الإختراق الأمني والسياسي … عندما يشرب الهقدف من نفس الكأس
دكتور الجبرتى
يقصد بالاختراق في الفكر السياسي والامني ، الوصول الي عمق الطرف الآخر بغرض التعرف علي استراتيجياته وتخريبها ، بأساليب فنية متعددة ، وباستخدام وسائل استخبارية عالية التقنية . وهو مصطلح يكثر استخدامه في الأوساط الأمنية الداخلية والإستخبارية الخارجية ، بينما يستخدمه الإنسان العادي في حياته اليومية أثناء تفاعله مع محيطه البشري ، بدون وعي كامل وتخطيط مسبق ، خلال خبراته الحياتية في إدارة مشكلاته مع مجتمعه الإنساني .
إذا فالإختراق هو عملية فكرية لحل مشكلات الفرد أو المؤسسة ، من أجل تحقيق أكبر قدر من المصلحة والأهداف الحياتية ، في سبيل الإستقرار والتنمية علي كل المستويات . فالبحث عن المعارف ونقاط الضعف أو مراكز القوة للفرد أو المؤسسة لإقامة علاقة معها ، يعتبر من أساسيات التخطيط التي نستخدمها في حياتنا العامة علي كل المستويات . وتختلف إمكاناتنا في تحقيق الإختراق بحسب الإرادة وقوة الدافعية والإمكانية الفكرية للقيام بأمر ما أمام المشكلات والعقبات المادية والبشرية التي تعترض وصولنا الي أهدافنا .
تتبع الأعمال والأجهزة الإستخبارية والأمنية لجهات سياسية ، لأن المؤسسات السياسية ومن أجل تحقيق أهدافها ، تستخدم هذه الوسائل والمؤسسات للدفاع عن نفسها من الإختراق والتخريب المضاد ، من داخل المؤسسة السياسية أو خارجها . لذلك تظل محاولات الاختراق المتبادل من الجهات المتصارعة والمختلفة علي المصالح المشتركة دائمة لا تنقطع . ومن يستطيع أن يحقق اختراقا كبيرا في مؤسسة الجهة المعادية ، يستطيع أن يأمن منها ، بل ويستطيع أن يحول مجريات الصراع لمصلحته بالكامل .
وما يجري علي ميدان الواقع بين الدول خير دليل علي تحولات مجريات الاحداث ، وتغيير الاراء وردود الافعال حسب قوة وموقع الإختراق الذي حققه الطرف الأقوي . وفي حالات الصراع غير الحاد وتوازن القوة بين طرفي الصراع ، فإن الاختراق يكون لتحقيق مصالح سياسية آنية لتوجيه الطرف الآخر بالقوة الناعمة . وقد يتبادل الأصدقاء المعلومات التي تخدم مصالهما المشتركة والتي تكتسبانها من عملياتها الخاصة . وهذه التحولات هي التي لا يمكن للمحللين السياسيين والصحفيين غالبا معرفة حقيقتها إلا بعد فوات الأوان .
لتوصيل رسائل الاختراق تعمل المؤسسات علي تنفيذ بعض البرامج السياسية أو التنظيمية أو الامنية ، والتي تعطي إشارات تفيد بسد ثغرات محتملة ، ليعرف الطرف الآخر أنهم قد بلغوا أعماقه . كما يمكن أن تتبادل موضوع الاختراق مع جهات اخري صديقة او معادية للطرف الاخر ، في ممارسة سياسية أشبه بالتجارة و منافسات السوق. وقد حققت دول تحالف صنعاء في بداية نشاطها وتفعيلها ، شيئا مماثلا . بتبادل الافكار والمعلومات حول نظام الجبهة الشعبية . ومارسوا استراتيجية عميقة في الاختراق الفكري والسياسي ،انتجت اختراقا امنيا تكشفت نتائجه بعد عقد من زمان قيام الحلف ،مما انهك النظام الارتري واضعفه جدا.
نظام الشعبية اضعف من ان يمارس الاستراتيجيات طويلة المدي لتحقيق الاختراق الفكري او السياسي ، ولخلفيتة الشيوعية البائدة ، لم يعمل الا في مجال الاختراق الامني ، باستخدام وسائله الرئيسة ، مثل الخمر والنساء والمال ، وهذه تستخدم غالبا للاعمال التكتيكية وليست بعيدة المدي . ولان النظام الارتري القائم نظام محصور وقاصر عن الابعاد الاقليمية والدولية في تعاملاته السياسية . فقد استفاد كثيرا من ظروف المنطقة وتداخلاتها الاقليمية مع اسرائيل والصراع العربي ، اضافة الي اوضاع الصراع الاقليمي بين اثيوبيا والصومال .
فرغم تعبيره الضعيف عن ارادته وافعاله علي مستوي الحركات الاسلامية الارترية والتنظيمات المعارضة الاخري ، وتمكنه من اختراقهم أمنيا جزئيا . الا انه فشل في تحقيق اي هدف في علي مستوي دول الاقليم او محور صنعاء . فقد انهك في الصومال ولم يحقق شيئا يذكر ليضير به اثيوبيا ، التي تحقق معدلات نمو اقتصادي هي الاعلي في افريقيا والعالم . بينما تمكنت هي من تقليم اظافره بالكامل علي المستوي الدولي والاقليمي . لانها تعاملت ع موضوع نظام الجبهة الشعبية بجدية اكبر وبعمق كبير .
