الأحداث في إثيوبيا
تــــمهيد : ربما نحتاج في الحديث عن أقاليم إثيوبيا الرجوع الي التاريخ الإثيوبي الحديث منه أو القديم للتعرف علي خلفية علاقات هذه القوميات ببعضها وتكوينها وخلفية إجتماعها وإلفتها أو تفرقها ونزاعها ، لكني سأترك ذلك للمختصين والمراجع التاريخية لمن أراد الإستزادة وأنتقل الي الأحداث الأخيرة حسب ما تيسر وهي أحداث تلقي بظلالها علي الساحة الإرترية فإثيوبيا مثل حيط الجار إذا أزيل إنكشفت ساحة المنزل وتعرضت لكل موج ولو كان عابرا وإذا إحترق منزل الجوار تكون المخاطر أكبر ، ثم أن لإثيوبيا جذور وعروق شريان ممتد في الكيان الإرتري ، مهما تجاهله وتنكره الإرتريون يبقى واقعا يفرض نفسه وتؤكده الوقائع التاريخية بين الشعبين .
حارب ملوك إثيوبيا في العصور الحديثة الحداثة والتطور التقني خوفا من إندياح التعليم في المجتمعات المحصورة في هضبة الحبشة ولذلك أقفلت علي القوميات الإثيوبية أبواب التعليم الحديث إلا أن الملك الأخير هيلي سلاسي فطن إلي ضرورة التعليم مع تمييزه وحصره علي الفيئات المسيحية ، ومع أن قومية التجراي أكثر قومية تغلب عليها المسيحية ربما بنسبة تفوق ال 90% إلا أنها ضمن من طالها التهميش من القوميات ربما لمعارضتها ونزاعها في الملك في القرنين الماضيين وهو في إعتقادي ما دفعها الي إعلان الثورة وتأسيس جبهة تحرير تقراي ثم الجبهة الشعبية لتحرير تقراي إسوة بالثورة الإرترية والإنتصار سويا علي حكم منقستو في مايو 1990 م .
تحظى إثيوبيا بنظرة خاصة من الغرب فالكل يجمع علي حمايتها شرقا كان أو غربا وهذا ما تأكد منذ التاريخ القديم حيث نجد التحالف الروماني معها ضد الفرس في اليمن وحملة أبرها المعروفة ، وجاء الأسطول البرتغالي كما هو معروف في التاريخ لحمايتها من الخلافة الاسلامية التركية ، وقد شكل الإستعمار البريطاني وأمريكا في القرنين الماضيين ظهيرا لإثيوبيا فقد حمل البريطانيون الإمبراطور هيلي سلاسي بعد إنتصارهم علي إيطاليا في الحرب العالمية الثانية من مدينة مروي في السودان الي أسمرا بدلا من أديس أبابا ، تأكيدا لحقائق تجلت وأنكشفت فيما بعد ، وقد دُعم النظام الشيوعي في إثيوبيا في السبعينيات من القرن الماضي من قبل أمريكا وبريطانيا والغرب عامة في قمع وحسم الثورات في أوغادين وإرترية ، وكان زوال نظام منقستو وإنفصال إرتريا حل مبرمج من الغرب وهي حقيقة لا تحتاج الي براهين ، وحديثا قرأنا الكثير عن الدوائر المعنية بإستراتيجيات الغرب في المنطقة وتواصيها بحماية إثيوبيا والحفاظ علي وحدتها ، فهذه حقائق يجب إستصحابها دائما عند الحديث عن إثيوبيا خاصة .
وقبل أن أخوض في الحديث عن الأحداث في إثيوبيا أريد تأكيد أنني أقف علي مسافة واحدة من القوميات الإثيوبيا وليس لي ميل لأحد إنما هي روايات ومتابعات أسردها من باب تقدير الموقف من مسافة قريبة ومرئية ، فهذا من باب تأكيد الحيادية .
ما الذي يحدث في إثيوبيا ؟ .
