الثوابت الوطنية (5)

محاربة الظلم والظالمين: أشكال الظلم كثيرة ومتعددة, وقد تحدثنا عن الدكتاتور والدكتاتورية, وطالبنا  بإزالتها عن كاهل المجتمع الإرتيري, وإبداله بنظام حكم عادل مبني على المواطنة, لكافة المواطنين الإرتيريين, وهذا حق مشروع ولا منة لأحد من الناس في ذلك , وهل قيام نظام تعددي يضمن العدل والمساوات بين المواطنين؟ أرجو أن لا يستغرب مني القارئ الكريم في طرح مثل هذه الأسئلة التي تتسم بشيء من  التشاؤم , حيث أن التعددية  والديموقراطية الحزبية  لوحدها لا تضمن العدالة!

أول العقبات التي ينبغي علينا محاربته, وبوضوح أكثر قد ينتخب فلان من الناس بطريقة ديموقراطية رئيس, ثم يستلم المنسب ويقوم بتعييّن في مؤسسات الدولة موظفين من اقاربه وقبيلته والمقربين منه, وأصدقاه والمنتفعين من لصوص السياسة من الفاسدين والمفسدين, وتكون النتيجة , استبدل مفسد غير شرعي بمفسد شرعي منتخب بطريقة ديموقراطية متفق عليها! ويصبح الحال كما يقال كالمستجير من النار بالرمداء والمثل الشعبي بالتقري (من دقام ديب مقردع) وهنا الكارثة.

المفسدون صنفان:

1-     الإقصائي الذي يقصي كل من لا ينتمي إلى جمعاته أو خاصته أو حزبه, ينفرد بالسلطة ولا يعطي الفرصة لأحد من الناس وهم أصحاب حق,! هذا الصنف شره أدهى وأمر من الدكتاتور الانقلابي الذي يستولي على السلطة بقوة السلاح ودون سند شرعي وشعبي.

2-    الرئيس المستبد الذي يفرض رأيه بطريقة استبدادية, دون مشورة أحد فلا يسمع لوزير ولا لمستشار, متسلط في معاملة من يعملون تحت إمرته من المسئولين والكل يخشي بطشه وتسلطه, وهنا الطامة الكبرى, وهذا يفضي في النهاية إلى فشل الدولة وتدميرها إداريا وأخلاقياً , ويترتب على هذا التصرف الأحمق من هذا الرئيس المستبد, قلة الإنتاج وانعدام الاخلاص والتفاني في العمل من العاملين وتكون النتيجة خسارة عظيمة تكون خصماً على المجتمع بسبب هذا الرأس الفاسد المفسد وهناك مثل شائع في مدينة مصوع بحكم قربهم من البحر ومعرفتهم بالأحياء المائية يقول (عاسا من رأسا تسيخ) وتعني أن فساد السمك يبدأ من الرأس.

أمثلة من مخاطر آفة الاستبداد الوخيمة:

1-    إذا كان الإنسان المسئول عن العائلة سواء كان أب أو أم يعاملون أبنائهم وبناتهم بكل قسوة ويستخدمون معهم أساليب الاستبداد ويتلفظون بألفاظ نابية ويستخدمون الإذلال في جو مشحون بالإهانة والتقليل من الكرامة وإلغاء الشخصية ستكون النتيجة بلا أدنى شك وخيمة وتخرج جيل سلبي من الأبناء والبنات تنعكس أخلاقهم على المجتمع ويكون الخاسر هو المجتمع.

2-    ومدير مدرسة ينطبق عليه ما قلناه في الرئيس والأبوين , وهو الأهم بل والأكثر أهمية نسبةً لحساسية وأهمية عمله الذي له علاقة مباشرة بالناشئة الذين هم رجال المستقبل, وحاجة المجتمع لأطفال اليوم الذين هم رجال الغد والذين يؤمل فيهم تحمل مهمة التنمية والتطور العلمي والاقتصادي, للبلاد والعباد.

