البعبع الجديد

عندما يتحدث الآخرون عن خلافاتهم يكون إطار الخلاف ربما أقل مما تحمله هذه الكلمة في إرتريا ، فكلمة خلاف في إرتريا تأخذ حقها فيما هو كائن ومستحقها فيما كان ، قد تكون هناك محطات مضيئة في تأليف القوى السياسية الإرترية في كل الحقب لكن البين والخلاف غالب .
وإذا كانت أسباب الشتات والتشرذم السياسي طبيعة ملازمة لكل القوى السياسية في أي بلد في العالم وأصبح لها آليات جمع وطرح وضرب وقسمة ، وقوانين ومواثيق تنظم أطرها وتنسق جهدها بهدف تجسيد الا ستقرارالسياسي وإيجاد التنافس الموضوعي فإنها وحسب المناهج التربوية وكيان الدولة الواحدة تستند على قاعدة مشتركة تكون محسومة فيها قضايا الهوية والثقافة والعدالة في المواطنة ورؤى التنمية في شعبها المختلفة وغير ذلك كثير الأمر الذي ينعدم حتى الآن في إرتريا ، أو بتعبير آخر الشعب الإرتري شعب واحد يشترك في خصائص عدة وتجمعه أواصر كثيرة ، لكنه يختلف في نواحي خطيرة أيضا مهما قفز فوقها السياسيون وتجاهلها المغالون تبقى رمادا تحت الجمر توقد أوارها ابسط عاصفة وتشعل لهيبها ، تماما كالشعب الصومالي الذي يتشبه بأنه قومية واحدة بينما في الواقع الخصائص متمايزة والأطر مختلفة .
وعندما يناقش احدنا قضايا الوطن من خلال زاوية يستهدفها لاسباب ذاتية بان يرى فيها خصما على مصالحه او تحجيما لدوره فياتي بردة فعله من مستشرف عالي يلغي من خلاله بنظرة استعلائية مسحيه غير واقعيه لكل نشاط غير نشاط موكبه المصادر للديمقراطية المحتكر لتصاريفها وتعريفها ضمن قوالب تنظيمية قد لايقبلها هو نفسه لو كانت تجسيدا حقيقيا .
بدلا ان تعرف الديمقراطية بانها ارادة الشعب وحرية خياراته , او بدلا ان تعرف بانها حرية الشعب في تنمية وتطوير قدراته وقوالبه ذات الخصوصيه الوطنية وصولا لغاية الكمال المنشود والنضوج والاستقرار المطلوب .
فالقوالب الجاهزة للديمقراطية التي ينشدها البعض قد تكون اسماء بلا محتوى او جوهر فارغ في حقيقته وما الذي يحسد عليه الغرب سوى الاستقرار السياسي ؟ وهو في عالمنا اكثر تحققا في ظل الدكتاتورية وربما البعض هذا الذي يريدنا ان نشهد به حين يجعل الاسلام والاسلاميين وجه اخر لطائفية النظام او يدعوا البعض الاخر الى إقصاء الإسلام عن الحياة السياسية وربما إذا قدر لمثل هؤلاء إزالته من الحياة نهائيا حسب ما يفهم من توصيفهم .
ان العدل والظلم الفرق بينهما هو الحكم جهلا او الحكم زورا والظالم لايمكن ان يكون مكافحا من اجل العدل , فهذا الذي يمسح بجرة قلم كل مآسي الشعب الارتري والمسلمين خاصه في دينهم واعراضهم واموالهم وارضهم استهدافا يفاخر به زبانية الدكتاتورية الطائفية حتى اضطر المسلمون في كل منطقة لحمل السلاح والزود عن انفسهم.
ان النظرة الضيقة والافق الجزئي يتناقض ويتخبط فيعطي الظالم الحق او يبرئه من ظلمه ، والاسراف في المزاودة هو ان تعطي حقك للاخرين وتبقى صفر اليدين دون ان يشهد لك الاخرون باي وجه للحق , ولو حسبناها بظنون سيئه لقلنا انه خطاب مكشوف وملكية واضحة ، ولكنا بنينا في الراي دائما مهما خالفنا النزاهه والحياد .
ومن الجيد ان يخرج مثل هؤلاء اضغانهم فيكون عرضة للتداول والنقاش بدلا من كبتها او تداولها في اطرها الضيقه فتستفحل وتتورم في ازقتها وتصل الى مراحل لاتقبل النقاش .
ان وطنا لايملك شعبه واهله تحديد مساراته وخياراته , لهو وطن في كفة عفريت وهو وطن ترقبه الاطماع الاجنبية الاقليميه والدولية وترصده كما يترصد الوحش فريسته , وهو ما يجب ان يهم الارتريين ويستوقف انتباههم ويستنهض فكرهم وهممهم , ان النظر من خلال الاحداث ومآلاتها يظهر ان كل قد اعد حصانه للحرب او سباق السلم .
فإذا كان البعض يريد ان يجعل من ارتريا راس الرمح فالاخرون يريدون ان يجعلو منها درعا واقيا , واذا كان البعض يريد ان يجعل منها محطة للوصول الى غيرها فاخرون يريدون ان يجعلو منها محرقة لمراكبهم , وان كان البعض يرى ان تبقى مقدرات شعبها حكرا لهم وتدوم لهم بقرة حلوب تحت ستار الفئة المنتفعه , فاخرون يرون انهم اولى بها واحق .
هذا الواقع الملبد اصبح يعكس حراكا ضبابيا هنا وهناك , فالحشود على الحدود بين ارتريا واثيوبيا واستنفار النظام الارتري اضافة الى التموجات التي يعيشها في داخله منذ حركة 21ديسمبر وما يشاع عن هروب اعداد كبيرة من الضباط ذوي الرتب العاليه الى اثيوبيا الى غير ذلك من ادوار خارجية وداخلية مرقوبه , بدات تظهر استقطابات جديدة تحمل خطابا يتنبأ ويئول التغيرات المتوقعه فينشد حالا وينفي ويقبح احوالا اخر ، ربما تهيئة واعدادا للساحه او عربونا مقدما لما يظن انه ثمنا لقبوله وهذا الظن ما ذكرته الا لانه سائد ومتداول وشائع .
لقد دخلت ارتريا في بعبع الاحتلال الاثيوبي , ثم بعبع الثورة واقتتالها وصراعاتها وما لحق الشعب من ذلك , ثم دخلت في بعبع الاستقلال الذي اصبح نسخة تجاري الاحتلال في ظلمه واضطهاده , ونحن الان مقبلون على بعبع جديد فقد كانت مثل هذه التكتلات والمنازعات هي عربون كل بعبع فيما مضى وما اشبه الليلة بالبارحة .
وقد كانت إرادة الشعب الإرتري غائبة مقهورة في كل ذلك ، والأطماع الأجنبية وأبواقها هي التي ساقت القضايا الإرترية الي تلافيف وأنفاق مظلمة ليتسنى لها تسييرها وفق أهدافها ومنافعها وهو ما كان وكائن الآن ويسعون لترسيخه وتثبيته .
والله المستعان وعليه التكلان

صالح كرار
salehkarrar@gmail.com
6/2/2015

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=33098

نشرت بواسطة في فبراير 5 2015 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010