الحوار الوطني الارتري خلفياته .. وأهدافه
بقلم : حامد صالح تركي
Hamidturkey8@maktoob.com
الحلقة الثانية (التي كانت موقوفة)
الالتزام بالهوية الثنائية للشعب الارتري
أساس لبناء وحدة وطنية حقيقية
أولا: مقدمة.. وتعليقات:
بعد ميلاد جبهة التضامن الارترية ، شهدت الساحة الارترية حراكا سياسيا غير مسبوق ، وردود أفعال متباينة ، بين مؤيد ومعارض ، وكانت الغلبة والرضى في نهاية الجدل المحتدم بين وجهات النظر المختلفة لصالح جبهة التضامن الارترية ؛ من حيث الاستحسان والإشادة بالفكرة والهدف ، وذلك لاقترابها من استشراف المستقبل المأمول وإرساء قيم جديدة لصالح المفاهيم الديمقراطية ، والبحث عن مسارات حلول وتطبيقها ، في تشخيص المعضلات الحقيقية لمعاناة الشعب الارتري ، وتناول أمهات مشكلاته وقضاياه المزمنة .
وأعتقد أن موضوعات (الحلقة الأولي) أو بعضها قد أضاف شيئا جديدا لصالح مسارات الحوار الوطني الارتري ، وذلك إلي جانب ما تقدمه الأقلام الارترية الجادة في مواقع الشبكة العنكبوتية ، فضلا عن إسهامات مواقع حوارات ( البالتوك) المتجددة .
هذا ، وقد وصلتني عن طريق البريد الالكتروني ردود وملحوظات متنوعة ، بعضها يشجع والبعض الآخر ينقد وينتقد لأفكار الحلقة ، وأنا سعدت بهذه المداخلات والنقد الموضوعي الهادف .. وسعدت أكثر بالإخوة الذين انتقدوني علنا في مواقع الشبكة العنكبوتية ، وفي مقدمتهم المناضلين : منقستآب اسبروم ، وإبراهيم محمد علي .. ومنبع سعادتي بالنقد العلني أن فائدته أكثر وأبلغ في توعية الجمهور العام ، لأن أجواء (العلنية) أقرب بيئة لتأمين ( الصدق ) وتحقيقه ، وأبعد ما تكون تزويرا للحقائق أو طمسها ، وهي الوسيلة الوحيدة الأقرب للشفافية والموضوعية ، بعيدا عن الأجواء الداكنة والمظلمة بالغيبة والنميمة والتآمر الغادر !!.
المناضلان : (منقستآب ، وابراهيم ) كلاهما ينتميان الي المدرسة اليسارية ، بكل اندفاعاتها وتعرجاتها ومنعطفاتها وكرّها وانكساراتها ، وكلاهما مسكونان بالحماسة والمصادمة في سبيل نصرة مواقف ومعتقدات تنظيمهما ولكن بدرجات متفاوته !!
فالمناضل منقستآب يهاجم بحذر وتقديرات محسوبة ، بينما يهاجم المناضل ابراهيم بضراوة وشراسة ، الي الحد الذي يكاد يقترب فيه من (الخطوط الحمراء ) للآخر ، وهذا ما فعله المناضلان معي ، في معرض ردهما علي بعض فقرات الحلقة الاولي .
واذا كان لي بعض الردود السريعة والملحوظات العابرة ، فيما تناوله المناضلان من نقد موضوعي أو منحاز ومتحامل ( ونترك الحكم للقارئ) ، فإنني هنا أؤكد علي الحق الطبيعي للمناضلين في الرد علي ما يعتقدانه أنه مجاف للموضوعية أو الحقيقة ، والعكس بالعكس ، أي لا يحق لهما أن يلزماني بما يعتقدانه صحيحا .. وعليه نترك الحكم لغيرنا ، مع العمل والاتفاق علي تجاوز خصوصياتنا الشخصية والتنظيمية ، ونلزم أنفسنا جميعا بخدمة الحقيقة المجردة ، بقدر المستطاع ، عسي أن يسهم ذلك في البحث عن المشكلات الحقيقية لشعبنا ، ويقرّبنا من الوصول الي حلول مناسبة وممكنة للالتزام بها .
