الأستقلال : بين يأس وأمل … ومهام لم تكتمل !؟

عمر جابر عمر
2- 2
مجالس الدكتاتور .
بمناسبة مرور ذكرى الأستقلال  من حق المواطن الأرترى أن يعرف حكامه وكيف يحكمون …
كثيرون يعتقدون أن الدكتاتور – أى دكتاتور – هو شخص   حازم – متجهم الوجه – يحمل فى يده سيفا – لا يضحك ولا يفرح ولا يبكى ! الصورة الحقيقية هى غير ذلك – ورغم الصور التلفزيونية التى تظهر بعض من هؤلاء بملابس عسكرية مع أوسمة ونياشين على صدورهم – الا أنهم يكرهون الزى العسكرى حتى وأن كان بعضهم من خلفية عسكرية – السبب هو أن العسكرية فى جوهرها  أنضباط وألتزام وطاعة وأوامر – والدكتاتور بحكم تكويته الفكرى والنفسى لا يحب ذلك – يريد أطلاق يده فى كل شىء .
فى أوقات فراغهم – وما أكثرها – يشغلون أنفسهم بسفاسف الأمور …القذافى كان يقرأ كتب السحر والشعوذة – بن على كان يتابع أخبار الموضة ومستحضرات التجميل – فرعون اليمن يمضى الساعات فى جلسات ( القات ) يعيش بين  حضور الوعى وغيابه – حسنى مبارك كانت أحلى أوقاته اللعب مع حفيده لعبة ( عسكر وحرامية ) – أسياس يلعب ( أ تارى ) ويحب مشاهدة كرتون ( توم وجيرى ) !!
فرعون أرتريا يدير ويوجه دولته من خلال مجلسين :
1- مجلس الأمناء … وهذا مكون من ذوى القربى وأصحاب الحظوة والثقة – وفى ذلك تدخل معايير الأنتماء الأقليمى وطبيعة الفرد ومدى أستعداده للطاعة وتنفيذ التعليمات – والجميع هم من القومية المختارة
هذا المجلس يتلقى التوجيهات مباشرة وشفاهة من الدكتاتور – وهى تتعلق برسم السياسة الأستراتيجية  لتثبيت السلطة والسلطان وحفظ الأسرار العليا ( الأمنية والمالية والميراث والتوريث ) !
هذا المجلس أقوى نفوذا وتأ ثيرا من مجلس الوزراء وأن كان يضم بعضا منهم – وهو أقرب الى عقل وقلب الدكتاتور من اللجنة المركزية للحزب الحاكم وأن كان يضم بعض أفراد منها.
2- مجلس الندماء … وهذا مهمته هى التبرير والتفسير لسياسا ت السلطة وتسويقها. يضم المغفلين النا فعين وبعض ( المرشحين ) لدخول مجلس الأمناء ! أنه ليس مجلس طرب وغناء ولكنه ( مختبر ) يمارس فيه الدكتاتور ساديته المعهودة – وهى ليست سادية مادية وجسدية بل هى فكرية – اذلال ذهنى ونفسى للتابعين وأختبار الولاء كلما شك فى أحدهم.
فى مرحلة الثورة كانت رسائل الدكتاتور الى أتباعه متنوعة ومتعددة – عندما أنشق عن القيادة العامة كانت رسالته لبنى قومه : ( عامة حردتى – قتلتى – قتلوا أخوتكم المسيحيين ) !؟ والى المكونات الأجتماعية التى أنشقت عن الجبهة : ( جبهة رجعية وعشائرية … ) !؟
تلقينا دعوة عام 1987 عندما كنا فى التنظيم الموحد لزيارة المناطق المحررة – ذهب الوفد برئاسة المرحوم ( عمر البرج ) وبعد أن عاد حكى لنا مشاهداته وأستوقفنى مشهد لم أصدقه : عند زيارة الوفد لمنطقة التدريب العسكرى ( ضرب النار ) وجد صورا تستخدم كأهداف يطلق عليها المقاتلون النار – أصحاب تلك الصور كان منهم ( منقستو هيلا ماريام ) و ( حروى تدلا بايرو ) !؟ هذا الدكتاتور كان يعمل من أجل الأقصاء وأحتكار السلطة من وقت مبكر – بعد دخول جبهة التحرير الى السودان أقتنع بأن المسلمين قد حسم أمرهم ولا خطر منهم – المهمة التالية كانت قطع ( رأس ) أى مسيحى يمكن أن يكون منافسا له وحروى كان ( أحتمال ) قائم – لذا كان لا بد من قطع رأسه ليس بالمعنى المادى ولكن من خلال قتله معنويا فى عقول ونفوس أبناء القومية المختارة !
