ارتريا : أمة فى مفترق الطرق
عمر جابر عمر
الأرتريون فى مفترق الطرق –
@ من جهة النظام الأرترى يعيش حالة تآكل داخلى – والحزب الحاكم استنفذ كل المخزون الذى كان يملكه ويسوقه لاستمرار حكمه ( الأنتصارات فى معركة التحرير – شعارات الأعتماد على الذات – الدفاع عن السيادة الوطنية ضد تقراى — ) وبالمقابل فان الأنجازات التى ادعى أنه حققها بعد الاستقلال أصبحت خزانات مجهرية واحتفالات مظهرية ومشاريع وهمية لا مردود لها.
النظام الآن فى مرحلة ترميم ما أفسدته التجربة ( الخطايا والأخطاء) لذا بدأ فى التصالح مع دول الجوار – السودان وجيبوتى— بوساطة من قطر. أما داخليا فان سياسة التهجير القسرى والهجرة الطوعية متواصلة ومتصاعدة والفقر وصل درجة لا يمكن تحملها والمعتقلات تزداد عددا ومساحة ومن بقى خارجها فهو مكبل – مقهور ومغيب.
@ومن جهة ثانية هناك المعارضة التى تبشر بالتغيير الديمقراطى – كيف ومتى ؟ سؤال لا جواب له حتى الآن . قيادات متناحرة ومتصارعة – برامج متناقضة ومتصادمة— شكوك تحكم العلاقات بين مكوناتها وتكرار للاخطاء والدوران فى حلقة مفرغة.
@ وبين هؤلاء وأولئك – الشعب يسمع ويتابع ولا يملك الا الدعاء الى الله ويسأل : هذا الليل متى غده؟
أولا النظام الأرترى سأبدأ به لأن ما يصيبه ينعكس مباشرة على الوطن كله حاضرا ومستقبلا.
بعد ارتكاب كل الموبقات وادمان الفشل فأن رئيس النظام قال جملة تلخص كل تجربته:
( انتاى كنقبر – كرستيان سرقتى خينوم واسلام سخرتى) – بالعربى: أصبح المسيحيون لصوصا والمسلمون سكارى!؟ ولو سأل رئيس النظام نفسه لعرف السبب ( الأسباب).
الذين يسرقون يعلمون ان الحزب الحاكم هو ( المعلم) فى فن السرقة وحامى حمى اللصوص— انه نظام سرق السلطة بكاملها من الشعب واستولى على ثروة البلاد دون وجه حق. من يخدم هكذا نظام لا بد وان يأخذ نصيبه تطبيقا لنظرية ( جحا) وملخصها: أن السلطان المجنون جمع أعيان ووجهاء البلد وقال لهم ( أريدكم تعليم حمارى هذا الكلام خلال عام واحد – ومن ينجح أعطيته مالا كثيرا ومن يفشل قطعت رأسه) ! – تراجع الجميع الا جحا الذى قال : أنا لها!؟ وعندما سألوه كيف سيفعل ذلك قال ( بعد عام اما ان الحمار سيموت أو ان السلطان المخبول سيموت أو اننى سأهرب) – هؤلاء فعلوها – هرب منهم من هرب وسجن من تم القبض عليه وتم اعفاء آخرين للقيام بمهام أخرى!؟ من اعترض على السرقة والاستيلاء على السلطة تم حبسه واعدامه ونفيه.
أما السكارى فبعد اعتقال المعلمين ورجال الدين والمناضلين من التنظيمات الأخرى ونشطاء الدعوة وعمل الخير— وبعد أن كشف النظام عن وجهه الحقيقى – لم يكن أمام هؤلاء غير ( الكأس) يلجأون اليها حتى ينسون ما حل بهم وبالوطن وكيف أنهم وجدوا أنفسهم فى سفينة غير سفينتهم وفى اتجاه غير مقصدهم. عاش هؤلاء فى غيبوبة اختيارية حتى لا يسمعون ولا يشاهدون ما يضاعف
عذاباتهم النفسية وصرخات تأنيب الضمير التى تؤرقهم ليلا.
