا ، وماذا تريد اثيوبيا من المعارضة وما هو تصور اثيوبيا لإرتريا اليوم والمستقبل . لكن هذا الاجندة من التداخل بحيث يصعب الفصل بينها ، لذا لن أتعرض لكل بند على حده ،ولكن سأحاول أن اتناولها في إطار الأهداف الاساسية للإجتماع ، والتوقيت لإثارتها فيه ، وفي الاجتماع السابق لقيادات التنظيمات السياسية ، وهذا السياق الكلى يمكن تعريفه او الإشارة اليه بالإستراتجية الاثيوبية الجديدة تجاه هذا الملف بكل تعقيداته.
توصيف أو تعريف النظام ركن الإستراتيجة الجديدة:-
لعل أبرز القضايا التي توقف عندها الاجتماع كثيراً هي توصيف أو تعريف النظام: ولكن تبرز الاسئلة التالية ، هل يشكل توصيف النظام ضرورة أو أولوية في هذه المرحلة؟ وهل لدى المعارضة فعلاً مشكلة في تعريف النظام ؟ ، وهل تعريف النظام يتطلب الغوص في جدل بيزنطي عن معنى الدكتاتورية ، او الطائفية ، او الشمولية او غيرها من التعريفات؟ وهل تعريف النظام يحتاج الى إجتماعات طارئة كما كان الحال مع الاجتماع موضوع المقال ؟ هنالك الكثير من شاكلة هذه الاسئلة تتردد في المجالس ، المعني مفهوم ويحسه كل من يعنى بشأن المعارضة فلن استرسل كثيراً في هذه الاسئلة ولكن سأحاول أن أضع تعريف النظام في إطار الرؤية الكلية للحدث.
معلوم لدى كل متابع للشأن الإرتري أن الحكومة الاثيوبية على أعلى مستوياتها وفي أكثر من تصريح أوضحت أنها خطت إستراتجية جديدة للتعاطي مع الشأن الإرتري ، والاستراتيجية بالتأكيد تشمل كيفية التعامل مع كافة القضايا العالقة ومن بينها التعامل مع النظام الارتري ، قضية الحدود ، اللاجئين ، المعارضة والمجتمع الإقليمي والدولي . ورغم أن الحكومة الاثيوبية لم تكشف عن تفاصيل هذه الاستراتيجية جملة واحدة ولكن تفاصيلها تتكشف يوماً بعد يوم ، ومن خلال قراءة وربط الاحداث الأخيرة ببعضها البعض يمكن أن نشير الى ملامح هذه الاستراتيجية في ما ذكر ومن ثم نتوسع فيما يتعلق بالتعامل مع النظام في الداخل والمعارضة الارترية :-
- فيما يتعلق بالمجتمع الدولي والاقليمي يبدو أن الاستراتجية الجديدة تسعى الى تفعيل الدبلوماسية الاثيوبية لمزيد من محاصرة النظام ، وتضيق خناق الحصار ، وهذا يبدو واضحاً من إستخدام اثيوبيا للعميلة التخريبية التي تورطت فيها المخابرات الارترية بغرض التشويش على القمة الافريقية في يناير 2011م ، وتمليك مجموعة مراقبة الصومال وارتريا (SEMG) كافة التفاصيل ، ورغم أن العملية كانت في يناير ولكن اثيوبيا أنتظرت حتى موعد مراجعة قرار فرض الحصار لتكشف عن تفاصيل القضية مما جعل حظوظ النظام الارتري لرفع الحصار متضاءلة جدا ، كما أن الدبلوماسية الاثيوبية النشطة بعد زيارة الرئيس الإرتري ليوغندا جعلت الرئيس اليوغندى يعلن في الملأ إلتزامه بكافة قرارات الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والأيقاد الداعية الى محاصرة النظام الارتري حتى يتوقف عن الدور التخريبي في الاقليم ، هذا غير الدبلوماسية الاثيوبية في السودان ومصر والمحاولات المستمرة لترميم العلاقات مع قطر ، وأخيراً الطريقة المهينة التي طرد بها مندوب إرتريا من إجتماع دول الايغاد ، والذي يتلمس الرابط بين كافة تلك الاحداث يحس بالتوجه الجدي لتفعيل الدبلوماسية الاثيوبية في خدمة الاستراتيجية الجديدة.