بعد التحرير كان الدكتاتور فى مجالسه يعمل على تحجيم ( ولدآب ولدماريام ) بحيث لا يكون هناك من يتحدث عنه الناس كمنقذ ومفكر غير ( أسياس أفورقى ) ؟ عرفت تلك العقلية عن قرب بعد ذهابى الى أرتريا بعد التحرير : كان أحد أعضاء مجلس ندماء الدكتاتور تربطه صلة قرابة بأحد أعضاء وفد التنظيم الموحد – لذا كان يأتى اليه كل مساء ويخبره بما سمع من الرئيس بما فى ذلك رأى الدكتاتور فى أعضاء التنظيم الموحد فردا – فردا ! ومن منطلق حب الأستطلاع سألت زميلى : ماذا قال عنى ؟
قال زميلى نقلا عن مصدره : عمر جابر ( غامض ) لا تعرف نواياه ولكنه با لتأكيد لا يحبنا ( الشعبية ) فهو فى النهاية جبهة التحرير !؟ ذلك المصدر كان كادرا متقدما وقتها ولكنه أصبح اليوم قياديا ولكن ليس عضوا فى  مجلس الأمناء .
حضور مجلس الندماء يعتبر ( ترقية ) ومحطة أختبار للولاء والصعود فى السلم الوظيفى …
آخر المنضمين الى ذلك المجلس أثنان – حماية لهما سنستخدم أسماء مستعارة – هما ( عبد السميع ) و
( عبد البديع ) : الأول يعرف الكثير ولكنه لا يتباهى بما يعرف – أما الثا نى معلوماته تلفزيونية ويدعى معرفة كل شىء. ورغم التنافس بينهما فى التقرب الى الدكتاتور وكسب رضاه الا أنهما على علاقة حميمية حماية لهما وهما يخطوان الخطوات الأولى نحو المجهول . فى آخر تلك المجالس بمناسبة الأستقلال كان الأثنان يقفان على الباب أنتظارا حتى يستد عيهما السكرتير … مرت بجانبهما الساعية وهى تحمل صينية الشاى – حاول عبد البديع أن يتلا طف معها ويظهر لها أنه يعرف الكثير فقال لها : لا تنسى الرئيس يأخذ ثلاثة ملاعق سكر فقط ! أبتسمت الساعية وهزت رأسها موافقة ومضت فى طريقها … ولكن عبد السميع لاحظ أنه لا توجد سكرية فى الصينية أصلا وأن الرئيس لا يستخدم السكر فى الشاى – فقال لزميله :
أيها الغبى – هل صدقت ما رأيته وسمعته فى التلفزيون – ذلك كان للتسويق حتى لا يفرح ( ا لأ عداء )
أما الرئيس فلو كان الأمر بيده لكان أ ضاف ( ملحا ) الى الشاى ولكن هذا أيضا يزيد عليه الضغط –
وهنا قاطعه عبد البديع وسأ ل : وهل يعانى أيضا من الضغط ؟ الله يستر – ما ذا سيحدث لو أن ؟؟؟
لكن عبد السميع لم يمهله حتى يكمل فقال له : لا تقلق – كل شىء معمول حسابه ومجلس الأمناء لديه كل التعليمات  والتوجيهات !؟
وهذه بعض أحداث ومساجلات شهدها مجلس الندماء :
@ حكى الفنان السودانى الكبير محمد وردى أنه كان فى المجلس بعد التحرير – وبأ شارة من الدكتاتور بدأ ( الأمين محمد سعيد ) هجوما قاسيا على الفنان السودانى متهما أياه أنه كان منحازا الى جبهة التحرير ضد الشعبية فى مرحلة الثورة. حاول وردى أن يستنجد با لدكتاتور ليوقف ذلك الهجوم – ولكن الدكتاتور كان يبتسم ويبدو سعيدا أن يسمع من الببغاء ما لقنه أياه …
@ ذات مرة أراد الكتاتور أن يختبر أحد القيادات القديمة والذى كان قد أستخدمه كواجهة وطلاء للتنظيم فى مرحلة الثورة ثم لفظه بعد التحرير … ولكن بعض التقارير شككته فى أخلاص وولاء القائد المتقاعد فقرر أن يستدعيه ويخضعه لتجاربه السادية – أول ما قاله الدكتاتور : هل تذكر يا رفيق أحلامنا ونحن فى الساحل وما أصبحنا عليه اليوم – ماذا ترى ؟ هل حققنا كل أحلامنا أم أن هناك ما كان يجب عمله
 ولم نفعله ؟
أدرك القائد المتقاعد كل مقاصد الدكتاتور فهو يعرف أساليبه الملتوية لذا قام بلعب دور الزاهد والقانع بما قسمه الله وقال : نعم … نعم … كان حلما جميلا والأجمل أنه تحقق وها نحن نجلس فى عاصمتنا الجميلة .
