الإبعاد الاجتماعى .. أم التماسك الاجتماعى؟
الجزء الاول
ود القبائل
إرتريا بلد صغير، يطل على البحر الأحمر، مجاوراً لكل من السودان وأثيوبيا بحدود طويلة، كما تحده جنوباً دولة جيبوتى. السكان هم مزيج من الأثنيات، السامية والحامية والنيلية الأفريقية، ولدت أعراق أو قبائل متداخلة، وتسود فى إرتريا ديانتين هما الإسلام والمسيحية. وقد نالت استقلالها عام 1991 بعد نضال مسلح لأكثر من ثلاثين عاماً. ولكن هذا البلد، وقف ولا يزال أمام تحديات جمة ،أولها أنه لم يعرف معنى الحرية أو العيش بسلام واستقرار منذ عهود طويلة إلى جانب أنه يعتبر بلد شحيح الموارد والثروات، ويعش فيه الفرد (الغالبية) تحت مستوى الفقر، وتشكل المساعدات القادمة من الخارج عماد استمرارية الحياة، وهى تتنوع بين فتات من الهدايا الدولية، وجزء من مدخرات المهاجرين التى بالكاد تسد رمق بعض الأسر.
هذا البلد يعانى فى الوقت الحاضر من حكم ديكتاتورى مستبد، وحروب سياسية مفتعلة مع جيرانه أو معادة سياسية مع عدد كبير من دول العالم، خاصة الغرب.
فإذا كان عالمنا أصلاً يعانى من الصراعات والمشاكل التى لا حصر لها، والتى تنفجر كل يوم بتحدى جديد , بعضها يجد الحلول المسكنة أو الدائمة وبعضها يحوز على الاهتمام الأكثر والأهمية الأكبر من المجتمع الدولى. فماذا يا ترى نصيب إرتريا من هذا الخضم؟
أو ماذا تمثل إرتريا، أولا لنفسها وثانيا لمحيطها والمجتمع الدولى؟
ولماذا هذا الصراع الدائم السيئ الصيت ؟ الذى لم يفارق إرتريا وشعبها.
وأيضاً ما تمثله إرترياً من عامل عدم استقرار لشعوب المنطقة وتأثيرها السالب فى المجتمع الدولى والذى يكرر إداناته لها ؟
دعونا أولا، نأخذ صورة عامة عن الأوضاع فى إرتريا ،وبعد ذلك نحاول إيجاد الإجابة على تساؤلاتنا، أو بالأحرى لنعرف الحقائق ثم نحكم على الأمر من خلال فهم طبيعة ما يجرى فى إرتريا !!
وحتى نكون واضحين من الوهلة الأولى يجب التنويه إلى أن أية سلطة أو نظام أو دولة ،كما هو متعارف عليه ،تمارس أنشطتها بشكل منتظم، لذلك أن أية سلطة أو دولة ما، لابد أن يكون لديها هذه النظم أو هذا التأسيس. ولكن هذا السمة لا تنطبق على إرتريا والأسلوب الذى تدار به، والهيكلية التى تقاد بها ،حتى فى أعلى السلم الإدارى ،غير واضحة أو معدومة.
ثم إننا أيضاً لا نستطيع أن نحكم على الاقتصاد ونوعه ومصادره، وما يمثله من ضعف او قوة، لأن إرتريا أصلا لا تملك أى مصادر أو نشاط ذوى معنى اقتصادى، وتعتبر من البلدان التى تعتمد على الدعم الإنسانى الخارجى أو هبات من هنا وهناك، حيث لا تملك البلاد، ناتج قومى ذو مردود نقدى، وهى تستورد الذرة و حتى الخضر/ بصل بطاطس ثوم بيض حليب إلى آخره، وتأتى جميع المواد الاستهلاكية الضرورية من الخارج بما فيها مواد البناء والطاقة. ونسبة لعدم وجود إحصاءات رسمية ،إلى جانب عدم وجود الخطط التنموية، وبرمجة النشاطات بمستوى علمى وتقنى للموارد والخدمات ،إلى جانب العشوائية الإدارية، وضحالة المعلومات أو نقصها، فإن من الصعوبة فهم وقراءة المستويات المختلفة للأداء الاقتصادى والاجتماعى. وهذا الغموض طبعاً يحجب ورائه الحقائق والمصائب، ومن ثم يصعب إجراء تقييم حقيقى، فلا يمكن حقاً، معرفة نصيب الفرد من الناتج القومى الإجمالى (إذا وجد)، لأنه أصلا لا توجد بيانات يمكن تحليلها. والغريب أن البنك الدولى وصف مرة إرتريا بأنها تحقق نمواً وصل لأكثر من سبعة بالمئة، من أين أتى بذلك ؟!! والحقيقة أنه يمكن وصف إرتريا من الناحية التأسيسية بأنها بلد هلامى التكوين، لا يمكن الحكم عليه.
فى ظل تلك الحقائق التى أتينا على ذكرها، وهى عدم وجود نشاط مؤسسى واقتصاد يعتمد عليه، نؤكد أن إرتريا لا يمكن أن تسمى دولة أو بلد بالمعنى المتعارف عليه، لافتقارها إلى تلك الركيزتين الأساسيتين لطبيعة ما يسمى دولة. وفيما يخص الجوانب الأخرى لما هو حاصل، فإنه حدث ولا حرج، إذ أن العالم يعرف بأن إرتريا تعيش تعاسة إنسانية مروعة بسبب القهر السياسى والاجتماعى والبؤس والفقر نتيجة الحكم الدكتاتورى والحروب والإبعاد الاجتماعى والاضطهاد الدينى. وسنأتى فيما يلى على كل جانب بنوع من التوضيح، لذا سنبدأ بمسألة عدم وجود التأسيس والنظم والهيكلة.
النظام:
يسيطر أسياسى أفورقى وهو الرئيس (الدكتاتور) على الحكم يعاونه على تسيير أموره، يعنى أمور البلاد والعباد، مجموعة تعد على أصابع اليد، خلقها بنفسه من داخل إطار الحزب الحاكم الذى يعرف بالجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، وجميع أمور البلاد صغيرها وكبيرها يحدده أسياسى بنفسه، ويشرف أيضاً على تنفيذه ومتابعته وحتى يتثنى له التحكم الكامل، حرم البلاد من سن قوانين مدنية أو نهج وسياسات واضحة، إلى جانب منعة سريان الدستور الذى أسس له فى عام 1997م، وقام بقمع كل منافس سياسى له حتى لو كان من نفس الحزب ،حيث قام بسجن كل المطالين بالإصلاح السياسى والاجتماعى من القيادة التى أسست معه الحزب، الذى أشرف على حرب التحرير، وقد مهد أسياسى أفورتى الطريق للاستيلاء على أمور البلاد منذ وقت طويل، حيث عرف عنه وحتى اليوم، قمع كل معارضيه حتى من الأطراف الوطنية الأخرى باستخدام الاغتيالات والخطف والسجن دون إعلان أو محاكمات، ولا يعرف شئ لما جرى لكل معتقل أو مختطف. (العديد من منظمة حقوق الإنسان الدولية لديها تسجيلات عن هذه الممارسات).
