الثامن من مارس وغياب دور المرأة في إرتريا
بقلم : طاهر محمد علي
يحتفل العالم سنويا في الثامن من مارس باليوم العالمي للمرأة منذ عام 1975م ،و يخصص ذلك اليوم للوقوف علي إنجازات المرأة والتأكيد للحفاظ على حقوقها ،وأهمية مشاركتها في جهود دعم السلام والتنمية ،كما أنها وقفة من أجل دعم المرأة في نضالها من أجل تحقيق المساواة والتأكيد علي دورها الريادي ،ووقف كافة أنواع العنف والمعاملات غير الإنسانية و التمييز ضدها .
وقد جاءت احتفالات الأسرة الدولية هذا العام تحت شعار(فلنتحد سويا من أجل إنهاء العنف ضد المرأة) وفي هذا السياق جاء في المرسوم الصادر عن الأمم المتحدة بهذه المناسبة -إن العنف ضد المرأة لايشكل انتهاكا جسيما فحسب بل ويترتب عليه أيضا تكاليف اجتماعية واقتصادية هائلة ،كما إنه يقوض مساهمة المرأة في برامج التنمية و جهود تحقيق السلام ،ويشكل تهديدا خطيرا للمجتمعات في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية ،ومن جانبها حذرت اليونسكو من تزايد نسبة الفقر والأمية في أوساط الإناث وجاء في المرسوم الذي أصدرته بهذه المناسبة إن (3/5)من عدد واحد بليون شخص من فقراء العالم هم من الإناث ،كما أن (2/3)من عدد (960)مليون من الأميين الذين لايقرأون في العالم هم من الإناث ، وأن 57%من مجموع عدد (77)مليون طفل لايجدون فرصة التعليم أيضا هم من الإناث ،و أكد أن السلام المستدام في العالم واحترام حقوق الإنسان لايمكن تحقيقه إلا بضمان إشراك المرأة في صنع القرار .
وفي أسمرا نظم إتحاد المرأة الارترية احتفالا بهذه المناسبة تحت شعار( شبابنا ضمان مستقبلنا) وقد أصدر الاتحاد بيانا دعا فيه المرأة الإرترية إلي مضاعفة جهودها لتحقيق المساواة مع الرجال في كافة ميادين الحياة ،والي المزيد من المشاركة في برامج التنمية الوطنية ،كما أكد علي نجاح حملة الاتحاد في التصدي لختان الإناث ،متوعدا بإتخاذ كافة الإجراءات للتصدي كل من يمارس ذلك .
وعموما هذه مناسبة جيدة لتسليط الضوء على وضع المرأة الإرترية ،التي مازالت تواجه أقسي الظروف في الداخل بفعل ممارسات النظام ،ويتم تغييبها في الخارج من المشاركة في كافة ميادين العمل الوطني الارتري ،كما أننا بحاجة في مثل هذا المناسبات لتصحيح بعض النظريات القاصرة التقليدية تجاه المرأة ودورها في الحياة ،وذلك انطلاقا من قناعتنا أنه لايمكن إحداث التغيير الذي نتطلع إليه في إرتريا ، إلا عبر مشاركة فعالة من الإناث إلي جانب الذكور، وفي مايلي سنحاول إلقاء الضوء عن الأوضاع الذي تمر بها المرأة حاليا في إرتريا .
الوضع الحالي للمرأة الإرترية :يأتي الاحتفال هذا العام والمرأة الإرترية تواجه ظروفا صعبة ، حيث تنعكس الأوضاع الاقتصادية مباشرة على حياتها اليومية ،ولاسيما وأن 47%من النساء الإرتريات يتحملن مسؤولية توفير الغذاء لأسرهن وذلك نتيجة لغياب الرجل المعيل لها أما بسبب الخدمة العسكرية الإلزامية اوغيابه عن الحياة بسبب الحروب التي خاضتها البلاد ، وجاء في تقرير اليونيسيف الصادر في 2008م بأن 40% من النساء الإرتريات الحوامل يتعرضن لسوء التغذية ،كما تعاني المرأة الإرترية من الجهل وغياب التوعية الصحية ، ومحاربة الموروث الثقافي والديني للمجتمع الإرتري وقد نتج عن ذلك ظهور بعض الأمراض الخطيرة ومنها مرض الأيدز،وحسب تقرير وزارة الصحة الإرترية الصادر2008م ،فإن عدد الإصابات في أوساط الإناث التي تتراوح أعمارهن مابين (20-24)عاما وصلت إلي (2.38 )معظمهن من غير المتزوجات واللائي يتواجدن في الخدمة الوطنية .
