الحرب الباردة الجديدة بسلاحها الجديد والمتغيرات الإقليمية ما مدي تأثيرها علي الساحة الارترية؟
الحسين على كرار
انتهت الحرب الباردة بين القطبين الشرقي والغربي في عام 1991 بهزيمة القطب الشرقي وانحسار روسيا الاتحادية في حدودها تتجرع مرارة الهزيمة ، إفلاس اقتصادي ، وحروب في الشيشان ، وانفصال الدول الأسيوية الإسلامية ودول البلطيق ودول أوربية عن الاتحاد ، والتحاق بقية الدول الأوربية الشرقية التي كانت خاضعة للاتحاد السوفيتي بالمعسكر الذي كانت تعاديه ، ودخولها بقياداتها الجديد ة في حلف شمال الأطلسي الذي قضي دون حرب علي حلف وارسو الشرقي الذي كانت تنتمي إليه هذه الدول ، ومعظمها أصبح يظهر العداء لروسيا الصديقة والشريكة السابقة كجورجيا مثلا ، كان الصراع حينها إيديولوجيا فكريا بين النظريتين الرأسمالية التي كان يجسدها كتاب ثروة الأمم لأدم سميث ونظرية المنفعة لكينز في الاقتصاد الحر وكتابات جان جاك روسو ومنتسكيو وكانت وغيرهم من التنويريين في نظريات الحكم وفي الجانب الآخر كانت نظرية ماركس في الاقتصاد جسدها في كتابه رأس المال لحماية الطبقة العاملة من استبداد أرباب الأعمال ثم قيام الثورة البلشفية في روسيا 1917م وتبنيها للنظرية الماركسية وحكم طبقة العمال الدكتاتوري الذي طبقته الأنظمة الاشتراكية الموالية لروسيا الاشتراكية كمعسكر إيديولوجي مقابل الأنظمة الغربية الرأسمالية ، ولكن التفوق الاقتصادي والتقني حسم الصراع لصالح الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي شرعت وقتها في برنامج حرب النجوم الذي أعلنه الرئيس ريغان عام 1983 فقصم به ظهر البعير الروسي ، وانفردت بزعامة العالم الذي اعتبرته حديقتها و جرها ذلك بقياداتها المحافظة المتطرفة ووريثة الرئيس ريغان المحافظ إلي ويلات الحروب الإقليمية المنفردة لتبسط سلطانها وتملي إرادتها علي الشعوب فرفعت شعار صراع الحضارات وكانت أحداث سبتمبر المهينة لكرامتها في انهيار الأبراج التي تمثل قوتها في الاقتصاد ووزارة دفاعها التي تمس سيادتها الوطنية تلك الإهانة جعلت منها وحشا كاسرا فغامر من أسموهم بالمحافظين الجدد بقيادة بوش الابن بمغامراتهم المفجعة في العراق وأفغانستان حربان شرستان أفقرت خزينة الدولة القوية المتغطرسة ووضعتها في خانة الإفلاس والاستسلام لقدرها الجديد الذي جعل منها دولة تدخلية توجه الاقتصاد بعد أن كفنت ودفنت عقيدة عدم التدخل في دورات الاقتصاد وكفاءة السوق ، فاضطرت أن تتدخل وتعلن إفلاس الشركات والبنوك الخاسرة ، وحمت شركات وبنوك أخري من الإفلاس ، ووجدت نفسها مدينة من دولة الفلاحين التي غسلت نفسها من وحول الماوية والثورة الثقافية فأصبحت الدائن لأكبر قوة اقتصادية رأسمالية بمليارات الدولارات بشرائها السندات الحكومية وبذلك إنتقلت الصين من دولة الفلاحين إلي دولة تقود العالم الرأسمالي وتحميه من الإفلاس وتضخ له بمليارات الدولارات لإنقاذ هذا العالم الذي كانت تعاديه بالأمس وتعيب عليه الاحتكار ، بينما نجد روسيا الاتحادية قد نفضت عنها ثوب الشيوعية والبؤس وتحولت إلي الرأسمالية الغربية و الاقتصاد الحر وتداول السلطة ولكنها تريد أن تلعب دورها السابق في مناطق نفوذها القديمة علي الرغم من ضعف قوتها العسكرية والاقتصادية التي لا تمكنها من لعب هذا الدور ، فالصراع الإيديولوجي انتهي إلي الأبد وإلي غير رجعة بنهاية مؤلمة للمعسكرين بتقلباته الاقتصادية وأصبح الجنوح