ولنعد الآن – والعود أحمد – الي تفنيد بعض المغالطات التي وردت في الرد علي فقرات وموضوعات الحلقة الاولي .. حيث ذكر المناضل منقستآب في معرض رده علي نفي تهمة أسبقية التكتل ونزعة الانتقائية لدي حزبي الشعب والديموقراطي ، كما فعل ذلك لاحقا المناضل ابراهيم ، ما خلاصته : ان حزبي الشعب والديموقراطي كانا ولا يزالان يعملان لوحدة الساحة الارترية ، ولم تكن لهما يوما نزعة للإقصاء أو التكتل دون القوي الأخرى للمعارضة أو الالتفاف عليها بالاحتواء أو غيره أو الانتقاص من شأنها … الخ.
وهذا الادعاء في جملته وعمومه ليس عليه اعتراض ، لأن أية قوي سياسية تحترم نفسها ، لابد أن يكون لها حظا مما ذكر المناضلان ، وقدرا من المسئولية إزاء المبادئ والأهداف التي يؤمن بها كل تنظيم جاد في منطلقاته .. غير أننا نقول إن هذا (الادعاء) ليس علي إطلاقه ، لأن الاجتماعات والتفاهمات المذكورة بتواريخها ابتداء من عام 2004م وحتى عام 2005م ، بغرض الوصول الي وحدة ساحة قوى المعارضة الارترية ، والتي عقدت في فرانكفورت بألمانيا ولندن والخرطوم ، وعلي مستويات مختلفة من التنظيمات ، إنما كان الهدف منها في حقيقة الأمر ، (حل معضلة) : علي أي مستوى من التنظيمات المعنية ، يجب أن تقوم وحدة التحالف الديمقراطي الارتري المعارض للنظام الاستبدادي ؟؟ .
حيث كان هناك تصنيف انتقائي لقوي المعارضة الارترية يقول بوجود تنظيمات حية وفاعلة ، وأخري هامشية وغير فعالة ، بل وحثالات … إلي غير ذلك من التصنيفات والأوصاف غير اللائقة !!
ويؤسفني أن أقول أن ( كتلة الشعبي – الديموقراطي) كانت مغرمة بهذا التصنيف .. بينما كانت بقية التنظيمات تري أن ( ماعون وحدة المعارضة الارترية ) يجب أن يتسع لجميع مكونات المعارضة الارترية ، لأن ذلك يصب في نهاية المحصلة لصالح ( الوحدة الوطنية ) ولم شمل مكونات الشعب الارتري وتوحيد جهوده ضد النظام الديكتاتوري الطائفي .
وأنا لا أريد أن أتوسع في التفاصيل أكثر من هذا ، لأن وقائع جلسات الاجتماعات المذكورة وأشخاص المشاركين في حواراتها شاهدة علي ذلك .. ولكني فقط أشير إلي أن وحدة المعارضة الارترية ، من خلال مؤتمر التحالف الديموقراطي الارتري المنعقد في مارس 2005م ، حتي لو تحققت شكلا ومضمونا في حينه ، إلا أن التصنيفات الانتقائية ( إلي قوي حية وأخري هامشية … الخ) ظلت تلاحق أجواء التحالف الديموقراطي ، وترتب علي ذلك إقصاء وإخراج بعض التنظيمات التي حكم عليها بالتهميش ، كما تم الإطاحة برموزها القيادية .. ومن ذلك ما حدث للمناضلين : حروي تدلا بايرو ، و د. محمد عثمان ابوبكر ، وإسماعيل نادا .
ومن العجائب والمفارقات الغريبة ، أن المناضل إسماعيل نادا ، الذي كان يصنف بالأمس في خانة ( الهامشيين ) وتم إخراجه والإطاحة به من التحالف الديموقراطي ، ضمن مسلسل التصنيفات الانتقائية ، هاهو اليوم يرد له الاعتبار ويتوج بطلا قوميا لمكون من مكونات الشعب الارتري ، لا لشيء إلا أن المصلحة السياسية الراهنة اقتضت ذلك !!.
أليس في هذا السلوك انتهازية في المواقف وقلبا للحقائق وتزييفها ؟. أقول هذا ، وذلك مع كل تقديري واحترامي للأخ المناضل إسماعيل نادا ، الذي هو من بيت معروف في مجتمعه فضلا عن خصاله الحميدة في النضال والتواضع ونكران الذات .. وكنت أتمني ألا يجعلوا منه ( ساحة ) للعبة المزايدات السياسية الارترية التي تتقاذفها أمواج الأهواء المتقلبة في تيه وضياع استكان له الجميع !!.
