البرنامج السياسي لحزب قوات التحرير الشعبية
إن الساحة الإريترية في الوقت الراهن مليئة بالتناقضات السياسية التي تعكس تراكمات تاريخية وثقافية ودينية واجتماعية تعبر عن مجمل معطيات الواقع الأريتري بكل فئاته وطوائفه التي قدر الله لها أن تعيش في رقعة جغرافية واحدة. وقد عجزت تجارب الثورة الأريترية عن تقديم الحلول الصحيحة والمتطابقة مع الحقائق النابعة من جذور شعبنا، ولهذا يمكن القول بأن مجمل قضايا الثورة والخلافات التي دارت حولها إنما كانت تفتقر إلى رؤية صائبة لواقع الكيان الإريتري ومكوناته الدينية والثقافية التي كان يمكن أن ينطلق منها التصور السياسي والذي يمكن أن يساعد في تحديد ملامح الدولة الإريترية وأسلوب الحكم والإدارة وتوزيع السلطة والثروة بحيث يحقق في النهاية الاستقرار والرفاهية للشعب الإريتري بجناحيه المسلم والمسيحي وسائر مكونات الشعب الإريتري. ومن هذا الفهم نتقدم بتصورنا المتواضع والذي يعد في اعتقادنا مشروعاً سياسياً جاداً للتعامل مع حقائق الواقع الإريتري.
أن تجربتنا تدفعنا إلى التفكير الجاد والذي يبعدنا عن المخاطر والتزلقات، لأن ضمان الاستقرار في إريتريا مرهون باحترام الواقع الإريتري والاهتداء بمعطياته وليس بالاعتماد على فلسفة تأمين الظهر من خلال الإرتباطات العرقية والإقليمية وخلق الزوابع وإثارة الحروب في المنطقة.
ومن هنا يجب أن نفكر في صيغ المصالحة الوطنية والتي لا يمكن مناقشتها هذه المرة إلا من زاوية تأمين مصالح وحقوق الطرفين (المسلم والمسيحي) اللذان يشكلان جناحي الكيان الإريتري الذي تحتضنه الدولة الإريترية المرتقبة مع الأخذ في الاعتبار للمعتقدات الأخرى. أن البحث عن السبل التي تؤمن وحدة شعبنا يجب أن يكون مدخلها الاعتراف المتبادل بين الطرفين، والاتفاق المبدئي للتسليم بالحقوق الأساسية التي تمنحنا الاستقرار والرخاء في أريتريا التي نأمل أن تكون النموذج الحي في التعايش الديني والثقافي بين أبناء الشعب الإريتري الواحد، الذين لابد أن يحموا وطنهم من كل المزالق والفتن التي يسبح فيها عالم اليوم من أجل ضمان السلم الأهلي.
البرنامج السياسي
نظام حكم فيدرالي (لا مركزي)
من البديهي ان اي برنامج او مشروع سياسي لا يتأتى من فراغ، بل لابد ان يستند الى حقائق ومعطيات موضوعية … ودوافع مشروعنا هذا تتمثل في النواحي الاجتماعية والاثنية والثقافية والجغرافية والاقتصادية والتاريخية.
من خلال المقدمة يدرك القارئ بأننا نهدف إلى إقامة نظام حكم فيدرالي يرتكز على ديمقراطية برلمانية وحكومات محلية ومجالس إقليمية على أن تبقى وزارات الخارجية والدفاع والمالية تحت سيطرة الحكومة المركزية، وتمثيل الأقاليم في الحكومة الوطنية بحصة مساوية لنسبتهم إلى مجموع سكن إريتريا، وتشكيل قوات مسلحة يتساوى فيها المسلمين والمسحيين من حيث الأفراد والقيادات العسكرية، وأن يمثل المسلمين والمسيحيين في البرلمان الوطني حسب نسبتهم المئوية من مجموع السكان، وبهذه النسبة سيكون تمثيلهم أيضاً في إدارة الدولة والسلك الدبلوماسي وقيادة الجيش وتعيين الموظفين المحليين في كل منطقة بواسطة السلطة المحلية وتشكيل قوة أمن (بوليس لكل أقليم) من أبنائه، والإعتراف باللغتين العربية والتجرانية كلغتين وطنيتين، وتوزيع الثروة بشكل عادل، وإعطاء نسبة من الثروات القومية للأقاليم التي تستخرج منها (متى ما توفر ذلك) مع الإقرار بحق الملكية العامة والملكية الخاصة. كما يجب أن يسمح بالنشاطات السياسية بالأقاليم وبالصحافة السياسية والأدبية ضمن حدود القانون، ووجوب أن يكون الموظفين والمسئولين الحكوميين في المناطق من أهالي المناطق نفسها، والإيمان بالامركزية في الحكم، وتحديد جغرافية المناطق حسب ما هو معروف تاريخياً ضمن حدود الوطن الواحد، وعدم الإقرار بكل ما ترتب من جراء ممارسات النظام وما حدث بفعل ظروف الحرب، وأن يتم تنفيذه من خلال إطار اللامركزية ضمن النظام الاتحادي.