العالمي اليوم للاقتصاد التدخلي الموجه ، وأصبح يبزغ فجر الصراع الجديد علي منافذ البترول والمياه وأسواق توزيع المنتجات كما ظهرت دول جديدة مؤثرة في الحياة الاقتصادية والسياسية الجديدة فدول مثل الهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وماليزيا وتركيا وغيرها ، دول قادمة بقوة كقطب ثالث وكلها تريد أن تؤمن مصادر الطاقة لأسوقها ومصادر المياه لتامين غذائها وتقتطع بمنتجاتها من حصص القوي الاقتصادية التقليدية في الأسواق العالمية ولهذا سيشتد الصراع بين الأقطاب القادمة بقوة والمستهدف الأساسي ستكون المنطقة العربية الغنية بالبترول وإفريقيا البكر في ثرواتها وأسواقها ومياهها ومعادنها وتخلف دولها ومجتمعاتها ، ولهذا برز واضحا التجاذب بين هذه القوي الجديدة والقديمة في إفريقيا جنوب السودان مثلا وفي ثورات الربيع العربي حتى هذه الثورات أصبحت تتخبط بين هذه الصراعات لقد انتهي عصر دول الاشتراكيات وبقيت دول الملكيات المحافظة أكثر انفتاحا وبرز دور الدين في المنطقة وبارك الغرب السلطة لرجال الدين حتى إسرائيل التي كان يصفها الغرب بالدولة الديمقراطية تحولت إلي دولة دينية متزمتة ، وتركيا التي رفضت عضويتها في الاتحاد الأوربي لإسلامها أصبحت بقيادة رئيسها أردوغان قوة اقتصادية هائلة تلعب دور قيادي ديني في العالم الإسلامي خاصة السني لإعادة أمجادها بعد أن أدارت ظهرها للغرب ، وأصبحت تلعب هذا الدور مقابل إيران التي أصبحت قوة عسكرية مؤثرة في المنطقة وتريد أن تقود العالم الإسلامي الشيعي ، وانتقل مركز الثقل العربي الريادي عبر التاريخ من جمهورية مصر العربية إلي دول الخليج العربية الغنية التي برزت كقوة اقتصادية كبيرة مؤثرة في السياسات الدولية ، وأصبح الدور الصيني أكثر القوي تأثيرا في اقتصاديات الدول الفقيرة خاصة في افريقيا فتمركزت في السودان قلب أفريقيا لتنتشر منه إلي بقية الدول الأفريقية لأنها أدركت مبكرا أهمية موقع السودان الذي تتحسر لفقدانه أمريكا اليوم وتقوم بكل أشكال التأمر للعودة إليه وإعادة نفوذها الذي خسرته أمام الصين بقلب نظام الحكم فيه ، والتدخل الصيني في المنطقة هو التدخل الناعم غير الاصطدامي وتمحور في تقديم المعونات والمساعدات والقروض الميسرة بفوائد قليلة وبآجال طويلة ، كذلك نجد الصومال الممزق الذي قتل فيه الجنود الأمريكيون ومثل بهم في شوارع مقديشو كانت بمثابة ضريبة كبيرة دفعتها الولايات المتحدة تمنع بها الآخرين من الاقتراب من هذه الجدران المحترقة التي رعتها بعيونها الساهرة من بعيد ، ولما حان وقت القطاف حركت أصدقائها من الأوغنديين والكينيين والبورونديين والإثيوبيين لإخراج حركة الشباب من العاصمة مقديشو ثم ملاحقتهم وهزيمتهم ، لأن أمريكا تعلم من خلال أقمارها الصناعية الاستكشافية بأن أرض الصومال كنز من الاحتياطات النفطية ، و كانت تعتبر صومال أمراء الحرب وحركة الشباب عدوها الرئيسي في المنطقة ، وفي نفس الوقت المحمي والمحروس بأساطيلها ، حدثت كل هذه الأحداث العالمية والإقليمية خلال العشرون عاما الماضية التي نالت فيه ارتريا استقلالها ولهذا لابد من معرفة ما هي تأثيرات هذه الأحداث الدولية والإقليمية علي ارتريا في المستقبل كدولة لموقعها الاستراتيجي في البحر الأحمر وعلي النظام الارتري المتقوقع وعلي المعارضة الارترية الضعيفة ، فالنظام الارتري أساسا كان بقيادة الرئيس أفورقي وليد المنظومة الغربية التي