الجماهير الإرترية ودورها في صناعة التغيير
بقلم: عثمان كراني – السويد
الانتقال من واقع مرير مظلم إلى مستقبل واعد مشرق يتطلب تقديم التضحية وبذل جهود حثيثة، خاصة إذا كانت هذه النقلة والرحلة تحمل هموم شعب امتدت معاناته لأكثر من نصف قرن أويزيد. تجاربنا تقول إن الانتقال من إرتريا هروبا من جحيم إسياس وزمرته تتطلب المغامرة والتخطيط والتعاون بين الأهل والأقرباء ماديا من أجل أن يصل أحد أبنائهم إلى بلد يجد فيه الأمن والأمان، ويدفعون من أجل ذلك الغالي والنفيس. لذلك فإن تغيير النظام الإرتري وإسقاطه لن يتحقق بالدعاء والتمنيات فقط، وإنما بالبذل والتضحيات، والأمر ليس متعلقا فقط بالقيادات والتنظيمات السياسية التي لن تستطيع أن تحقق شيئًا دون التفاف الجماهير بها ودعمها لها. لاشك إن المطلوب من قيادات المجتمع الإرتري الفكرية والسياسية ضرورة تحليل واقع المجتمع الإرتري لمعرفة سبب عدم تفاعله التام مع قوى المعارضة الإرترية التي تسعى من أجل القضاء على النظام الديكتاتوري وبناء دولة يسودها الأمن والسلام والحرية والعدالة، وسوف تجد بالتأكيد جملة من الأسباب الموضوعية التي تحول دون تفاعل الجماهير الإرترية وتقديمها الدعم الجاد للمعارضة الإرترية. وفي اعتقادي أننا يمكننا إجمالها في النقاط التالية:
- 1. عدم وضوح الرؤية وانعدام عامل الثقة بين الجماهير والمعارضة وبين أقطاب المعارضة بمجملها.
- 2. عدم بروز فريق قيادي متجانس واعد يستطيع إقناع الجماهير بقدرته في صناعة التغيير وقيادة السفينة الإرترية المعقدة بكفاءة حتى تصل إلى بر الأمان.
- 3. عدم تحديد آليات ووسائل تحقيق الأهداف وتقدير الفترة الزمنية المطلوبة لذلك.
وهنا يتبادر إلى الأذهات تساؤل لمعرفة المسئول عن معاناة إرتريا وشعبها تحت النظام الفاسد، هل هي قوى المعارضة الإرترية وقياداتها أم كل الإرتريين الذين يريدون الحرية ويحلمون بالعدل والسلام. ولإيجاد ردٍّ مقنع لهذا التساؤل ينبغي علينا أن نكون موضوعين في نقدنا للقوى السياسية الإرترية وقياداتها ونقر بأنه ليست وحدها المسئولة عن هذا الواقع المرير، بل أن كل الإرتريين يتحملون قسطًا كبيرًا من هذه المسؤولية. وحري بالإشارة بأن تلك القوى وقياداتها بذلت وما زالت تبذل ما باستطاعتها من أجل تحرير الإنسان الإرتري وقدمت تضحيات كثيرة من أجل شعبها ووطنها، وأن بعض تلك القيادات أفنت شبابها وناضلت من أجل تحرير إرتريا من الاحتلال الإثيوبي. وبفضل تلك النضالات وأرتال من الشهداء الأبرار الذين سقطوا من أجل الوطن تحقق استقلال إرتريا من الاستعمار الإثيوبي. وطبيعي أن لتلك الكوادر والقيادات إيجابيات تحسب لها وسلبيات تحسب عليها، والتي كانت أكثرها تأثيرا في المشهد السياسي الإرتري الحروب الأهلية والخلافات الداخلية التي كان نتيجتها انفراد إسياس بقيادة إرتريا، نحو وضع مأساوي قلّ مثيله في القرن الواحد والعشرون. القيادات نتاج واقعها ومجتمعها وعلينا ألا نكون أسير الماضي ونتلذذ بجلد الذات وتوزيع الاتهامات يمنة ويسرى، فلنترك كتابة التأريخ لأهل التخصص وما علينا في هذه المرحلة إلا الانتظام في النضال من أجل إحداث التغيير الديمقراطي في إرتريا واستخلاص الدروس والعبر بهدف الاستفادة منها لعدم تكرار أخطائنا السابقة والتحلي بروح التسامح والتطلع إلى المستقبل، لأن التعصب والأحقاد والتعالي لا تبني وطنا ولا تحقق حرية، علينا أن نتعظ من نصف قرن قضيناه في حروب وصراعات نتيجة الجهل والتعصب الأعمى للأفكار والقبائل والأقاليم. آن الأوان لحشد الطاقات الوطنية ورفع الهمم لوضع حدٍّ نهائي لمسلسل الظلم والمعاناة والحياة الضنك التي يعيشها الإنسان الإرتري في ظل نظام إسياس القمعي. هذا لا يتحقق عبر الهروب من المسئولية وتحميلها للآخر بل كل فرد منا عليه أن يقوم بواجبه وحسب قدرته.