3-    مدير الشركة التي تستخدم المئات من الناس , إذا كان متجبراً ولا يتشاور مع مرؤوسيه ويقوم بإصدار قرار طرد موظف أو عامل أو فني أو خبير في كل يوم ، ويعيّن جديد مكانه ,أحمق لا يفهم شيء ولا يقبل من الآخرين, ولا يبالي بالخسائر التي تلحق بالشركة, ولا يفكر إلا فيما يتقاضه من راتب شهري مدعّم بالعمولات والحوافظ التي تصرف له لقاء تحقيق مبيعات هائلة أو إنجازات مقدرة كان وراء تحقيقها المئات من الجنود المجهولون (موظفي الشركة أو المنشأة) وهي في الواقع لا يستحق كل ذلك.

وهذه هي أسباب ظهور الدول الفاشلة بما فيها التي تسبح في بحار من البترول وجبال من الذهب, وهناك نماذج منها فعلى سبيل المثال لا الحصر في أفريقيا وأمريكا اللاتينية:(جمهورية الكونغو التي كانت تسمى- زائير – برئاسة مابوتو سيسي سيكو والتي تعني – الديك الذي يغلب كل الديوك- بلد فيه الألماس والنحاس والمياه واليورانيوم والأرض الخصبة عانى ومازال يعاني من الفقر – المكسيك – ليبيا القذافي رغم جودة البترول الليبي وكثرته وقلة عدد السكان تابعنا كيف كان الحال – والقائمة تطول ) وببساطة فإن الدول المتقدمة لم تصل إلى ما وصلت إليه من التقدم والتطور إلا بالبعد عن الاستبداد والإقصاء والتسلط الذي نعاني منه في العالم الثالث, فالدول الأوربية ليس لها موارد  نفطية في الغالب الأعم ولا حتى معادن مثل الذي عندنا في الشرق , ومع ذلك ترى الطفرة والعدالة الاجتماعية التي جعلت الاوربيين قبلة شعوب المجتمعات التي دمرها الفساد الاداري الذي ترعاه الأنظمة الفاسدة  المفسدة, وهي الأنظمة الانقلابية, فدول العالم الثالث ليست اقل من الدول الغربية التي كانت تعيش في ظلم واستبداد الكنيسة والإقطاع إلى عهد قريب لا يتعدى 80 سنة حيث لم يكن وضع أوربا كما هو الآن , بل كان اسوأ مما نحن فيه الان ولكن المعالجة السليمة أفادت الأوربيين عندما غيروا الواقع المرير الذي مروا به فماذا فعلو؟ أول شيء قاموا يه هو وضع الدستور وحددوا من خلاله السلطات, ومهامها وصلاحيتها بشكل واضح وصريح مثل: السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، السلطة القضائية حيث أصبحت هي الفيصل بينهم في كل شيء يختلف عليه, وأوجدوا رقابة عامة في البلاد الأوربية بالاضافة إلى الإعلام المستقل الذي يراقب أداء المسؤولين في كل حركاتهم وسكناتهم , ليس بهدف التلميع ولكن لكشف وفضح كل خطأ أو تجاوز أو تصرف في دخل الدولة كالضرائب فويل لكل من تحوم حوله الشبهات تقوم الصحف بمتابعة فضائحه حتى النهاية وأول ما يخسره هو  المنسب فبمجرد نشر أول مقالة يدخل في دائرة الاشتباه فمجرد ورود اسمه يجعله على الفور يكتب استقالته بدون تأخر ! لا ينتظر ولا يحتج حتى تنتهي القضية ولا يوسط أي من أقاربه أو معارفه أو حزبه بل ينسحب من الحياة العامة ويبحث له عن وظيفة جديدة في أي شركة من الشركات القطاع الخاص كموظف عادي ويخضع لكل شروط التوظيف وقد يساعده في الحصول على هذه الوظيفة استقالته التي تدل على الاقرار بعدم الكفاءة واحترام القانون، أما إذا ماطل وتباطأ حتى يقال من فبل الدولة فلا يستطيع الحصول على وظيفة في أي شركة من الشركات مهما بلغت حاجتها فيجد نفسه يدور في الشركات حتى يدوخ ويكون عبرة لمن بعده من المتلاعبين! أما عندنا فيتم مكافأته وهذه قصة حكاها لي أخ ثقة نقلاً عن قريبه الذي عمل في مرفق عام لدى حكومة هقدف: وفي يوم من الأيام ضبط زميل له من المقربين يسرق يعني ينهب مال عام فذهب صاحبنا المتحمس رغم توسلات الفاسد وعرض مبلغ من المال مقابل السكوت والتستر ولكن ذلك الرجل المخلص الذي حكّم ضميره في دائرة الكل فيها بلا ضمير وأبلغ رجال الأمن الذين قاموا باعتقاله المفترض في مثل هذه الحالة أن يسجن ذلك اللص ويكافأ صاحبنا ولكن ما حصل كان أمراً لا يصدق! تم التحفظ على اللص لمدة 24 ساعة ثم تم اطلاق سراحه وبعد بضع أيام تم إرساله للخارج لتلقي دورة تطويرية في مجال عمله! وبقي صاحبنا الذي كشف السرقة في وظيفته ، ثم عاد اللص الفاسد بعد اكمال الدورة التطويرية إلى نفس الدائرة التي أتهم فيها بالفساد ليكون رئيساً على صاحبنا الذي قرر ترك البلاد التي كان مصراً على العمل فيها بعد تخرجه ويعيش الآن في الشتات. قصة واقعية أقرب إلى الخيال.