ومحصلة تفاعلات عوامل الانتقائية المنحازة وخياراتها الموسمية ، لتؤكد لمن يقرأ في خلفيات الوقائع المتلاحقة ، أن روح التكتل والانتقائية قديمة وعميقة في الساحة الارترية .. وان المظاهر الشكلية لصيغ المسميات التنظيمية لا تخفي ولا تغير من حقيقة وجود نزعة التكتلات المختلفة في الساحة الارترية .. ولكننا نريدها فقط أن تكون هذه التكتلات : تكتلات حميدة وليست تكتلات تضليلية أو خبيثة !!.
وبخصوص الاعتراض علي توصيف حزبي الشعبي والديمقراطي : بأنهما يجسدان التوجهات الثقافية والدينية والسياسية لقومية التجرينية المسيحية ، ليس في هذا انتقاص أو تجاوز للحقائق ، لأن الواقع الارتري يعكس ويعبر عن ذلك بكل وضوح دون اللجوء إلي المغالطات والمماحكات المعاندة .
كذلك أن عبارة ( وحلفائهم المسلمين ) لم ترد للمجاملة والمداراة وإخفاء الحقائق كما زعم ، لأن مثل هذه التحالفات معروفة وقديمة لدي الشعب الارتري ، ولدي كل الشعوب التي تمارس السياسة بأشكالها المختلفة ، وليس من الضروري أن يكون من وراء التحالفات دائما مواقف انتهازية ، كما يعتقد خطأ ، ويمكن للتمييز بين ذلك دراسة كل حالة علي حدة ، لمعرفة الروابط الانتهازية من غيرها .
وأما التشبث ب (علمانية ) حزبي الشعب والديمقراطي والابتعاد عن تهمة الانتماء الديني ، والاعتزاز والتفاخر بذلك ، فهذا الدفاع المتهاوي وغير المتماسك لا يفيدهما في شيء .. لأن الدين المسيحي ، والدين الإسلامي ، في الشعب الارتري عميق وراسخ كرسوخ جبال ارتريا الشامخة !.
واستعارة ( مقولات ) ومعارك العلمانية التاريخية من الغرب الأوروبي ، للانسلاخ والتحايل بها وهدم قيم الأديان السماوية والاستخفاف بها ، لن يجد ذلك آذانا صاغية في ارتريا ، التي استأنست من وحشتها بالمسيحية والإسلام منذ العصور الغابرة!.
وإذا كان في ارتريا لا يوجد دين أو قومية تحظيان لدي الشعبي والديموقرطي باحترام ومكانة خاصة – كما يشير الي ذلك المناضل منقستآب – فالي متي يظل الشعبي والديموقراطي يحلقان بعيدا في الأفق خارج خارطة الواقع الارتري ؟! ولا أعتقد أن اجترار العلمانية ومضغها بلا ملل يفيد الشعب الارتري في حل مشكلاته !!.
أما التحدي والتلويح تهديدا ، بأن الاحتكام غدا في ارتريا الديموقراطية إلي (صناديق الانتخابات) ، فنحن إذ نقبل هذا (التحدي) لدينا سؤال بريء للرفاق الذين يحددون لنا خيارات المستقبل وهو :-
هل ستتم هذه الانتخابات وفقا لدستور وقوانين اسياس افورقي ( الاقصائية ) التي استسلم لها الشعبي للديموقراطي ، ام ستتم وفقا لدستور وقوانين يختارها الشعب الارتري ؟؟. انه مجرد سؤال بريء !!.
- وما جاء من ردود من المناضل ابراهيم محمد علي ، في معرض استهجانه ورده علي ما أوردناه من توجهات سالبة عن ( كتلة الشعبي – الديموقراطي ) – والتي تطرق إليها أيضا من قبل المناضل منقستآب – فقد رفع هو الآخر الراية (الحمراء ) في وجه الحزب الإسلامي والتنظيمات الإسلامية الاخري ، وقد ذهب في ذلك بعيدا في إدانات غير محسوبة العواقب ومغالطات ينسف بعضها بعضا .
وقبل الدخول في تذكير المناضل إبراهيم بالوقائع التفصيلية من اجل العشم في تصحيح مفاهيمه عن الادعاءات والمغالطات التي رمي بها الإسلاميين ، أرجو أن تفهم ردودي عليه بعيدا عن الإساءة إلي شخصه المحترم ، فنضالاته الطويلة وشجاعته في طرح أفكاره ومواقفه كل ذلك عندي محل تقدير واحترام ، فضلا عن التقدير الخاص الذي أحمله لأسرته الكريمة والفاضلة ، والتي تحملت الكثير من المعاناة والبؤس ، لغربته عنها إبان سنوات النضال الطويلة .