إن قراءة درس ثورات الربيع العربي يبين لنا إن الشعوب هي التي تملك القدرة في تغيير الواقع وصناعة المستقبل، والأنظمة مهما كانت جبروتها وقسوتها فإن إرادة الشعوب أقوى من بطشها وعملائها. فالشعب الإرتري الذي سطر بدماء أبنائه الزكية انتصارات ستظل خالدة في سجل التاريخ، مطلوب من قواه الحية اليوم وقفة تأمل جادة وبذل جهود مضاعفة لتحقيق وحدة الصف والنضال بلا هوادة من أجل إسقاط النظام الديكتاتوري وبناء دولة العدالة والقانون على أنقاضه. وعلينا أن نعلم جميعًا بأن بناء المجتمعات وإقامة دولة المؤسسات لا يتم إلا من خلال توافق في قيم إنسانية حضارية توافقت عليها البشرية ودعت إليها الأديان السماوية ألا وهي قيم العدل والحرية والحوار وإشاعة السلام والمحبة …
قطار المجتمع الإرتري يقترب من إحدى المحطات المفصلية والتاريخية الهامة وهي انعقاد المؤتمر الوطني الإرتري، إما أن نستغل الحدث لصناعة مستقبل واعد وإزالة النظام الديكتاتوري الغاشم وإما أن نساهم في فشل المؤتمر لزيادة حالة اليأس والإحباط الذي يعانى منها الشعب الإرتري وتأكيد مقولة انعدام قيادة وكوادر راشدة لدى النخبة السياسية الإرترية تسعى لتحقيق أحلام وأماني الإنسان الإرتري. إن القيادات والنخب سوف تتحمل مسؤولية تاريخية في حالة مساهمتها في تشتت جهود المعارضة في صراعات ثانوية لأن هذا يسهم في دعم النظام الديكتاتوري وأركانه .
لهذا آمل من كل إرتري وطني أصيل أن تكون له كلمة ووقفة مع الذات، وأتمنى أن نتكاتف ونتعاضد كوطنيين إرتريين مع كل فرد أو تنظيم أو حزب يسعى ويقدم التضحيات والأفكار من أجل إنجاح المؤتمر، وضد كل فرد أو مؤسسة أو تنظيم يسعى من أجل إعاقة المؤتمر من أجل مصلحة فردية أو حزبية ضيقة او من أجل تنفيذ أجندة خارجية. ويتم ذلك عمليا بأن تقدم جماهيرنا في كل المناطق توصياتها إلى الوفود التي ستمثلها في المؤتمر، وإنني على ثقة تامة بأن تلك التوصيات ستعبر عن موقف وطني وحدوي يتسامى فوق المصالح الحزبية أو الفئوية يدعم كل ما من شأنه تحقيق المصالح الوطنية العليا للشعب الإرتري بكافة مكوناته، ويكون عنصر ضغط على كل المشاركين. كما أوصى أعضاء التنظيمات الوطنية الإرترية بالضغط على تنظيماتهم لتقديم كل التضحيات من أجل نجاح هذا المؤتمر وعدم قبول أي مبررات من القيادات إذا ما ساهمت في فشل المؤتمر وذالك بالتهديد بدعوة لمؤتمر طارئ للمساءلة وعزل تلك القيادات من مواقع المسؤولية في التنظيم، إذا تأكد بأنها لعبت دورا سلبيا قد يتسبب، لا سمح الله في فشل المؤتمر، لأن هذا الفشل خدمة مجانية لإسياس وأعوانه وسيؤكد للعالم بأن المعارضة الإرترية غير ناضجة لتكون بديلاً عن النظام الديكتاتوري القائم، الأمر الذي يعني بأن هذه القوى أو التنظيمات ستساهم، بوعي أو بدونه، في إطالة أمد معاناة الإنسان الإرتري. ولا يسعني في هذا المجال إلا أن أذكر المواقف الإيجابية لقواعد وكوادر جبهة التحرير الإرترية ـ المجلس الثوري إبان مرحلة تكوين التحالف الوطني الإرتري حيث كان لهم دورا بارز وضاغطا على قياداتهم من أجل وحدة صف المعارضة الإرترية. كما يجدر بي الإشادة بمواقف قواعد أربعة تنظيمات إرترية في السويد عندما وقفت في وجه القيادات ورفضت الانقسام الذي برز في اجتماع التحالف الديمقراطي وتشرذمه في كتلتين، واستطاعت بجهودها المشتركة في الضغط على القيادات ودفعها للعودة إلى طاولة الحوار ثم تمكنها من إعادة اللحمة إلى جسم التحالف. لا أعتقد أنني أبالغ حين أقول لكل القيادات وممثلي الجماهير في المؤتمر القادم بأنه لا يوجد مجال للفشل أوالجدل العقيم وسوف لن تقبل جماهير غير النجاح وتكوين جبهة وطنية متحدة، حتى لو اقتضى الأمر أن يأخذ المؤتمر وقتًا طويلا وتقديم كل الأطراف تنازلات مؤلمة.
النظام الإرتري ضعيف ومتهالك وليست لديه موارد مالية كبيرة ولا مؤسسات قوية، إلا أن قوته يستمدها للأسف الشديد من ضعفنا وتشتتنا. إذا كما يقال ” إذا عرف الداء عرف الدواء” فإن الحل يكمن في التخلص من عوامل ضعفنا والعمل بإخلاص من أجل بناء جبهة وطنية متحدة تعجل النصر بالقضاء على النظام الديكتاتوري في أسمرا.
والله من راء القصد !
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=18511
أحدث النعليقات