- قضية الحدود ، لم تعد أثيوبيا تخشى التحدث عن تفاصيل هذا الملف ومع تأكيدها الدائم بأنها مبدئياً ملتزمة بقرار لجنة التحكيم الدولية ، ولكنها مستعدة لتقديم معلومات مفصلة تدعم وجهة نظرها في أن الترسيم على أرض الواقع يحتاج الى حوار جدي ، لأن هنالك قرى إثيوبية بشعبها ومزارعها لا خلاف حول هوية تلك القرى وساكنيها قد تبعت لإرتريا وفق الترسيم ، وكذلك العكس لقرى إرترية معروفة اصبحت ضمن الحدود الاثيوبية ، كما أن هنالك قرى تم تقسيمها ، وقرى تم فصل السكان فيها عن مصادر رزقهم (مزارعهم ) وفق الترسيم ، وكل هذا يحتاج الى الحوار ودراسة الخيارات المعمول بها في السوابق الدولية مثل تبادل الإراضي او ترحيل السكان ، او غيرها من الخيارات التي لا يمكن أن تتم من غير حوار جدي ورغبة صادقة في بناء علاقات سلام مستدام.
- ضمن الاستراتيجية الجديدة في موضوع اللاجئين تسعى إثيوبيا لفتح الآفاق امامهم من خلال السماح بحق الحركة ، والعمل ، والدراسة بما فيها الدراسة الجامعية ، كما أن الحكومة الاثيوبية لا تجد حرجاً بالإعتراف بخطأ سياسة الترحيل الجماعي للإرتريين أثناء الحرب الارترية الاثيوبية 1998-2000م ، ومستعدة لمعالجة الاخطاء في هذا الصعيد مثل إعادة الاموال المصادرة او التعويضات عن الخسائر المادية التي تسبب فيها الترحيل.
ولأن هذا مما يعنى الحكومة الاثيوبية كفاعل رئيسي نعود الى تلمس ملامح الاستراتيجية الاثيوبية تجاه المعارضة ، وبالطبع النظام بإعتبارهما ملف مترابط ونحاول أن نربط بينهم السمنارات الاخيرة:-
واضح من التصريحات الاثيوبية أن عماد الاستراتجية الجديدة هى إستحالة التعايش مع هذا النظام الارتري ، وبالتالي فإن كل محددات الاستراتيجية مبنية على إزالة النظام الحالي في إرتريا ، وهذا يعنى فتح جبهة مواجهة مباشرة ، من خلال تسخير الإمكانات الممكنة ، ولأن الاستراتيجية مبنية على مبدأ المواجهة ، ولا أعنى المواجهة العسكرية رغم أنني لا استبعدها ، ولكن اقصد المواجهة الشاملة ، يقفز السؤال البديهي والمنطقى ، من المقصود بالمواجهة ؟ بمعنى تحديد العدو ، حيث تعتمد نجاح اى مواجهة على تحديد من هو الخصم المعني بالمواجهة ، وإلا ستتحول المعركة الى مواجهة دنكشوتيه ، والسعى للتعرف على العدو هو ما تعارف عليه اجتماع أديس ابابا بتعريف النظام ، ولا استبعد أن تعريف النظام قد أثار لدى الحكومة الاثيوبية ، او التنظيم الحاكم (الاهودق ) أكثر مما أثار لدى قوى المعارضة الارترية ، خاصة لدى القوة المكونة لتنظيم التغراى ، حيث لا يزال كثير منهم يعتقد أن النظام تحكمه العقلية الاستعلائية للحماسين ، وبالتالي كان سيرضى العاطفيين منهم هذا التوصيف الذي تسنده من حكايات ومرارات التاريخ ما لا يتسع له المقال ،كما أثيوبيا لم تسلم من الإتهام بأنها تحابي مكون إجتماعي او دينى في إرتريا على حساب مكون آخر ، ولعل أبرز تلك الاتهامات ما جاء في كلمة موقع عركوكباي حيث تساءلت الكلمة : لماذا الحكام التقراويون في إثيوبيا يقومون وبالتحديد في هذه المرحلة بتبني ورعاية تحرك يقوم على استعداء قومية تغرنيا في إريتريا؟ (3) ولكن العقلية السياسية البراغماتية للحكومة الاثيوبية إستطاعت تحديد ملامح هذا النظام حاصرة أياه في الفئة المستفيدة من إستحواذها على السلطة والثروة ، وهي في سبيل الحفاظ على هذه المكاسب مستعدة لضرب اى قوة أخرى حتى لو كانت تربطها بها اللغة ، الثقافة ، الدين أو الاقليم ، وعليه فإن عماد الاستراتجية أصبح لديهم واضح أكثر من أى وقت مضى ، واعنى تحديد العدو المعنى بالمواجهة حتى أنهم وصلوا الى قناعة بأن هذه القوة لا يمكن أن تتجاوز 2000 شخص من اصحاب المصالح المباشرة المرتبطة ببقاء هذا النظام ، أما بقية الجماهير فهي في منطقة يمكن كسبها لصالح التغيير أذا تم استخدام الخطاب السياسي المناسب والوسائل المناسبة لإيصال هذا الخطاب .
