الخيانة والتواطؤ
الحلقة الرابعة(4)
بقلم / متكل أبيت نالاي
(أوراق ودرو ولسون العامة, تحرير ري ستنرد بيكر ووليم )
وفي مزاج الحلفاء الظافرين كيف كان ينظر إلى مبدأ تقرير المصير في تلك الفترة, وبرعايتهم كيف نظموا الشعب الإرتري مصيره.
بدا تقرير المصير للكثيرين, في ريعانه الو لسني, فكرة بسيطة مستقيمة تجمع تحت عنوان واحد عددا من اعز فكر الليبرالية في القرن التاسع عشر, مما يتعلق بالحرية والديمقراطية وحقوق الأفراد والشعوب. على أن تاريخه فيما بعد كان تاريخاً متعدد الأشكال في تطبيقه العملي وفي وضع النظريات المتعلقة به على السواء. وهو ما برح يغري الرجل المجرب بإظهار فطنته وعلمه, عن طريق التدليل على نقائصه ومناقضاته, كما إنه اكره كثيرين من رجال الدولة على هز رؤوسهم هلعاً من قسماته الفجة. فلا المجرب الشكاك, ولا رجل الدولة المضطرب كان له أي أثر خطير في زحف الشعوب الثوري لبلوغ مصيرها المستقل بأسلوبها الخاص بها.
وإلقاء نظرة خاطفة على خبرة العالم بتقرير المصير منذ الحرب العالمية الأولى يدل على سيرته الغربية. فلقد بين ودرو ولسون قواعده, كما بينها البلاشفة في إثناء الحرب, فصار احد المبادئ الأساسية في المجتمع الدولي, ومع ذلك فانه لم يجد مكانا في ميثاق عصبة الأمم. وقد عمل كمرشد في كثير من الحالات التي أعيد فيها تشكيل الدول في أثناء عقد الصلح الذي جاء في أعقاب الحرب.
ولكن, بعد إتمام هذه العملية,لم يظهر من الدول الجديدة على المسرح الدولي في عقود ما بين الحربين سوى أيرلندا في أوروبا والعراق والسعودية في آسيا( ويمكن إغفال دولة مانشوكو اليابانية الضعيفة إغفالا ملائماً في هذا السياق, كما يمكن إغفال ما خلفه هتلر في أوروبا الوسطى).
وخبرة الحرب العلمية وما أعقبها هما عكس الأولى من عدة وجوه. ومع أن ميثاق الأطلسي أبدى ولاء مناسباً لتقرير المصير غير مباشرة نوعاً ما, فان الحلفاء لم يكونوا منقسمين فقط فيما يتعلق بتطبيق تقرير المصير, ولكنهم كانوا أيضاً قد فقدوا عموماً حماستهم له كشيء يقرب أن يكون دواء لكل داء ـ هذا إذا تركنا جنبا إعادة الشعوب التي قهرها المحور إلى مكانتها السابقة. وهدف تقرير المصير عند الإتحاد السوفيتي كان قد صار بالنسبة إلى جيرانه الغربيين أما الدمج أو الإخضاع, أما عند الدول الاستعمارية فقد صار معناه هدم الاستعمار بيد ذاتها. ولذلك فان مبدأ تقرير المصير للشعوب لم يقم إلا بدور ضئيل فيما حصل من عقود الصلح, مع أن هذا المبدأ كان قد صار عندئذ غرضا من أغراض ميثاق الأمم المتحدة. وكبديل محزن من تسوية سلمية, فان الحرب الباردة عملت حقا على إقامة تجزئات قومية على بعض النقاط الرئيسة في الحدود الدولية المعروفة. وفي ألمانيا وكوريا وفيتنام أخضعت دعاوى الأمم في الوحدة للإستراتيجية العالية الخاصة بالسياسة الدولية, فكانت النتيجة أن كلاً منها أقيم فيه حاجز مخفور بصورة حماسية ليبين حدود المناطق الخاصة بالكتلتين الكبيرتين المتناحرتين, كما أن الصين كابدت الفصل بين أرضيها وجزيرة فرموزا. وفي كل حالة من هذه الحالات كان ثمة نظامان يتناحران بشدة, أحدهما شيوعي والآخر غير شيوعي, وكل منهما يدعي الحق في تمثيل الإرادة القومية تحت شعاراته الخاصة به.
وكان تقرير المصير لا يزال فيه الكثير من الحياة, ولكن مكانه كان قد تحول من أوروبا إلى آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا, وكانت الدول المناهضة للاستعمار تتجه إلى التأكيد بأنه مسألة لا تنطبق في أغراضها العملية إلا على المناطق المستعمرة. ومع أن الذين عقدوا الصلح في فرساي عام 1919 كان في إمكانهم غالباً عمل شيء أكثر قليلاً من إقرار حالات واقع كانت الشعوب التي يعنيها الأمر مباشرة قد حققتها,
فان إعادة تنظيم أوروبا الوسطى والشرقية إنما جرى حقا تحت رعاية الحلفاء الظافرين وعلى حساب أعدائهم وحساب روسيا. وفي عام 1945 وما تلاه كان تقرير المصير سلاحاً مسددا مبدئياً إلى الدول الاستعمارية الظافرة نفسها, ولم يكن هذا المبدأ تحت سيطرتها إلا من حيث إنها كانت تستطيع إما محاربته كلية, كما في الهند الصينية واندونيسيا, أو العنوا له بشيء كثير أو قليل من الرضا, كما في الفيليبين والهند وبورما وسيلان. ومقابل بروز العراق الوحيد في عقود ما بين الحربين, فان كثيرا من الدول الآسيوية والأفريقية الجديدة أضيفت إلى العائلة الدولية في الأعوام التي تلت الحرب العالمية الثانية. ويقول الكاتب: هنالك عدد من دول قادمة إلينا نتيجة الانكماش في الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية.