أصبحت دولة السلطان مثل جزيرة ( روبنسون كروزو) البقاء فيها انتقائى— يعيش فيها من له القدرة على التحمل ومن يعجز عن ايجاد وسيلة للهرب. لا تعرف ما يأتيك غدا واذا أتى فهو أكثر ايلاما وأشد سوادا. لا تقدم – لا أمل – لا استغاثة تسمع ولا نجدة تصل وأصبح المستقبل مفتوحا أمام كل الأحتمالات. كانت السلطة فى ارتريا حتى الآن سلطة قائد فرد لا يسأله ولا يحاسبه أحد
الآن تعددت مراكز القرار بمختلف مستوياتها واذا وصلت الأمور الى درجة التصادم – على النظام السلام؟
سيناريوهات التغيير
# عندما تصل الدولة الى مرحلة التآكل الداخلى والعجز عن الوقوف على قدميها – يطمع فيها الآخرون خاصة دول الجوار اما تنفيذا لأجندتهم الخاصة أو وكالة ونيابة عن قوى اقليمية ودولية.
وفى هذه الحالة فانها تبحث عن قوى ارترية تكون رأس حربة اما من داخل النظام أو من خارجه.
# صحوة وانتفاضة داخلية من نفس الحزب الحاكم وأتباعه لانقاذ ما يمكن انقاذه – فى هذه الحالة يبحثون عن حلفاء من خارج النظام ( ارتريين وغير ارتريين) ولكن ذلك يتوقف على جاهزية واستعداد المعارضة الأرترية وأجندة القوى الأقليمية والدولية وأولوياتها.
الغريب انه فى الأشهر القليلة الماضية كانت كل التقارير الواردة من الداخل تجمع على ان أيام النظام أصبحت معدودة – ولكن فجأة تم ( ضخ) اكسجين النجاة له بسبب أزمة مياه النيل بين مصر واثيوبيا ورضوخ النظام لشروط جيبوتى تفاديا لتطبيق قرارات الحصا ر الدولية.
# وهذا السيناريو قد يبدو بعيدا ولكن قراءة عميقة فى عقل الدكتاتور توضح انه يمكن ان يتجه عكس ما يتوقعه خصومه ويتخذ قرارات مفاجئة بهدف الحفاظ على سلطته واستجابة لضغوط خارجية من حلفائه. كيف كانت علاقاته مع السودان وجيبوتى – وأين أصبحت الآن ؟
لا نستبعد ان يتجه جنوبا الى ( الأخوة الأعداء) – اثيوبيا — ويحسم معهم ما علق من قضايا!
من المواقف التى تم الكشف عنها مؤخرا – ان النظام الأثيوبى بعد انتصاره فى حرب بادمى أراد ان يطوى صفحة الماضى ويتفرغ للبناء الداخلى – اعتقد ان الشعبية تكون قد استوعبت الدرس وعرفت حجم وحدود حركتها. أرسلت اثيوبيا مبعوثا سريا خاصا الى أسمرا وقايل أسياس وقال له
(حدد الزمان والمكان ونحن على استعداد للتفاوض)!؟ استدعى أسياس مستشاريه وقال لهم
ان ( ويانى تطلب الجلوس معنا) – وبعد نقاش غير طويل خرج الأجتماع برؤية تؤكد ان
الشعبية لم تستوعب الدرس وأخطأت مرة ثانية فى قراءة قدرات وامكانات اثيوبيا كما فعلت قبل حرب بادمى. كان الرأى لذلك الأجتماع يقول ( أيبلناكم دو)؟ وكان الدكتاتور فى جلسات غسيل المخ التى ينظمها لأتباعه قد قال لهم : ان ويانى ستأتى صاغرة زاحفة تطلب العفو والغفران !؟
هذا السيناريو لو تم فان التغيير سيصيب جسم المعارضة – بعضها سيلتحق يالحلف الجديد وبعضها سيعود الى العمل السرى!؟
ثانيا المعارضة الأرترية فى محاضرة له عن تجربة حزب المؤتمر الوطنى فى جنوب افريقيا
قال ( اندريه زاينمان) العضو القيادى وخبير التخطيط والتعبئة: هناك معادلة يجب توفرها من أجل نجاح أى حركة تناضل ضد نظام تريد تغييره –
1-أن يصل الأستياء والرفض لدى القواعد أقصى درجة.