تفيد كثير من المؤشرات القائمة علي صلة معظم قوات المعارضة الاثيوبية المقيمة بدولتها . ففي العقد الاخير للراحل ملس زيناوي ، كشفت بعض المعلومات التي تؤكد تواصل رئيس مجموعة دمحيت بالنظام الأثيوبي . وحاولت بعدها المجموعة نفي المعلومة بالظهور كمقاومة حقيقية ، عبر تنفيذها لبعض التفجيرات داخل اثيوبيا ، والتي تم فيها القبض علي بعض الافراد واعترفوا امام الاعلام الاثيوبي . وكانوا مادة لتلك الأيام . كما يفيد العدد الضخم المتراوح لهم بين 30 الف الي 60 الف مقاتل أيضا ذلك . فالنظام الارتري لا يستطيع تحمل هذا العدد الضخم من القوات المعارضة داخل بلاده وفي عمق المدن . اضافة الي المجموعات المعارضة الاخري مثل الاروموا وهم ايضا ينتشرون بأعداد كبيرة . تهدد مستقبل النظام وتمتد لتهدد مستقبل الدولة الإرترية نفسها ، فيما قد يتجاوز الاختراق الاثيوبي للشعبية ، اختراق مستقبل أرتريا لا حقا بشكل غير محدود بقصد أو بغيره . يمكن مراجعة مقال الاخ محمد رمضان في المجلات الالكترونية الارترية الاسبوع الثاني من يونيوا 2015م .
تلاحظ في العقد السابق ، وبعد بروز بعض التظيمات الارترية ، التي حققت نجاحا في عرض رؤيتها وافكارها ، و غطت جوانب مهمة في الصراع القائم بين النظام والشعب الارتري ، لوحظ أن قامت الشعبية بردود أفعال واضحة ومباشرة ، أفادت بتحقيق هذه التنظيمات الحديثة لاختراق سياسي وفكري مؤثر وواضح أيضا في صفوف النظام ، لم يكن يتوقعها . وقد مارست بعض هذه التنظيمات ، أفعالا تمكنت بها من تحريك النظام وتوجيهه الي ميادين بعينها ، خلال محاولاتها للتحقق من عمق اختراقها للنظام ، ونفذت إصابات مباشرة ايضا في صفوف قيادة النظام ، لمتكن واضحة الا لاصحابها ، وذلك لانها استخدمت نفس كوادر واساليب النظام في الفعل ورد الفعل ، وقد كان لها ذلك . اضافة الي ان تنظيمات اخري مارست نشاطا أمنيا مباشرا انتجت عنه اختراقا داخل صفوف جيش النظام ، وحققت به ايضا رسالة كبيرة وواضحة خلال المحاولة الانقلابية التي نفذت قبل عامين داخل العاصمة الارترية ، وهي التي اكدت للجميع خواء النظام من القوة الاستخبارية القديمة التي مايزال الضعفاء والعملاء يستخدمون الحانها للتخويف والتخوين حتي اليوم .
أما علي المستوي الأكبر لمجموعات التحالف الارتري فإن ردود الأفعال التي يقوم بها النظام الارتري متخبطا منذ نشأة المجلس الوطني الارتري بعد مؤتمره التاسيسي للمفوضية ، خير شاهد أيضا علي توسع حجم الإختراق السياسي والفكري للنظام وأفراده . فقد قام النظام بردود افعال واضحة في اوروبا بتنشيط برامجه الجماهيرية ، والشبابية ، في محاولات يائسة لتحجيم الحراك الشعبي المتنامي ، والذي يحتل الشباب فيه موقعا مميزا بتفاعله وتاسيسه لمجموعات متعددة الاهداف والمناشط . ونعلم ان استراتيجيات العقل الشبابي تعمل علي الاهداف بقوة اكبر وبوتيرة اسرع دائما ، وهو ما يخيف النظام وسيغير مواقف دول الاقليم في التعامل مع المعارضة الارترية ككل قريبا ربما .
من المؤسسات الناجحة في اعمال المعارضة الارترية ايضا مؤسسات المجتمع المدني الارترية في اوروبا ، والتي عاشت لفترة حضانة طويلة في اوروبا تعمل في تخصصاتها . ولما ادركت بعد حين ان جميع برامجها الانسانية واهدافها لا يمكن ان تتحقق في ظل نظام الجبهة الشعبية ، شاركت مع المنمات السياسية الارترية ، وحققت قوة دفع عظيمة الاثر ، وابرزت قوتها الاجتماعية باختراقها للصمت الغربي عن اوضاع المجتمع الارتري ، وحققت اهدافا واسعة مثل قطع المساعدات عن النظام الارتري ، وفضحه في كل زياراته لأوروبا وأمريكا واستراليا . كل هذا النشاط الاضافي للمجتمع الارتري المعارض ، اصبح بعبعا واضحا انهك النظام المتهالك اصلا، وزاد من حدة الصراع بين مكوناته الطائفية والمصالحية ويعجل بسقوطه قيبا باذن الله .
ما يحتاجه المجتمع الارتري لزوال النظام اليوم هو معرفة اي الوسائل اكثر كفاءة للاسراع بهزيمة النظام ، واي الافراد اقدر علي تنفيذ ذلك . اضافة الي حوجتهم الماسة لمعرفة ماذا انجزوا من اهداف ، واين يقفون اليوم من مراحل ادارة الصراع مع نظام الجبهة الشعبية ؟ فمعرفة المصارع لموقع اقدامه من اهدافه ومن عدوه هي اهم مقومات تنفيذ الضربة القاضية .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=34735
أحدث النعليقات