ومبدأ تقرير المصير ينبع من مجموعة مألوفة من المذاهب التي تخفي بساطتها الظاهرة وفرة من التعقيدات. ونقطة الانطلاق الرئيسية هي, على ما يظن, الرأي الذي ظهر في القرن الثامن عشر, وهو أن الحكومات يجب أن تقوم على رضا المحكومين. ولقد أضاف القرنان التاسع عشر والعشرون إلى هذا الرأي فرضا مؤداه إنه ما دام الإنسان مخلوق عاقل, فان الحكومة التي يمنحها رضاه إنما هي حكومة تمثل أمته ذاتها. وحتى يظهر تقرير المصير كاملاً, فان هذا لا يقتضي سوى تأمين التسليم بمبدأ جديد من مبادئ القانون الطبيعي الذي يخول الأمم أن تملك دولها الخاصة بها, كما يجعل الدول التي لا قاعدة قومية لها, من الوجهة الآخر, دولاً غير شرعية. والإمبراطوريات المركزية, على ما قال ودرو ولسون, أكرهت على إفلاس السياسي لأنها سادت “شعوباً غريبة لم يكن (لهذه الإمبراطوريات) أي حق طبيعي في أن تحكمها”.( 1)وبمعونة قليل من الحيلة, فان المطلب الأصلي القائل بأن الأفراد يجب أن يقبلوا بالحكومات التي تحكمهم أو أن يقيموها بطريقة تعاقدية, إنما ينقلب بهذه الطريقة حقاً طبيعياً للأمم تقرر بموجبه دوليتها الخاصة بها.
ومصاعب تقرير المصير إنما تبلغ ذروة الخطورة عندما يهبط به الناس من التجريد إلى الواقع العملي, وعندما يبذلون من الجهد, مثل ما في صكوك الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان, لترجمته من سنن أدبية وسياسية إلى قواعد قانونية ملزمة. وفي المزاج الحالي للرأي العالمي لا يستطيع أحد مبدئياً مقاومة ما قد صار حقاً للشعوب في التحكم في مصائرها, وهو حق غني عن البيان تقريباً. ولكنه من المستحيل بصورة مماثلة, لسوء الحظ, صوغ هذا الحق بألفاظ تجعله ينطبق على الواقع انطباقا ذا معنى. فمن الذي يستطيع أن يقول للأمم لا, ومع ذلك فمن الذي يستطيع أن يقول أي الأمم ومتى وكيف يجب أن تفرض وجودها؟
وحينما وضعت القضية الإرترية في أعنف صيغها كان الشعب الإرتري يقاوم بقوة, وكان قد أسمع صوته للأمم المتحدة بمقدار من النضج السياسي.وفي أشد صيغ تعبيراً أبلغ الزعيم الإرتري إبراهيم سلطان رغبت الأغلبية من الشعب الإرتري والمتمثلة في الكتلة الاستقلالية والتي طالبت الأمم المتحدة بحقها في إنشاء دولتها مثل كل الدول التي خضعت للاستعمار الإيطالي. ولكنهم اكرهوا شعبنا على الإذعان لمطالب الإثيوبية الذي ليس فيها شيء من الحقيقة. وتحت ظروف خارجية ضاغطة وبأساليب وحشية إثيوبية نظر العالم للأماني الإثيوبية وفرضت على الشعب الإرتري إثيوبيا فرضاً بغير ما تشتهيه رغبتهم. وأضعت الأمم المتحدة هذا الشعب تحت الامتحان القاسي المتصل بحلقات من الاستعمار المستمر.
هكذا تمكن هيلي سيلاسي من دمج حق الشعب الإرتري في دولته لأنه كان يستطيع أن يفعل الكثير بفضل مكانته بين أمريكا وبريطانية وبفضل الجغرافية وعضلاته العسكرية القوية على الشعب الإرتري.كما تبدلت الأحوال في ظل الإدعاءات التاريخية الكاذبة على إرتريا والغة الفضفاضة التي انزلوا بها العالم الإرتري بشكل يستبد بالشعب الإرتري وينكر حقه في شؤون سلطته الداخلية(الفيدرالية).
لحقاً تحولت المنطقة إلى محور الاهتمام الأمريكي حركت فيها كل أدواتها ما هو متاح وما تقتضيه المصلحة أمريكية في المنطقة. أما الشعب الإرتري التي بدأت شخصيته الوطنية الحديثة في التشكل تحت معاناة ومقاومة الاستعمار الإيطالي على مدى ستين عاماُ مع نهاية القرن التاسع عشر, ثم أخذت ملامحها في التبلور إبان فترة تقرير المصير الأولى التي أعقبت انهيار الاحتلال الإيطالي في الحرب العالمية الثانية, وقيام أحزاب سياسية ومنظمات اجتماعية تعبيراُ عن قضايا وهموم تلك المرحلة تجلت بوضوح في الإجماع الذي عبر عنه المجتمع السياسي الإرتري برفضه القاطع للمشروع البريطاني, الرامي إلى تقسيم إرتريا بين السودان الرازح إلى إمبراطوريتها المتهرئة.حدث ذلك كله في الوقت كانت تشهد فيه الساحة الوطنية خلافات حادة حول مصير البلاد, بين الدعوة للوحدة مع إثيوبيا من ناحية, والدعوة إلى الاستقلال وقيام دولة إرترية مستقلة من ناحية أخرى.ورغم ما كان يفرق بين القوى السياسية والمجتمع بشكل عام من حساسيات دينية وقبلية وإقليمية كانت تغذيها القوى الأجنبية, خاصة الإثيوبية والبريطانية.
يتميز المجتمع الإرتري بثنائية دينية متوازنة, بحيث يتساوى فيه المسلمون والمسيحيون في الكثافة بصورة تكاد تكون فريدة. فضلاُ عن كونه مجتمعا متعدد اللغات والعادات والتقاليد.. ومع ذلك فهو مجتمع متسامح دينياُ وعرقياُ ومحب للسلام. إذ لا يعرف تاريخه خلال مئات السنين, ما يدل على أن أياُ من الطائفتين سبق لها أن قامت بغزو لمناطق الطائفة الأخرى.أو حاولت السيطرة عليها, أو إجبار إحداهما الأخرى على التخلي عن ديانتها أو هويتها الثقافية. لقد برز إلى الوجود نزاعات من هذا القبيل لأول مرة في حياة الشعب الإرتري المعاصرة,
بفعل التدخل الإثيوبي السافر في الشؤون الداخلية الإرترية,مدفوعاُ بأطماعه التوسعية في أربعينيات القرن الماضي, وبتواطؤ مكشوف من الإدارة البريطانية,مدفوعة هي الأخرى بالأهداف الاستعمارية لبريطانيا العظمى, الرامية إلى تقسيم ارتريا, بضم الأجزاء الغربية والشمالية منها ذات الكثافة المسلمة إلى السودان المجاور.ثم ضم الأجزاء المتبقية ذات الأغلبية المسيحية, وكل من إقليمي سمهر ودنكاليا إلى الإمبراطورية الإثيوبية.
