الاندماج الوطني
بقلم / متكل أبيت نالاي
أن هناك إجماعاً على أن الاندماج الوطني, أو الانصهار في هوية وطنية مشتركة.أمر ضروري لانتظام الحياة الاجتماعية والنفسية في أي مجتمع. وفي الوقت نفسه فاءن هناك إجماعا على أن احد أهم معوقات الاندماج الوطني هو وجود القوالب النمطية الجاهزة.
) Stereotypes) وهي التصاوير السلبيةImages)) التي تظهر بها الجماعات الوطنية القوية لنفسها, بالإصدار الأحكام على فئات المجتمع الأخرى.
هذا يدل على درجة الخلل في عملية الاندماج الوطني الطبيعة المشتركة التي تحمل السمات, والصفات بين كل الناس , كما تعطل تبلور الهوية الوطنية الأصيلة الجامعة لكل الناس, بل تخرج الجماعات ” الأقلية” خارج العمل الوطني لأنها دوماً تحس دورها ثانوي ومهمش في مجتمعها الذي تعيش فيه, لهذا تخرج مجبرة, لأنها ترفض سجنها في قوالب الأقوايا التي يريدون أن يسودوا وينتشروا على حساب حقوقها.
ونعلم كلنا بأن حركة التغيير هي وظيفة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يشهدها المجتمع ككل, ومنها يتولد الإدراك لذاتية الفريدة لشعب الواحد.أي السور الواحد الذي يدمج الناس فيه بمفهوم وطني واحد, وهي: المواطنة, المساواة في الحقوق والواجبات. وأصلاً المواطنة في تعريفا البسيط هي ممارسة الحقوق والواجبات في حيز جغرافي معين مع مجموعة من الناس يشتركون معك في الحيز نفسه.أما المساومة هي فكرة لها أهميتها, وتعني أن يدرك المرء أن الحق الذي يطالب به إنما يطالب به بتساوي مع حق الآخرين وان إنسانية الشخص توجد أيضاً في الأشخاص الآخرين.
أن الدمج المتسامح هنا يعني أن ندخل فئات جديدة فنغيرها كما تغيرنا ثم نطلب منها المشاركة معنا في بناء الوطن. ويكون في المجتمع مكان لدمج المثقفين والمقاتلين والنساء والأحزاب والعمال وغيرهم, وباء مكان كل هؤلاء أن يكونوا جزءا من الوطن وارتباطهم فيه أكيد عبر مساواتهم ودمجهم وطنياً. مع احترامنا لخياراتهم الشخصية في حب القبيلة أو الطائفة أو تكلم لغة أخرى, علينا أن نحترم الخيار الفردي ونتمسك بالخيار الوطني من حيث الارتباط والمساواة والقوانين.
وشيء يستحق منا النقد في نظام الإرتري الحاكم هو لماذا كل هذه الغيرة من المتفوقين والناجحين؟ ولماذا نحطم المبدعين والمتميزين حتى وصل بهم الأمر الراقدين في قبورهم, لم يحسنوا ذكراهم وحتى اليوم لم يحصدوا منهم إلا الشتيمة والخيانة والقسوة فعلاً سلوك محير, ولكن حقاً يعبر عن نفوس معطوبة يقلقها نجاح أفراد من الشعب الإرتري.هذه النماذج من البشر ولدت لنا نتيجة النضال الطويل. حتى وصلت أسمر ثم تحجرت أحاسيسها الإنسانية وتحولت إلى وحوش كاسرة لشعب الإرتري.
