الأزمة اليمنية وانعكاساتها على امن البحر الأحمر والقرن الأفريقي
عبده ابراهيم
مركز دراسات القرن الافريقي
يتمتع اليمن بموقع استراتيجي فريد، فهو يمسك بزمام مفاتيح الباب الجنوبي للبحر الأحمر، وهناك تداخل وثيق بين مضيقي هرمز وباب المندب وقناة السويس، فهذه الممرات الثلاثة تعتبر الطريق الرئيسة للناقلات المحملة بنفط الخليج العربي باتجاه أوروبا (%30)، وجميع تجارة آسيا مع اوروبا تعبر إلى البحر المتوسط عبر مضيق باب المندب، كما يربط حزام أمن شبه الجزيرة والخليج العربي، ابتداء من قناة السويس، وانتهاء بشط العرب. ويعد اليمن أيضا الشاطئ المقابل للشاطئ الافريقي وبذلك يؤثر ويتأثر بما يحدث فيه وفي دول القرن الأفريقي ومن هنا، يمثل اليمن ركنا أساسيا لأمن الخليج العربي وبوابته الجنوبية، وكذلك بالنسبة لدول القرن الأفريقي ولبقية الدول العربية، خاصة مصر، التي تعتمد في دخلها القومي على قناة السويس، فأي سيطرة أجنبية على هذه الممرات تعني خنق الرئة التي يتنفس منها الخليج العربي والجزيرة العربية، ليس فقط لأنها ممرات لناقلات النفط، إنما لأنها ممرات لاستيراد وتصدير السلع التجارية مع أسواق العالم الخارجية، وخاصة أوروبا وأميركا ودول الشرق الأقصى في آسيا من أجل ذلك ينبغي أن يشارك الجميع للحيلولة دون انهيار اليمن الموحد وإبعاده ولو قليلا عن فوهة البركان.
لا أحد يتنبأ كيف ستكون نهاية الأحداث الدرامية التي يعيشها اليمن والتي اشتدت مع تحولات الربيع العربي ثم مالت إلى حيث شاءت بعض التدخلات العالمية والإقليمية حتى اجتاح الحوثيون المدعومين من أطراف مناوئة لثورات الربيع العربي في الداخل والخارج حتى تمكنوا من الاستيلاء على أغلب المدن الشمالية دون مواجهة حقيقية من الجيش اليمني، لأن الجيش الذي يفترض أن يحمي اليمن كان قد بنى أركانه علي عبد الله صالح فكان جيشا لحماية النظام، وعندما تخلصت الثورة اليمنية من حكم أسرة صالح بدأت ولاءات هذا الجيش في الميل نحو أقطاب اسرة صالح التي اتجهت لتغيير تحالفاتها فاتجهت إلى التحالف مع الحوثيين أعداء الامس، لذلك صارت أغلب وحدات الجيش تعمل سرا أو علانية لتمكين الحوثيين فأدخلوا اليمن في متاهة ومنعطف خطير بعد سقوط مقرات صنع القرار السياسي في أيدي الحوثيين بتنسيق تام بين مكونات هذ الحلف الجديد حيث صرح مركز أبعاد اليمني بأن 70% من قدرات الدولة العسكرية أصبحت في يد مليشيات الحوثي مما أوصل اليمن إلى شفى هاوية، بل شكل هذا التحالف نذر شؤم يضع مستقبل اليمن في محك بين الاستمرار كدولة محورية في الاقليم أو الانزلاق إلى دولة فاشلة تصبح مصدر تهديد لأمن واستقرار الاقليم برمته، ولذلك كان من الضروري أن يكون هناك تدخل إقليمي يعيد الامور إلى أوضاعها الطبيعية وفق ما نصت عليه المبادرة الخليجية، وأن يجري الحوار بعيدا عن تهديد السلاح الذي لجأ ليه الحوثيون وحليفهم علي عبد الله صالح .