ويعتبر كل من لم يستجيب لإدارة النظام الحاكم، معارضا، حتى ولو لم يبدر منه أى فعل أو نقد، لذا يتم قمعه(اول باول)، وخاصة من المسلمين باعتبارهم المعارضين الفعليين أو الأساسين للنظام الذى يعمل على تنفيذ سياسة/ الإبعاد الاجتماعى/ ومحاربة كل ما هو ثقافة إسلامية أو ممارسة الشعائر، لذا فإن معظم السجناء هم من المسلمين الذين يعدون بالآلاف، والذين انقطعت صلتهم بالحياة وبأسرهم منذ اعتقالهم أو اختطافهم من قبل أجهزة الأمن.
وعليه فإن إرتريا ليست بها قوانين أو نظم يمكن الإشارة إليها، فمثلا:
البرلمان أو المجلس الوطنى:
لا يوجد برلمان أو مجلس نيابى، لكن بشكل أسمى كان هناك قبل العام 1997م مجلسا وطنياً، نصفه من أعضاء الحزب الحاكم والنصف الأخر يمثل أعضاء من مجالس الإقليم وعدد آخر من المعينين من قبل الرئيس. إذا لا توجد فى إرتريا سلطة تشريعية.
القضاء:
إرتريا لم تسن حتى اليوم قوانين مدنية أو جزائية أو إجرائية أو قوانين لمختلف الإقراض والأهداف والنشاطات، إلا ما ندر، وهو أيضا لا يرتكز على أسس قانونية أساسية أو شرعية، فقد كانت هناك بعض الاجتهادات مثل قانون الاستثمار وقانون الاراضى ، وقانون الصحافة، والتى تم وأدها قبل أن ترى النور، وعليه فإن المحاكم تعمل حالياً باستلاف مواد وبنود من القانون الأثيوبى، بهدف سير العمل وليس إحقاق العدالة [سنتناول هذه الجزئية فى تعليق أخر].
السلطة التنفيذية (الحكومة):
من المحزن جداً أن تقول أن هناك حكومة فى إرتريا لكن نجد أنفسنا هنا مجبرين لكى نتحدث عن معنى أسمه حكومة، لذا سنعتبر الأمر مجرد تسمية تعليلية وليس القصد المعنى الذى تجسده أو توحى إليه معنى الكلمة، وما علينا، فإن إرتريا أصلاً هى ملك لشخص واحد هوالرئيس، وهو الحكومة وهو كل شئ ، فإذا لاحظنا ألى تكوين الحكومة فإنها تمثل عدد من الوزراء الذين ليست لهم أية سلطات، والمقصود فى تشكيلها هو المظهر فقد، أى هدف مقصود منه العلاقات العامة ليس إلا، وما يدل عن أنها صورة تزينيه ،هو أنها لا تملك أية أسس نظامية، من حيث المهام ، وبقول أخر أن الحكومة أو الوزراء هم شكليون فقط ،فليست لهم سلطة وإن معظمهم لا يستطيع حتى ممارسة الدور الإدارى البسيط حول مكتبة ، ناهيك من التصرف واتخاذ القرارات أو التوقيع بإجازتها، ويقوم بالنيابة عنهم أشخاص أدنى رتبة(المتحكمون الفعليون) هم الذين يسيرون العمل بشكل حقيقى، وقد تكون المشكلة فى بعض الأحيان مركبة من جزئيتين أما الوزير ليست له قوة فعلية للتصرف ،وهذا يشمل جميع الوزراء تقريباً أو قد يكون ضعيفاً فى شخصه أو مقدراته. ونستدل على أن لا معنى لوجود أو عدم وجود وزير أو وزراء من خلال الآتى:
فمثلاً، وزارة الحكومات المحلية و التى تعتبر من أكبر الوزارات حجما،( لأنها أصلا نتجت عن دمج وزارتى الإدارات المحلية والشئون الداخلية والأمنية)، فإنها تعيش حتى يومنا هذا دون وزير يشرف عليها منذ تنحية وسجن الوزير الأول محمود أحمد شريفو (G.15)، وأيضا وزارة الإعلام خالية هى الأخرى من وزير منذ عام 2001 [براخى قبرى سلاسى G. 15]. وزارة الخارجية منذ موت الوزير على سيد عبد الله فى نهاية 8/2005 وحتى الآن.
وما الجلسات او الاجتماعات التى يعلن عن عقدها مجلس الوزراء إلا معنى واحد، هو للاستهلاك الدعائى، ومن الملاحظ أنها لا تخرج بأية قرارات ذات شأن أن وجدت أصلاً. وحتى هذه الاجتماعات تجرى بشكل عشوائى مما يعنى أنها غير مجدولة أو منتظمة، فمرة تعقد متتابعة بين شهرين أو ثلاثة، ومرة أخرى تغيب عاماً كاملاً تقريباً.
والحقيقة ، أن هذه الوزارات الأسمية، تدار من خلال مكتب الرئيس، سوى فى مهامها أو توجهاتها أو نشاطاتها، حتى أن شئون إدارة العاملين باحدى الوزارات ،غالبا ما يجرى تنظمه أو إدارته من مكتب الرئيس مباشرة، فلا شئ هناك يفعله الوزير، او أمر متروك لتصرفات الوزير، أنه لا يستطيع حتى تعيين عامل نظافة أو بواب او اصدار توجيهات دون السماح من مكتب الرئيس.
وكما رأينا أن جميع ما يمكن أن يطلق عليه مستويات الحكم، من المؤسسات الرئيسية / مجلس وزراء/ والبرلمان/ والقضاء (السلطات التنفيذية والسلطات التشريعية) مغيبة أو غير موجود أصلا فى إرتريا، فهذا يؤكد لنا أن جميع السلطات موجودة فى مكان واحد، وهو مكتب الرئيس أو بالأحرى بيد الرئيس، وعليه، فعندما نتحدث عن التشريعات أو القوانين وسريانها أو الإدارة وساليبها أو الممارسات والسياسات وأهدافها، وما آلت إليه الأوضاع، فإننا دون شك سوف نشير بإصبعنا إلى الرئيس ،الذى هو الكل فى الكل.