الصراع علي الأرض يشكل السبب الأساسي في أحداث إثيوبيا فكل قومية لها أرضها وكل فئة أو بطن من القومية لها أرض حتى داخل القومية الواحدة ولذلك راعى النظام الفيدرالي هذه الخاصية للشعب الإثيوبي وأمنَ عليها .
وقد بدأ الصراع بمطالب بسيطة ومشروعة ، لكن تلك المطالب توسعت الي الأعقد والأخطر وتتالت الأحداث بشكل سريع وتنامت المشاكل كأنها نار في الهشيم ، ففي إقليم أوروموا بدأت الأحداث الأولى بسبب أن العاصمة أديس أبابا تقع في هذا الإقليم ويبدوا أن الحكومة المركزية تواثقت علي أن تبقى في حدود محددة للعاصمة لا تتجاوزه ولكن العاصمة توسعت بالمصانع والمنشآت والإستثمارات حتى وصلت الي عاصمة الإقليم ” نازريت ” وهنا بدأت مطالب الإقليم بالرجوع الي حدود العاصمة وفعلا أو قفت الحكومة تلك المنشآت وأزيلت ولكن تتالت المطالب وتوسعت لتشمل التشكي من التهميش واحرقوا بعض المصانع والمنشآت وتؤكد الأحداث الأخير بالقرب من أديس أبابا والتي راح ضحيتها أكثر من 50 شخصا في بداية اكتوبر الحالي وأعلنت الحكومة الطوارئ بعدها في البلاد أن الأوضاع غير مستقرة يقول : ( أحد أبناء أروموا أن التقراي أصبح بحكم أنه السلطة يتدخل ويمتلك الأرض ويهيمن علي البلد وهذا لم يرضي أبناء الأقاليم الأخرى ) .
أما إقليم الأمهرا فيبدوا أنه كان يختزن غبنا ويكبت وحقدا إنفجر في بحر دار عاصمة الإقليم منتصف شهر اغسطس 2016 م ، عندما اقام التجراي حفلا ضخما في المدينة هجم الامهرا وقتلوا حوالي 30 شخصا في الحفل ومن لحظتها إشتعلت أعمال العنف ضد التقراي في كل أنحاء الإقليم فأحرقت الممتلكات والقرى والأسواق إضافة الي أعمال القتل مما تسبب في لجوئهم من مدينة شهد والمتمة وما حولهما من القري الي الحدود السودانية ثم عادوا وتم تعويضهم نقدا في أول نقطة للحدود وصلوا اليها وهي نقطة تلقدي ونقلوا الي إقليم تقراي كل في منطقتة، والعدد يقارب الـ 3000 أسرة وغادر كل الافراد الذين كانوا يعملون في التجارة في إقليم الأمهرا بسرعة ، وكادت تنطفئ الفتنة إلا أنها تجددت بعد ذلك اثرقيام تاجرا من التجراي بقتل أحد تجار الامهرا بمسدس لتبدأ عملية الإغتيالات في وسط التجراي ، ومن المناطق والمدن التي تم حرقها في اقليم الامهرا ما يلي :
– مدينة بحر دار وهي عاصمة اقليم الامهرا .
– ومدينة قندر وهي مدينة كبيرة وعريقة .
– ومدينة شهد أحرقت وما حولها من القرى .
– ومدينة المتمة وضواحيها .
واستمرت الاحداث فكلما اطفئوا نارها بدأت تشتعل من جديد فبعد ايقاف الشغب وحجز كل قومية في منطقتها إستأنفت في مدينة قندر من جديد بحرق 500 دكان في ليلة واحدة في منتصف شهر سبتمبر 2016م نفذه افراد معدودين مما دلل علي ان هناك جهات تحرك الشغب ولا تريده أن يتوقف .