والأمر جلي أن استراتيجية الحوثيين نابعة من رغبة التوسع الإيراني ويتضح ذلك من تمددهم في مناطق النفط وفي مواقع ذات أهمية استراتيجية وجيوسياسية، لكن تكتيكات العنف وسياسات الانتقام التي يتبعها الحوثيون حتما خلقت لهم أكثر من عدو ووحدت كثير من الجهات والقبائل ضدهم، وهذا يقلل من طموحات داعمي الحوثيين من الإيرانيين الذين يعملوا منذ مدة ليست بالقصيرة من أجل تمكين الحوثيين على حكم اليمن أو على الأقل أن يكون لهم نفوذ يساوي نفوذ حزب الله في لبنان، أو بديل له لأن هذا الحليف الذي كان يضمن لها الإطلالة في البحر الأبيض المتوسط كان محميا بالحليف الأقوى وهو النظام السوري الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة وبسقوط عائلة الاسد سوف لن تكون قوة ونفوذ وهيمنة للشيعة في سورية و لبنان ولهذا إيران تسابق الزمن حتى تستعيد أي خسارة قد تترتب على سقوط النظام السوري بإقامة تحالف جديد يمكنها من السيطرة على البحر الأحمر وبحر العرب لهذا جاءت هذه العربدة التي تجعل من الحوثيين غزاة يستهدفون إنسان اليمن وأمنه القومي وكل أمن مرتبط به.
تدرجت استراتيجية الحوثي، وكانت بحدود إقامة دويلة شيعية متاخمة للحدود الجنوب الغربية للمملكة العربية السعودية تكون امتداد للدولة الزيدية بثوب جديد تحت حماية ورعاية وكنف الولي الفقيه في قم، أو الحصول على حكم ذاتي، أو على أقل المستويات فرض محاصصة في الحكومة مع الحفاظ على مناطق السيطرة والسلاح ومن ثم التدرج في تشكيل حكم شبه ذاتي في صعدة أو ابتلاع الدولة من الداخل، لكن الانتصارات الأخيرة مضافا إليها رغبات الداعمين الكبار زادت من طموحات الحوثي إلى السيطرة في القرار السياسي اليمني.
أما أهم الأهداف المرحلية (التكتيكية) فهي:
– التدرج في إسقاط الدولة، وتحقيق اختراق للمؤسسات الحكومية والمدنية والدولية ووسائل الإعلام والتأثير في أدائها، وإضعاف العوامل التي ساعدت الثورات السابقة، منها الاجتماعية كالقبيلة أو السياسية كالأحزاب، ويعتبر الحوثيون أنفسهم بعد اجتياحهم العاصمة ومناطق كثيرة حتى وصلوا إلى الساحل قد سيطروا على البلاد وأنهم بذلك قد فرضوا سياسة الامر الواقع.
هذه الهيمنة وانهيار المؤسسة العسكرية والامنية شجعت الحوثيين وحليفتهم إيران في المضي قدما في تحقيق أهدافهم الاستراتيجية وهي:
– على المستوى الداخلي أن تكون لهم حصة الأسد في القرار السياسي اليمني إذا لم يتمكنوا من ابتلاع الدولة اليمنية.
وهو هدف صعب التحقيق بسبب كون الحوثيين أقلية حتي ولو حازوا على تأييد المكون الزيدي فان نسبتهم دون (25%) لكون السنة هم الاغلبية في اليمن، كما أن حليفهم المرحلي قد لا يرضي بالقليل، ولذلك كان برنامجهم من أجل تحقيق هذ الهدف مبني على التمرحل في تفكيك الدولة اليمنية، غير أن قرار الرئيس عبد ربو منصور هادي في الانتقال إلى عدن كان ضروريا للتأكيد على الشرعية، وأن ما قام به الحوثيون انقلاب وبذلك يكون كل ما ترتب عليه باطلا ليتم احتواء هذ الهدف، ولذلك سيطر على تحركهم الارتباك.
– أما علي المستوى الخارجي فكان الهدف محاصرة دول الخليج من الجنوب وحصرها داخل حزام شيعي يمتد من لبنان فالعراق مرورا بإيران فاليمن بما يشبه الكماشة من اجل خلخلة المنظومة الامنية لهذه الدول خاصة السعودية أو إرباكها على الاقل، وتهيئة اليمن لتقبل النفوذ الإيراني بالذات في مضيق باب المندب و هي الرغبة التي كانت ايران تسعى لتحقيقها طوال العشر سنوات الماضية من خلال دعم الحوثي وجماعته، وقد صرح بذلك مساعد وزير الخارجية الإيراني للشئون العربية والأفريقية أمير عبد اللهيان لوكالة الأنباء الإيرانية حيث قال: بان إيران باتت اليوم الأكثر نفوذا في المنطقة، استخدمنا نفوذنا في اليمن لضمان مصالحنا وأمننا القومي وأضاف أن أمن اليمن من أمن الخليج (أي الخليج الخاضع لسيطرة إيران).
