الدور الإريتري المساند للحوثيين
بقلم: يوسف عبدالرحمن
y.abdul@alanba.com.kw
احتلت إريتريا من إيطاليا خلال الفترة من 1890 الى 1941، ثم وضعت تحت الانتداب البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1941 ـ 1952)، ثم ربطت بإثيوبيا في اتحاد فيدرالي استمر من العام 1952 حتى العام 1961 بعد ان اعلن الشعب الاريتري ثورته المسلحة من اجل الحرية والاستقلال بقيادة مفجر الثورة الاريترية القائد البطل حامد ادريس عواتي، وفي العام 1991 تم استفتاء شعبي اشرفت عليه الامم المتحدة للاستقلال عن اثيوبيا بعد ان قدم الشعب الاريتري كواكب من الشهداء مهرا لاستقلال بلدهم عن اثيوبيا ولتحتل الجبهة الشعبية مقدرات اريتريا ويعتلي الحكم الرئيس اسياس افورقي في العام 1993، رغم ان باحثين من الايطاليين والبريطانيين نسبوا اريتريا الى امة العرب والاسلام لطبيعتها، وسواء اتفقنا أو اختلفنا معهم تبقى اريتريا عربية لوجود المهاجرين الاوائل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين تزاوجوا مع الاريتريين وتكاثروا وساهموا في نشر الاسلام ولعبوا دورا في نشر اللغة العربية واصبحوا جزءا من الشعب الاريتري ولهم قبورهم وشواهدهم.
لقد ركز المؤرخون العرب، كما ذكر الباحث الاريتري محمد سعيد ناود في كتابه «عمق العلاقات العربية الاريترية»، على هجرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يوم هجرتهم الى الحبشة مرورا بالأراضي الاريترية.
واليوم يشهد العالم تحالفا جديدا تقوده المملكة العربية السعودية وركائزه دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والمغرب والاردن، غير ان هناك «دورا خفيا لاريتريا» أقدمه كباحث ومتابع للشأن الاريتري منذ السبعينيات وحتى اليوم، وسأحاول ان افتح «النافذة الاريترية» التي حاول النظام التعتيم عليها كي يمارس دوره الخفي، وسأتقيد بالربط والتحليل من خلال رؤية تحليلية تقويمية متضمنة ابرز المعايب والمثالب التي حاول النظام الاريتري اخفاءها وفق سياسته في تكميم الافواه ومصادرة الحريات، ولهذا كله هناك دور قادم لا محالة للاتحادات والجمعيات والروابط المهنية للنهوض ببعض الأدوار الغائبة.
ومن أولويات العمل اراها في توجيه الجاليات الإريترية في العالم لممارسة دور وطني جديد ضاغط على النظام وهم بإمكانيات مادية وتعليمية جيدة ولهم دور داعم للاقتصاد الاريتري وأقصد اموال الإريتريين في الخارج وضمان استثمارها في إريتريا، وسد الفجوة ما بين هذه الجاليات والحزب الحاكم وبدء برامج عودة اللاجئين في المحيط الاريتري للوطن وتفعيل أدوار منظمات المجتمع المدني لرفع الوعي السياسي ومن خلال تأصيل أدوار الآباء والأمهات الاريتريين الذين طرحوا خلافاتهم السياسية جانبا ودافعوا عن وحدة بلادهم من الإثيوبيين وغيرهم وخاضوا نضالا من أجل الاستقلال هو في جوهره نضال من أجل التاريخ وإريتريا الموحدة حفاظا على هويتهم ووحدتهم وشعارهم دائما «لن ننفصل».
لقد ادار اسياس افورقي كل انواع الصراع ما بين بلده اريتريا والدول المجاورة وفق سياسة «كبش نطاح»، والكل يذكر تحرشاته الحدودية مع الدول المجاورة وحتى احتلاله لجزر «حنيش اليمنية»، وايضا دوره المشبوه في ابعاد اريتريا عن محيطها العربي والاسلامي وجعلها بوابة التنصير للقارة الافريقية بفتح ابوابها للتجمعات الكنسية ومنع التجمعات الاسلامية من ممارسة الدور نفسه، سواء كان في جانب الدعوة او العمل الخيري.