وملخص المغالطات التي أثارها المناضل إبراهيم – وفقا لتعبيراته – هي :-
اعتبار مأساة الشعب الارتري وبؤسه ناجم عن نظام حكم الفرد المستبد لأسياس أفورقي ( الشريك الأكبر ) لأصحاب مشاريع الفرز والاصطفاف الطائفي والقبلي ( الشريك الأصغر ) ، باعتبارهما وجهان لعملة واحدة ، في وضع العوائق أمام الوحدة الوطنية وتعميق مآسي الشعب الارتري – اعتبار وجود الحركات الإسلامية والجهادية تكريس للطائفية بامتياز وسبّة علي الشعب الارتري ، لاستغلالها الدين وتوظيفه لأغراض سياسية – اعتبار الحديث عن خصوصيات المسلمين والمسيحيين ، تفريق للارتريين علي أسس دينية ، كما يعتبر ذلك عدم اعتراف بوجود هوية وطنية واحدة للارتريين ، قادرة علي تجميعهم في كيان سياسي واحد – اعتبار وجود حلفاء مسلمين لتكتل مسيحي ووجود حلفاء مسيحيين لتكتل مسلم ، انتقاص واهانة لوطنية هؤلاء وأولئك المتحالفين – اعتبار إقامة حركة سياسية ذات هوية واحدة ( كحركتكم مثلا ) ، ودعوتها الي الاصطفاف الطائفي ، في بلد متعدد الديانات ، هي بمثابة اشعال فتنة طائفية في ارتريا –
– التعريض والتلميح باعتبار الحركات الإسلامية بأنها حركات إرهابية ، قائلا :-
(ألا يكفي درسا عما نشاهده من خراب ودمار ألحقه التطرف الطائفي واستغلال الدين لأغراض سياسية في مجتمعات مسلمة وغير مسلمة ، في كل من العراق والصومال وأفغانستان وباكستان – أو لا نريد في ارتريا وادي “سوات ” آخر : { كما قال ذلك من قبل المناضل ولدي يسوس عمار رئيس حزب الشعب ، في احدي تصريحاته غير المسئولة } .
ويكفي هذا القدر من المواقف العدائية التي ترشح من بؤرة الأفكار الاقصائية التي تحوصل عليها ، من قبل ومن بعد ، الرفاق المناضلون للنيل من الحركات الإسلامية ، واستغراب واستهجان وجودها في ارتريا !!.
وفي الفقرات التالية أنبه المناضل إبراهيم ورفاقه إلي خطورة هذه التصنيفات والإدانات للحركات الإسلامية ، والإصرار علي إنكار شرعيتها ووجودها في الوسط الارتري ودورها الوطني في النضال الارتري ، وأخطر ما يسعي إليه المناضل إبراهيم ورفاقه استئصال الإسلام من حياة الشعب الارتري والتقليل من أهميته ، وبالتالي بخس نضالات المسلمين ودورهم الوطني في الكفاح الارتري .
ونحن نعتقد ، أنه بغير الإسلام والمسلمين ، فليس هناك وطن مستقل اسمه ارتريا ، لولا هذه ( الشراكة المتوازنة ) لكانت ارتريا احدي المقاطعات الإثيوبية ، كأن تسمي مثلا ( إقليم شمال بحري ) .. وليس في هذا انتقاص لوطنية المجتمع المسيحي الارتري ، كما ليس فيه توزيع أو تقسيم لملفات الخيانة كما يتوهم البعض .. لأن العكس بالعكس ، بمعني لو كانت إثيوبيا دولة إسلامية لوقف المجتمع المسلم الارتري في حينه ، نفس مواقف المجتمع المسيحي الارتري من دولة إثيوبيا المسيحية ، آخذا بالاعتبارات المحلية والإقليمية والدولية التي تعبث بعقول السياسيين في تقدير المصالح المختلفة !!. والشعوب دائما في غياب الوعي السياسي المتقدم هي علي دين ملوكها ورؤسائها .
وعليه ، بغير احترام الهوية الإسلامية للمسلمين ، واحترام الهوية المسيحية للمسيحيين ، فليس هناك شيء اسمه وحدة وطنية لإرتريا ، باعتبار أن الإسلام والمسيحية واللغة العربية واللغة التجرينية وثقافتهما ، هي المرتكزات الأساسية لقيام الهوية الثنائية للشعب الارتري .
– ولا يستطيع أحد أن ينكر دور المسلمين في النضال الوطني الارتري عبر تاريخه الطويل ، إلا أن يكون جاحدا أو منبتا عن قيم الإسلام وأثره المباشر في حياة المسلمين ونضالاتهم ..