2-أن تكون هناك جاذبية يمتلكها ويبشر بها البديل.
3-توفر شفافية ومصداقية المنهج.
كل العوامل السابقة يجب أن تكون أقوى وأكبر من آلام وتضحيات عملية التغيير.
ما هى النتيجة اذا طبقنا تلك المعادلة على المعارضة الأرترية؟
المعارضة مشغولة ومنهمكة فى ترتيب أوضاعها وتحديد مساراتها وآلياتها ( غياب الشفافية والمنهج).
# يجادلون ويسألون :ملتقى أم مؤتمر؟ تحاف أم مجلس وطنى؟ — ضبابية الرؤية.
# قيادات لا تجمعها مركزية واحدة – متصارعة ومتشككة فى بعضها البعض – تشك فى قدراتها الدول الداعمة ولا تثق فى وعودها القواعد الشعبية ( غياب عامل الجذب).
# يجادلون فى حق تقرير مصير القوميات ومصير أمة بكاملها فى مفترق الطرق؟
# يجادلون حول أيهما أفضل وأسرع حسما لتحقيق التغيير الديمقراطى : السلاح أم المفاوضات؟
فلا رافع شعار السلاح تتوفر لديه القدرات والشروط لتطبيق شعاره ولا داعية المفاوضات يجد من يستمع اليه ويجلس معه!؟
# يجادلون ويتبادلون الأتهامات الى درجة التخوين والعمالة والنظام يقول ( اللهم أشغلهم بأنفسهم)
# المعارضة أصبحت محكومة بميراث وموروث التجارب الماضية وصراعات نفوذ الحاضر
والقلق من المجهول القادم فى المستقبل.
# انها تعيش فى ظل غياب مرجعية مركزية وضياع التخصص واختلاط الأولويات.
الآن تواجه المعارضة السؤال الكبير: الى أين؟ الى المؤتمر الوطنى بقيادة المفوضية أم الى
( الملتقى ) الموعود بقيادة حزب الشعب ؟
ثالثا – الشعب ماذا يفعل الشعب وهو يرى النظام يبحث عن مخرج ووسيلة للبقاء والمعارضة
تبحث عن مرسى وكل منهما لا يمتلك قدرات وآليات تحقيق أهدافه ؟
واذا كنا نجد العذر لمن هم داخل السجن الكبير ( الوطن ) لأن الأفواه مكممة والأيدى مكبلة والأرجل مقيدة فما هو عذر ومبرر من هم خارج الوطن فى اتخاذهم الموقف السلبى تجاه المعارضة؟ معظم هؤلاء يعيشون فى بلاد ديمقراطية تتيح لهم حرية الحركة والتجمع والتظاهر والتحدث من المنابر الأعلامية. لكنهم اتخذوا موقف المتفرج المحايد بين النظام والمعارضة فى انتظار معرفة المنتصر!
هل السبب هو ضعف برامج ونهج المعارضة وفشلها فى جذب تلك القواعد واقناعها بأنها هى البديل للنظام؟ — ربما.
هل السبب هو فى آليات وخطاب المعارضة ما تسبب فى عدم وضوح الرؤية ؟ فى هذا الأتجاه فان المواقع الألكترونية المستقلة ( والتى يفترض انها من والى الشعب ) تسهم فى عملية التشويش بوعى أو دون وعى – كيف؟ بعض المشرفين على تلك المواقع لا يقرأون ما ينشر فى مواقعهم وبعد أن يلفت نظرهم الى الخلل يتم السحب ولكن التأثير يكون قد حدث. بعضهم لا يعرف هوية وسيرة من ينشرون له وربما يكون من معسكر مضاد للمعسكر الذى يمثله صاحب الموقع – أى
معسكر المعارضة. بعضهم يستمتع بعرض خلافات وصراعات قيادات المعارضة الأمر الذى يؤدى الى تمحور واصطفاف القواعد – وكله بحجة حرية الرأى وتمليك الحقائق للشعب !