وأيا كان الأمر فأن عملية الدمج ليس بمثابة مسح للأخر. بل دمج في ظل التعددية ولكن عملية التسامح ليست قبولاً بالفوضى على حساب قوانين وثوابت الوطنية بل هي مشاركة وتسامح أي قبول بما لا يؤثر على حريات الآخرين وقبول بسلوكيات قد لا تعجبنا ولكن نؤمن بحقها الخاص بالوجود. أذا الاندماج هو قبول دون تبني لرؤية, نعالج بها مسألة الهدر الإنساني في مجتمع واحد, ونمنع بها كل التجاوزات على حقوق الأخريين, مهما كان دوافع الأقوياء , نقوم بذلك حتى لا تعوق حياة أفراد من هذا المجتمع . لهذا هي بمثابة الاعتراف بالإنسان بقيمته ومكانه وحصانته وقدراته ووعيه. وعلينا أن نعلم للحرية شرط, إنها ليست حقك وحقي. ولكن: ” هي حقي شرط أن لا أتعدى على ما هو حق غيري أو أنال منه” الشرط هنا يوجد قانون المانع, الذي يحد من مساءلة الحرية كصفة مطلقة. وبهذا القانون يمكننا أن نفسر الخير والشر دخولا وخروجاً على مفهوم الحرية عند الممارسة حقنا الطبيعي. فهناك من يعتبر تشويه السمعة عملاً غير مشروع حتى وإن لم يؤدي فعلاً إلى ضرر مادي يلحق بالشخص المعني. ثم قد يقال أن استعمال الألفاظ النابية في ازدراء عقيدة أحد من الناس قد يؤثر مادياً أيضاً في ذلك الشخص, إذاً أن لمس بشعوره قد يؤدي إلى المس بصحته مثلاً(أن يغضب ويثور فيلحقه ضرر في صحته)
“ما هي حرية التعبير في رأيك؟”
قد تجيب فتقول إنها الحرية التي لا تسمح بالتشهير والشتيمة والمس بالشعور والتي تسمح لك بأن تعبر عن رأيك بصراحة فيما عدا ذلك. ولكن الحرية المعمول بها ليس هكذا في بلادنا هناك قانون يعلو فوق كل شيء وهذا القانون مرتبط بمصالح معينة تتمحور حوله كل نقاط التعبير وتتضح معانيه في القوانين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تحكم البلاد. وهذه هي الحرية التي ألفناها في منطقة القرن الأفريقي وضعتها الفئات المتسلقة المتعجرفة من أبنائها لكي تأخذ ولا تعطي.
أما حينما تتحول القوميات الأخرى مشروع لقومية واحدة تجسد سماتها وتعمم دسائسها فيهم وتلصق تهمتاها هنا وهناك بل تحجير حقوقهم وتغرق حريتهم في داخل حريتها التي رسمتها لنفسها, حتى يتسنى لها أن تفعل ما تريد دون حساب أو عقاب. علماً بأن هذا التمادي من الحكومة الإرترية هو الذي سوف يخرجها خارج منطق المعقولات السياسة ولاجتماعية والاقتصادية من البلاد. ونؤكد لشعبنا أن إرتريا حق للجميع استردوا أرضها شبراً شبراً بدمائهم الطاهرة لهذا نقول الحقوق الإرترية ثابتة لجميع لا تتغير عن كونها زادة أو نقص وهي استحقاق طبيعي لا تقبل الحلول الاستثنائية ولا تحتاج لنقاش هادف أو منتدى للحوار كما تناور به اليوم الحكومة الإرترية.
تجد في إرتريا الآن, عزوفاً بين الأطفال في منزلين متجاورين لا يلعبون مع بعضهم وفي المناطق السكنية الناس حذره لا تطمئن لبعضها, تحس المجتمع فيه انشقاق اجتماعي يعيشه في كل مكان, وإذا سألوك مثلاً عن اسمك ومكانك أو دينك في إرتريا تبحث فوراً عن مقصوده, كل شيء يتأول إلى الأسوأ لأنهم وضعوه الناس داخل مربع ملأ بشحنات من العداء نحو بعضهم البعض.
حقاً في ظل هذه الظروف كيف نستطيع أن نخلق علاقات جديدة متسامحة ونحن نرى هجوم يطال نصف المجتمع الإرتري .؟ ولا يوجد من العقلاء من يصحح هذه المفاهيم الخاطئة, لهذا نقولوا: ما قيمة التسامح في ظل وجود قوميات إرترية مجروحة من الآخر!
الاندماج يتطلب عقلنة التغرنية أولاً وتغيير في أدوات سيطرتها, وأسطورة خطابها السياسي, كما يتطلب تطوراً في عقلية المجتمع وتوسيعاً لأسواره. ولابد من وجود شعور مدني يعبر عبر جمعيات الحقوق, والنقابات, والاتحادات المهنية يعطى الحرية الكاملة ليعمل في استقلال تام عن سلطة الدولة, وتوفر لأعضائه الأرضية القانونية التي تساعدهم أن يمارسوا فيها نشاطهم ويتحاوروا من خلالها مع بعضهم, ومع أصحاب القرار في ارتريا الديمقراطية القادمة.