 

 

نعم نريد اسقاط النظام اليوم قبل الغد ولكن علينا ان نعرف شيء في غاية الأهمية؟

لنضع أساس متين من الشفافية وأن لا نعمل عمل خارج عن القانون, ونضع ضوابط صارمة لمن يتسلم  مسئولية عامة في الدولة مهما كان المنسب صغيراً او كبيراً, أن نراعي المكونات المجتمعية عندنا, أن لا نجمع مؤسسات الدولة في مناطق معينة مثلاً أن لا تكون الوزارات كلها في العاصمة فيكفي ان تكون رئاسة الوزراء في العاصمة وبقية الوزارات توزع في المدن الأخرى حتى نستفيد من التوزيع العادل للموظفين والحركة الاقتصادية, فعندما تكون في كل المدينة وزارة من الوزارات تكون الحركة الاقتصادية نشطة دوماً, فمثلاً لو أصبح مقر وزارة الزراعة في مدينة تسنى سوف تكون المدينة خلية نحل من ازدحام الذين سيأتون من أقصى الشرق والشمال من نقفى ومن الجنوب وكل مدن المرتفعات, وسوف ينتعش الاقتصاد وسوف يعيش الناس في بحبوحة وتجارة وطفرة ستسهم في انتعاش الاقتصاد الوطني , شريطة أن تخلوا  المؤسسات العامة من لصوص السياسة.

ولا يوجد أمر مستحيل ابداً، قد يعتقد البعض الحديث عن هذه الأمور الفنية في شؤون الدولة التي لم نصل اليها حتى الآن شيء من الخيال والرفاهية الذي ليس له, وأنا لا أتفق مع من  يرى ذلك بل أقول علينا أن نمرن أنفسنا على هذا الأمر من الآن وقد يسقط النظام ونحن لم نكن مستعدين فيحصل فراغ ولربما فوضي تحرق الاخضر واليابس ويكون حالنا كالمستجير من النار بالرمضاء لا سمح الله وانا أسف على هذا التشاؤم , ولكن المطلوب ان نبحث عن  سياسيات الدولة المدنية القئمة على قوالب قانونية ودستورية نتفق عليها, ويشارك فيها الكل دون تهميش.