للاسف ايضا لعبت الجامعة العربية دورا متخاذلا حين استجابت لدعوة اسياس افورقي واعطته هذا الحق دون اي جهد او متابعة او ممارسة ضغط عليه وعلى نظامه، فعاث فسادا وأبحر باتجاه الكيان الاسرائيلي وعزّز الوجود الايراني في جزره والتي تشكل عمقا عربيا استراتيجيا لكونها تطل على البحر الاحمر، وهذه البوابة الجنوبية هي في حقيقة الامر رئة مضيق باب المندب وهي حلقة الاتصال الحضاري بين افريقيا وشبه الجزيرة العربية.
كل التقارير تؤكد ان اريتريا اليوم للاسف الشديد اعطت ايران واسرائيل والحوثيين «ملاذا» آمنا ضد «عاصفة الحزم» التي تقودها المملكة العربية السعودية.
وبحسب المعلومات المتطابقة، ظلت اريتريا خلال السنوات الثلاث الماضية تعطي اليهود والايرانيين الفرصة كي يحتموا بالجزر الاريترية ويخزنوا اسلحتهم وذخائرهم ويتدربوا على أراضيها غير المرصودة تمهيدا لجعلها بوابة التغيير للسيطرة على اليمن وما جاوره من دول بما فيها المملكة العربية السعودية التي وعت الدرس وبدأت «عاصفة الحزم» بكل الايمان والثبات لأنها على حق ومنصورة بإذن الله، وجميع الشواهد تثبت ان قرارها صائب في عودة الشرعية إلى اليمن التعيس.
والسؤال الذي أسمعه هنا وهناك: لماذا تدعم اريتريا الحوثيين؟
وتشير مصادر عدة الى ارتباط أسياس أفورقي ونظامه بعلاقات وطيدة مع إيران خاصة بعد العزلة التي بات يعانيها النظام الإريتري الذي حول اريتريا الى سجن كبير ومنع الحريات وصادرها، وتفيد بعض التقارير بأن إسرائيل لعبت دورا كبيرا في عقد جلسات تقارب ما بين الوفود الإيرانية والإريترية لمواجهة الضغوط العربية والفلسطينية ووجدت ايران فرصتها التاريخية من خلال اريتريا التي استطاعت ان توفر لها ممرا ملاحيا منذ عام 2008 حين أعلن افورقي في خطابه بالعاصمة طهران موافقته لإيران لإقامة قواعد لها في منطقة القرن الأفريقي من خلال الجزر الاريترية. وتجدر الإشارة هنا الى السفينة الايرانية (جيهان) التي ضبطت قبل أشهر وعلى متنها أسلحة وعتاد حربي إيراني. وبلغ مجموع ما تمت مصادرته 2000 بندقية آلية و150 الف طلقة آلية، و200 رشاش، و100 ألف طلقة رشاش، و150 مدفع هاون 82 مل، و150 الف قذيفة هاون، و200 قاذف بازوكا، و5000 قذيفة أر. بي.جي.
وزاد الوجود الإيراني داخل اريتريا عندما أعطى اسياس افورقي أوامره بإبرام اتفاق «أسمرة ـ طهران» بعقد صفقة نفطية تقوم بموجبها ايران بالحق الحصري على تطوير وصيانة وتكرير النفط الاريتري خاصة في «مصفاة عصب» وإعادة تصديره الى ايران التي تستورده وتسوقه من خلال بيع نفطها وجعله مخزونا استراتيجيا في حال فرض اي حظر على توريد مشتقات النفط الى ايران.
قوات إيرانية في الجزر الإريترية
وبعد هذا الانفتاح الاقتصادي تقول التقارير ان الحرس الثوري بدأ إرسال قواته الى الجزر الاريترية وأراضيها لحماية المصافي النفطية، ما ساعد إيران على نصب قواعد صواريخ ساحلية ومخازن ضخمة للسلاح والذخيرة، حيث تؤكد مصادر عربية وأميركية انها تساعد الحوثيين من خلال اريتريا وهي متواجدة على امتداد أرخبيل دهلك وميناء عصب الاستراتيجي وهي الآن على بعد كيلومترات من مضيق باب المندب وخليج عدن. وتفيد معلومات غربية بأن ايران اليوم تعتبر اريتريا أبرز قواعدها، وقد عملت خلال السنوات الماضية منذ 2008 على تعزيز تواجدها من خلال قيادة «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري وتولّي مهام تدريبية مع الحرس الثوري لكل القوى المساندة لإيران، وتؤكد ان هناك مئات من ضباط البحرية والخبراء العسكريين في الحرس الثوري قاموا خلال السنوات الماضية بنصب قواعد صواريخ متوسطة وقصيرة المدى لاستهداف الطائرات والآليات المضادة لتواجدهم، ونقلت جريدة الشرق الأوسط ان تدريب الحوثيين يتم في الأراضي الإريتيرية وتحت علم حكومة إريتريا، وهناك سماسرة سلاح يهربون وينقلون هذه الأسلحة إلى محافظة صعدة التي تحت سيطرة الحوثيين.