أما وقد وضحت الرؤية لدى الطرف الإثيوبي يأتي الدور على المعارضة الإرترية التي تؤمن الحكومة الاثيوبية أنها فعلاً صادقة في مواجهة النظام ، ولكن الصدق شئ والفعالية شئ آخر ، وهنا يقفز السؤال الطبيعي وهو ما هو الحد الأدني الذي يجمع المعارضة بالحكومة الاثيوبية ، تأتي الاجابة المباشرة في نظرية،(عدو عدوك صديقك) ومنا هنا يأتي سر الإهتمام الاثيوبي بتعريف النظام الإرتري ، إذا أنها تعرف عدوها جيداً الآن ، فهل فعلاً هو ذات العدو لدى المعارضة ؟ هنا يتضح أن القاسم المشترك في حده الأدني بين المعارضة والحكومة الاثيوبية غير واضح تماماً ، وعليه فإن الحكومة الاثيوبية تبحث فعلاً عن المعارضة التي تتفق معها في محاربة ذات العدو، هنا تكمن أهمية الوصول الى تعريف مشترك لمن تجب مواجهته بين المعارضة الارترية والحكومة الاثيوبية ، ولأن المعارضة الإرترية اليوم تتشكل من قطاعات واسعة أغلبها خارج التنظيمات السياسية ، تأتي محاولة الحكومة الإثيوبية للتحاور مع كافة القطاعات التي تشكل المعارضة والاتفاق على القاسم المشترك ومن ثم البناء عليه.
بيد أن أهمية تعريف النظام لا تكمن فقط على تحديد الحلفاء أو الاصدقاء للحكومة الإثيوبية ، إنطلاقاً من قاعدة (عدو عدوك صديقك ) ولكن أيضاً إنطلاقاً من إدراك الحكومة الإثيوبية أن المعارضة على ضعفها أصيلة في معارضة النظام ، ولكنها تعاني تشويشاً في خطابها السياسي ، خاصة الخطاب الموجه للداخل ، ولنكن أكثر تحديداً ، فإن الحكومة الإثيوبية تعتقد أن تغيير النظام يحتاج الى إستنهاض القاعدة الداعمة/ المتعاطفة معه وهي في غالبها من قومية التغرنية اذا صح المصطلح ، وهذا تجده واضحاً في المناصرين في الخارج ، إضافة الى تواجد هذه القومية في كافة مراكز القوة السياسية ، العسكرية ، الامنية ، الاعلامية والثقافية والاقتصادية في الداخل ، لكن هذه القوة الداعمة / المتعاطفة يمكن كسبها لصف المعارضة أو الحياد ما عدا اصحاب المصحلة المباشرة المستفيدة من النظام ، وهذه الشريحة ليست بهذا الحجم الذي يظهر في إعلام النظام . هذا التأييد او التعاطف الذي يجده النظام يعود أما لخطاب وممارسات النظام الذي يعطيهم الأحساس أنه يمثلهم ، وأنهم عماد البلاد وسبب وجودها ، وهنا يحاول النظام أن لايفصل بين النظام والوطن بحيث يمثل أن الوطن هو النظام و العكس ، وبقاء الاول مرهون ببقاء الثاني ، أو في المقابل خطاب المعارضة الغير واضح الذي يجعل هؤلاء في خانة الاتهام وتحميلهم مسئولية جرائم النظام ، وفي أحسن الاحوال جعلهم مستفيدين من بقاء النظام وحريصين عليه حرصهم على استمرار تلك الفوائد ، وعليه فإن تغيير النظام لا يمكن أن يتم من غير تجريد النظام من هذا الدعم والتعاطف الذي لا يوجد له ما يبرره عملياً ، وهذا لا يمكن أن يتم من غير خطاب سياسي يبنى على ركيزتين هما:
- كشف خطاب النظام المتعارض تماماً مع يظهره من أنه موجود لمصلحة تلك القومية ، ذلك أن النظام عبر تاريخه كان حريصا على مصالح تلك القومية فقط حينما تتوافق مع مصالح الفئة الحريصة على الاستحواذ على الثروة والسلطة ، وحينما تتعارض تلك المصالح فإن النظام مستعد لضرب تلك القومية او رموزها من غير رحمة ولا هوداة ، كما فعل مع المثقفين في مطلع الثورة(المنكع) او الحوداث الكثيرة للإغتيال المباشر او السياسي لكثير من رموز هذه القومية مثل مجموعة (15) ، إنتهاء بقيادتها الدينية المتمثلة في الكنيسة وقائدها ، وهذا