ويتعلل الأمهرا – وهي القومية التي كانت تحكم إثيوبيا قبل النظام الحالي واللغة القومية لإثيوبيا لغتها – إضافة إلي الشكاوي الأخرى أن جزءْ كبيرا من أراضيهم ضم الي إقليم التقراي وهو من أسباب احتجاجاتهم الأساسية والمساحة التي ضمتها الحكومة الإثيوبية الي التقراي تقدر ب 100 كلم2 من منطقة تعرف ب” سروقا غربا الي منطقة سمرت شرقا ” ، ورأي الحكومة الإثيوبية في ذلك لخصه انور ابراهيم كاتب اثيوبي / يعمل في الاذاعة الاثيوبية / يقول في مقال له وصل اليَ عبر وسائط التواصل الإجتماعي :
أن ” قضية ولقايت لم تكن قضية هوية او حدود بل هي قضية من لا قضية لهم فوالقايت لم تكن حدث فان ادخال جزء منها في اقليم تقراي ( المتحدثين بالتقرنية ) لم تتم امس او اليوم بل كانت عقب المصادقة علي الدستور الاثيوبي وبعد ان تم مراجعة كل الاقاليم والتي بموجبها تم ادخال ولقايت في اقليم تقراي عقب ادماج اقليم قندر السابق الي اقليم الامهرا ( تقسيم البلاد حسب القوميات الي 9 اقليم ) وولو وقوجام لامهرا لكونهما من قومية الامهرا فمضى علي هذا الحدث قرابة العقدين من الزمن اين كان ابناء ولقايت في تلك الفترة ؟ لماذ لم يطالبوا بعودة اقليم قندر في تلك الفترة ؟ والذين يطالبون ان تكون ولقايت في قندر فقندر الان مجرد مدينة وليس اقليم وهذا يوضح ان مطالب اقليم الامهرا ليست مطالب هوية او حدود بل هي قضية الهدف منها زعزعة واستقرار البلاد وبتمويل خارجي .
فولقايت هذه قصة اخرى في التكوين والتأسيس وكيف بدات ونمت ؟ ومن اين انحدرت هذه القبيلة وماهي الثقافة الاقرب لها ؟ واللغة التي تتحدث بها ؟ واسماء المدن والمناطق الخاصة بها ؟ ولماذا تم ادخالها في تقراي ؟ وكيف ؟ وما علاقتها بالشفته ؟ وانتشار السلاح في يد الشفتة التي شكلت تهديدا علي المناطق الحدودية بين السودان واثيوبيا ”
والذي أذكره بشأن الوالقايت أن بعض الآباء العارفين بأصول الحبش يؤكدون أن الوالقايت تنتمي لقبيلة حماسين الإرترية إنتماءْ لا جدل عليه ولا شك فيه ، وقد طرد أثناء الحرب في التسعينيات بين البلدين عدد كبير منهم علي أنهم إرتريون وأسكنوا في القاش فلغتهم تقرينية وأصلهم حماسين حتى وإن إنتموا الي إقليم الأمهرا ، ولا أشك في أن الحكومة الإرترية هي التي تفتعل مشكلاتهم وتغذيها لأنها تريدهم أن ينتقلوا اليها ويتحولوا من إثيوبيين الي إرتريين فهي تهدف الي خلق توازن سكاني يرجح كفة عنصرها .وتغريهم لذلك بمستوطناتها الجديدة في منطقة كركبت وغيرها .
وتؤكد الحكومة الأثيوبية أن إرترية ضالعة في الأحداث من خلال تدريب مجموعة كبيرة من المعارضة الإثيوبية علي العصيان المدني وأن أعدادا كبيرة تفوق ال ” 1000″ من هؤلاء تم القبض عليهم وأنهم كانوا يستعملون المال والتحريض كما أن المعلومات المتداولة تؤكد وجود الأيدي الإرترية في إفتعال الأحداث الأخيرة في إثيوبيا .
وتجزم إثيوبيا أن وراء إرتريا مصر وبعض الدول العربية :( هناك دعم للمعارضة الاثيوبية من الخارج وهذا ما نراه خلال حراكهم داخل الدول العربية وجذب الناطقين بالعربية من عدد من الدول وتجميعهم داخل الاراضي المصرية مع توفير الفرص التعليمية وتقديم المنح والمساعدات الشيئ الذي زاد من تعدد مواقع التواصل الاجتماعي الناطقة بالعربية والتي تتحدث باسم المعارضة الاثيوبية وخاصة جبهة تحرير اورومو …. وعبر الاراضي الارترية يتم تمويل الحراك الذي بدا في اثيوبيا وخاصة الشمال ولقربه من الحدود الارترية لدعم بعض الجماعات ومعروف ان هذه الاموال اكبر من قدرات ارترية والتي تعجز عن توفير اقل الامكانيات بل الممول معروف هي الدول التي لها هدف في ايقاف سد النهضة ) المصدر السابق .