وهنا، نريد أن نذكر أو نشير إلى خصلة عن أخلاقيات أفورتى الشخصية، رغم أننا لا ندعى أن لها تأثير فيما عداها من ممارساته الأخرى، ونترك للقارئ الحرية فى تقيمه لها. وهى أن أفورقى، وكل من حوله من المعاونين له هو “سكير وزير نساء” فلا يصبح عليه فجر والا وهو قد ستهلك ليله، فى المجون وإرتياد البارات والنوادى الليلية الحمراء وهى كثيرة فى أسمرا. وكثيراً ما خلف ورائه من حكايات تشبه ألف ليلة وليلة أو صالونات البندقية فى عصر الباروك.
ما علينا، فالذى أردناه بالإشارة إلى هذه الخصلة، هو التأكيد على أنه مستهتر بمسئولياته أو أن لديه ما يكفى من الزمن لكى يضيعه بشكل مجانى ؟!
===================
الإبعاد الاجتماعى .. أم التماسك الاجتماعى؟
الجزء الثانى
ود القبائل
الخطاب السياسى والاجتماعى:
الفترة التى تلت تحرير البلاد عام 1991م لقد شهدت تراجعاً ملحوظاً من السيرة التى كانت تدقدق المشاعر الجماعية والآمال العريضة والوحدة هى فى التنوع، حتى كادت تتلاشى الان ، حيث أنها بدأت فى الارتفاع مرة أخرى مع بدء الحرب الجديدة مع أثيوبيا “حادى هزبى حادى لبى”ولكن مع ظهور الجماعة الإصلاحية مع نهاية الحرب، جرى تحجيم هذا الخطاب مرة أخرى حتى أن رأس النظام اسياس أفورتى تخلى عن ترديده “هزبى إرتريا” وبدأ بصوغ خطابه بـ “هزبنا” طبع انه يقصد فئته،و المتتبع لهذا المسار يمكنه أن يستدل بمحتوى هذا الخطاب. لكن لأننا لا نملك الفرصة هنا لذلك فإننا سوف نقرب هذا الخطاب للقارئ من اتجاهات أخرى أكثر وضوحاً.
حاول أفورقى بإصرار متعمد، أن ينفى وجود ودور الأخر (من غير اثنتيه) ومنها طريقته فى سرد تجربة الثورة، وتصريحاته الصحفية المتكررة، على بأن الحق على اثنيته الاستحواز التغرينا على كل شئ، لأنهم دفعوا أكثر من غيرهم حسب ادعائه. بل أن الممارسات التى أقرها للظلم، والتى يحاول تنفيذها على قدم وساق، هى دليل لا يدع للشك أن يخطئها،عن الدانى والقاصى، طبعاً هذا يجرى فى ظل الانفراد بالسلطة، التحكم فى البلاد بشكل مطلق، وحتى لا يكون هناك أى دور للخارج، بأى صفة كانت، فقط صنع سياجاً محكماً(عزل)، لما يمكن أن يربط إرتريا بمحيطها أو العالم الخارجى. والخيط الرفيع الذى كان متبقياً بين إرتريا والخارج هو الدعم الإنمائى والانسانى ، فإن حكومة أسياسى، أجهدت عليه مؤخراً، بطرد أكبر ممول فيه، وهو منظمة USID (الوكالة الأمريكية للتنمية والإغاثة) أغسطس 2005م. وتسع منظمات أخرى.
وعليه فإن الخطاب السياسى الذى لازال يشير إلى الخصوصية الوطنية والى أهداف البناء والوحدة والمصير المشترك، قد أصبح أكذوبة وتضليل، بل أن الشعب الإرترى بكل فئاته وأعراقه، تأكد له عكس ذلك تماماً، ونزع المصداقية عن النظام وتبرأ من كل ما يمارسه أو يخطط له سوى كان ذلك داخلياً أو خارجيا.
وليس هناك أحد يصدق الحكومة، وخاصة فى تقرير عدم قبولها للمعاونات الإنمائية الخارجية، على أنه هرباً من الإملاءات الخارجية، والتدخل فى الشئون الداخلية، وكذلك حتى لا تتسبب فى جعل المواطن معتمداً على هذه المساعدات، ويصاب بالكسل والتواكل. هذا الخطاب يبدو فى شقه الأول مقبولاً من حيث الاستقلالية وضرورتها، لكنه ساذج فى شقه الأخر، والشعب لا يصدقه ولا يناصره طبعاً. فالناس تعلم أن العون الخارجى تضاءل بسبب العزلة الخارجية التى يعانيها النظام، وليس بسبب رفض الحكومة له. فإذا كان هناك تدخل خارجى فليس خافى عن أحد، ويتمثل فى المطالب الدولية بتحقيق الاستقرار للشعب الإرترى،و فى أن يمارس شئون حياته دون إجبار أو تجبر، وبالأساس منحه حق ممارسة الديمقراطية، أما فيما يتعلق بأضرار المساعدات المجانية، فمعلوم إن البلد والمجتمع المقصود بالمساعدة اصلا عاجز عن زرع قوته لسببين ،أما شح الأمطار أو لانخراطه فى الحروب المفتعلة والخدمة العسكرية التى لا نهاية لها، وليس بسبب الكسل.
لقد أوجزنا فيما مضى الصورة التى تبدو عليها “دولة إرتريا” وأوضحنا فيها، إن إرتريا ليست دولة مؤسسات بكل ما تعنيه هذه الكلمة، ودعونا الآن لنضع أمام القارئ الحقائق حسب القراءة الواقعية لما تعنيه هذه الحقائق للإرتريين أنفسهم وللغير ممن يريدون أن يفهموا الحقائق كما هى:
فالنظام كما أسلفنا هو وريث جهد وتضحيات كل الشعب الإرترى الذى كان يحلم بالتخلص من الأجنبى ،الذى نظر إليه بأنه إغتصب واستباح كل مقوماته وهدر حقوقه ومقدراته، وكان يأمل أن ينطلق بعد ذلك نحو الفضاء الرحب، من الاستقرار والحرية، بكل ما يعنيه هذين الوصفين. لكن يبدو أن أفورقى قد نسى ماذا كانت الآمال والطموحات.
وعلى كل حال، لازال منذ تحرير البلاد يعمل على تكريس نفس الحرمان والاضطهاد /وسلب الحقوق /والقتل /والتعذيب، ولكن هذه المرة بصورة أكثر بؤساً وظلامية، عما كان الاستعمار ينتهجه فى حق الشعب الإرترى.