– والإسلام الذي يخجل منه بعض أبنائه المنسلخين عن قيمه ، نتيجة لعاديات الاغتراب عنه والجهل بعظمته ، لا يزال شامخا في عالم صحيح الاعتقاد ، والفكر والقانون والأخلاق والعدل ، عند مقارنته بمنجزات البشرية الأخرى .. وتأتي الشريعة الإسلامية قي مجال الاقتباس من أحكامها ، علي رأس خمس شرائع كبري ، اعتمدتها الأمم المتحدة لتكون مصدر اقتباس عند وضع القوانين المدنية للشعوب المتحضرة والأمم المتطورة ، ولهذه الغاية تدرس الشريعة الإسلامية في معهد القانون الدولي التابع للأمم المتحدة .
– وللأسف الشديد في الوقت الذي تحظي فيه الشريعة الإسلامية بهذا القدر من الاهتمام لدي العالم المتحضر ، نجد تنظيمات ارترية تتباري في الإساءة إلي الشريعة ومحاربتها ، بكل وسيلة متاحة ، ونقول هذا في اشارة الي نص :- (يحق للمسلمين التحاكم الي شريعتهم ، كما يحق للمسيحيين التحاكم الي أعرافهم ) والذي تم حذفه من وثائق التحالف الديموقراطي الارتري ، بعد نضال طويل دؤوب ضده من قبل تكتل الشعبي والديموقراطي والمتواطئين معهما ، وتمت الاحتفالات بهذا الانجاز الكبير ، وكأن الدكتاتورية في ارتريا قد سقطت !!.
– والتنظيمات الإسلامية الارترية ، بدءا من الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية وبقية التنظيمات الإسلامية الأخرى ، تواجه مواقف عدائية غير مبررة ، بسبب انتمائها للفكر الإسلامي .. وذلك بالرغم من استعدادها للتعايش الايجابي مع كل ألوان الطيف السياسي الارتري . هذه التنظيمات لم تقل أنها تريد أن تحكم ارتريا بمفردها ، كما أنها لم تقل تريد فرض معتقدات وإيمانيات الإسلام بالقوة ، لأنه : (لا إكراه في الدين) ، وإنما قالت ستحكم ببرامج وقوانين يوافق عليها الشعب الارتري ، وضمن مشاركة وتوازنات القوي السياسية للشعب الارتري ..
- فالدولة في التصور الإسلامي تقر بتعدد معتقدات وإيمانيات المواطنين من جهة ، والالتزام برعاية مصالحهم الحياتية العامة في المجالات المختلفة ، دون تفريق بينهم علي أساس المعتقدات أو غيرها من جهة أخري ، لهذا قال قديما فقهاء ومفكرو الإسلام : إن دولة الإسلام مع الظلم تزول ، وان دولة الكفر مع العدل تدوم .. فرسالة الدولة من وجهة الفهم الإسلامي هي رعاية العدل بين المواطنين بالدرجة الأولي ..
وأما فيما يخص القوانين الجنائية وطبيعتها من وجهة نظر الإسلاميين فان بيئتها وشروطها حاليا غير متوفرة في ارتريا ، ولكن هذا يجب أن لا يكون مدعاة للانسلاخ من قيم الأخلاق والوفاء بالعهود والأمانات وقيم العدالة وقوانين الأسرة ومؤسسات خدمة المجتمع … الخ . فلا داعي للإساءة وتشويه مبادئ وقيم الإسلام واشانة سمعة الحركات الإسلامية .
وأخيرا لابد من التنبيه إلي وجوب عدم الخلط بين دلالات المفاهيم الفكرية والسياسية : فالمناضل إبراهيم محمد علي يصر علي إطلاق مفهوم ( الطائفية) علي (الأديان السماوية) ومفهوم (وحدة الهوية الوطنية) علي (وحدة الكيان السياسي للوطن الواحد) كما يصعب عليه أو يتعمد فهم اجتماع ( الدكتاتورية والطائفية ) في نظام واحد كنظام اسياس أفورقي !!.
ولعلم الجميع إن ( الطائفية) هي وصف لأصحاب الأفكار والعقائد والفلسفات عندما تعيش حالة من التناحر والاقتتال فيما بينها ، فليس هناك تلازم بين الطائفية ومسمي دين معين ، فحيث يكون هناك رفض للتعايش الايجابي مع الآخر نكون في وضع طائفي او عدائي ، فيجب أن لا تختلط علينا المفاهيم .