إن هذا المطلب يعتبر وجهاً من وجوه ممارسة الإرادة السياسية والديمقراطية بما يتلائم وواقعنا الإريتري، وفي تقديرنا يعتبر الحل الناجع والمخرج السليم والعمل بقدر من التجرد للتوافق اللازم لإقامة الفيدرالية بصورة دستورية صحيحة.
والفيدرالية المرتقبة لإريتريا عقداً سياسياً بين المسلمين والمسحيين الإريتريين ذلك أنها وفي جوهرها تعديل لطراز تكوين دولتهم ذات النمط البسيط.
فهذه الإرادة السياسية التي نفسح عنها من خلال هذه المبادئ يجب أن تلتقي وتتوافق مع الإرادة السياسية التي يفصح عنها مسلمي ومسيحي أريتريا في ذات الاتجاه حتى توجد وتقوم الفيدرالية.
وإلى ذلك فالفيدرالية كما تقدم تقتضي توزيع السلطات والاختصاصات في رحابها بحيث يسند للحكم المركزي السلطات والاختصاصات العامة لإدارة الشؤون المشتركة في الوقت الذي يترك فيه للوحدات المكونة لها السلطات والاختصاصات الذاتية لإدارة شؤونها الخاصة فيما يجلعها متمتعة بالاستقلال الذاتي وهكذا لابد في دستور إريتريا الديمقراطي والفيدرالي المرتقب أن تسود المبادئ الآتية:-
1- التوفيق والمواءمة بين جوهر الاتحاد في الفيدرالية وجوهر الاستقلال الذاتي فيها.
2- المشاركة الفعلية التي تعني:-
أ- اعتماد مبدأ المساواة والاعتراف بخصوصية وتمايز المجتمعين الإسلامي والمسيحي بحكم اختلاف الديانتين والثقافتين والحضارتين.
ب- استبعاد نزعة حكم القومية الواحدة أو الحزب الواحد.
ج- التخلي عن مفهوم النخبة القومية أو نزعة الهيمنة النخبوية.
د- إقصاء نزعة الاستفراد أو التحكم من جانب المركز أو الحكومة المركزية.
3- عدم المساس بكل ماله علاقة بالدين روحياً وفكرياً وسلوكياً.
4- إلغاء مشروع مصادرة الأراضي والممتلكات الأخرى أو منح الوظائف والصلاحيات من جانب المركز أو حق سحبها أو الانتقاص منها وإلغاء سياسة تغيير التركيبة الديموغرافية والجغرافية والثقافية في إريتريا.
5- إلغاء مشروع إحياء اللهجات المحلية القومية والذي يستهدف وحدة الكيان الإسلامي والإقرار بثنائية اللغتين العربية والتجرنية.
6- أشراك المنطقة أو الإقليم في القضايا الأساسية كصياغة وإقرار الدستور الاتحادي وفي البرلمان الاتحادي وفي الحكومة الفيدرالية.
7- الأخذ بنظام المجلس المتوازن من حيث السلطات والصلاحيات لمختلف الأقاليم بحيث يكون هناك مجلس للأقاليم وآخر للاتحاد.
8- أشراكها بالقضايا السياسية العامة والعلاقات الدولية والإقليمية والاتفاقيات والمعاهدات مع البلدان الأجنبية.