وسنأتى فيما يلى بتوضيح مقصدنا من المقال عبر قراءة عامة أو الإسهام بتفسير واقعى لما يجرى فى إرتريا.
وقبل ذلك، هذه اليكم آخر المستجدات:
• تزايد الاعتقالاات وسط الفئة الإسلامية، اعتقال أكثر من ثمانون شخصية وطنية24 نوفمبر الماضى.
• افتتاح معسكرات اعتقال للآباء والأمهات الذين هرب أبناءها من الجيش إلى دول الجوار، وفرض غرامة بقيمة 5 آلاف دولار لكل هارب وملتجئ.
• الشئ الجديد اعتقال أو الحجز المنزلى لرجال دين مسيحيين.
• اختفاء المواد الغذائية الأساسية، وتفشى الجوع.
• ندرة الدواء أو انعدامه وتدهور الخدمات الصحية وهرب العاملين بها والأطباء.
• إلزام ما فوق الخمسين عاماً وحتى الستين للانخراط فى الجيش كمليشيات.
• إلزام كل من تمارس الدعارة بدفع خمسمائة نقفة من دخلها الشهرى.
قراءة عامة:
إن التساؤل الذى قد يتداعى أو يحضر إلى ذهنى القارئ، هو تقرير سيتمحور حول لماذا تكون إرتريا هكذا؟، وكيف حدث؟ وإلى ين سيؤدى ذلك؟
وغيرها من التساؤلات، طبعاً من الصعوبة الإجابة على هذه التساؤلات بشكل ممنهج، لسبب واضح وبسيط هو ،أن الحكومة فى إرتريا ليست لديها ضوابط أو منهجية واضحة بما يكفى فى ممارساتها وسياساتها وتوجهاتها، كما أنها تفتقد أصلا إلى سمة أو علامة يمكن الاستعانة بها للتدليل عليها، بمعنى آخر أنها تفتقد الشكل الهيكلى والتنظيمى المؤسس الذى يوضح ملامحها بوضوح، كما أنها تفقد الهدف أو التوجه العام حتى يتم الحكم عليها بشكل قاطع. وعليه فإننا سنأخذ مبدأ التدليل والمقارنة، على قرار الممارسة الملموسة و ما كان يجب أو ما يمليه المنطق فى العرف الإنسانى والموروث الدولى، ومن هذا سنأخذ الممارسات والأفعال والأهداف الناتجة عنها أو المستشفة منها.
وقبل الدخول فى هذه الطريقة التى لابد منها، رأينا،بانه يتوجب التنويه إلى ما سبق وأشرنا إليه، وهو إن إرتريا فعلا تمتلك حدوداً إقليمية واضحة، كما هى عضو فى الأمم المتحدة (جمدت عضويتها بنفسها فى منظمة الوحدة الأفريقية) ولها شعار وعلم، وفوق ذلك، بها شعب مغلوب على أمره، يعيش كيفما شاءت الحكومة الحالية أن يعيش، ومع ذلك تفتقد إلى البنية المدنية الحديثة، فلا توجد قوانين متكاملة تنظم شئون الدولة، حيث فى الأساس لا يوجد دستور وقوانين مدنية وجزائية وإجرائية ومتكاملة، ولا توجد توجهات سياسية أو اجتماعية واضحة، ورئيس البلاد هو الدستور والقانون، بالأحرى هو المرجع لكل شئ، لذا فإن لا غرابة للأشياء التى تحدث، لأنها فى الحقيقة نابعة من مزاجية أفورقى وإرادته. أما معاونيه فهم دون ريب يتحملون الوزر ذاته، سوى كانوا يملون عليه بعض أفكارهم أم كانوا ينفذون ما يريده هو أن يكون.
ومن هنا، فالإجابة تكمن على ما يمكن أن نلمسه أو ندركه من ممارسات أفورتى ومعاونيه، وسوف نعدد هنا أنواعها وكيفيتها والهدف منها، ونبدأها بهذا التساؤل كيف يتم التحكم على زمام الأمور؟
وللإجابة تقول ،أن هذا الموضوع واضح جداً، ويعرفه الجميع تقريباً، وحتى المؤسسات الدولية نفسها لم تستطيع أن تقييم الأوضاع فى إرتريا، إلا فى هذا الجانب أى التحكم المطلق.
فالبلاد هى للرئيس أسياسى، هو الذى يقدم بكل شئ هو نفسه يتباها بذلك دون خجل !! لأنه يعتبر ذلك نوعاً من المقدرة الخارقة. وهذا الأمر فى الحقيقة سبب له إشكاليات حيث وجد نفسه فى كثير من الأحيان، محروم من المساعدة الصادقة، “كما حدث فى الحرب مع أثيوبيا مؤخراً” ما علينا، يجمع الكثيرون من المراقبين والدارسين ،على أن أفورتى لا يثق فى أحد وأنه يزدرى أى مقدرة أو معرفة تكون لغيره، لذا داب منذ وقت بعيد التخلص من شركائه أو منافسيه بأشكال عدة ،غلبت عليها طابع الإقصاء من الوجود، وجمع من حوله من الذين سلبهم الإرادة أو الذين لا يثقون على أنفسهم، بل الذين لا يستطيعون مخالفته أو لنقل من الذين لا يستوعبون غير إرادته ولا ينفذوا غير توجهاته ورغباته. وقد انكشف أمر خوائه ،وضيف أفقه أكثر، لدى تعامله مع الجهات التى لا يمكن التحكم فى شؤونها أو توجهاتها، إلا وهو مجال العلاقات الدولية وكان أول ما صطدم به المحور الإقليمى، بما فيه دول الجوار أثيوبيا/ السودان/ جيبوتى/ اليمن/ السعودية/ مصر/ أوغندا، وغيرها، مما أصبح فى النهاية معزولا تماماً حتى من العالم بأثره، إلا من علاقات باهته هنا وهناك.
وأصبح دون نصير إقليما، بالكامل، ومنبوذا افريقيا من الغرب بأثره ،بما فيه الولايات المتحدة التى تغازله حينا وتناكفه بعض المرات. فإذا كان وضع النظام خارجياً بهذه الخسارة، رغم إن أفورقى أصلا قصد هذه القطيعة حتى ينفرد بانتهاك الشعب الإرترى وحقوقه فى الظلام، يعنى دون شاهد، فإنه حقيقة لم يجنى فى الداخل إلا المزيد من الكره والرفض لسياساته واستبداده إلا من قلة من أبناء منطقته أو من يرتبطون بمصلحة آنية ضيقة.