يستدعي بالتأكيد التذكير بأن مصالح الفئة المستحوذة للثروة والسلطة تتعارض أبتداءاً مع الآخرين ، وبالتالي كانت المفارقة مبكرة مع أتباع الدين الاسلامي ، او المذاهب المسيحية الأخرى غير الأرثوذكس ، او القوميات الأخرى ما عدا التغرنية ، هذه الركيزة يجب أن تعتمد بدرجة اساسية على النخبة المعارضة من قومية التغرنية من خلال خطاب تصحيحي لهذه الصورة التي يحاول النظام تسويقها داخل القومية المحددة ، مستخدما الشبكات الاجتماعية او الدينية بما فيها الكنيسة .
- الركيزة الأخري ، تعتمد على الذين تعارضت مصالحهم منذ بواكير وجود التنظيم (الجبهة الشعبية ) او النظام بعد الاستقلال ، وبالتالي وجدت نفسها في خانة المعارضة للتنظيم أو النظام ، هؤلاء أيضاً يجب أن لا يقعوا في الفخ الذي وضعه النظام وهو البناء على خطاب سياسي يعتمد على تحميل تلك القومية مسئولية ما يفعله النظام ، ليس فقط لعدم دقة هذا الخطاب فحسب ، ولكنه ايضاً لأنه مما يخدم النظام اكثر مما يضعفه ، إذ يؤكد ما يريد النظام تمريره بحشد تلك القومية خلفه مما يطيل عمره ، ويزيد استحواذه على مفاصل الثروة ، والخطاب الذكي يجب أن يعتمد على تمييز أن ما يفعله النظام لا يصب في المصحلة الكلية لقومية التغرنية ، بل يتعارض معها من حيث المبدأ ، لأنه حتى وأن بدأ أن هنالك مصالح مباشرة وآنية للبعض في الوقت الحاضر ، ولكن المصلحة بشكلها الحالي غير مضمونة الاستمرار ، ذلك أن النظام بكلياته مبنى على موازنة مختله ، وأن كل مصحلة متحصله في ظل عدم رضا الآخرين هى مصلحة قابلة للزوال . والمطلوب هو العمل من أجل معادلة يكون الجميع فيها رابح ، وليس الرابح والخاسر ، لأن موازين القوى هى متغيرة بطبيعة الحال.
تقييم وضع المعارضة ، والإستراتجية الجديدة:-
لقد أحتل البندين المذكورين ، المرتبة الثانية والثالية على التوالي في أجندة الإجتماع ، وفي ما يتعلق بالتقييم تم تقسيم المجتمعين الى مجموعات عمل ، هي الاعلام ، الجاليات ، الاجئين ، الشباب ، كما تم تكليف قيادات المعارضة بتقديم تقييم مختصر لوضع المعارضة ومن ثم تقديم مقترحات تسهم في تجاوز العقبات ، كل المجموعات قدمت افكار جيّدة في مجالاتها ، وتلك الاوراق مطلوب تطويرها لتقدم ضمن وثائق مؤتمر الحوار الوطني القادم سواء عبر الجلسات الرئيسية او الجلسات المتخصصة إذا اقتضى الحال ، ولكن ما يعنينا هنا أن في تقييم وضع المعارضة ، إضافة الى العقبات المادية التي تواجه عمل المعارضة ، فقد كان هنالك إقرار بأن المعارضة لم تستطع أن تعمل تحت مظلة واحدة ، حتى وغالبها تحت مظلة التحالف ، ولعل السبب يعود الى الخلافات حول عاملين اساسين هما :
أ/ التاريخ : تعتبر معظم تنظيمات المعارضة الارترية الحالية إمتداد لتجربة قبل التحرير ، ومبررات وجودها الاساسية لا يزال بشكل أو آخر يسطير على جزء من خطابها السياسي ، كما أنه يحكم كافة تصرفات قياداتها حتى من غير أن تدرك ، فإزمة الثقة تعود الى معرفة القيادات ببعضها البعض في مراحل سابقة ، واسقاطات التاريخ على أحداث الحاضر ، تجعل للمنظور تفسيراً آخر ، وما أن يحدث خلاف حول قضية أنية تتعلق بخطاب او برامج المعارضة إلا وتجد تلك القيادات تعود الى عهد الجبهة والشعبية ، او تستذكر أحداث كركون وتهداى ، بل أن بعض الخلافات يذهب عميقا الى عهود حزب الوحدة والرابطة ، وهكذا تظل أحداث التاريخ ليست للعبرة والإستفادة ، ولكن لإعادة انتاجها لتسهم في تشكيل المستقبل .