لكن الدكتاتور لم يقتنع بتلك الأجابة فقرر أن يواصل فى الأختبار : ولكن ( وياتى ) على الحدود ويهددون بغزو أرتريا ؟ قال القائد المتقا عد بأ ستغراب وكأنه لا يعرف : لكن ماذا يريدون ؟ لقد تركنا لهم أثيوبيا لماذا لا يتركون لنا أرتريا ؟ وهنا حاول القائد المتقاعد أن يمارس مع الدكتاتور مباراة ( توم وجيرى )
التى يحبها فقال له : يا سيادة الرئيس – أنت تملك الحكمة والتجربة وأنا على ثقة بأ نك تستطيع أقناعهم بتركنا وحالنا وتتوصل معهم الى أتفا ق كما كنت تفعل فى مرحلة الثورة ! هنا أدرك الدكتاتور أن رفيق الأمس يحاول أن يبيع ( الماء ) فى حارة السقايين – لذا قرر أن يستخدم معه ( الصاعق الكهربائى )
ليوقظه ان كان نائما وغافلا وينهيه با لضربة القاضية ان كان متحايلا وقا صدا :
لكن الويانى يريدون تغيير النظام وتنصيب  الحلفاء  الجدد ( جبهة التحرير ) حكا ما فى البلاد ؟
وبا لفعل هب القائد المتقاعد واقفا ملوحا بيده اليسرى ( فهو أعسر ) وقال: على جثتى – كل شىء الا جبهة التحرير – لا وألف لا …
عندها جلس الدكتاتور بأ سترخاء ونظر الى أتباعه مبتسما وقال : ها هو الرفيق ديموقراطى وثورى كما عرفناه دائما !؟
@ ذات يوم سأل الدكتاتور الأعضاء الجدد – عبد السميع وعبد البديع – عن الأخبار فى محاولة لأختبارهما – تردد الأول ولكن الثانى بادر وقال : هناك تسريبات مؤكدة أن خلافا قد نشب بين الأدارة الأمريكية وحكومة الويانى – وأن هذا الخلاف مرشح للتصعيد !؟ أبتسم الدكتاتور وشعر بأ رتياح وقال:
هذا ما كنا نقوله ونتوقعه ! شعر عبد السميع أن ( أسهم ) زميله قد أرتفعت وهو يعرف أن صاحبه يكذ ب
لماذا لا بلجأ الى كذبة أكبر لأفشال السبق الذى حققه عبد البديع ؟ أخذ الأذن وتنحنح ثم قال :
هذا صحيح … لكن الخلاف هو بسبب ضغط الأدارة الأمريكية على ( ويانى ) لبدء الغزو ضد أرتريا فى حين أن حكومة الويانى تقول أن الأستعدادات لم تكتمل ؟
مرة أخرى شعر الدكتاتور بأ رتياح – لقد أصبح واثقا من نجاح ( تلاميذه ) فى أختبار الكذ ب وألأ ختراع
اليس هو ( كبيرهم  الذى علمهم السحر ) !؟
الكل يكذب على الكل ويصدقون أكا ذيبهم وهم يعرفون أنها أكا ذيب لأنهم يعيشون فى حالة فقدان الجاذبية الأرضية – معلقون فى الهواء –!؟ من أرا د معرفة المزيد من التفاصيل عن تجربة الجبهة الشعبية فى الحكم خلال العشرين سنة الماضية أنصحه بقراءة المقال التوثيقى الرائع الذى كتبه الأستاذ ( عبد الرحمن سيد ) فى موقع – عركوكباى – با للغة الأنجليزية.
فى الختام لا يسعنا الا أن نسأل الله أن يرفع البلاء عن شعبنا ويعيد الى الوطن كل مغترب ومهاجر وباحث عن ملجأ وهو يضرب فى أرض الله الواسعة مرددا   : مشيناها  خطى كتبت علينا … ومن كتبت عليه خطى مشاها .
كان الله فى عون الشعب الأرترى
رسائل الى من يهمهم الأمر
الى السيدة ( حنان مران ) – ليس هناك من هو فوق النقد خاصة أذا كان النقد موضوعيا – الجملة التى أختم بها مقا لاتى هى ( دعاء  أ يما نى ) نتوجه به الى الله سبحانه وتعالى ليعين شعبنا فى نضاله من أجل حياة أفضل . ذلك لا يمثل ( خنوعا ) أو الأعتماد على معجزات غيبية – لكن نأخذ با لأسبا ب والمسببا ت بعد توكلنا على الله – بمعنى آخر : التوكل نية  تسبق العمل الذى يلحق —   ومن لا يسعى لا يعينه الله . نحن نؤمن كما قال عمر بن الخطاب أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة – لذا علينا أن نسعى لتعمير الأرض بكل الوسائل – نشق الأرض – نتسلق الجبال ونسلح أنفسنا بمقومات القوة الروحية والمادية  . أننى أحاول من خلال تجربتى وأدراكى أن أقدم البدائل أذا رأيت قصورا وأسجل
 تأ ييدى وتشجيعى أذا وجدت ما هو أيجابى – وبا لمقابل أعمل على كشف عيوب النظام ونقاط ضعفه وأيضا أعمل على ابراز مكامن القوة وخيوط الضوء فى جبهة المقاومة . ذلك هو نهج مسا همتى المتواضعة  ولكن بداية نتوكل على الله ونهاية نستعين به فهو الأول والآخر
. مع تحياتى لك وشكرا.

الأستقلال : بين يأ س وأمل … و مهام لم تكتمل !؟ 1-2

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=14205

نشرت بواسطة في مايو 18 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010