فإن الممارسات غير الإنسانية من قمع واستبداد وإكراه وقهر ،التى يمارسها أفورتى التى يتخذها فى كل اتجاه، ناتجة أصلا من رغبتين شيطانيتين، أحدهما الانتقام من الشعب لمأرب شخصية، والثانية تمليك فئة أثنية يعينها، أكثر مما يحق لها على حساب الفئات الأخرى.
فالشعب الإرترى والمجتمع الدولى بشكل عام، يدركون ويفهمون هذه الحقيقة، وإذا تسألنا لماذا أفورتى ومعاونيه يمارسون هذه السياسات المرفوضة، لماذا بهذه الحدة، ولماذا يرفض الإصلاح أو الديمقراطية والحقوق؟
طبعاً قبل الإجابة ننوه إلى أن هذه الممارسات ليست ساذجة وليست هدفها فقط تمسك أفورتى بالحكم !! حتى أن هذه السمات وأن لم تكن مستبعدة بالمرة، لكن أفورتى قد أثر على تنفيذ أهدافه بهذه الوسائل الحادة حتى يتمكن من اختزال الوقت بقدر ما يستطيع، ونقصد بهذا، ضمان تمليك السيطرة والقوة فى إرتريا لفئته الإقليمية، وبالتالى فرضت أمر واقع فى المستقبل. لذا فالنهج الممارس حاليا عن قصد وإن الحدة الممارس بها مقصودة هى الأخرى، فالقيادة الإصلاحية كانت أصلا من الذين رفضوا هذه النهج لأنها فى الواقع كانت ولا تزال تؤمن بأن لا حاجة تدعو إلى هذا القمع والاستبداد لتملك الخطوة والسلطة.
فقد اختلف العديد من خاضوا مع أفورتى المعترك أو الذين شاركوه من خلف الجبهة الشعبية، إذ أنهم رأوا أن الوصول إلى هذه الأهداف (المشتركة غير السامية) يمكن عبر الممارسة الهادئة والمقننة، بعيداً عن التصادم المحسوس والمعلن، وأن التكوين الاجتماعى فى إرتريا لا يحتاج إلى هذا الإفراط فى تحقيق السيطرة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجموعة المراد لها أن تكون دينمو البلاد، إذ هى أصلا متمكنة فى كل المقدرات دون منافس حقيقى من الأثنيات والديانات الأخرى، نسبة للوضع الاستعمارى الذى كان سائداً، والذى ركز على رفع مستوى هذه الفئة. وعليه فإن أفورتى لم يكن من السذاجة بحيث تفوت عليه هذه المقارنة أو هذا التقييم الذى لدى رفاقه من الفئة التى تعتبر أصلاً من جلدته، لكن حبة للأنفراد بكل شئ، جعله لا يعطى الفرصة لمشاركته التحكم فى البلاد. أما الأقطاب العرقية الأخرى، والمغيبة فى الواقع، والتى يريد أفورتى تغيبها إلى الأبد، فهى أولاً غائبة من كل النواحى، سوى فى المقدرات والإمكانيات لظروف تاريخية معروفة، كما أنها أصلا غير مهيئة للتنافس وخلق الحضور وطنياً، وأقل ما يقال عنها، أنها فئات مفتتة، لا تستطيع لتكويناتها التاريخية والعرقية أن تشكل بسهولة، فئة متجانسة يحسب لها الحساب، وهى حقيقة فئات عرف عنها أنها أقل حدة فى التعامل، وتتسم بالسلمية، وقبول الواقع الوطنى بتنوعه وبكل علائقه، حتى أنها لا تزال لم تدرك بعد ،عمق ما يشكله خطر سياسات أفورتى الاستيعابية والتى يباركها جزءا من اهله وتابعيه، ومساعديه .
وعليه، فالنظر إلى النسيج العرقى والاجتماعى والعمق التاريخى والواقع الاقتصادى للمجتمع الإرترى، قد يعطينا فهما، بأن الذى يقوم به أفورتى ما هو إلا أجهازاً على المجتمع الإرترى الذى ظل متماسكاً ومنفرداً فى وحدته الوطنية، وهذا ما يشهد به تاريخية على مر العصور.
كما أشرنا فى مقدمة هذا المقال، أن إرتريا بلد ذو مقدرات محدودة سوى فى الثروات الطبيعية أو البشرية كما ونوعاً، بالإضافة إلى خور قواه طول سنوات الاستعمار وعدم تمكنه من امتلاك المكونات الأساسية للمدنية الحديثة/ الإرث المؤسسى/ التجانس/ التمكن الاقتصادى، خاصة القطاع الخاص.
مقابل هذه الحقائق، ظلت فترة النضال التحررى، محطة خاصة فى تاريخ هذا الشعب، من حيث تعميق روح الانتماء الجماعى، وثقافة التعايش السلمى والإنسانى، مكان رفع شعارات الوحدة والمصير المشترك والمساواة، وتلك الشعارات البراقة، قد كونت أو خلقت وعياً هادفاً، على الأقل فى الخطاب العام، بأن الآمال والطموحات هى خلق مجتمع متعافى ومتجانس منألف سيعيش فى سلام واستقرار دائم. وهذا ما خانه أفورتى، وسنأتى فى حينه كيف فعل؟
فإرتريا تعتبر مقارنة بمساحتها، بأنها فيسفساء من الأعراق والأجناس بين سامية وحامية ونيلية، وتتوزع بين ديانتين رئيسيتين قديمتا الحضور، وكبرى هذه الأثنيات من حيث اللغة والعادات المشتركة( التغرى التغرنيا والساهو والبلين والكوناما) تشترك بشكل متفاوت فى الانتماء للديانتين الإسلام والمسيحية. وللنسيج العرقى من الصعب فرز وتحديده ،إذ يعتبر فى، الغالب، يتحدر من اثنينة واحدة أو متقاربة بالمتزاج، وعرف هذا الشعب بالتعايش السلمى فيما بين عناصره، إلا ما ندر، والذى ارتبط بتدخلات خارجية فى التاريخ القديم، ويمكن القول أنه أكثر شعوب المنطقة تعايشاً,وهدوءا، إذ أنه يخلو أصلا من صراعات حادة سوى إثنية أو عرقية أو دينية. حيث شهد له من استعمره أو درسوه، بأنه مجتمع مسالم ،وخاصة فيما بينه، كما أنه أثبت فى عدة مراحل أنه شعب ذو خصوصية فى علاقاته وانتمائه. والمرحلة التى يعشها المجتمع الإرترى من التخلف والفقر بالإضافة إلى كونه لم يخرج بعد من طور العرف والقبلية.