ومن أهم مايهدد مستقبل المرأة الارترية غيابها عن ساحات التعليم ،وتشير التقارير أن نسبة الفتيات اللائي يلتحقن بالتعليم العالي في إرتريا لايتجاوز معدل 5% ، وأن نسبة 20% فقط منهن يكملن الدراسة في المرحلة الثانوية ،ولا توجد إحصائيات دقيقة عن مستوي التحاق الإناث بالتعليم العالي خارج إرتريا ،لكن عموما الإقبال مازال ضعيفا.
مشاركة المرأة في الحياة العامة :بالرغم من إقرار الجميع بالدور المهم الذي لعبته المرأة الإرترية في مرحلة حرب التحرير ،والتأكيد علي أهمية مشاركتها في مختلف ميادين العمل الوطني الارتري ،إلا إن وجودها اليوم مازال متواضعا جدا ،ليس في مؤسسات الدولة الارترية فحسب، بل أيضا في صفوف وهياكل قوي المعارضة الارترية ،التي أخذت علي نفسها إقامة دولة المؤسسات والمساواة بين الجميع، ويجب أن نشير هنا أن استيعاب الجبهة الشعبية للمرأة في صفوفها بدأ مبكرا، لكن طوال فترة حرب التحرير وما بعدها ظلت المرأة أداة مسخرة لتحقيق أهداف وأجندة الجبهة الشعبية ،وقد بات ذلك جليا منذ إنشاء اتحاد المرأة الإرترية في عام 1979م ،حيث عمل ذلك الاتحاد منذ ذلك في تعبئة الإناث للانضمام إلي صفوف مقاتلي الجبهة الشعبية ،والعمل من أجل توفير الدعم والتعاطف الشعبي لصالحها، وحتي وبعد الاستقلال فإن الاتحاد لم يغير في وسائل عمله ولا سياساته لاسيما وهو الكيان النسوي الوحيد الموجود في داخل إرتريا والمعني بتحسين وضع المرأة وإشراكها في مؤسسات الدولة ، لكنه أصبح أداة طيعة للنظام وغطاءا للتجاوزات التي ترتكب ضد المرأة من قبله ، وبدلا من أن يسخر الدعم الذي يقدم إليه من مختلف المنظمات الدولية لإقامة مشاريع خدمية لصالح المرأة الارترية ، أصبح يسخرها لخدمة أجندة النظام ومشاريعه ،ولم يكن لذلك الاتحاد أي اهتمام بمعاناة المرأة الارترية بل بالعكس هو إحدى وسائل الضغط التي يستخدمها النظام لابتزاز المرأة ،ولهذا خدماته مازالت محصورة لقلة قليلة من اللائي يسهرن لخدمة سياسات النظام ،ومن أهم ماتعانيه المرأة الارترية اليوم إشراكها عنوة في معسكرات الخدمة الوطنية ،حيث تتعرض هناك للإحتقار والدونية والمعاملة السيئة ،وقد أصبحت تلك المعسكرات تأثر سلبا علي مستقبل تلك الفتيات حيث أنها بمجرد دخولها في تلك المعسكرات قد تكون فقدت فرصة العيش الكريمة كأم ،وقد نتج عن ذلك الوضع المأساوي ظاهرة هروب الإناث إلي خارج إرتريا باعداد هائلة ،مما جعلهن عرضة للابتزاز والمعاملات السيئة في مختلف مناطق العالم ،وهي ظاهرة مؤسفة جدا غابت عن اهتمامات الكثيرين معارضين ومثقفين .
لكن بالمقابل فالحال في قوي المعارضة الارترية ومنظمات المجتمع المدني أيضا في الخارج لايسر كثيرا ،فدور المرأة فيها مازال ضعيفا جدا ،حيث اختفي اسم المرأة في كافة هياكل التحالف ،كما أنك قل ماتجد من الإناث في المكاتب التنفيذية لمعظم التنظيمات الارترية ،وإن وجد فهو تمثيل غير فعال في المجالس التشريعية لتلك التنظيمات، وهذا إن دل فإنما يدل علي وجود قصور في إشراك نصف المجتمع ،وهو مايجب أن نلفت إليه النظر بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ،وهنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني عموما والنسوية منها علي وجه الخصوص للقيام بواجبها في الإعداد لإشراك المرأة وتشجيعها ،والمضي قدما في تقديم برامج التأهيل والتدريب لها ،وصولا لتحقيق المشاركة الفعالة للمرأة في كافة نواحي الحياة ،وذلك لكي تصل المرأة الارترية ماتسموا إليه من طموحات ،وختاما يجب أن نشير أن علي المرأة الإرترية أن تغير من نظرتها لذاتها و البدأ بمطالبة حقوقها .
للتواصل:tahira@ymail.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7698
أحدث النعليقات