الأمن الاجتماعي، أم الأمن الجنائي
الكرامة والحرية، أم لقمة العيش.
التعبير بلا ومن ثم الفوضى، أم تجميل الشفاه بقول نعم للاستقرار.
قد تبدوا العبارات السابقة متناقضة إذا وضعت في سياق مثل الذي بالأعلى وذلك حين يراد لها أن تكون متنافرة ومتعارضة بحيث يظن من السرد السابق أن غياب الجزء الأول من العبارة يؤدي بالضرورة أن ينعم الشعب ويرقد ويهنئ بالجزء الثاني من العبارة وهي كالتالي :ـ
( 1 ) |
( 2 ) |
الأمن الاجتماعي |
الأمن الجنائي |
الكرامة والحرية |
لقمة العيش |
التعبير بلا |
الاستقرار |
وأن مجرد المناداة والدعوى أو حتى الحلم بعبارات الجزء الأول من الجدول ، يؤدي إلى نتيجة حتمية لغياب عناصر الجدول الثاني.
عفوا ليست هذه هي الحقيقة بالطبع ، وإنما هو نوعا ذاك الأسلوب الذي تحاول الأنظمة الديكتاتورية عقاب شعوبها به ، إذا جن عقل تلك الشعوب وتمنت أن تتحول من خانة العبيد إلى خانة السادة ، وفي حقيقة الأمر ان جميع عناصر الجدول الثاني من الأمن الجنائي ، إلى توفير لقمة العيش وحتى الاستقرار ليس لها وجود حقيقي في ظل أنظمة الطغاة التي تحكم بالحديد والنار ، وإنما تكون هيبة الأمن فيها حراسة النظام الحاكم، ليتضاءل نصيب المواطن من تلك الهيبة بالقدر الذي يضبط النظام العام حتى لا يتجرأ المجرمون على الأسياد وسدنة الحكم ، ففي هذه الحالة من الاستقرار (المزعوم) ان الوحيد الذي يجوز له إرهاب المواطن وإذاقته أشد العذاب هم رجال الأمن فقط، فهذه الخصلة الجليلة التي يجب أن يشكر المواطن توفيرها له من قبل النظام، في أوقات الاستقرار هي من خصائص النظام الملتصقة به التي تولد معه، لا يجوز أن ينازعه فيها أحد.
أما لقمة العيش الذليلة، التي تفرج عنها مؤسسات النظام المستبد، وتأخذ سبيلها إلى الأفواه المرتجفة، عبر طوابير طويلة من الانتظار والمهانة، فتكون تلك اللقمة محسوبة بدقة ومقدرة بالميزان، وذلك حتى يرضي القائد غروره بأنه ما زال يملك مواطنين أحياء وهو الذي يستطيع أن ينعم عليهم، كما أنه هو الذي يحرمهم اذا أراد، وإلا بمن سينكل ذلك المعتوه ساعة تسليته، ان خلت البلاد من العباد، وهنا عليكم قراءة الدراسات النفسية التي تناولت اصابة المتشبثون بالكرسي من القادة بمشاكل وعلل نفسية، نعم يتسامحون عن تلك اللقمة التي في سبيل الوصول إليها قد يتنازل المواطنون عن جميع حقوقهم الأخرى مثل العيش الكريم.
أما الحديث عن خرافة الاستقرار، والذي تدعي الأنظمة انه من صنيعها وبضاعتها الخالصة، وإنتاجها الخاص الذي أشهرت براعة اختراعه، فما تزال تزبد وترعد في وجه كل من تسول له نفسه أن ينال من استقرار الوطن الذي يجتزئ في شخص الزعيم ويتجسد في روح القائد المنعم المتفرد . وان هذا الاستقرار المزعوم لا تبالي تلك الأنظمة في التضحية به في سبيل حياة الطاغية التي انحسرت مساحة الوطن في شخصه، (وكذلك إذا عكر مزاجه احد من الرعاع ).
كل تلك الأوهام، يسوقها لنا دوما وأبدا كهنة السلطة وسدنتها عبر أجهزتها الإعلامية المتعددة ومن خلال سحرتها وحواتها، الذين لا يعييهم شئ حتى يقوموا بتمثيله، ولا يثنيهم مكانهم العلمي ولا حتى تاريخهم النضالي في بث الفرقة وتزييف الباطل وإشاعة الهلع.لإقناع المواطنين ان الحلم بالحرية غير مجدي، وأن المساواة بين الجميع في الوظائف العامة وفي توزيع الثروة والسلطة ونبذ المحسوبية والمحاباة واحتكار اتخاذ القرار، إنما هو مدعاة لضرب مكتسب وطني ثمين ألا وهو الأمن والاستقرار، وان من يجرؤ على مثل تلك الدعاوى الهدامة ما هو الا ” قلة مندسة ” مأجورة من قوى خارجية تتربص بالبلاد وخيراتها .
ولتكون جميع الثغور محكمة الغلق، تطالعنا تلك الأنظمة المستبدة عبر أجهزتها الإعلامية لكي تجهز على أي فكرة للتغيير في داخلنا، بعقد مناشط الزيف والزور التي تجتهد في إيهامنا بأن التغيير لا يأتي فجاءة، وأنها عازمة عليه، وعلينا أن نؤمن بالتدرج في الأمور، وأن اوضاع البلاد الأمنية والأقتصادية ووعي المواطن، لا تسمح بقفزات نحو الديموقراطية، وإلا تزعزع الأمن وإنفرط عقده، وحينها لا يأمن أحد في بيته أو متجره.
ولنا في الدرس التونسي والمصري لعبرة، عندما ظهر معدن الشعوب ناصعا نقيا واعيا، في التنظيم والتضحية و امتحنت في الحفاظ على أمنها بنفسها، فسجلت لنا تلك التجربة الحية التي ما نزال نعايش ونعاصر نتائجها المبهرة، وتكونت اللجان وعقدة الخطط للحفاظ على الأمن، وخلال 24 ساعة فقط انتظم الناس وأحسوا بالأمن (ولكن هذه المرة من صنع أنفسهم ) حتى اسقطوا نظرية الأمن مقابل الاستعباد .
ان من التحضر والكرامة ، الدعوة لنظام عادل يقوم على أساس من المساواة وتداول سلمي للسلطة، عبر مؤسسات دستورية ناتجة عن إرادة حقيقية للشعب، يوازن بين الحفاظ على مكتسبات الوطن واستقلاله ،وحرية المواطن، وحقوقه الأساسية، وان الجهر بمثل تلك الدعاوى لهو من أرقى الأعمال وأنبلها .
زكي رباط
Zakiro2@yahoo.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=10568
أحدث النعليقات