الحراك الشبابي الأرتري ماله وما عليه: الفرص ,التحديات والتوقعات:

د  . محمد خير عمر

 

الفرص المتاحة:

شهد العامين الماضيين تزايدا في الوعي والاستعداد للعمل الجاد ومشاركة المزيد من الشباب الارتري في بلدان المهجر.  كما شهد استخدام المزيد من وسائل الاعلام الاجتماعية كالفيسبوك و البالتوك مستلهمين في ذلك بثورات الربيع العربي، ومتأثرين بالمصير المأساوي الذي يتعرض له العديد من اللاجئين في صحراء سيناء. ولم يقتصر ذلك على تنظيم الارتريين في مختلف ارجاء العالم بل تعداه الى خطوات عملية منسقة من قبيل التظاهر في العديد من مدن العالم، في الوقت الذي يتزايد فيه يوما بعد أخر اعداد الاغبلية الصامتة في معسكر المنتسبين الى المعارضة، وتتضاءل فيه اعداد المناصرين للنظام الحاكم. وتستحق المبادرة التي قام بها  تضامن الشباب الارتري للتغيير(EYSC) بهدف الوصول الى الشعب الارتري في الداخل بتنظيمه ليوم ” جمعة التحرير” وعقده للمؤتمر في واشنطن دي سي، الى جانب مبادرة حركة شباب 24 مايو في مصر التي استفادت من هامش الحرية الذي اتاحته الثورة الشعبية في مصر، وعزز من فرص المعارضة الارترية، وكذا العديد من المبادرات التي قام بها الشباب الارتري في استراليا، ومن ثم المبادرة الاخيرة للشباب وسعيهم لتنظيم مظاهرات تعم ارجاء مختلفة من المعمورةبمبادرة من حركة شباب 24 مايو . كل هذه جهود تستحق التقدير والثناء. وإن مناشدات الشباب الارتري ومبادراته المستمرة قد جعلت وسائل الاعلام العالمية تعطي قدرا من الاهتمام للشأن الارتري، وما البرنامج الاسبوعي ” ملفات ارترية” الذي تقدمه قناة الحوار الا ثمرة من ثمار هذه الجهود. ولا يخفى على احد في ان معظم الشباب الارتري مستقل ولا ينتمي الى اي من التنظيمات المعارضة، ويأخذون بزمام المبادرة لاخراجنا من حالة الجمود التي عانت منها المعارضة التقليدية. وهذا شئ يحتاج الى الرعاية والدعم ويجب اعطاؤه المزيد من المتنفس للسير قدما.

هذا في الوقت الذي يعاني فيه النظام الحاكم من عزلة تامة تقريبا. فهو يعاني من العزلة في اطار منظمة الايغاد ومنظمة الوحدة الافريقية وعزلة عالمية بعد ان فقد اهم داعميه المخلصين من امثال القذافي ومبارك نتيجة لثورات الربيع العربي. كما يعاني النظام من الحصار الذي فرضته عليه الامم المتحدة لدوره في منع الاستقرار في الصومال والمنطقة باثرها. كما يعتبر تعيين مقرر خاص لحقوق الانسان في ارتريا  ضربة جديدة توجه للنظام. وبالرغم من حصول النظام على بعض الاموال من عمليات التعدين الا ان الاقتصاد في طريقه للانهيار التام، والنسيج الاجتماعي في تآكل مستمر، واخذ اليأس يدفع بالنظام لتسليح الشعب ليجعل من البلاد صومال جديد في المنطقة. ونحن في المعسكر المعادي للنظام نتمتع بدعم اثيوبي في نضالنا من اجل الدييمقراطية. وكل هذه الجوانب مجتمعة تمثل فرص ينبغي علينا التعجيل في استغلالها بقدر الامكان. 

 

 

 

ضحايا النظام:

يعتبر الشباب الارتري هدفا رئيسيا لوحشية النظام في الداخل، ولهذا نجدهم بشكلون الجزء الاكبر من اللاجئين، ومع ذلك لا يشعر العديد منهم  بالامان حتى بعد مغادرة البلاد. فاللاجئين الارتريين في معسكر الشجراب في السودان هم اكثر الناس عرضة لعمليات الخطف والاتجار بالبشر، ناهيك عن أوضاعهم المعيشية المزرية. كما يعتبر هؤلاء الشباب ضحايا عمليات الاتجار بالاعضاء البشرية في سيناء خلال رحلة بحثهم عن مكان يأويهم. حيث تمنح الاجهزة الامنية السودانية الفاسدة الحرية لاجهزة امن النظام لاعتقال الارتريين وترحيلهم عنوة. كما اعطت الجهات المعنية كامل الحرية للمجرمين من الرشايدة للممارسة اعمالهم الاجرامية في المنطقة الحدودية بين إرتريا والسودان.  وتأتي حالة عدم الاستقرار التي تعم السودان وتدهور أوضاعه الاقتصادية لتزيد من احوالهم سوءٌ. كما ان اللاجئين الارتريين في جيبوتي واليمن لم يكونوا افضل حال من نظرائهم في السودان، بل يعيشون في فقر مدقع. وتتزايد في اسرائيل الممارسات العنصرية ضد اللاجئين الافارقة اخذة أشكال الاعتداءات اللفظية والبدنية بهدف إبعادهم أو حصر تواجد الارتريين في معسكرات محددة. ليس هذا فحسب بل هنالك تقارير تفيد بمقتل عدد من الارتريين في جنوب السودان في ظروف غامضة.