كذلك هناك فرق كبير بين مفهوم (وحدة كيان سياسي) معين ، وبين مفهوم (وحدة الهوية الوطنية) بأن تكون واحدة أو متعددة .. ففي الحالة الارترية نحن نقول بثنائية الهوية الوطنية للشعب الارتري ، علي أساس أخذ المميزات الأساسية لمكوناته الدينية والثقافية والاجتماعية ..
وبالنظر الي ذلك ، أن الاسلام والمسيحية وثقافتهما واللغتان العربية والتجرينية – باعتبارهما أبرز المميزات المشتركة لشعبنا – نقول بثنائية الهوية الوطنية للشعب الارتري .
أما وحدة الكيان السياسي للوطن الواحد علي أساس من وحدة الأرض والشعب والسلطة الحاكمة ، فهذا التصور لا علاقة له بقضية (الهوية الوطنية ) التي يمكن أن تكون أحادية أوثنائية أو متعددة ، كما هو معروف ومعترف به في كثير من بلدان العالم الديموقراطي .
وأما صعوبة فهم اجتماع (الدكتاتورية والطائفية) في نظام أسياس أفورقي ، فهذا نابع أصلا من الموقف المنحاز من الدين الإسلامي ، وإلا لماذا يكون الظلم الواقع علي المواطنين من الشعب الارتري عموما ، يقع بشكل أشد وأعنف علي المسلمين خاصة منهم ؟!.
– وإذا كان دور المسلمين في ارتريا مقدر ومعتبر عند أشقائهم من المجتمع المسيحي الارتري ، عبر كل مراحل النضال الوطني ، بدءا من مرحلة تقرير المصير ومرورا بمرحلة التحرير الوطني ، فأن دور الحركات الوطنية والتنظيمات الإسلامية في وحدة المعارضة الارترية وتوحيد جهودها ضد النظام الاستبدادي ، أيضا مقدر ومعتبر عند التنظيمات الارترية المعارضة ، ولا يقلل من شأن هذا الدور الرائد للإسلاميين في وحدة الصف والتعايش الايجابي ، ما يحدث من إقصاء وظلم من بعض التنظيمات الارترية .
- وختاما ، وفي نهاية التعليقات والردود المتبادلة بشأن ما ورد في الحلقة الأولي ، ندعو إخواننا المناضلين إلي كلمة سواء بيننا بينهم ، بعيدا عن أجواء الاستعلاء وتزكية النفوس والمنافسات السالبة ، ونصرف جهودنا واهتماماتنا نحو معالجة أمهات المسائل التي تؤرق شعبنا الارتري ، أملا في العثور علي حلول مناسبة لها .. فواجبات إسقاط الدكتاتورية الطائفية والإقرار بالحريات العامة والخاصة لشعبنا ، وبسط الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية دون استثناءات واقصاءات ، وبسط العدل والسلام بين مواطنينا ، وبناء دولة المؤسسات الدستورية والقانونية ، والتخطيط لآفاق التنمية المتوازنة في ظل أجواء المحبة والسلام والوفاق الوطني – النابع من رغبات حقيقية جادة – هي القضايا التي يجب أن نشغل بها عقولنا وطاقاتنا ، حتي يحدث التغيير المأمول في ارتريا الغد ، باذن الله تعالي .
ثانيا : كيف نفهم وحدة الشعب الارتري وثنائية هويته الوطنية :-
1- أثر الجذور والثقافة في تعدد الهوية الوطنية :-
- إن واقع الشعب الارتري ، بالعودة إلي جذور مكوناته الاجتماعية ، هو واقع شعب واحد ومتجانس في روابطه العضوية والاجتماعية ، وذلك تأسيسا علي روابط المصاهرات والزيجات المشتركة بين مكوناته ، التي تعمقت عبر موجات هجرة القبائل العربية ، القديمة والوسيطة ، من الجزيرة العربية ، وبين القبائل الحامية والأفريقية ، الأقدم استيطانا في منطقة القرن الإفريقي .
- وفي الحقيقة والواقع إن تاريخ شعوب منطقة القرن الأفريقي ، هو تاريخ مشترك من حيث التمازج السكاني والتداخل الثقافي والديني ، وانعكاسات الأوضاع السياسية الإقليمية والدولية علي مجمل شعوب المنطقة .
وبعد رحلة طويلة من التفاعلات المحلية لحركة شعوب المنطقة والتطورات الإقليمية والدولية ، التي ألقت بظلالها السياسية علي المنطقة ، ظهرت الوحدات السياسية بمحدداتها الجغرافية علي نحو الذي نشاهده لواقع دول المنطقة وشعوبها .