لهذا إقرار مثل هذه المؤسسات يتطلب من الجهات الرسمية القيام بما يكفي لتوعية العامة من الشعب, وإرشاد العاملين وتشجيعهم على إنشاء جمعيات تهدف للدفاع عنهم من خلال العمل العلني والصريح والمكشوف يضمن لهم القانون سقف من الحرية يجعل جمعيتهم موازية في نطاق اختصاصها لسلطة الدولة. وهذا بضرورة لا يعني أن الجمعيات الحقوقية هي بديله عن الدولة القادمة, وهي أيضاً ليس مجرد تابع لها, حتى يمرر عليها رئيس الدولة أو غيره دسائسهم المشبوه.
والصحيح هي جهة رسمية تعبر عن هموم وتطلعات أعضائها وتسعى لتحقيق حاجاتهم وفي سبيل ذلك تواجه وتحاور القائمين في شئون الدولة, حسب اللوائح والأنظمة الممنوحة لها في نظام الداخلي للبلاد. كما تعتني برفع مستوى المهنة الذي قام الإتحاد من أجله, ولها دور وطني تقوم به بتفعيل أعضاؤها في اتجاه المشاركة في الشأن العام . في كل ما هو خير ومنفعة عامة للمجتمع.
أما فما يتعلق بالمنظور الذي يقوم عليه القانون في بلاد يفضل أن يكون ذلك القانون الذي يفصل بين الحيز الفردي والحيز العام الوطني ويحترم الثوابت الإرترية بكل ما يعني ذلك من أبعاد قانونية لبناء الدولة والمواطن.
كما يتطلب تحييد الدولة بكافة الشؤون. بما فيها الشؤون الدينية لأنه لن يكون هناك تسامح في ظل دولة قادرة على استخدام الدين لاضطهاد فئات أخرى لأن هذا يثير القضية الطائفية والقضايا الدينية المعقدة في مجتمعنا.
وبالتالي استخدام الدولة للدين لاضطهاد الفئات الدينية الصغيرة والكبيرة كلما وجدتهم يأخذوا دينهم مأخذ الجد بأكثر مما يفعله الآخرون الماثلين لهم أصبح يغضبها ويجعلها تخلط الأمور بالإرهاب, ونحن نتساءل فإذا لم يستطيع شعبنا أن يمارس دينه بالكامل وبحرية هنا في أرضه, فأين يستطيع ممارسته؟ أما التضييق والرقابة الزائدة على العلماء والمدرسين هو إفلاس سياسي لا يتماشى مع منطق الحيات الإرترية, كما أن العديد من العادات التي يظهرها شعبنا هي طقوس من ضوء الحيات الإرترية مقبولة ومعروفة يحترمها الجميع وينسجم معها جميع الشعب الإرتري, إذاً لماذا نسعى في تغيير العلاقات الإرترية القائمة فيما بين الناس بل نرى الحكومة تسعى لبناء هوية مضادة للقيم الإرترية لأجل الإبقاء جزء كبير من الشعب الإرتري خارج الساحة الوطنية واليوم يمشي في إرتريا فئة من شعبنا وكأنه يحمل يافطة على ظهره تميزه عن الأخريين في حبه وولاؤه لوطنه.
بصراحة هذا لن يساعد أبداً في قضية الاندماج ولذلك يجب تحييد الدولة في هذه المسألة ولا تسامح ولا اندماج دون تحييدها في هذه المسألة. يجب على الدولة أن تتحول إلى أداة حرة من الاستغلال الديني والسعي إلى فصل الجانب ألترهيبي الإجباري للدولة عن هذا الأمر. وأرى تثقيف مجتمعنا ضروري للوصول به إلى حالة من العالمية من أجل أن نجز مواطناً فعالاً مستنيراً مبدعاً متسائلاً. وفي الحقيقة الاندماج المتسامح أيضاً يتطلب قبولاً في العالم, فهناك مجتمعات قوية تفرض نفسها علينا شروطها وتنظر إلى مكانتنا في حقوق الإنسان والديمقراطية, وفي كل الأحوال فأننا ينبغي أن نكون ضمن المعاير الصحيحة والمقبولة إرتريا ودولياً حتى لا يدور الزمن دورته الكاملة علينا.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6429
أحدث النعليقات