اصحاب المستقبل:

 بما ان المستقبل ملك للشباب فمن الطبيعي أن يتفاعلوا مع احداثه وأن يلعبوا دورا رئيسا في تشكيله.و دون الخوض في التفاصيل النظرية عن ما هية الشباب ومميزاتهم، ودون تضييع المزيد من الوقت في الحديث عن فئة عمرية بعينها، يمكننا التأكيد على انهم أفضل من يستفيد من وسائل الاتصال الاجتماعية. وان حركة الشباب لا تزال في مهدها وتنقصها الخبرة ولا تزال تتحسس المنحى الذي ستأخذه مستقبلا. وان أي متابع لمجموعات البالتوك يمكنه ملاحظة ان أي واحد يستعرض الفظائع التي ارتكبها النظام يعتبر عملا بطوليا عظيما، ويؤخذ كل ما يقال بقيمته الاسمية دون أي ردود تحليلية. ومن المشجع جدا ان ترى مقاتلين سابقين يفضحون وحشية النظام منذ تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، وهو اتجاه يجب تشجيعه. وبما ان الشباب هم جزء من المجتمع الإريتري فانهم لم يكونوا متحررين تماما من الامراض الاجتماعية وجوانب الضعف التي تعاني منها المعارضة، ومع ذلك يعتبر الشباب الافضل نسبيا. وقد أعطى حوار البالتوك للعديد من الذين لم يسبق لهم ان عبروا عن وجهات نظرهم كتابيا في التعبير عنها شفويا، وعزز من المشاركة الفعالة للمرأة ومكن من الوصول الى جمهور أوسع نطاقا.

القيود والتحديات:

تتعدد مجموعات الفيسبوك بقدر تتعدد المنظمات السياسية. فالشباب منقسمون بحسب أماكن تواجدهم في انحاء العالم، وبالتالي تتابين مساحة الحريات المتاحة لكل مجموعة. فالشباب الذين يعيشون في الدول الغربية يتمتعون بكامل الحرية لممارسة انشطتهم السياسية، بينما تضيق جدا فسحة المناورة عند الذين يعيشون في منطقة الشرق وخاصة في البلدان التي لم تتأثر بالربيع العربي. فحتى الشباب الذين يعيشون في اطار البلد الواحد نجدهم متفرقين في مجموعات مختلفة، ربما منقسمين على اسس لغوية ( كالتجرنية والمتحدثين بالعربية ولغات اخرى)، أو ربما على اسس اخرى. فالملاحظ ان مجموعات الفيسبوك والبالتوك التي تعمل باللغتين العربية والتجرنية تجتذبان اكبر عدد من المشاركين بعكس تلك التي تعمل بالانجليزية، وخير مثال على ذلك مجموعات الحوار في غرفة الحوار العربية و smrr. وحتى المقالات التي تكتب بالعربية والتجرنية نجدها اكثر تأثيرا وتفاعلا من قبل القراء مقارنة بتلك التي تكتب بالانجليزية.

وكما هو حال المعارضة التقليدية فاننا نجد الشباب هم ايضا منقسمين حول قضايا ( التغيير سلما أم بالقوة، وبين من يؤيدون التحالف الوطني للتغيير الديمقراطي وحزب الشعب الديمقراطي، والتعاون مع اثيوبيا عن عدمه، والعمل مستقلا أم في إطار المعارضات الحالية، وفيما اذا كانت المشكلة الحالية في البلاد سببها شخصية الرئيس اسياس أم مشكلة النظام برمته، وفيما إذا كان ينبغى ان يكون التركيز على اسقاط النظام أم التفكير في الشكل الذي يجب ان تكون عليه ارتريا الغد(. وقد فشلت المعارضة التقليدية في اجتذاب الشباب وهنالك منافسة بين الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لكسب الشباب مما جعل ذلك يسهم في احداث المزيد من الانقسامات في صفوف الشباب. كما يوجد صراع وتنافس بين مجموعات الشباب أنفسهم على السلطة. فقد عقد اتحاد الشباب الارتري من اجل التغيير مؤتمرا في واشنطن دي سي، بينما تخطط مجموعات اخرى لعقد مؤتمر عالمي في السويد في أغسطس. ولا ادري  اي من المجموعات الشببابيه هي الاكثر التزاما بالمبادئ الديمقراطية، ولها برنامج واضح، وتعقد اجتماعاتها بشكل منتظم وتنتخب قياداتها بشكل منظم ومنتظم، وتتقيد بالقرارات التي تتخذه الاغلبية. وعليه من الأهمية بمكان ان تتوحد مجموعات الشباب وان تركز قوتها على القضايا العامة ذات الاهتمام المشترك.