ففي الوقت الذي سخر فيه نظام هيلي سلاسي إمكانات إمبراطوريته لتأجيج النعرات الدينية في المجتمع الإرتري مستخدماُ أصحاب المصالح الطبقية الخاصة ورجال الدين الرجعيين, وقيادات حزب (الأندنت) العميلة, ومستغلا المشاعر الدينية للسواد الأعظم من الشعب , التي كانت تعيش في ظلام الأمية, وفي واقع سياسي واجتماعي متخلف, مستهدفاُ إضعاف الوحدة الوطنية الارترية, والقضاء على التيار الوطني بقيادة الكتلة الاستقلالية, فأن الاستعمار البريطاني قد تواطأ بدوره مع الإثيوبيين في تنفيذ مخططاتهم الإجرامية تلك,لأنه كان يري في انقسام الارتريين على أسسي دينية, ما يوفر له مبرراُ وحجة قوية لتمرير مشروعه ألتقسيمي.
وكانت من نتائج تلك الهجمة الاستعمارية المنسقة حدوث استقطاب حاد في الصف الوطني, عبر عن نفسه في قيام أحزاب سياسية أو قوالب دينية وإقليمية, حيث شهدت الساحة ميلاد حزب الأندنت أو- حزب الوحدة- الذي كان يطالب بقوة بالانضمام الكامل في الإمبراطورية الإثيوبية دون شروط.
لقد خرج حزب الأندنت من بطن جمعية “حب الوطن ” الذي تأسست في عام 1942 والتي كان يترأسها جبر مسقل والدو, ولكن انحرفت عن الخط الوطني بدفع ودعم من إثيوبيا التي استولت عليها عبر مأجورين لها من الإرتريين مثل زعامة تدلا بايرو, وبقيادة وتأييد معظم رموز الإقطاع الديني والإقليمي المسيحي في المرتفعات, تغير اسمها إلى حزب أندنت أي ” حزب الوحدة مع إثيوبيا ” وسرعان ما انضمت إليه رموز الإقطاع الديني والقبلي المسلمة وغيره في أنحاء مختلفة من الوطن, حفاظاُ على مصالحها وامتيازاتها التي ارتبطت دوماٌ بالوجود الأجنبي مقابل ما تقدمه له من خدمات كأدوات في تحصيل الضرائب واستغلال الشعب وقمعه وإخضاعه للاحتلال المتعاقبة وعلى الرغم من الطابع الديني الذي اتسمت به ظاهرياُ,الصراعات التي عصفت بالساحة الوطنية حول تقرير مصير البلاد, إلا أن الدعوة للانضمام إلى إثيوبيا كانت تعبر في جوهرها عن مصالح طبقية وشخصية ضيقة للقيادات الرجعية في المجتمع الإرتري بشقيه المسلم والمسيحي على حدُ سواء, لن تلك القلة كانت تري في الارتباط مع النظام الإقطاعي في إثيوبيا ضماناُ لحماية مصالحها الضيقة الموروثة, وقد تناست في سبيل ذلك ما بينها من عداوات عقائدية وثقافية, لم تكن تتأخر لحظة واحدة في استخدامها لتأجيج التناقضات الثانوية وسط الشعب, حينما تقتضي مصالحها ذلك. وإلا فبماذا يمكن أن نفس قيام ذلك الحلف غير المقدس الذي جمع بين الزعامات الدينية والقبلية المسلمة مع مثيلاتها المسيحية في صف واحد تأييداُ للتوسع الإثيوبي المدعوم إرهابيا, ومعاداة حرية الوطن واستقلاله.وهذا الحزب من أجل الوصول إلى أهدفه التخريبية قام بأعمال تخريبية خطيرة تمثلت في الأتي :
– خلق شرخ عميق في وحدة الصف الوطني, وذلك بنشر كل ما من شأنه أن يؤدي إلى العداء بين المسلمين والمسيحيين.
– تصفية أفراد الجالية العربية ووصفهم بالغرباء
– تزييف الحقائق على مندوبي الأمم المتحدة حتى لا يتمكنوا من الوصول إلى الرغبة الحقيقية للأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الإرتري الذي يتوق إلى الاستقلال والسيادة الوطنية.
– تبني قطاع الطرق المعروفين باسم ” الشفتا ” وهم كما يعرفهم تريفاسكيس : فريق من التنظيمات الإرترية المسيحية قامت بسلسلة من الاعتداءات على بعض المستوطنين الطليان والمسلمين وعلى ممتلكاتهم حيث قتلوا 6 إيطاليا و15 مسلماُ وقطعوا رؤوس خمسة من المسلمين أمام أعين زوجاتهم وأولادهم , وسلبوا عددا كبيرا من مواشي المسلمين في غرب إرتريا, وكانوا يتركون في مسرح جرائمهم رسائل تؤكد إخلاصهم للإمبراطور هيلي سلاسي , وتهدد كل وطني بالقتل ” .
وهذا الحزب خرج أساسا من رحم الكنيسة بزعامة الأب مرقوص أحد أشد القساوسة تحمساُ للقومية الإثيوبية, فبتحريك من إثيوبيا قامت الكنيسة باستغلال نفوذها بين مسيحيي إرتريا, وكما وصفها الإمبراطور هيلى سلاسي عام 1945 بقوله :” الكنيسة كالسيف والحكومة كاليد ذلك فان السيف لا يمكن أن يقطع بنفسه ما لم تستخدم اليد” ويصور لنا تريفاسكيس المشهد بكلمات بليغة( بعد سنة 1943 أصبح كل راهب داعية للقضية الإثيوبية , وأصبحت كل كنائس القرى أوكارا للقومية الإثيوبية, وتحول كل احتفال ديني مثل أل ” مسقل ” ( عيد الصليب ) إلى مناسبة لإشهار الروح الوطنية الإثيوبية, وصارت كاتدرائيات المدن وكنائس القرى والأديرة تزين بالأعلام الإثيوبية, وأخذت الوعظ والصلوات طابعا ومغزى سياسيا…..,.) ومن الوحدويين مع إثيوبيا من قاموا بتقديم عرائض تطالب الإدارة البريطانية بحل حزب الرابطة الإسلامية بحجة أنهم جماعات من العوام الرعاة وارحل دفعوا إليه لأسباب دينية محضة).
