الأمين عبد اللطيف: رحلت الحنجرة وبقيّ النغم
عبد الرحيم الشاعر
غيب الموت في الثامن عشر من أغسطس الحالي الفنان وعميد الغناء بالـ ” تقرايت ” وأحد الذين لعبو دورا في تحديث الأغنية بلغة التقرى وذلك في العاصمة الارترية أسمرا بين أهله ومحبيه. حيث تم تشيعه الى مقابر الشهداء بالمدينة التي أحبها أكثر من أى مكان آخر ، فقد ذاق طعم المنافي في كل من السودان والسعودية وأمريكا ولكن حنينه الى أول منزل كان أقوى فعاد الى ” فاطنة زهرا ” والى ” أباشاول ” وذلك في العام 1994م.
لم يكن ألأمين مغنيا مغمورا بل كان عميدا لأغنية التقرى بل لا نبالغ ان قلنا عميد الأغنية الارترية ، فهو بالنسبة للأغنية التقرى يعتبر أحد الذين أرتقى بها الى الحداثة وجعلها تزاحم مثل غيرها من اللغات الوطنية المسارح الأسمراوية ، فقد سبق جيله بأنخذها الى العالمية ، اذ كان أحد الجوقة الرائعة التي تلت ود أمير ، باعيسى ، عجة حنا ، عبى عبد الله ، رمضان قبرى ، جوكر عندو ، جابر محمود وسلسلة الرائعين التي لا يتسنى ذكرهم ضمن هذه المصفوفة الجميلة.
ليس هنالك من يدوزن مشاعر الروح الوطنية وترا مثل الأمين ليشعل فينا حمى المشاعر والافراح ولتفتح مسامات الجسد فتغرس في كل مسام بذور القرنفل والياسمين والريحان ، فنملأ الساحات غناءا وهتافا وبكاء، يتوسط ساحاتها يتراقص مثل شجرة حناء أو قلاميطوس رطبة فتهتز الأكتاف لتتناثر زهور الفرح على العشاق والثوار والاشقياء سواء بسواء لتورق فيهم حبا وغضبا وسعادة زهكدا تمضي الليالي ويبقى اللحن حتى الصباح.
” لفاطنة زهرا ” والبنيات اللائي لسنا صبايا كل العذابات والتضحيات و الغناء لكم هرعنا الى الشوارع والأزقة نبحث عنها عندما أخبرنا صاحب الناى والقيثارة ” ليليت مطت بيلو ديب أسمرا ” ، ليلة البارحة قد تكون البارحة الشهر الماضي أو ليلة أمس.
هي نفس فاطنة زهرا التي هممنا بها صغارا وضعنا في لجة أمواجها كبارا ، وعندما ارتفعت السنة الدخان واللهب في عونا وعد ابراهيم ومنصورة وقندع وفي كل تضاريس جسد فاطنة زهرا. تفرق الرفاق والصحاب وتضاءل اعداد ليالي السمر واللهو ، وابتلت النفس ” بسفلال ” وسنين القحظ والجفاف “تـحلف ايتمسلني الا سنت ” .
لـ ” أباشاول ” أول جغرافيا الحب التي يصطف أهلها الآن لجرعة ماء ، وتلك صاحبت التقاسيم الجميلة والتي تدلى الاغصان الخضراء من جدائلها ، هذه الخمائل العذبة التي سقتنا من سلافها الحانا تدغدغ النفوس لتبوح بما تبطن من مباهج الروح حبا وزندقة وتقوى. بح الصوت وجفت الحنجرة وأباشاول تبحث عن عاشقها الولهان وصاحبت الاغصان الخضراء ا” تفتاوي قصلي ” تبحث عن سارية صاحبها، وصخب المطر يعلو على اللحن الجنائزي الأخير.
في هذا المساء وانت تلقي النظرة ألأخيرة وانت محمولا على الأكتاف كما كان يحملك محبيك في المسارح … مازالت بعض المتاجر والمقاهي والحانات تتسامر باللحن الأبدي ، يتراقص اللحن من الأحياء البعيدة يقتحم سكون الليل يتراقص مثل وهج الفوانيس … قناديل الأنغام هذه كم سافرت في جنح الليل تحمل في طياتها دفئ فاطنة زهرا وجمال أباشاول .. ترحل الحنجرة ويبقى أوار هذا الحريق التواق الى الثورة والحرية ، ترحل الحنجرة ويبقى اللحن يتردد في كل النفوس وألأخيلة.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=41914
أحدث النعليقات