وارتريا بكيانها الجغرافي والسكاني وبتطورات الأوضاع السياسية فيها ، هي واحدة من الوحدات الجغرافية والسياسية لمنظومة شعوب منطقة القرن الإفريقي ذات الخصائص المشتركة .
وبالعودة إلي المحددات والخصائص المشتركة للشعب الارتري ، نجد أن لمكوناته الاجتماعية خصائص أساسية وأخري ثانوية لشرائحه الاجتماعية ، كما يتضح ذلك من الاستعراض الداخلي لمكوناته الاجتماعية .
حيث نجد بين شرائحه المتعددة :-
مجتمع التجرينيا ، ومجتمع الجبرتا ، ومجتمع التقري ، ومجتمع العفر ، (الدنكل) ومجتمع (الساهو والأساورتا) ، ومجتمع البلين، ومجتمع الكوناما (البازا) ، ومجتمع النارا (الباريا) ، ويشترك الباريا مع قبائل السبدرات والألكدين والايليت تحت مسمي مجتمع (الكسر) والمجتمع الحدربي (الحدارب) ، ومجتمع الرشايدة (الزبيدية) .
فهذه الشرائح الداخلية للشعب الارتري ، بالرغم مما لديها من احترام وتقدير لخصوصياتها الداخلية ، الخاصة بكل شريحة ، لأغراض التواصل الأسري والاجتماعي ، إلا أن هذه الفوارق الثقافية الداخلية لا ترقي إلي الخصوصية العظمي التي تحظي بها الروابط الدينية ، وأهمية خصوصية اللغة العربية واللغة التجرينية لدي الشعب الارتري .
وعليه فأن نسبة الشعب الارتري الي مجتمع مسلم ، والي مجتمع مسيحي ، تعتبر المحدد الرئيسي لهويته الوطنية .. ولا يتعارض هذا التصور مع الانتماء الوطني الارتري ضمن المحددات الجغرافية الرسمية والسياسية للشعب الارتري ..، أي أن الانتماء الي ارتريا هو انتماء الي الارض (الوطن) والشعب والاستقلال السياسي الوطني .. وهذا لا ينافي القول بأن ارتريا وطن سيادي بهوية ثنائية ، باعتبار أن الإسلام والمسيحية واللغة العربية واللغة التجرينية وثقافتهما ، هي المكون الأساسي لهويته الثنائية ، وفي العالم أمثلة لذلك .
2- مجتمع الشماقلي .. ومجتمع المشيخات :-
إن شرائح ومكونات المجتمع المسيحي ، وشرائح ومكونات المجتمع المسلم ، يمكننا أن نطلق عليها :- مجتمع الشماقلي ، ومجتمع المشيخات ، وذلك من حيث الأعراف وأشكال الإدارة السائدة فيها .. والرجل ( الشماقلي ) هوالشخص الرشيد المتمتع بالنضج وسعة الخبرة في معرفة الأعراف والناس وعلاقاتهم ، ومؤهل للفصل في النزاعات والخصومات التي تقع بين الأشخاص أو القرى ، في شئون الزراعة وحقوق الرعي ، وغير ذلك من أوجه الحقوق الأخرى .. وهو عضو في (لجنة الشماقلي ) التي تضم عددا من الوجهاء والأعيان ، ويراعي فيها تمثيل مكونات القرية الاجتماعية ، كما يغلب في اختيار لجنة الشماقلي الانتخاب الدورى .
ونظام الشماقلي – في الإدارة الأهلية – سائد في المجتمعات القروية والزراعية في وسط وجنوب الهضبة الارترية ، وقد توجد منه نماذج في بقية الأقاليم الارترية .. وتصدر لجان الشماقلي أحكامها في الخصومات وفض النزاعات المختلفة ، وفقا للأعراف السائدة في المجتمع المسيحي . وترجع الجذور الأولي للأعراف المعمول بها إلي ارث موجات الهجرات اليمنية القديمة التي وصلت الي ارتريا ، وبخاصة عشائر الحبشات والأجاعزيان .
ورجال الدين المسيحي (القساوسة) ليسوا جزءا أساسيا في الغالب من مجالس الشماقلي ، الا بقدر ما يتعلق الأمر بالقضايا ذات الأهمية الخاصة ، او التي هم طرف فيها ، ولكنهم لا يغيبّون في كل الأحوال من اللقاءات الجامعة .