فإن تبعاتها لابد لها من الحضور (كما هى فى مخيلة المريض أفورتى) إلا أنها أيضاً لم تكن عنصراً يدعو للصدام الحار، وقد عرف الشعب الإرترى أنه ظل وحتى الآن أيضا، بحسم الخلافات فى هذا المنحى بالتراضى والمصالحة التى أسس لها قوانين ضارية فى القدم والجذور، لذا فإن هذا لم يشكل عنصر اختلاف عميق، وكما قلنا، إن المجتمع الإرترى يفتقد إلى التأسيس المدنى الحديث، الذى لابد من وجوده لكى يواكب متطلبات البناء والاستقرار. وهذا لا يتأتى إلا بإرادة سياسية ووضع قوانين ومؤسسات ونظم إدارية وهيكله تنظيمية تلبى حاجة المجتمع.
فعندما نالت البلاد استقلالها عام 91 ورثت مؤسسات حكم وإنتاج شبه متخلفة، دمرتها الحرب، ومن الناحية الإدارية والاجتماعية، لكونها مورث استعمارى كانت ذو سمة تسلطية إلى جانب أنها ذات طابع يسارى ماركسى متخلف، كان لابد من إلغائها [طبعاً طرد معظم الموظفين الإداريين السابقين من الخدمة قد أضر بالبلاد]، بالإضافة إلى عدم تجاوب من فى السلطة من الوطنيين لليد التى مدت لهم للمساعدة، سوى من الأمم المتحدة أو المجتمع الدولى فى إبداء المساهمة فى تأسيس إرتريا، فى النواحى الاقتصادية والنظم الإدارية، قد أضر هو الآخر، وهذين العاملين الحاسمين قد ضيع فرص ذهبية من إرتريا.
فالبلاد لم تستطيع أن تخلق لنفسها نظم وقوانين إدارية وهيكلة لنظامها واقتصادها وتنمية مواردها، لسببين ايضا، أولهما عدم رغبة قادتها، وخاصة أفورقى، لأحداث ذلك، وثانيهما لضعف الإمكانيات والمقدرات، ولا تزال جامدة ولم تتحرك فى هذا الاتجاه بشكل حقيقى، وكل ما تم رغم مرور ستة عشر عاماً، يعتبر ضئيلا بل كاذباً.
وحتى يتثنى للقارئ إجراء مقارنة للمفاهيم الإنسانية وتجاربها أو حتى يستطيع أن يتفهم ما نستورده من وقائع وإحداث، فمن المنطقى أن يلاحظ أو يدرك ذلك قبل قياسه فى إرتريا، وعليه نورد هنا مفهوم الأمم المتحدة ،لما يجب أن يكون عليه أى مجمع يشق طريقه نحو الإنسانية المتكاملة، سوى بمقدارته التنموية أو علائقه بالبشرية ومنظومته الاجتماعية.
فمثلا اليونسكو تحدد هذا الإطار او المبادئ، قائلة: [الذى يتفق عليه المجتمع الدولى، هو أن التنمية عملية شاملة، بغض النظر فى النمو الاقتصادى الذى يعد محركاً وليس غاية فى حد ذاته. إنما هى أولا وقبل كل شئ تنمية اجتماعية: وهى ترتبط كذلك ارتباطاً وثيقاً بالسلام وحقوق الإنسان والحكم والديمقراطية، والبيئة،و بثقافة الشعوب وأساليب حياتها. والتقدير لا يحدث فى الواقع العملى إلا عندما تتبدل أنماط السلوك، ولابد بالتالى من توعية الجمهور بالطابع العالمى والمتشعب للتحديات الرئيسية، وتعزيز مشاعر الرحمة بغية تغيير السلوك اليومى للأفراد والمجتمعات].
فأين يا ترى إرتريا من هذا؟
هل هى تقوم فعلاً بحماية الحقوق؟
أو الحفاظ على السلام؟! والديمقراطية، وتعزيز مشاعر الرحمة؟!
إلى أين توجه سلوك الأفراد والمجتمع؟، نحو التآخى أم التنافر؟!
لا علينا الآن، فالنواصل المبادئ التى تقرها البشرية على لسان اليونسكو: [وهذا النهج الجديد تماماً إزاء السياسات الإنمائية، هو وحده القادر على استئصال شفة الفقر والإبعاد الاجتماعى، وعلى توفير أنشطة إنتاجية ملائمة للأفراد، وعلى خفض معدل النزوح من الإرياف، والتحكم فى النمو الحضرى المتفجر، والبيئة. وترتبط التنمية والسلام أحدهما بالآخر، ويتضمن تدابير وقائية لمنع وقوع النزاعات الوشيكة].
وعليه ترى اليونسكو:
– بناء القدرة الذاتية عن طريق تعزيز الموارد البشرية والتحديد الشامل للمضامين والنظم التعليمية على جميع المستويات ونقل المعارض وتقاسمها داخل البلدات وفيما بينها.
– مكافحة الفقر والإبعاد بصورة فعلية بضمان مشاركة السكان فى التنمية الاجتماعية، واحترام حقوق الإنسان والتسامح وللأعنف والمواقف الديمقراطية عبر التعليم منذ الطفولة المبكرة ودعم منظمة المواطنين، وتأمين تعددية وسائل الإعدام واستقلالها.
– الاعتراف بالعوامل الثقافية، بوصفها جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجيات الإنمائية المتوازنة، ومراعاة السياقات التاريخية والاجتماعية والثقافية لكل مجتمع، مما يعد أمراً لا غنى عنه للتنمية الاجتماعية المستديمة.
– تعزيز رؤية جديدة للعمالة والعمل فى إطار مفهوم أوسع، هو مفهوم (الحياة النشطة) تشمل الإنتاج وعلى التضامن المدنى والاجتماعى، باعتبار تلك الرؤية المبدأ الأساسى لمجتمع يسهر على صالح أفراده (مجتمع الرعاية).
– يشكل العلم والتكنولوجيا موارد يتبقى تسخيرها على نحو أفضل لأغراض التنمية الاجتماعية وتقاسمها بمزيد من الإنصاف.
– تحسين نوعية حياة السكان، عن طريق التعليم النظامى وغير النظامى والتدريب ورفع مستوى دخولهم بتعزيز الأنشطة الإنتاجية فى كافة المجالات، وتنمية المرافق الاجتماعية فى الحضر والريف (بتصرف) إلى آخره.
==============================
الإبعاد الاجتماعى .. أم التماسك الاجتماعى؟
الجزء الثالث
ود القبائل
ماذا فعل أفورقى داخلياً:
• أولا منع سريان الدستور، ولازال يماطل فى وضع القوانين المدنية والإجرائية. وحتى المحاكم والقضاة يلبون طلباته فى إقرار الأحكام والاستئنافات التى يريدها هو، والأمثلة كثيرة هنا، ولا يمكن حصرها.