يتوقع بأن يكون للتطورات في اليمن تأثيرها على منطقة البحر الأحمر وباب المندب وكذلك على دول القرن الأفريقي بصفة خاصة على إرتريا التي ساعدت الايرانيين في إيصال دعمهم لجماعة الحوثي التي كانت محاصرة في سعدة، وقد مكنها أي ذلك الدعم من الخروج من جبال صعدة إلى الفضاء اليمني ومع ذلك حوجة الحوثي إلى النظام الحاكم في إرتريا قائمة لعدم وجود حليف له في الاقليم، وصعوبة وصول الدعم الايراني عبر الجو في ظل السيطرة التامة لعاصفة الحزم على الاجواء اليمنية مما ستضطر ايران إلى الاستعانة بالنظام الارتري في اختراق أي حصار قد يفرض على الحوثي خاصة عند الانتقال إلى المرحلة التي تتطلب التدخل البري.
الوجود الإيراني في منطقة بحر العرب وخليج عدن قد لا يدفع بإيران من الناحية العملية إلى استراتيجية المواجهات مع القوى الغربية التي تتواجد في المنطقة لحماية مصالحها ومنها استمرار باب المندب مفتوحا أمام الملاحة الدولية خاصة في ظل التوافق الغير معلن بين القوى الغربية وإيران ولاسيما إذا تم الاتفاق بين إيران والدول الستة بخصوص الملف النووي الايراني، ولذلك ستسعي إيران للإبقاء على خدمات النظام الارتري باي ثمن لعدم وجود بديل لديها، كما أن النظام الارتري يرى في التطورات في اليمن فرصة للحصول على الدعم الايراني، غير أن سيطرة البحرية السعودية على الساحل اليمني المطل على البحر الاحمر وعودة أنصار حكومة هادي الشرعية إلى المدن المطلة على هذ الساحل سيضعف من تأثير النظام الارتري في أن يكون له دور مؤثر في دعم جماعة الحوثي كما كان في السابق بسبب الفساد الذي كانت تعاني منه الدولة اليمنية في ظل حكم الرئيس علي عبدالله صالح ، كما أن أي تحرك إرتري سيكون فرصة لأفراد البحرية الارترية في تحقيق رغبتهم في الفرار ولهذه الاسباب وغيرها قد لا يكون الدور الارتري مؤثرا على الاقل في المدى المنظور من هذه المرحلة.
لكن لا أعتقد أن الشعب اليمني جنوبه وشماله وبمختلف توجهاته يسمح لإيران ووكيلها الشيعي في اليمن (الحوثي) أن يحكموا البلاد ويهددوا أمنها وأمن البحر الأحمر والدول المطلة عليه، خاصة بعد انكشاف أهدافهم العقائدية، فلم تعد العامة من شعوب المنطقة تصدق تلك الشعارات التي ذهبت مع الريح بعد المشاركة المباشرة من إيران في إبادة الشعب السوري بالتنسيق مع مليشياتها في العراق ولبنان وتدخلاتها في البحرين وما نراه اليوم من العبث بالأمن القومي اليمني وأمن المنطقة كل ذلك لا يؤهل إيران وحلفائها أن يحتفظوا بهذا البلد الحيوي لفترة أطول، واليمني بطبعه عنيد لا يستجيب لسيطرة الأجنبي حتى وإن كان في خارج بلاده، فكيف يرضى ذلك وهو في وطنه؟
حقيقة يفهمها العالم ويجب أن يدركها اليمنيون بأن اليمن الذي يشرف على باب المندب وبحر العرب و بموقعه الجغرافي الذي يشكل حزام آمن لدول الخليج البترولية وبتاريخه وبإمكاناته البحرية والبرية المتنوعة وبثروته البشرية التي يتفوق بها على الثروة البترولية لدول الخليج، يراد له أن يقسم إلى دويلات وقبائل ولو حصل ذلك – لا قدر الله – ستكون لذلك عواقب وخيمة، ونحسب إنه مازالت لليمنيين إرادة سوف تقى اليمن من الانجراف نحو هاوية السقوط التي يسعى الحوثيون وحلفائهم لجر اليمن إليها من خلال إشعال فتنة داخلية فيه. وعند ذلك لن ينحصر هذا الخطر في اليمن وحده بل سيترتب عليه انفجارا يحرق دول الجوار، سواء في القرن الافريقي أو جنوب شبه الجزيرة العربية وسوف تطول نيرانه دول حوض البحر الأحمر وشعوب القرن الأفريقي بل سيطال الأمر الأمن القومي العربي في هذا الاقليم الحيوي من العالم ولذلك تدخل السعودية والدول المتحالفة معها كان ضروريا من أجل الحفاظ على السلم والامن في هذ الاقليم الحيوي الذي يسيطر على أهم الممرات المائية في العالم.
للتواصل : hornafrica2003@yahoo.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=33967
أحدث النعليقات