9- أشراكها في إقرار النظم والقوانين الخاصة بالجيش والأمن العام والنظام القضائي والمحكمة الدستورية، وفي رسم خطط الأنماء الاقتصادي والاجتماعي وفي وضع وإقرار الموازنة الفيدرالية ورسم السياسات الاجتماعية والثقافية.
10- والي ما تقدم ينبغي إشاعة الشعور المشترك بالمواطنة والوطنية وذلك بنبذ النزاعات العنصرية والشوفينية، وإعلاء مبدأ المساواة الاجتماعية والسياسية بين جميع مواطني الدولة المتحدة، ثم العمل على تثبيت وترسيخ معنى الاتحاد ومزاياه من خلال التأكد على المصالح المشتركة والتضامن الوطني والتعاون الأخوي والإنساني.
11- وإلى ذلك لابد من استبعاد نظام حكم الحزب الواحد لتعارض ذلك بصورة مطلقة مع جوهر ومعني الفيدرالية وإقرار التعددية السياسية والحزبية سواء كان ذلك على مستوى الاتحاد أو على مستوى الأقاليم المكونة له.
12- وبناء على ما تقدم يقتضي الأخذ بمبدأ التوازن والجدوى الاقتصادية في توزيع الاستثمارات والاعتمادات والموارد المالية والسلع والخدمات بين الاتحاد وأقاليمه وذلك بأشكال مناسبة من تقسيم العمل والمشاركة في بناء الهيكل الاقتصادي للدولة المتحدة.
13- كما ينبغي الأخذ بالديمقراطيات اللامركزية التي تعني تأمين وضمان المساواة والحرية السياسية في النشاط السياسي وفي الحقوق الإدارية والثقافية وسائر مزايا المجتمع المدني في مناطق الاتحاد وذلك لتأمين التكامل السياسي والديمقراطي على نطاق البلاد بأسرها.
14- ولهذا الغرض ينبغي مراعاة الحدود الجغرافية لمناطق الاتحاد بالاستناد إلى الحق التاريخي وطبيعة التكوين السكاني للأطراف المكونة له، بما يمكن من التمتع بحكم الذات والسيطرة على الشؤون الخاصة والاستقلال الذاتي فيها وتحصين هذا الاستقلال وتعزيزه وترسيخه في ظل الاتحاد.
وبناء على هذه المبادئ ينبغي أن يلحظ الدستور الفيدرالي المرتقب في اريتريا تأليف الحكم المركزي من رئيس الدولة والوزارات المركزية وبرلمان الاتحاد ذي المجلسين، الأول منها للنواب الذين يمثلون شعب إريتريا بأسره حسب عدد سكان كل منطقة من مناطق الدولة يمثل فيه المسلمين والمسيحيين بالتساوي بحيث ينتخب منهما لهذا المجلس عدداً متساوياً من الأعضاء ومحكمة دستورية عليا من مهامها تفسير الدستور ورقابة دستورية القوانين، وفض النزاعات التي تقوم بين السلطة المركزية والسلطة الإقليمية أو بين سلطات الأقاليم، بما يمكن من تفصيل أعمال مبادئ الفيدرالية بصورة سليمة. كما ينبغي أن يلحظ الدستور إقامة حكم خاص لكل إقليم يتألف من رئيس أو حاكم ومجلس تنفيذي وبرلمان وقضاء وبوليس.
15- والي ذلك ينبغي أن يتضمن الدستور الإريتري المرتقب إسناد السلطات والاختصاصات الآتية إلى الحكم المركزي والحكومة المركزية:-
1) وضع السياسة العامة الداخلية والخارجية.
2) شؤون الحرب.
3) شؤون السلم.
4) شؤون المعاهدات.
5) شؤون التمثيل الدبلوماسي والمسؤولية الدولية.
6) وضع السياسية العامة في الشؤون الاقتصادية والقضايا المالية والمصرفية.
7) سياسية التعليم العام وقضايا الثقافة المركزية.
8) وبالنظر إلى أهمية الثروة القومية من حياة البلاد ينبغي مركزة شؤون إنتاجها واستثمارها وتصديرها وتنظيم كل ما يتعلق بها، ويناط ذلك كله بالحكم المركزي.
كما ينبغي أن يلحظ الدستور إسناد الاختصاصات في الشؤون الآتية إلى حكومات الأقاليم:-
1- التشريع والإدارة والتنفيذ بشؤون الخدمات العامة كالتعليم والثقافة والصحة والبلديات وسائر البني التحتية في الأقاليم.