• يواصل منذ قبل تحرير البلاد، فى القتل والسجن والخطف دون محاكمات أو إعلان، لكل من يعتبر معارض له، أو لا يليى سياساته، بما فيهم السياسيون والصحفيون ورجال الأعيان والموظفين والمواطنين والمعارضين إلخ.
• نزع الملكية الفردية، من مؤسسات وأراضى، وتجارة وتطبيق قوانين جائرة فيما يخص النشاطات التجارية والاستثمارية والمبانى والمساكن، وتسهيلها لأبناء منطقته، حتى إن قانون الأرض الذى أقر وأبطل مفعوله بنفسه سخره لصالح أبناء منطقته فى الاستحواذ على الأرض والانتفاع منها حيث جعله حق إليه مشروع لأبناء منطقته وحرم منه باقى سكان البلاد.
• تجميد الأنشطة السياسية للحزب الحاكم خاصة المؤتمرات والاجتماعات الدورية.
• فرض سياسة تعليمية إكراهية، وإجبار المواطنين على الدراسة بلغة الأم، وحصر التعليم العالى فى مناطق معنية، وأخيراً إقفال جامعة أسمرا، الجامعة الوحيدة فى البلاد.
• منع دخول الكتب والمجلات والنشرات الدورية الدولية وكذلك الأشرطة والأفلام الأجنبية، ومنع انتشار الصحافة والإعلام الخاص، وإلغاء قانون الصحافة.
• يتم فى عملية توزيع الأراضى إعطاء التغرنيا مساحة خمسمائة متر مربع فى مناطقهم الأصلية لكل من بلغ الثامنة عشر من العمر، وحق التقاسم مع غيرهم فى المناطق الخاصة بسكنى القوميات لأخرى.
. فى حين يحرم قطعاً ،على الآخرين أن توزع عليهم قطعة سكنية فى مناطق التغرنيا، والتفكير فى ذلك من المحرمات، ويقدم قسم تخطيط المدن والأسكان بمنح أراضى السكن فى المنخفضات أى خارج مناطق التغرنيا، بواقع مئه وثمانون متر مربعاً فقط، رغم ما تمتاز به من امتدادت وسعة/اغردات افعبت / بالإضافة، كونها تقع فى مناطق طقس حارة جاف مكان من الطبيعى أن تكون المساحة فيها أكثر من خمسمائة متر مربع.
• العمل على فرض ثقافة الآخر، بشتى الأساليب، بما فيها التعليم، مخاطبة المؤسسات والخدمات والشؤون الإدارية والقضاء والسلطات فى مختلف المستويات، وتكريث لغة وثقافة واحدة ،حتى على مستوى الشارع، وتوظيف الإعلام المسموع والمقروء والمرئى لصالح لغة واحدة وثقافتها(هناك بث اذاعى باللغات الاخرى فى حدود ضيقية بهدف الالهاء).
• ممارسة الضغوط المتعددة الأوجه (الإبعاد الاجتماعى) فى مختلف المستويات والمناسبات والإجبار على تقديس ثقافة الآخر وأقتصاء الثقافة الأخرى.
• القهر والتسلط والإجبار، والاختطاف والسجن والتعذيب ضد المسلمين بشكل خاص، أو اتباع الكنائس الجديدة مثل شهود يهوا، وإجبار الناس على الهجرة .
• خلق عدة مستويات من أجهزة الأمن/ الشرطة/ الأمن الداخلى/ المباحث/ الأمن الوطنى/ جهاز دعم الشرطة/ الشرطة العسكرية التى تقوم بمهام الحراسات وضبط النظام/ قطاعات الدورية من الجيش. ثم الميليشيات المسلحة. والحرس الرئاسى الذى يشرف على المطارات والموانئ.
• منح القادة العسكريون، حق إدارة البلاد، بأن جعلهم المسؤولين الأعلى للإدارة الإقليمية. وحق التعرف باسمه والدولة. بما فيها صلاحية إعدام الجنود بقرار عسكرى على مستوى الأولوية.
• منع المساجد الإسلامية والمعاهد الدينية من مزاولة أنشطتها أو تلقى الدعم والمساعدة والإغاثة من الخارج أو من تبرعات المواطنين.
• مصادرة المزارع والبساتين لصلاح الجيش، أو أفراد معينين أو لصالح الحزب.
• اشتراط على المنظمات العاملة فى إرتريا بما فيها الأمم المتحدة منح رواتب لا تزيد عن مئة وخمسون دولار للعاملين معها من الإرتريين فى الوقت الذى يحق لغيهم من الأجانب فى نفس المستوى الوظيفى عشرة أضعاف وأكثر ما يحق للإرتريين.
• منع العديد من المنظمات الإنسانية والخبرية وخاصة الإسلامية فى العمل والتواجد فى البلاد، كان أخرها طرد ثلاثة منظمات خيرية إيطالية وكذلك الوكالة الأمريكية للتنمية USAD.
• منع حركة التجارة بين إرتريا ودول الجوار، والغريب فى الأمر أن إرتريا كانت تنتعش من حركة التجارة بينها وبين أثيوبيا والسودان. والحق يقال أن رزق الإرتريين كان يأتى من هذين الدولتين بالذات.
• منع المقتدر من أبناء الوطن من بناء مدرسة أو مشفى أو مرفق خدمى باسمه أو عائلته مهما كان أهمية هذه المرفق.
• مصادر أراضى أو مبانى دون تعويض، باسم الصالح العام.
• منع إقامة المؤسسات التعليمية الخاصة، حتى للجاليات الأجنبية.
• حجر الوظيفة العامة على أبناء منطقة أفورقى، إلا ما ندر. ويمثل الآخرون أقل من واحد بالمئة، وعدد بسيط فى الوظائف العليا.
• حصر الانتماء إلى المؤسسات السيادية والمؤسسات الاقتصادية الكبرى، مثل كلية الضباط، الطيران، البحرية فى أبناء التغرنيا، ولزر الرماد فى العيون، استوعب عدد من المضيفين والمضيفات فى الطيران المدنى(وكمان مشلخين للتمويه اكثر)، وتوجد نسبة بسيطة فى وزارتى الإعلام والخارجية، وهذا ناتج لطبيعة وظروف و نشاط هاتين الوزارتين.
• رفض عودة اللاجئين أساساً ووضع عراقيل أمامها خاصة فى برنامج العودة الطوعى بمشاركة الأمم المتحدة.