وفي عام 1943 ظهرت حركة شعبية قوية أطلق عليها الوحدويون العملاء “الحركة الانفصالية” انطلقت من أكلي جوزاي” بزعامة ديجازماش تسما أسبروم , هدفها وحدة إرتريا وتجراي في بلد مستقل, ولتحقيق ذلك سعت الحركة إلى جمع تواقيع وهمية في جريدة ” الأسبوعية الناطقة باسم ” مكتب المعلومات البريطاني” والتي كان يرأس تحريرها الراحل والدآب ولدماريام أحد كبار منظري حركة تجراي تجرنية .
وفي سنة 1947 كونت هذه الحركة تحت شعار “إرتريا للإرتريين ” حزبا أطلقت عليه الحزب التقدمي الحر” برئاسة ولدآب ولدماريام . وبالرغم من الشعارات التوسعية التي نادي بها هذا الحزب إلا أنه شكل تحديا كبيراُ لإثيوبيا وأداتها العميلة الأندنت وذلك لكونه يمثل قطاعات واسعة من السكان, ولتوافقه بل واتفاقه مع الرابطة الإسلامية على الثوابت الوطنية والتي تأتي وحدة إرتريا والاستقلال التام على رأسها.
وكاءجراء على هذه التطورات المتلاحقة والتي عكست التطلعات القومية المكبوتة من أجل تقرير المصير, قام رئيس أساقفة الكنيسة باء يعاز من إثيوبيا بحرمان المسيحيين الإرتريين بمن فيهم القسيسين والرهبان من حقوقهم الكنسية ما لم يذعنوا الآراء حزب الوحدة , رافق ذلك حملة إرهاب واسعة النطاق دلت على أن حزب الوحدة ما هو إلا حزب أقلية مأجورة, مما يدفعه ذلك إلى اللجوء إلى الإرهاب,
أما على الجانب الأخر فقد جاءت ردة الفعل نتيجة الإرهاب الذي نشأ في إرتريا بهدف دفع الناس إلى تأييد الإتحاد مع إثيوبيا والممارسات الدنيئة للقوى العميلة, ببروز حزب الرابطة الإسلامية بأغلبيته المسلمة في مواجهة حزب الأندنت ذي الأغلبية المسحية, لم تكن الرابطة الإسلامية حزباُ دينياُ يدعو لقيام نظام حكم إسلامي, كما قد يعتقد البعض من تسميته, إنما كان حزباُ سياسياُ وطنياُ يدعو إلى قيام دولة إرترية موحدة ومستقلة. وإزاء هذه التطورات الخطيرة لم يكن أمام القوى الوطنية الفاعلة إلا توحيد جهودها وتدارك الشرخ الذي أحدثته العناصر المأجورة والوقوف صفاُ ضد كل القوى التي تستهدف المشروع الوطني ,فأثمرت الجهود عن ظهور الكتلة الاستقلالية بزعامة الزعيم الوطني الكبير مؤسس الرابطة الإسلامية الشهيد إبراهيم سلطان علي , وقد ظهر في تلك التجربة الوحدوية الرغبة الحقيقية لشعب الإرتري إذ أن معظم العناصر الذي كان قد غرر بها أدركت حجم الكارثة وسرعان ما انضمت إلى المشروع الوطني لتصبح بذلك عدد الأحزاب والجمعيات المنضوية تحت المشروع الوطني ثمانية حزب وجمعية مقابل الحزب العميل الوحيد وهي :
1- الرابطة الإسلامية
2- الحزب التقدمي الحر
3- حزب إرتريا الجديدة
4- الجمعية الإرترية الإيطالية
5- حزب المحاربين القدماء
6- حزب المثقفين
7- الحزب الوطني
8- حزب إرتريا المستقلة
ومع ذلك زادت المواجهة بين الحزبين المتنافسين من حدة الاستقطاب الطائفي في المجتمع, والذي جاء مصحوباُ بعنف دموي من تدبير وتغذية المخابرات الإثيوبية ضد دعاة الاستقلال, يحدث لأول مرة في التاريخ الإرتري, وقد استخدمت فيه المخابرات الإثيوبية عملاء لها محليين وآخرين متسللين من الأقاليم الإثيوبية المجاورة وقد راح ضحيته عدد من رموز الاستقلال معظمهم من المسلمين, فكانت النتيجة حدوث شرخ عميق أصاب في الصميم الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي للشعب الواحد, ومن ثم وقوع إرتريا تحت الاحتلال الإثيوبي الذي يعد بكل المقاييس من مخلفات القرون الوسطى.
ومن ذلك الحين , أخذت الآثار المدمرة لأحداث تلك الحقبة من تاريخنا وانعكاساتها السالبة تلقي بظلالها القاتمة على العلاقات بين المسيحيين والمسلمين, بل وامتدت تلك الآثار حتى فترة الكفاح المسلح , حيث وفرت للاحتلال وعملائه مناخاُ مواتياُ لتفريخ المؤامرات ضد وحدة الشعب الإرتري وثورته المسلحة في أصعب الظروف التي كان يمر بها , كما زادت من تشدد مواقف المتطرفين ولا شك في أن توجهات إسياس أفورقي الشوفينية الحالية, ومنذ أن كان قائدا للجبهة الشعبية في المدان , والتي أكد عليها نهجه ممارساته الاستفزازية للمسلمين الإرتريين, بعد أن أصبح حاكماُ مطلقاُ في دولة إرتريا المستقلة, قد عادت بذاكرة قطاع واسع من المسلمين إلى ذكريات ذلك الماضي المؤلمة.