إرتريا بلد صغير وفيه ثروة هائلة من المعادن والغاز والبترول والأمريكان قالوا بعد الاستقلال كل شيء عن الثروة في باطن الارض الارترية في كتاب سلم إلى أفورقي وجماعته, وأنا حقيقة كنت أشك في هذا الأمر حين قيل لي بعد اجراء الاستفتاء, ولكن غيرت رأيي بسبب أن الغلابة من سكان الأرياف الارترية أصبحوا يحفرون الأرض ويستخرجون منها الذهب وقد رأيت ذلك ، ويقال أن أزلام النظام يأتون إلى الأماكن التي يستخرج منها المواطنين ويشترون منهم الذهب لمدة معينة ثم تأتي العصابة  الحاكمة وتمنعهم منه بحجة أن هذه الكنوز ملك الدولة والموطنين يندبون حظهم العاثر الذي أتى إليهم بهذا النظام الجائر, وقد تابعنا مأساة إحراق المواطنين في منطقة بيشة حين علم أزلام النظام أنهم يستخرجون الذهب لحسابهم ، وهنا اتضح لي ان البلد فيها الخير الكثير فإذا كانت المعادن تستخرج بهذه الطريقة البدائية بواسطة المواطنين البسطاء فذلك يعني إذا تم العمل فيها بالطرق الحديثة وعن طريق الأجهزة والمعدات المتطورة سوف تكون الكميات هائلة وهذه المعادن ليست في مكان واحد بل توجد في الغرب وفي مرتفعات الماريا والتي بدأ استخراجها كما أسلفت بطريقة بدائية حتى جاءت الشركة الكندية وأخذت حق امتياز التنقيب بأمر من الحكومة المشؤومة التي قتلت فيه المئات من المجندين الذين يعملون بدون مقابل تحت شعار الخدمة الوطنية التي لا نهاية لها, وهذه الثروة  الهائلة  موجودة في غرب وجنوب ووسط والشرق الارتري وبكميات كبيرة , ويروى سكان تلك المناطق  بأنهم يعثرون على الذهب من غير أي عناء أو متاعب يعني شيء فائض ولكن يحتاج إلى حكومة مسؤولة تهتم بمصلحة شعبها , وعلى المعارضة المتمثلة في المجلس الوطني أن تضع الخطط المستقبلية لما بعد سقوط النظام وهو ساقط لا محالة عاجلاً أو آجلاً ,وعليها أن  تجري دراسات  مستفيدة على مستوى عالي من التقنية الحديثة.

إن المكتشف والخفي من المعادن والبترول في إرتريا التي لا يتعدى تعداد سكانها الـ 5 ملايين نسمة يبشر بمستقبل مستقر من كل النواحي, واستخراج هذه الثروة والاستفادة منها لن يأخذ وقتاً طويلاً في  ظل وجود حكومة شرعية منتخبة , تسمح بالتنقيب والاستثمار للشركات العالمية مما سيجعل الشعب الإرتري ينعم بثروته مثل سائر دول البترول والمعادن ، وأنا أعني ما أقول فالخير موجود ولكن البلد ليس فيها أي مسؤول حيث أصبحت عبارة عن ضيعة تسيطر عليها عصابة منظمة تقتل من يقترب من مصالحها وعلى الشعب الارتري وقواه المعارضة أن يعمل على تطهير البلاد من العصابة الإجرامية من أجل أن ينعم بهذه الثروة الضخمة. ومن ثم يبني دولة المؤسسات القانونية وحقوق المواطن , والقسمة العادلة للثروة والسلطة وسوف تكون الأمور على خير ما يرام.

 

وإلى أن نلتقي في الحلقة القادمة أترككم في حفظ الله ورعايته.

 

أبو صالح

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=21007

نشرت بواسطة في مارس 4 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010