ما مصائب التى ساهم فيها النظام خارجيا:
• أدان المجتمع الدولى (مجلس الأمن) إرتريا مرة فى مشاركتها فى تسهيل ونقل وبيع الماس المهرب من ساحل العاج وأنغولا والكنغو.
• أدان مجلس الأمن إرتريا فى تصليح جماعات المعارضة فى دارفور بالسودان.
• الغرب وخاصة الولايات المتحدة أدانت بشكل متكرر ولسنوات ملف حقوق الإنسان فى إرتريا.
• كل المنظمات الدولية لحقوق الإنسان والإغاثة، ادانت سياسات وممارسات حكومة إرتريا بشكل متكرر.
• دول الجوار فى قطيعة دائمة مع إرتريا.
• حمل المجتمع الدولى إرتريا بشن الحرب على أثيوبيا، وعدم تجاوبها مع كل الجهود الرامية لإحلال السلام مع أثيوبيا.
• قامت إرتريا بتدخل مباشر فى الحرب الرواندية وكذلك البروندية وحرب الكنغو (زائير) وجنوب شرق السودان.
• تقوم إرتريا حاليا فى بتدريب, بدعم ومساندة المعارضة المسلحة فى دارفور ومنظمة البجة فى شرق السودان، وجبهة تحرير أرومو فى أثيوبيا وتنظيم الامهرا المسلح الأثيوبى، وذلك بالتدريب والتسليح ومنح المعسكرات والمكاتب.
رأينا فيما سبق الخلفية السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكذلك أشرنا إلى المفهوم الدولى العام بشأن التنمية كما أوردته اليونسكو.
والآن انطلاقاً مما سبق نرى ماذا يجرى فى إرتريا أصلا، والذى نقول أنه ينافى كل المفاهيم والأخلاق والأعراف والمواثيق والنظم المتعارف عليها دوليا.
أولاً ،أفورقى فرض نفسه بكل الأشكال منذ فترة طويلة على مصير البلد، ولم يترك سبيل لغيره للاسهام، وخاصة استخدامه المفرط للقوة والأساليب الخسيسة والقهر والتسلط، حتى يكون صاحب الأمر والنهى دون منازع. فقد قتل أو سجن أو ابعد ،كل من شك فى ولائه أو لم يجاريه فى الفكر والممارسة ،حتى أصدقائه والمؤسسين الأساسيين للجبهة الشعبية، ورفض أن يتم تأسيس الدولة وهيكلتها، وتحسين إدارتها، ووضع القوانين والضوابط، بما فيها الدستور المبتثر الذى لم يرى النور منذ التصديق عليه صوريا عام 1997م. كما، مارس القهر السياسى بكل أشكاله ،من تهميش وإقصاء مجموعات سكانية بعينها، وعدم السماح بتكوين الأحزاب والنقابات المهنية، والقتل والسجن دون تهم ومحاكمات، لكل من يقف فى طريقة، وفرض أراء ومفاهيم غريبة على المجتمع، بالقوة والإجبار، ووضع القيود على حرية العبادة وممارسة الشعائر ومنع حرية الحركة والسفر، ومارس العقوبات الجماعية، وانزال العقوبة على الأقارب نيابة عن المتهم بها.
الحرمان، حيث يتم مصادرة ممتلكات لصالح الدولة دون تعويض أو نزع ملكية لصلاح فئة معينة أو بهدف تعزيز مركز أصحاب السلطة، بما فيها حرمان أصحاب الحق، الأولوية فى الامتلاك وتحسين الحياة المعيشية، وهذا أكثر وضوحاً فى انتهاج ما يسمى أرض الطيسا [معناها أو مفهومها الذى أصبح قانوناً، هو حق امتلاك أرض سكنية، كحق طبيعى إلهى لا ينتقص ولا ينقض] إلى جانب حق الحصول على أرض سكنية أو استثمارية فى المناطق الأخرى من البلاد وحق الطيسا هذا، مكفول فقط لأبناء المرتفعات من التغرنيا.
أما عملية تنمية الريف ونشر المرافق والدعم والرعاية الاجتماعية للفئات أكثر فقراً واحتياج، فهذا أيضا موجه لتنفيذه فى مناطق معينة وعرقية معروفة. أما الوظيفة العامة فهى أصلا حكراً على فئة عرقية مسلم بها، إلا ما ندر أو تسببت فيه الحاجة للاستعانة بالخبرة أو أن الموظف جاء إليها عبر ظروف تاريخية معروفة (كان يكون قد انتمى منذ قبل التحرر إلى صفوف الجبهة الشعبية) ولا يزال مستمراً فى وضعه.
بالنسبة للأنشطة الاقتصادية والتجارية، فيسرى عليها نفس التوجه السياسى فى إقصاء وإبعاد، بهدف الحد من حجم المتعاملين فيها بشتى الأساليب، كاتباع سياسات الإفلاس أو استخدام أسلوب الضرائب والجمارك الباهظة على غير المنتمين لفئات عرقية معنية، أو نزع الإجازة أو الترخيص القانونى، بأسلوب وبأخر أو الحرمان من التسهيلات والتعاملات المالية والبنكية والحرمان من القروض وغيره. والتعليم أيضا يعتبر هو الأخر ساحة لظلم جائر يتم فيه التهميش بشكل جلى حيث فرضت السياسة الإجبارية فى التعلم بلغة الأم والذى يشبه [حق أريد به باطل] والذى نتج عنه إبعاد فئات يعيشها عن التعليم وصف التعلم، بالإضافة إلى التعمد ضعف نشر التعليم فى مناطق المنخفضات، إلى جانب حرمان الشعوب من التعليم الأكاديمى الأعلى مستوى حيث جرى مؤخراً إقفال الجامعة الوحيدة فى البلاد، والتى لم تكن تستوعب أصلا فى العام الدراسى فى كل المجالات أكثر من ثلاثة آلاف طالب. وكان التجنيد الإجبارى ولازال واحداً من المصائب والعقبات التى تمنع التقدم فى التحصيل العلمى والدراسى.
وبعد قراءة هذا المقال أعتقد أن القارئ سوف سينحاز حتماً إلى ما جاء فيه من حقائق، وإنه سوف يصل معى إلى أنه إذا كان هناك، معنى صحيح لكل هذا، فإنه يعنى السقوط أو الانفجار المروع، كما حدث فى الصومال بسبب الغبن، بل أسوء ربما، لأن جميع التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحاصلة والمتواصلة لتمليك البلاد لاثتيه واحدة، ستقود البلاد نحو الانهيار إذا لم يحصل تداراك له، قبل فوات الأوان.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7010
أحدث النعليقات