كيف كانت الحياة في مناطق المنخفضات قبل الانضمام ؟
وفي المنخفضات نستطيع أن نقرر الحقائق التاريخية التالية:إن لكل مجموعة من المجموعات القبلية الإرترية هويتها التي تميزها عن الآخر, اكتسبتها من واقع محيطها الجغرافي بكل ما يحوي من تراث ثقافي. وتداخل عرقي وقبلي.استطاعت أن تخلق في هذا الإطار حالة من التجانس فيما بين أفرادها, مهما كان معتقدهم الديني, أو انتماؤهم القبلي. فسكان المنخفضات الإرترية مثلاُ يجسدون عبر تاريخهم الطويل حالة من التعايش السلمي في إطارهم الجغرافي. فكل الناطقين بلغة التجري من البني عامر و قبائل الحباب, والمنسع, المسيحيين منهم والمسلمين. والماريا, سكنوا في إطار جغرافي واحد مع الباريا, والبلين والكوناما بمختلف عقائدهم الدينية لآلاف السنين, وكونوا معاُ قوة متحالفة, ضد كل غزو خارجي, يستهدف مرابضهم, ومزارعهم من غير أن يعني هذا طبعا خلو حياتهم أحياناُ, وعلى فترات متباعدة تارة ,ومتقاربة تارة أخرى, كان شيء من التنازع, والتنافر في المراعي والمعابر, إلا أن ذلك سرعان ما كان يتلاشى باء يجاد حلول مرضية, تعيد الوضع الاجتماعي إلى سيرته الأولى, مما ولد عندهم في نهاية المطاف ثقافة واحدة مشتركة في حل مشكلاتهم الداخلية بشكل مسالم, ووحد بين مشاعرهم السياسية, والثقافية, ووثق من تألفهم الاجتماعي, وتداخلهم القبلي وقارب بين وسائل كسبهم الاقتصادي, وطرقة حياتهم المعيشية, وأعرفهم العشائرية.
وقبل انضمام إرتريا إلى إثيوبيا لم تكن الكوماندوس أي صلة بمناطق المنخفضات ( دقي متاحت) ولا أي طموح ولا توجد صلات قويه لا ثقافية ولا اقتصادية كانت لغة التفاهم بينهم في بعض الأحيان بالإشارات لعدم وجود لغة مشتركة ولا حتى مداخل عاطفية ولم نعيش تجربة كشعب واحد . كل واحد كانت له فواصله, برغم مايعتبر أقاليم أكلي قوزاي, وسراي , وحماسين هم أكثر الأقاليم الذي يتقاسم سكان المنخفضات لغتهم وديانتهم وثقافتهم معهم. ولكن زلت التعايش المتباعد بين المناطق تسبب في خلق بنية مختلفة كما أن واقع العزلة التي فرضتها الجغرافية والثقافة ساهمت في الخلافات الإرترية بالإضافة للويلات السياسة التي تعرض لها المنخفضات زادت اتساعا وعمقاُ بين الطرفين.
والمنخفضات يعيش محنة مستمرة منذ الخمسينات يقاتل فيها أعوان الاستعمار بكل إشكاليه وتكرر السيناريو عدة مرات قبل وبعد هزيمة إثيوبيا ويشعر بأن حمايته انتقلت إلى ناس لا نطمئن لهم ويشعر الآن إنه أصبح كمن استبدل السل بالإيدز كل ما رأينا تلك الوجوه التي ارتبطت بالسيناريو الاستعماري والمجازر البشعة, ومازلت تكذب وتضليل وتنشر شرورها, وأصبح التحدي الجديد له اكتشاف “المتآمرين” و”الخونة”و”العملاء” في صفوفه واقتلاعهم أو إقصائهم أو إبادتهم قبل أن يدخل معركته الحتمية مع من هزموهم لا بسبب قوتهم ولكن بسبب المتآمرين والخونة والعملاء في صفوفهم. كان الزمن يلعب لعبة ذكية مقصودة ومدروسة يعدل في حيات المنخفضات وتاريخها بمؤامرات طبخت على النار الهادئة مغلقة وأحيانا معلنة منذ زمن قديم وكانت الكوماندوس هي التي جلبت الضرر لمنطقة حينما استوطنت نساء الكوماندوس مناطقهم وزادت فيها نسبة محلات الخمور والدعارة وصارت معسكراتهم داخل احياءونا وأصبح يجول وسطهم السكر والفساد واجتماعات وندوات التي تحتوي على الفجور والرقص والغناء والحقد. وتمددت الحدود الإداري لمنطقة الحماسين في عصر حرقوت أباي نحو فلفل وسلمونا, وتمددت قوحاين هي الأخرى إلى ضواحي قندع في سمهر, وفتحت للحماسين فرع وسط بركه. وأصبحت تشكل فواصل في بين رغبة الناس ومعيشتهم المتآلفة. وكانوا أهل العبث والنهب مع كل من حولهم. نزعوا حقوق الناس من أيديهم بتواطؤ مع التاج الإمبراطوري وأسرعوا الخراب في ديارنا وسهل اقتيادنا بعد أن اخترقوا صفوفنا وتم الانحطاط حتى أصاب معظم بيوت المسلمين.
أهل الهضبة الوسطى, كانوا منسجمين, يتحركون ككتلة واحدة , وكنا نرى في أعيادهم تتزين خيامهم بالعلم الإثيوبي, حتى الثور يلبس العلم الإثيوبي وهو يقتاد لذبح. كان ماضيهم مترسخ في دينهم, وإذا رجوت بالوطنية رجوت عبثاً, كانت قد تأزمت المسألة الوطنية بسبب مناصرتهم بشدة للثقافة الإثيوبية, كما أن العلائق العائلية الإثيوبية الإرترية التي أخرجت مركب لا نستطيع تبينه حتى الآن. وهو مركب يتألف من الثقافة الإثيوبية الذي تغلغلت في أعماق الثقافة الإرترية فاقتبسوا أساليبها وأخلاقها لهم, مما جعل الانتقال إلى الحياة الإرترية صعبة. أما عن أعيادنا الإسلامية المدارس لا تعطل رسمياُ ولا الأسواق لكن تتوقف على مضي احترام الشخص لدينه كان أمر صعب بدأنا نفقد فيه كل شيء تدرجياُ وأول ما فقدنها كانت اللغة العربية وتوالت الهزائم, أصبحت الحكومة تضع قيود على نشاط الديني لم يصلوا المسلمون في الدوائر الحكومية الصلات في وقتها ولا يملك الأوقاف الإرترية ما تملكوه وحدها كنيسة بزين كالمنطقة مقدسة معفاة من كل الضرائب والرسوم ولها أرض كبير وميزانية من الدولة تدعمها. وبعكس مناطقنا التي بدأت النشاط الديني يضيق فيها مع كل نظام حكم المنطقة بعد إيطاليا والإنجليز. وظهرت عند أفراد من المسلمين في بعض المناطق تغير أسماءهم وأخفوا دينهم لمعرفتهم بأن الذين يقعون خارج الدين المسيحي لا يستطيعون الحصول على مكان لهم في الحيات الإثيوبية إلا إذا اندمجوا كليا في الدين المسيحي, وكانت الكوماندوس هذا شرطها أساسي لالتحاق بها . إلا أن نسبة هؤلاء المكرهين قليلة إذا ما قورنت بغالبية المتشبثة بدينها ومتحفظة بتماسك حالها كحال البنيان المرصوص إلى يومنا هذا. وفي الخمسينيات امتدت في كل إرتريا أحياء سميت (حديش عدي ) في كل من أسمرا, وعدي خلا منطقة(دقي بخري), صنعفي منطقة( لعلاي أقروف ,وإندا داشيم) سقنيتي, منطقة(دقي طيغنا,حدقتي) عدي قيح,منطقة (عارت) دقمحري,منطقة( تدرر) و عيلابرعد منطقة(عنسبا لامطيلي تحتاي) وعرزا منطقة (دمبلاس, ومنطقة ميدري ودي صبرا ) ,جندع , كرن , مندفرا , أغوردات أما مصوع كان نصيبها (حديش ألم )أسماء ترمز لعصر الخيانة والتواطؤ الإثيوبي.
