الآقدار والمقادير
بقلم / عمر جابر عمر
هل هناك فرق ؟ ربما …. فى ترتيب المقاصد واستخلاص المعانى .
فالاقدار يقصد بها المجهول وما يأتى به الغيب مثل الزلازل والبراكين والفيضانات الخ . والمقادير هى ما يتم تحديده ويقصد به جماعة او فردا واحدا . مثل أن تسقط طائرة ركاب فى غابات الآمازون فذلك قدر وان ينجو بعض ركابها لا لسبب معلوم فتلك مقادير والله أعلم !!
لماذا أقول ذلك ؟ لاننى عشت فى الفترة الماضية تجربة عجيبة غريبة لعبت فيها الآقدار دورا أساسيا وحددت المقادير درجة ومستوي ما أصابني منها .
فجأة وبلا مقدمات – كما يقول الفنان الكابلى – ضربتنى موجة (( تسونامى )) نقلتنى من عالم الآحياء الى عالم لاهو عالم الاموات ولا أعرف اين هو بالتحديد . فقدت القدرة على السمع والرؤية والكلام ودخلت فى غيبوبة لا أعرف كم دامت ولكن الاطباء والمراقبيين يقولون انها اسابيع .
يقول أحد الآطباء المعالجين التقنيين بعد مرور الآزمة بأننى (( محظوظ )) جدا لاننى خرجت سليما ومازلت بين الآحياء . قال أن 85% من الحالات المشابهة لم تكتب لهم النجاه .
الغريب اننى لم اشعر بأى ألم ولم اتعرض لحادث ولم أعانى من مرض قديم مثل داء السكر الذى عشت معه لسنوات طويلة . كلا بدون ألم ولا انذار كانت الضربة فقدت بعدها الوعى .
قلت للطبيب انت تقول أنه الحظ ولكن فى عقيدتنا وثقافتنا نقول أن ساعة الرحيل لم تحن بعد وأن المكتوب هو الذى يحدد تلك الساعة . وبعد نقاش طويل لخصت له وجهة نظرى فيما حدث كما يلى :
1 / اننى بالفعل محظوظ ان وجدت نفسى فى بلد مثل استراليا تقدم فيها الطب كثيرا وبلغت الخدمات الصحية فيها درجة عالية من الكفاءة . وترحمت على المناضلين الارتريين فى كل مكان الذين شاءت الظروف ان يجدوا أنفسهم فى مكان لاتتوفر فيه مثل تلك الخدمات وكان اخرهم الفقيد سيوم عقباميكائيل .
فمن استخدم اخر ما توصل اليه الطب فى هذا المجال ( القلب ) ومن تجميد وتنشيط اصطناعى لآجهزة الجسم الى دقة وسرعة البنية التحتية لذلك النوع من الخدمات ، وكل ذلك بالكمبيوتر وجدت نفسى فى نهاية الآمر فى بر الآمان .
2 / فى مدخل المستشفى هناك ( زاوية ) صغيرة مخصصة للآقامة الشعائر الدينية حيث امتلآت بالمصلين الذين واصلوا قراءة القران والدعاء طيلة أيام المحنة.
3 / وكان موقف الجالية الارترية فى استراليا ملفتا للنظر ولفت انتباه الاطباء والمسئولين فى المستشفى ، تقاطر الارترين ليل نهار كبارا وصغارا نساءا ورجالا للاطمئنان بل وكان منهم اصدقاء من بلاد افريقية ( السودان – اثيوبيا – الصومال ) بل وحتى نواب فى البرلمان الاسترالى هذا غير الاتصال الهاتفى والرسائل الالكترونية من كافة انحاء العالم .
بل وكان ضمن من زارنى فى المستشفى السفير الارتري فى استراليا والقنصل الارترى فى ملبورن . وبغض النظر عن التفسير وما اذا كانت مبادرة شخصية او كسر للحواجز السياسية فهى تعكس عمق وتجذر الطبيعة الانسانية فى المجتمع الارترى وهو ما يجعلنى اعتز وافخر بانتمانئ لهذا الشعب الآصيل .
4 / العامل الرابع – قلت للطبيب الاسترالى كان جديدا بالنسب لى . اسمعت أشياء متفرقة وقرأت عنه بعض المقالات ولكن لم اعرف ان له هذا الدور العملى فى العلاج – انه عامل ( الموسيقى ) !
ففى الفترة الآخيرة وانا فى حالة الصراع بين الغيبوبة والوعى تسربت الى مسامعى اصوات موسيقية أعرفها ولكنى حسبتها خيالا وتصورات مخزونة . سألت الطبيب المشرف (( تونى )) ما هى تلك الموسيقى ، أجاب : انها الموسيقى المفضله لديك ! قلت عرفت ذلك وما الهدف منها ؟ قال : سألت الاهل والاصدقاء وعلمت انه فنانك المفضل والهدف هو اعادة ترتيب للاحداث فى ذاكرتك والفصل بين الخيال والواقع واعطاء العقل مساحة أوسع للعمل !
وتذكرت قول ( ابو العلاء المعرى ) عن العقل وقيمته ومكانته فى وجود الانسان وتحديد وتوجيه حركته .
ومن يومها وحتى خروجى من المستشفى كنت استمع يوميا الى الفنان محمد وردى !
تلك هى مجمل العوامل ولكن القرار المركزى ( عدم كتابة النهاية ) كان مكتوبا سلفا .
والى حين قدوم الموجة الثانية من ( التسونامى ) وحتى تحين ساعة الرحيل سنواصل المسيرة والوقوف على اقدامنا وتمنياتي لكل مريض بالشفاء . وكل عام وانتم بخير .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7061
أحدث النعليقات