ساهمت بشكل لا مجال لنكرانه في إسقاط نظام منغستو هيلي ماريام وطرد النفوذ الروسي من منطقة القرن الإفريقي ولكن النظام عندما تمرد علي الغرب لم يستنجد بالصين التي تدرب فيها رأس النظام ويدعي إنه يحمل عقيدتها وأفكارها التي هجرتها ولم يقترب من دول النمور الناشئة كما فعل السودان ولا من دولة الروس التي تبحث موطئ قدم لها في عالم خسرت فيه الأصدقاء بل ولّي وجهه شطر الغرب بعيون دامعة تستغيث بطلب الشفقة والرحمة و عندما قست عليه تلك القلوب أصبح يولي وجهه إلي منبع الثورة الأساسي الذي هو المحيط العربي لإرتريا فأحتضنه السودان ودولة قطر وليبيا القذافي — إن ارتريا تعتبر دولة حائرة تائهة واقفة في نصف الطريق ولكنها تقع في دائرة النفوذ الغربي المحمي بالأساطيل الإستراتيجية لموقعها الاستراتيجي وسوف لا تبتعد عن التأثر كثيرا عن أحداث المنطقة العربية لأن ارتريا تعتبر أعجمية اللسان عربية الأصول والثقافة لمن يعتنقون الديانتين فيها ولهذا عندما تعصف بها العواصف وتشتد بها المصائب تركن إلي المنطقة العربية التي تجد فيها القبول مراعاة لتلك اللحمة الرابطة سواء كان في عهد الثورة أو عهد الدولة فهي الملجأ الأخير للارتريين خاصة وقد أصبحت المنطقة العربية اليوم مركز السياسة والاقتصاد والمال والطاقة وسوف لا تخرج بعيدا عن هذه الدائرة ، إن التأثير سيصيب النظام الدكتاتوري الذي أصبح علي وشك الزوال وأصبحت مهمته الأساسية بقاءه في السلطة وسيصيب المعارضة العريضة المختلفة في الكثير من أمور ها ويسودها شعور الخوف المتبادل بين مكونيها وتسعي جاهدة للتوازنات الدينية كما حدث في مؤ تمر أواسا ، إن العامل الديني هو الذي سيسيطر علي ارتريا المستقبل فإذا كان في انتخابات الثورات العربية انتصرت الحركات الإسلامية فإن وجود عامل الدين السياسي في ارتريا قديم في أحزاب الأربعينات و داخل جبهة التحرير الارترية و داخل المعارضة بمجلسها الوطني الحالي تجد التوازنات ، فقط حسم الأمر داخل الجبهة الشعبية ثم داخل الدولة الارترية لصالح الطائفة الواحدة ، ولهذا انعدم الاستقرار ، ولكن وعي الشعب الارتري المبكر في التعايش السلمي بين الديانتين جعل منه أقل الشعوب اصطداما بسبب الدين إلا في حالات استثنائية في الأربعينات وغالبا ما تجد الحلول الاستباقية قبل حصولها وهذا ما يعتبر وعي وإدراك متقدم في الفهم الارتري ، إن التغيير في ارتريا قادم لا محالة و المتصور هو اختفاء الحركات القومية بحصولها علي مطالبها القومية في لا مركزية الدولة وكذلك ستضعف الفصائل التنظيمية بسبب المد الإسلامي وستبقي الحركات الإسلامية بكافة أطرافها المهيمنة علي الساحة الإسلامية الارترية وسيكون دورها شرعي ومقبول حسب المناخ السائد ، وسيكون لحزب الشعب بشقيه الداخلي الحاكم والخارجي الذي ينتظر الحكم اعتماد أحد الفرعين لتلتف حوله الطائفة المسيحية تحت راية العلمانية ، وستكون الأحزاب الصغيرة تلعب بين الطرفين الأدوار في دولة ارترية مدنية سبق فيها الارتريون أصحاب الريع العربي الإسلامي – بوضع الأسس لها – بالاتفاق – لإرسائها ، هذا هو التأثير المتوقع ، ولكن كيف سيكون التأثير إذا تغير السيناريو ولبي النظام لمطالب المعارضة بإشراكهم في السلطة وإرساء أسس الدولة الديمقراطية دون اجتثاثه عن طريق وسطاء بين الطرفين هل سيختلف التأثير كثيرا ، ربما.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=21457
أحدث النعليقات