ومن الشمال بيلول وحتى مصوع تنتشر قبائل الدناكل وهناك حوالي عشر قرى رئيسية على امتداد الساحل يحكمها شيوخ وسلاطين هذه القبائل ويتصف سكانها بالشراسة من الصعب جداُ أن يقبلوا الهيمنة في منطقتهم بسبب طبيعة سكانها وخصوصيتهم القبلية أما منطقة الحباب(الساحل)وبركه كانت تخضع لنفوز الروحي والسياسي للدعوة الختمية وكنتباي الحباب ودقلل بني عامر وتدفع لهم الإتاوة وكانت نظرتهم السياسية لإرترية مختلفة مع أبناء المرتفعات تماماً.
والمنخفضات التي دشن فيه الحكام المستعمرون أزمات مفتوحة, هو الآن بدأ يتعرض للمرحلة الثالثة من الاعتداء التغرنة. لهذا نقول هل هذا هو الحق الذي ناضل له الشعب الإرتري؟ هل هذا هو الإنصاف ؟ هل هذا هو لصالح الإنسان الإرتري؟ وهناك حكمة وفلسفة صينية قديمة تقول الأمة العظيمة كالإنسان العظيم حين يرتكب خطأ يدركه وحين يدركه يتعرف به وحين يتعرف به يعمل على تصحيحه وبلاشك إننا كشعب إرتري نملك مقومات الأمة العظيمة ولكن الغياب التام لتقاليد الدولة والتسامح الوطني أصبح يعوق تبنى الخط الوطني الصحيح .لهذا يأتي حصادنا السياسي أقل بكثير من البذور الموضوعية التي نملكها.
ومع ذلك ظلت أرض المنخفضات محور نماء وتطور واستقرار للآلاف السنين وأرض الحباب وبركه وسنحيت وسمهر على وجه الخصوص لأنها تقع في ملتقى الطرق مع كثير من المناطق الإرترية وسهلة الوصول لولا غياب وسائل النقل منذ فجر التاريخ. ومع ذلك اشتهرت بالكم هائل من الشعر والقصص الشيقة والبطولات واشتهرت بأشياء من المقولات في تعامل والتوافق وتراحم والأخلاق ولأمانة والشهامة والمروءة وأعمال تراثية ضخمة فيها لذة فنية وثوابت اجتماعية تبهج كل زائر للمنطقة بوجهها الصافي وأنغامها وبطولتها وكرمها مكتفي ذاتياً وبارزا تكثر فيه مظاهر الحياة يعرف بأكثر المناطق الإرترية نمواً سكانياُ وجاذبا لأعداد هائلة من القبائل الإرترية بما تملك من مساحة واسعة من قرى وأرياف ومن أرض الصالحة للمراعي والزراعة وكانت معظم أرض المنخفضات قائمة على مبدأ القبلي تتمسك به من قديم العهد باستقلالها الداخلي وهذا بدوره أرسي قيماُ أخلاقية من بينها احترام الصغير للكبير ومراعاة الذوق والأدب في التصرفات, والسلوك المتحضر بين أفراد المجتمع ومحاولة كل فرد تحسين صورته بما يليق به أمام الناس, ومبدأ العيب,والحلال والحرام, مما أوجدوا عرف تحميهم من بعضهم البعض ومن عدو خارجي ,وكانت لهم كتاتيب لتعليم القرآن يتبعها الجميع ويلتزم بتعاليمها الدينية , وكان هذا الشيء الصحيح الذي ينبغي عليهم عمله لإفشال كل المحاولات التبثيرية.
التواطؤ والخيانة
أن عقلية التواطؤ والخيانة قد تأسـست في بدايات الأربعينات عندما أفشلنا مساءلة تقرير مصيرنا لعدم التنأي بالبلاد عن المأزق الديني, إن ضمير الشعب الإرتري لم يكن بالنقاء والصفاء الذي تمناه وما حذر منه صاحب النية الحسنة الفنان الكبير أتو أبرهام سجيد في أغنيته المشهورة التي تدعوا حينها الشعب بتمسك أرضاُ وشعباُ بتراب الإرتري ونبذ كل ما دونه وكانت أغنيته أكثر إرترية وارسخ وطنية بأسلوب واضح بشكل يثير الإعجاب الإرتري. ولكن تركيبة الشعب الإرتري لم تكن تتسع لكل طموحات التحرير المعلنة وبتأكيد كانت اعقد من أن تحل بغنية.
ما كان يريده حزب أندنت كان يختلف تماماً عن ما يريده المنخفضات وهذه التضارب في رؤية هو الذي يفسر فقدنا فيها استقلالنا لمدة خمسينا عام . ولم نتلمس الطريق الصحيح إلى يومنا هذا وعجزنا في خلق وقائع حسية وطنيه على أرضنا.