مؤتمر  تضامن الشباب الارتري للتغيير ( EYSC) في واشطن:

مؤتمر الشباب للتغير الذي عقد في الولايات المتحدة بواشنطن يستحق الثناء لكونه واحدا من المؤتمرات التي مولت بالكامل من قبل المشاركين أنفسهم. اذ يدل هذا على أننا نمتلك الكثير من الموارد التي إن استغلت بشكل سليم نستطيع أن نحقق بها الكثير. ومن الجدير بالذكر ايضا ان مؤتمر التحالف الوطني في هواسا الذي شارك فيه حوالي 600 شخص قد قاموبدفع تكاليف تذاكرهم بانفسهم. وهذا لا يعني بأن مؤتمر الشباب في واشنطن كان خاليا من العيوب. فقد كان جميع الحضور من أولئك الذين تمكنوا من دفع تكاليف سفرهم، ولذلك لم يتمكن القادمون الجدد من حضوره، وانتهى المؤتمر أيضا بهيمنة المتحدثين التجرينية، وقد لا يكون ذلك وليد خطة مسبقة بقدر ما يكون نتاج حقائق تتعلق بالجغرافية. ومع ذلك من الصعب أن نسميه مؤتمرا وطنيا، خاصة وان شعاره “حلول ارترية للمشاكل الاريترية” يحتاج المزيد من التوضيح. فالمشاكل الاريترية هي مشاكل عامه ، وهي تشمل السعي من أجل تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية الحزبية، والحكم الرشيد، وبالتالي الحلول هي أيضا عامة  بما انه قد يكون لها بعد ثقافي. كما اننا  لسنا من سلالة خاصة على النحو الذي  تتبناه  “الهقدف”. ولكن إذا كان المقصود من ذلك الشعار هو تبني شعار حزب الشعب الديمقراطى الداعي لتجنب العمل مع اثيوبيا، عندها تبرز المشكلة. ومن رأي فإننا بحاجة إلى التعاون الوثيق مع حلفائنا في دول الجوار، وبطبيعة الحال دون ان نفقد استقلاليتنا والسبيل الوحيد الذي يمكننا من الحفاظ على استقلاليتنا وحدة قوي المعارده . وآمل أن يوضح لنا المنظمون في المستقبل ما المقصود من ذلك الشعار. وبالرغم من القيود ومحدودية الخبرات باعتبار المؤتمر تجربة أولى، الا انه يعد خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح، ونتطلع لرؤية نتائجه المتعلقة بالرؤية الجديدة وخطط العمل في الستقبل القريب. اما موءتمر دبرذيت فقد كتبت عنه في مقاله سابقه.

التوقعات:

الشباب قوة وحيوية، الا ان مشكلاتهم تكمن في انهم يفتقرون الى الخبرة وانعدام الصبر وتوقع نتائج سريعة لكل خطوة. وهنالك الكثير مما يتوقعه المجتمع والمنظمات السياسية من هؤلاء الشباب. حيث تتوقع هذه المنظمات من الشباب الانخراط في صفوفها لتفعيل العمل . بيمنا يتوقع الشباب بدورهم الكثير من المنظمات السياسية التي يشعورن بأنها خيبت أمالهم. ولهذا يمكن القول بأن التوقعات متشعبة الى حد كبير. وكلما عقد مؤتمر أو سمنار في مكان ما تولدت الكثير من نقاط الجدل، فيبدو الأمر وكأنه حدث ستكون له نتائج لا رجعة عنها، فيما يتعلق بمصير البلاد. فيتراى الأمر كما لو أنه سيكون الحدث الأخير،. لقد رأينا هذا مرارا في العديد من المؤتمرات التي عقدت في السنوات القليلة الماضية سواء أكانت من جانب اليسار أو اليمين في الانقسامات السياسية القائمة.

الطريق الى الامام:

من الاهمية بمكان ان تشكل مجموعات الشباب حركة تضم كل الارتريين في ارجاء العالم لاكتساب المزيد من الفعالية والتأثير. ولقاء الشباب في بشفوتو (دبري زيت) خطوة في الاتجاه الصحيح. وعلى مجموعات الشباب ان تركز على القضايا ذات الاهتمام المشترك، وان يتجنبوا التنافس فيما بينهم،  وان ينصب اهتمامهم على العدو الرئيسي ( النظام) وليس على نقاط الخلاف فيما بينهم، وان تتركز نقاشاتهم على القضايا وليس الافراد، وان يكونوا متسامحين مع الاختلاف وجهات النظر، وان تكون رؤاهم شاملة وقادرة على التكيف، وعلى الكبار اتاحة الفرصة أمامهم لاثبات وجودهم في ساحة العمل الوطني.

هذه المقاله مبنيه علي مقاله صدرة في موقع عواتي بالأ نجليزييه

Moh.kheir33@hotmail.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=25105

نشرت بواسطة في أغسطس 10 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010