أما نظام المشيخات او المشيخة ، فهو النظام الإداري الأهلي السائد في أغلب المجتمعات المسلمة ، ذات الطابع الرعوي والزراعي .. ويطلق لقب (الشيخ) علي زعيم العشيرة أو القبيلة ، وأحيانا يسمي في بعض المجتمعات المسلمة بالشوم ، والكنتيباي ، … الخ . وهذه الألقاب ( الشوم والكنتيباي ) منشؤها الهضبة الجنوبية .. وكذلك يطلق لقب ( الشيخ) علي عالم الدين الإسلامي وعلي الشخص الكبير ، لأنه مظنة الحكمة والنضوج .. ويفترض في شيخ القبيلة أو العشيرة توافر المؤهلات الضرورية لمعرفة شئون القبيلة الي جانب تمتعه بالحكمة والمقدرة في حل النزاعات والخصومات المثارة ، وذلك بالاستعانة بمجلس شيوخ القبيلة وأعيان فروعها . ولعالم الدين الإسلامي مكانة خاصة وكبيرة عند شيخ القبيلة ، لأن معظم الأعراف والأحكام التي يفصل بموجبها في الخصومات تمت بصلة أو أخري إلي أحكام الشريعة الإسلامية ، فيجب ألا تتعارض هذه الأحكام مع صريح النصوص الشرعية .
وأخيرا لابد من الإشارة إلي أن المستويات العليا في الإدارة الأهلية للشعب الارتري كانت تحمل مسميات وألقاب مثل : مسليني ، ودقلل ، ونائب ، وكنتيباي ، وكوليري ، ومجمل نظام الإدارات الأهلية منذ عهد الثورة الارترية إما ألغي أو تم تحويره وإضعافه ، واختلط الحابل بالنابل في تفكيك الروابط الاجتماعية للشعب الارتري .. ولكن هذه الإجراءات الثورية المزعومة لا تحظي بتقدير واحترام الشعب الارتري ، وسيأتي اليوم الذي تكون فيه أثرا بعد عين .!!
ونظام الادارة الأهلية يمكن تنقيته من الأعراف الرديئة ، والابقاء عليه الي حين تكامل الوعي السياسي للشعب الارتري .. ومع هذا لا ننكر الدور الايجابي للثورة الارترية في ازالة بعض العادات الرديئة .
وختاما يتضح لنا من هذه الإطلالة السريعة علي مجتمع الشماقلي ومجتمع المشيخات ، إن المساحة التي تشغلها الديانة المسيحية من الأعراف التي تسترشد بها لجان الشماقلي محدودة جدا ، باستثناء طقوس ومراسم الزيجات والوفيات ومقتضيات حالات التبريكات .. والتي توكل حصرا إلي رجال الدين ( القساوسة) ومن هنا فان رجل الدين المسيحي ، أن سلطته في الغالب الأعم محصورة في شئون الزيجات والتبريكات والوفيات ، وأما ما تصدره للشئون السياسية العامة فيعتبر استثناء ، كما كان الأمر مع (قشي) بيطروس إبان مرحلة تقرير المصير ، وكما هو الحال الآن مع جماعات الجهوبا والبنطين ، في مواجهتهم لنظام الطاغية أسياس أفورقي .
أما عالم الدين الإسلامي فمكانته معتبرة ومقدرة بقدر ما يفهم من الشريعة الإسلامية ، ويلتزم بأحكامها في سلوكه الشخصي .. وليس له سلطة مميزة من دون عامة المسلمين .. فكل شخص يفهم أحكام الشريعة الإسلامية يستطيع أن يؤدي إتمام عقود الزواج وأداء الصلوات علي الأموات … الخ ، ولو لم يكن عالما في بقية فروع الدين الإسلامي .. كما أن التصدي لقضايا السياسة والشئون العامة من حياة الشعب ، يستطيع عالم الدين الإسلامي أن يتصدرها إذا اطمأن إلي مؤهلاته القيادية .. وكثيرا ما كان علماء الدين الإسلامي قادة ورموزا لدول إسلامية .
ومن كل تلك الوقائع المذكورة يتبين لنا أن الهوية الثنائية للشعب الارتري لاجدال فيها ، كما أن أهمية الدين للشعب الارتري بالغة الحساسية ، بحيث لا تقبل أي مغامرات غير مسئولة ، لتهميش دور الدين في حياة الشعب الارتري ، وبخاصة عند المجتمع المسلم ، الذي تشغل أحكام الشريعة الإسلامية حيزا كبيرا في حياته اليومية والعملية .
– انتهت الحلقة الثانية (التي كانت موقوفة) –
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=575
أحدث النعليقات