الملف الفدرالي كملف قديم مفتوح بيننا وهو ملف بالغ التعقيد وحافل بالقضايا الشائكة التي تجرنا مائة مره لأشـياء قلنا حولها الكثير وتعاملنا مع كل شيء يصلح لأن يكون أساسا لدوله ولكن فشلنا لرفضهم الشديد لفكرة استقلال إرتريا لم تكن مقنعة لطائفة الانضمام ولأسـباب عديدة ترجع لرواسب التاريخية و لتوازنات داخليه يرونها تخصهم وحدهم و تخص توتراتهم الخفية الشبيهة بقضايا الأثيوبية القديمة مع جيرانها مثل إحساس أقلية مسيحية تخاف أن تذوب وسط محيط إسلامي مما جعلها في حالة دفاع دائم .
وفي حقيقة الأمر فأن هذا الدفاع كان هو الهجوم على الآخرين وكما يقول هتلر فان الهجوم خير وسيلة للدفاع فأن الكل في منطقة المرتفعات كان يبني جيوشه وهو يحمل سوء النية المبطنة بالآخرين الكوماندوس ما بنيت وإلا في حقيقتها للهجوم على المسلمين فاستمرت الحرب في إرتريا تحت هذه الجدلية إلى ما لا نهاية ,كانت تتلاعب بالألفاظ وتعمل نقيضها حتى تمكنت أن تصادر حقوق تعود لشرائح كبيره من المجتمع الإرتري لصالحها. وكان هذا “الصراع” يدور بين هدفين متعارضين تماماُ بين أولئك الذين يريدون فرض سيطرتهم ,وبين يرفضونها وبين التاريخ الذي يفبركه دعاة السيطرة وبين الحقائق التاريخية التي يعرفها أولئك الذين يرفضون الخضوع للسيطرة , وأخيرا تفوق أولئك الحالمين بالإمبراطورية هيلي سيلاسي والساعين لفرضها على الشعب الإرتري مما تسبب في انطواء مرحلة من نضال الشعب الإرتري دون أن تثمر .
وإذا تفحصنا مسـيرة حزب أندنت سلوك أفراده جماعياً وفردياً سـوف نتعرف بأن موقفهم وقواعدهم الغير مقبولة ظلت كما هي لم تتبدل رغم الأحداث الذي استجدت من قبل إثـيوبيا في منتصف الخمسينات كانوا بنفس العقل وتفكير والعمل الذي جلبوا لنا به الاستعمار لم يتحرروا من الرؤيا المتمركزة على نفسها انتهى تكوينهم النفسي على اتجاه مناف لاستقلال بنو سمعتهم بتجاوزات على حقوق الآخرين وحددوا أهدافهم مسبقا.أن الشرط الأول لبقائهم بين الشعب الإرتري هو اتخاذ موقف متشدد خصوصاُ ضد أولئك المسلمين, ُوكانت الأكثرية الكبرى منهم مقتنعة تماماُ بإثيوبيا. يعرفوا أ نفسهم في تلك الأيام ( ذي برقت طحاينا وذي نقس نقوسنا ) بان كل شمس تشرق هي شمسهم وكل ملك يحكم مليكهم ,وكلما رزقوا بالأطفال يدقون على أوتار المستعمر ترويجاُ لأهدافه وتخليداُ لذكراهم منها أسماء مثل روما, والسا, وإثيوبيا ففي السابق لم تكن تخلو حارة من هذه الأسماء أما اليوم تذكرنا زمن تغلغل الاستعمار كيف كانت الحالة في البلاد وهذه الأسماء تنحدر من ثقافتهم تعكس ملامح حدث غير طبيعي تأثر به أفراد مجتمعهم.
في حين العالم يتجه بالأسماء منحي الحداثة نجد اليوم بينهم أسماء للمدن الإرترية, والحارات, والمعارك الحزينة. ومازال هذه الثقافة تنمو وبشكل مستمر بينهم. هكذا أصبحت أسماهم وكأنهم لم تكن لهم أسماء من قبل, إنهم يعرفوا فقط من أين تؤكل الكتف لا يعنيهم استقلال إرتريا في شيء, وأن مسألة ألاستقلال لا تتصل بحياتهم من قريب أو بعيد, وهذا يرجع إلى موروث ثقافة أكسوم الانتهازية, القمعية المليء بالتعصب الديني والتسلط والتصفية بالإضافة كونها بلد ذو كثافة سكانية عالية خلقت فيهم نوع من البشر سلب أفضل عناصره, يتصرف بثقافة 70 مليون بكثير من الفجور وقليل من الحياء كما ولدت عدد كبير من الانتهازيين الذين يأكلون يوم مع التاج الإمبراطوري ويوم مع اليمين ويوم مع اليسار وهذا طبيعي وملموس أن تري في بلد بربري متبلد الإحساس كا إثيوبيا يتفاخر شعبها بالنهب والقتل أن يفرخ مثل هؤلاء كنا نسمع قصص من الكبار حينما يتكلمون عنهم في مجالسهم عن مغانم الكوماندوس من ذهب والماشية سمعت أحدهم يقول: اليوم رأيت أحدى أفراد الكوماندوس يدعى قبرأب قريسوس الملقب ب(كندابا ) وهي اسم منطقة تقع في حماسين كان يتكلم بجرة في إحدى الحانات الرخيصة عن ساعة رومر الذي سرقها من إحدى القتلة عرضها للبيع على صاحبت الحانة علماُ تبدو لي إنها عضوه في التجسس كانت ترقص لهم بالعالم الإثيوبي ويطاردها الكثيرون تبيع ما تبق من ضميرها بثمن رخيص وأدركت الجان السرية للجبهة بأن هذه الشلة تتمتع بشهية كبيره للقتل ليس لهم وازع ديني أو أخلاقي وبعد أيام بث موتها الرعب في أوساط الكوماندوس . أما “كندابا” قتل بأيدي ( ولقايط ) و رمي في نهر نظراُ لسانه الطويل.
أما إعلان الكفاح المسلح من طرف واحد كان بداية لحرب ثابتة ,طويلة, عنيفة ودموية بيننا لم يضع هذا الاحتمال في البال خصوصاُ نعرف بأن في البلاد توجد سلطتان متنافستان وغير متكافأ أحدهم مازال يؤيد البقاء ضمني الوحدة مع إثيوبيا بقوة ويرى تفوق قواه سوف تحسم له كل شيء.ولقي ترحيباً جماهيرياُ كبيراُ في المرتفعات الإرترية. يروا سوف يقودهم هذا الأعمال نحو تحسين معيشة أبناء جلدتهم.