ومن التأثيرات السابة يلاحظ أنر عملية الشغب حولت طريق التجارة بين السودان وإثيوبيا بدلا من طريق ، حمرا – قندر – بحر دار – أديس أبابا ، إلي حمرا – شري – أكسوم – مقلي – أديس أبابا ، وقد إنتعش هذا الطريق الذي يمر بإقليم تقراي بينما قفل طريق بحر دار بحجة إنعدام الأمن فيه وهي عملية ستنعكس علي إقليم الأمهرا سلبا .
أما داخل اقليم التجراي الجميع يعيش ءامنا فلا احد يتجرأ بالإعتداء علي باقي القوميات لأن الحكومة ضابطة ومتحكمة في شعب التجراي ولذلك توجد كل القوميات كل حسب عمله في أمن وإستقرار وتعايش وإنسجام ، ويؤكد بعض المراقبون أن الكثير من الاحداث تجنبتها الحكومة وتهربت من إتخاذ العنف في مواجهتا فلو كان رد فعل مدعوم أو غير مدعوم لأبناء التجراي لكانت النتائج أكبر ولعظمت المصيبة .
أما الجيش الاثيوبي أغلبه غير القيادات العليا يتكون من الأمهرا والأورموا ولذلك وقف موقف متفرج رغم فظاعة ما كان يحدث أمامه ويبدوا أنه جنب وأبعد من مباشرة التدخل ربما درءْ للفتنة وخوفا من الإنزلاق في الأحداث ، وهناك تكهنات الآن بأن التجراي بدأ التجنيد في شعبه وتدريب أعداد منهم لدخول الجيش وتكوين وحدات خاصة لحماية السلطة .
والخلاصة سيطرة أبناء قومية التقراي علي السلطة السياسة والنشاط الإقتصادي
والثقافي وغيرها من أعمال الحكم والدولة جعلهم ينشطون في كل الأقاليم الإثيوبية ويمتلكون الأرض وهو سبب تمرد الأمهرا والأوروموا بالخروج عليهم .
إستنتاجات :
– المشاكل في إثيوبيا بدأت بشكل صراع شعبي بين القوميات ولم يظهر أي أثر سياسي حتى الآن في الداخل إلا ما تدعيه معارضة الخارج التي قد لا يُؤكد الولاء لها .
– لا أحد يعرف كيف هو حال القيادة العليا في الإهودق التحالف الحاكم في إثيوبيا والذي يضم كل القوميات ، ويتوقع أن الأحداث مقيمة عنده بأنها فعل خارجي وشغب شعبي يجب مواجهته بالإجماع علي أنه يمس الأمن القومي للبلاد ، ومع ذلك لايخلو الأمر من بعض الشائعات بأن قيادة الأهودق غير منسجمة مع انها مازالت متماسكة .
– القوميات الجنوبية الستة في جنوب البلاد شديدة الولاء للتجراي لأنها كانت منسية ، ومنها ينحدر رئيس الوزاء الحالي .
الخلاصة : بناءْ علي كل ماسبق يتوقع أن تحل الحكومة الإثيوبية المشكلة لتجنبها إستعمال العنف ، ولظهور الدور المصري خلف المعارضة حيث يجمع الإثيوبيين علي أن الأمر يمس سيادتهم علي أرضهم وحقهم في إستثمار مواردهم الوطنية ، إضافة الي أن مشكلة الأرض حلت تقريبا بحجز كل قومية في أرضها وخاصة التجراي ، كما يتوقع الدعم الغربي والكنسي لمنع تطلع باقي القوميات وخاصة المسلمين الي السلطة
والله أعلم
صالح كرار 16/10/2016 salehkarrar@Gmail.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=38008
أحدث النعليقات