2- الشؤون المالية : وضع موازنة الإقليم وإقامة المصارف التجارية والنوعية، عقد الاتفاقات المالية والتجارية مع البلدان والشركات الأجنبية.
3- خطط الإنماء الاقتصادي والاجتماعي.
4- إقامة الصناعات والمشاريع الإنتاجية.
أخيراً: وليس آخراً، لابد أن يلحظ الدستور المرتقب الأخذ بالمبدأ القاضي بإعطاء الأولوية للتشريعات الاتحادية على تشريعات الأقاليم.
ولا نعني بذلك تقديم فرضية لتكريس المفهوم الطائفي بقدر ما عنينا بذلك التعبير الشامل عن الواقع الإريتري وعكسه من خلال وضع النقاط على الحروف في مكاشفة لا تجهل الماضي ولا تمكن طرف من إزاحة الطرف الآخر أو التغلب عليه بحجة الابتعاد عن الطائفية بل أن طرح الإشكالية الدينية والثقافية واللغوية والتعامل معها في الواقع الإريتري الماثل يؤكد واقعنا المجرد لحل الأزمة الإريترية من منظور موضوعي يتضمن في أبعاده الأزمة، وهذا يجعلنا نؤمن علي ضرورة تناول القضية الإريترية كقضية خلافية في المفاهيم، وبأن لكل طائفة (ديانه) خصوصياتها وعاداتها وتقاليدها وموروثاتها بحكم اختلاف الحضارات والثقافات، وإقرار هذا النهج ليس عيباً بقدر ما هو التعامل مع الحقيقة بأسلوب علمي وحضاري بعيداً عن المثالية الانتهازية.
إن الحضارات والثقافات والعادات في جزء من إريتريا خلقت مجتمعاً مسيحياً لا يجب إنكاره أو التغاضي عنه بأي حال من الأحوال وكذلك الحال بالنسبة للمجتمع الإسلامي.
استناداً إلى ما ذكر أعلاه فإننا نرى بأن أنجع صيغة تتلاءم مع الواقع الإريتري هي أن نعمل على مبدأ المساواة بين المجتمعين المسلم والمسيحي ووضع الضوابط ومواثيق تحفظ ما تم الاتفاق عليه آخذين في الاعتبار تجاربنا السابقة في مراحلها المختلفة ذلك أن التجربة قد دلت على ان تفوق قوة ما أو تنظيم أو حزب في مرحلة من مراحل العمل السياسي أو العسكري فإن هذا لا يعني نهاية المطاف والتسليم بالأمر الواقع، نظراً إلى أن الثابت والأساس في حل مثل هذه القضية هو ان يتم تناولها من كل زواياها، وهذا هو المدخل الصحيح والسليم إذ بدونه من الصعب أن لم يكن مستحيلاً توقع الاستقرار السياسي والاجتماعي أو بلوغ مرحلة البناء والإزدهار وتظل الآمال والطموحات دون بلوغ تلك المرحلة إذا ما فكرت طائفة (قومية) تحت أي أسلوب أو تحت أي مسمى في الهيمنة على طائفة أخرى أو حاولت المساس بحضارتها وثقافتها ووجدانها. وفي هذا الصدد وعندما نحاول أن نتحدث عن دور كل طائفة (مجتمع) في مجال النضال الوطني فلابد من ذكر ريادة المسلمين في إريتريا لهذا الجانب كما هو معروف عنهم تاريخياً، ولكن القناعة المتوافرة لدينا أن نسيج وحدة الشعب الإريتري تتألف من المسلمين والمسيحيين وسائر المكونات الأخرى تجعلنا نقر بوجود تقاسم جميع السلطات فيما بين الطوائف وبما في ذلك كل مناصب المؤسسات الدستورية التنفيذية التشريعية القضائية والمؤسسة العسكرية، في إطار النظام الاتحادي في إريتريا.
فهذا هو المدخل الصحيح الذي إذا سلكناه أدى بنا للوصول إلى آمالنا الكبرى، فهو المدخل الملائم بصيغته التي أسميناها (الصيغة الواقعية والموضوعية).
حزب قوات التحرير الشعبية
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=9739
أحدث النعليقات