من جانب آخر هناك أمية سياسية وسط القواعد خاصة بين المهاجرين الجدد من جيل الدولة.
ان العزوف عن المساهمة فى أنشطة المعارضة الأرترية واتخاذ موقف المتفرج علامة غير صحية واذا استشرت تلك الظاهرة فان السؤال لن يكون عن مصير النظام ولا عن المعارضة بل ان الأمة بأسرها سيكون مصيرها فى مفترق طرق.
ما هو المخرج؟ هل يلجأ الشعب الى الرجم بالغيب وانتظار المجهول أم يبحث عن المخرج من الذى أمامه وحوله وما تسمح به قدراته؟ عندما تعجز الشعوب عن الوصول الى غاياتها بسرعة فانها تنسج الأساطير وتختلق الحكاوى كسلاح للحماية ولتقوية ملكة الصبر والتحمل لديها. يحكى أبناء كرن اسطورة تقول انه كان هناك باب فى ( فورتو) مكتوب عليه – أفتح الباب وشوف بختك –
لم يشاهد أحد ذلك الباب ولم يحاولون فتحه خوفا من المفاجأ ة فقد يكون ذلك البخت أسوأ من الحاضر! وبعد انسحاب الجيش الأثيوبى من المدينة ( يوم الجمعة ) ذهب مئات من أبناء المدينة الى – فورتو
بحثا عن ذلك الباب. حطموا كل الأبواب ولكنهم لم يجدوا شيئا ! وفى اليوم الثانى – وكان يوم السبت – دخل الجيش الشعبى الى المدينة !!
ما العمل ؟ كان الأستاذ على برحتو – أطال الله عمره – يعلق حينما تبلغ الأزمة داخل التنظيم ذروتها ويقول ( الحل فى الحل ) الأولى بمعنى المخرج والثانية بمعنى التغيير.
@ لا مخرج للنظام الا الأعتراف بأنه وصل الى طريق مسدود وعليه الجلوس الى المعارضة والتحاور معها .
@ على المعارضة أن ترتفع الى مستوى التحدى – اذا كنا ننادى بالمشاركة فى اطار الوطن وبدولة العدالة والمساواة لكل الأرتريين – كيف نقبل بأ ستئثار تنظيم واحد ( أو توجه واحد )
بقيادة المعارضة؟
@ اذا كان النظام قد بدأ مرحلة العد التنازلى فعلى المعارضة ومكوناتها أن تبدأ مرحلة الصعود من خلال تبنى وممارسة النهج المعاكس ( تعددية سياسية مقابل هيمنة الحزب الواحد ) وهى المقدمة الضرورية للتغيير الديمقراطى.
@ اشراك الشعب فى كل الأنشطة للآستماع الى آراء وهموم القواعد وليس لأملاء قرارات وموقف عليها. لا بد من النزول الى المكونات الأجتماعية والثقافية والأرتقاء بها الى تبنى خطاب وطنى جامع,
@ التمسك بالثوابت الوطنية والتأكيد على أن كل القضايا العالقة يمكن ويجب حلها فى دولة العدالة والمساواة – دولة القانون والتعددية السياسية – د ولة المركز الجامع والمراكز الرافدة والمكونة للكيان الواحد.
@ المنظمات الجماهيرية وخاصة منظما ت المجتمع المدنى مطالبة بالقيام بمبادرات لامتلاك آليات عمل مستقلة تساعد على احتواء الصراعات وتنوير القواعد. عليها دعم وتقوية ما هو ايجابى فى حركة المعارضة ونقد وكشف كل ما هو سلبى ومتناقض مع الثوابت الوطنية. لا بد للحركة الجماهيرية أن تنطلق من شعورها وايمانها بالمواطنة المتساوية وأن تتسلح بالقدرة على قراءة المستجدات والتفاعل مع تحديات الحاضر ومواجهتها. أما المستقبل فهو موجود بيننا – فى حاضرنا
علينا استحضاره وتجميعه ورسم ملامحه لنتجه اليه وفق خارطة طريق نتفق عليها.
كان الله فى عون الشعب الأرترى
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=9358
أحدث النعليقات