ب/ المستقبل : واعني به ماذا سيكون شكل الدولة القادمة بعد رحيل النظام ، وكم ستكون الفترة الانتقالية ، وهل يسمح فيها بالتنظيمات على أساس الانتماء الديني او القومي ، هل النظام الفيدرالي أفضل ام النظام اللا مركزي ، وهل تقاد المرحلة الانتقالية بالقوة السياسية الحالية أم أن مهمة هذه القوى هي التغيير ، ومن ثم ترك الخيار للجماهير ، من هم الجماهير اليست هذه القوى من الجماهير .. هذه وغيرها من الاسئلة التي لا نهاية لها ، ولا إجابة قطعية ايضاً ، والخلافات حول هذه القضايا تشل عجلة المعارضة المترنحة أصلا .
أما ونحن على أبواب المؤتمر الوطني ، الذي يتوقع أن يناقش استراتجية مرحلة التغيير ومن ثم يختار آليات لتنفيذها ، فإن عماد تلك الاستراتيجة يجب أن لا يخطئ ما حددته إجتماعات أديس الاخيرة ، والتي تصب في مجملها في بناء إستراتيجية فعالة تحاذر استنساخ خلافات التاريخ ، أو تتقاتل على جلد نمر لم يتم اصطياده بعد ، واعنى تفاصيل المستقبل ، من خلال خطاب حاشد يحدد بدقة من هو العدو في هذه المرحلة ، بمعنى تعريف النظام او التعرف عليه ، في إطار زمني محدد لا يتجاوز الثلاثة سنوات ، وهذا يستدعي برامج تفصيلية يمكن أن تحملها الأوراق الكثيرة التي أعدتها المفوضية ، والتي ناقشتها السمنارات في مجموعات العمل ، والرصيد الكبير من الخطط والبرامج التي تزخر بها ادابير التحالف او التنظيمات السياسية ، كما أن إستراتيجية بهذا التحدي يجب أن لا تخطئ القيادات المناسبة والمستعدة لتنفيذ الاستراتيجة على أرض الواقع ، إستراتيجية بهذه المواصفات يمكن أن تكون مدخلاً لجمع فرقاء ساحة المعارضة ، كما ستجد دعما من الاصدقاء بما فيهم إثوبيا ، وقبل هذا او ذاك دعم الشعب الارتري متذكرين أنه شعب مستعد للعطاء متى ما رأى القيادة المناسبة ، والأمل ، ولنا في تجارب التاريخ عبرة في مواقف هذا الشعب ، كما أن الحراك الاخير الذي ينتظم ساحة المعارضة من خلال نشطات المفوضية او التنيظمات الشبابية وكافة الفعاليات السياسية والشعبية دليل إضافي على إمكانية بناء إستراتجية فعالة ، ومن ثم الاعتماد على الشعب لإنجاح هذه الاستراتيجة وهذا هو التحدي الذي يفترض أن يتصدى له المؤتمر الوطني القادم.
للتواصل مع الكاتب :razig2002@yahoo.com
الهوامش:-
1 / الحديث في الكتب الصحاح البخاري ومسلم وسنن الترمذي بروايات مختلفة ومضمون واحد.
2/ نص المقابلة منشورة على موقع عركوكباى على الرابط
3/http://www.shakat.com/index.php?option=com_content&task=view&id=612&Itemid=37
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17790
أحدث النعليقات