كان علينا أن نفكر كيف نتلافه من يعلنون أنفسهم أعداؤنا لكي لا يدفع المسلم الثمن الغالي وحده رغم علمنا كان ذلك صعب المنال لأنه بذور التوتر رسمته حزب أندنت مبكراُ وكانت دائماُ في وضع الاستعداد, تريد جرنا إلى مستنقع الحروب الدينية فأخذوا يرفضوا أرائنا واحتقروا أعمالنا الثورية وأنكروا حقوقنا مما جعل الأزمة التي كانت تختمر في السر منذ الخمسينات قابله على الانفجار والخمسينات كانت فترة النشاط إلا إنها تحولت فيما بعد بما يشبه صراع اجتماعي تمارسه أفراد وجماعات ضد بعضها لإثبات الوجود أو لإسقاط الأخر وأصبح الدين مسعى يستقطب فيه اهتمام الناس ووجدت أند نت صعوبة في التخلص من أخطائها ولم يعدم هذا الوضع من أفراد لهم مكانتهم و أدوارهم الاجتماعية ربطوا أهدافهم و تطورهم بأثيوبيا ولهم مصلحه من تفجر الأوضاع أمثال حرقوت أباي وتسفايوهانس برهي وأسفاها ولدي ميكائل, وزأرأماريام أزازي , وسلمون أبرها, ودجزماش/ قبر يوهنس تسفاماريام, وملأكي سلام ديمتروس ليحركوا الخيوط كما يشاءون ويرغبون . وآخرون أصحاب النيات الشريرة والخبيثة مثل القسيس قشي ديمطروس الذي حفر داخل عقولهم وكنائسهم التعصب الديني وكان يقول لهم إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاُ لا صلة له بالله وتخرجوا بنات المسلمين من حصونهم المحصنة بالإيمان وإفساد أخلاقهن ونصب شراك الرذيلة للمسلمين جميعاُ. كان ذلك في زمن, كانت فيه المرأة كاللؤلؤة المكنونة, وكالجوهرة المصونة, في البلاد وعلى وجه الخصوص كانت الحشمة والوقار رداء المرأة المسلمة وكان الحياء جمالها ولأخلاق زينتها في زمن لم نعرف فيه فنانه واحده مسلمة, قبل أن يتغير الحال.
هكذا ملأ القساوسة قلوبهم بالحقد الأعمى وأصبحوا يحيوا على كلامهم وكانوا يقولونا” إسلاماي مريت يبلون سماي عندي يبلون ” أي المسلم لا أرض له, كالسماء لا أعمدة لها” وأيضاُ يقولوا (بأن هيلي سيلاسي أتي عن طريق السماء ويلك يا مسلم) بمامعنا ويلكم يامسلمون ما ذا أنتم فاعلون قادم هيلي سيلاسي ليفجر الوضع علي رؤوسكم وكلنا نعلم من أين تنطلق هذه الأغاني وأية ثقافة تحمل لقد أوهموا بها المسيحي بأن هيلي سيلاسي هو مبعوث العناية الإلهية وجاء لإنقاذهم من محنهم, يعتقدون اختاره الله لهم ملكاُ للأمة فكان حقا عليهم تأييده وكان هذا الوهم هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ عند رجال الدين الإرتريون والمتواطئين مثل أبونا مارقوص بطريك الكنيسة القبطية في إرتريا والذي بدأ في آخر عام 1943 تقريباً يجمع توقيعات على (ملتمس) يطالب بالوحدة الفورية مع إثيوبيا و بذل نشاطاً عظيماً وسلك سبلاُ ملتوية ووسائل مشبوهة من الخطب الدينية والثقافة الإثيوبية من أجل التأثير على الرأي العام الإرتري وكان يقول لأتباعه من المسحيين إنه لا يرجو لهم الجنة وهي مراسيم مسيحية يقوم بها المسيحي باعتراف كامل بحضور كاهن خصوصاُ عند القرب من الموت وعليه يتلقي الوعد الأكيد بغفران أخطائه كما منعهم من دفن في مقابر الكنيسة القبطية ألا إذ التزموا بمشروع الانضمام إلى إثيوبيا.هكذا لعبت المخابرات الإثيوبية دورها بدهاء في تقسيم الشعب الإرتري على أساس عنصري ديني وكانت ترسل عملاءها إلى رموز المسيحيين الإرتريين,محملين بالهدايا من الأموال !
وحصل صدام مروع بين المسلمين والمسيحيين في مدينة أسمرا إثر قتل احد الجنود من القوة السودانية التابعة للقوات البريطانية , في شجار على مائدة قمار..فأطلقت المخابرات البريطانية جنود القوة السودانية في شوارع اسمرا. تقتل كل من يرفض ترديد الشهادتين”لا اله الاالله… محمد رسول الله “.. قتلوا 50 مسيحيا .. لولا أن احتوى مفتي اللأسلام, وبطريك الأرثوذكس الفتنة… وقاما بوضع أكاليل الزهور على القبور الضحايا.. مسلمين ومسيحيين.. وخطبا في الناس:” أن القتلى جميعا شهداء للوطن الإرتري”
ونجح ضابط الاتصال الإثيوبي نقا هيلاسيلاسى, بنشاطه السياسي الخفي وسط رموز المسيحيين في إنشاء :” حزب الاتحاد مع إثيوبيا ” وشعاره : الإتحاد مع إثيوبيا ( إثيوبيا أو موت) وظهرت عدة أحزاب صغيرة وكبيرة , ثم اشتعلت الاتهامات المتبادلة بين حزب الإتحاد مع إثيوبيا والكتلة الاستقلالية , وعبروا عن ذلك بالمظاهرات والمنشورات والصحف والندوات وأحيانا بالعنف وهناك ما يؤسس الاعتقاد بأن قتلة الزعيم عبد القادر كبيري هم عملاء أرسلتهم حكومة أديس أبابا وبمباركة حزب الإتحاد العميل. وكانت لوفاته وقع غير عادي في نفوس المسلمين وبدأت تتأجج مشاعر الحقد والكراهية لهؤلاء القوم.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6420
أحدث النعليقات