كما أن وكالة ستراتفور الأميركية الاستخبارية قالت ان ايران تقدم أسلحة ومعدات للحوثيين وتقوم بنقل أسلحة وعناصر من جنسيات مختلفة منها عربية الى صعدة اليمنية لدعم الحوثيين عبر ميناء عصب والتفافا على بحر العرب وصولا الى خليج عدن.
وتقول ايضا صحيفة «معاريف» الإسرائيلية ان الحرس الثوري الإيراني أقام قاعدة بحرية في قطاع صحراوي منعزل في شمال اريتريا بالقرب من الحدود مع جيبوتي.
لقد ابتعدت اريتريا عن محيطها نتيجة العزلة المفروضة من جيرانها الأفارقة والعرب ومن الولايات المتحدة الأميركية التي دعمت المجموعات الإسلامية في الصومال بحثا عن التحالف والدعم الجديد لتواجدها وإيقاف مساعدتها عن الاتحاد الافريقي عام 2004.
إذن القصة اقتصادية بحتة رغم التفات الجامعة العربية لضرورة عودة اريتريا وإعطائها صفة العضو المراقب في الجامعة عام 2011.
العرب وإريتريا
هناك سؤال أسمعه في وسائل الإعلام المختلفة يبدأ بكيف يستعيد العرب اريتريا؟
من يعرف ويتابع الأوضاع الإريترية يعي تماما انه أمام بلد مستباح خاصة من الكيان الإسرائيلي، وذلك بسبب العزلة الاريترية التي فرضها الرئيس اسياس أفورقي ورفضه الانضمام للدول العربية رغم ان اللغة العربية هي احد المكونات الرئيسية لبلاده وان اكثر من 70% من شعبه يطالبون بالانضمام للأمة العربية والانتماء الإسلامي ورفض اللغة التجرينية التي فرضها لهدم اللغة العربية.
ان الراصد للتاريخ الاريتري والواقع السياسي الحالي الذي يقوده الرئيس اسياس افورقي لم يستفد من تجربة الاريتريين الطويلة كونهم هم قلب الهجرات والحضارات والثقافات الدينية الوافدة من الشرق العربي والمحيط الافريقي ودخول الديانات في وقت مبكر، ما جعل اريتريا علامة بارزة بين الدول لانها بالأساس إرث ممالك وحضارات وآثار، وهناك الكثير من هذه الآثار والحضارات تحت الأرض، التي لم تتح الفرصة لاستخراج كنوزها الدفينة. وإريتريا بحاجة اليوم الى نظام سياسي منفتح يستوعب الداخل والخارج ويعرف اريتريا الغنية بثرواتها وخلفيتها التاريخية وازالة رواسب الحساسيات الكامنة في اعماق بعض النفوس والتأكيد على وحدة الشعب الاريتري وازالة الفكرة الخاطئة عن انتساب المسلمين فقط للجذور العربية دون المسيحيين، فالمسلمون والمسيحيون من أصول واحدة.
ان «عاصفة الحزم» هي الأداة المهيئة حاليا «لمحو» الأثر الإيراني على الأرض الإريترية لأنهم يتمركزون في أراض معروفة فيها، وأولى مهمات هذا التحالف العربي هي إزالة التواجد الإيراني ـ الإسرائيلي، الذي يهدد الأمن القومي العربي، ومطلوب ان تتحرك البوصلة الى تلك السواحل، لأن وجود هذه القوات المعادية بكل تسليحاتها المختلفة يشكل دعما مهما للحوثيين ويستهدف اليمن وبالتالي دول الجوار، وقالت الأخبار الواردة من اليمن ان الحوثيين عندما سيطروا على العاصمة صنعاء أطلقوا سراح سجناء إيرانيين وهذا دليل على عمق العلاقة بين الحوثيين وإيران.
وفي تقرير نشرته جريدة الاخبار المقربة من حزب الله بتاريخ الاربعاء 8 أبريل 2015 العدد 2561 تقول فيه استنادا لتقرير من مركز ستراتفور للدراسات الامنية والاستراتيجية ما يلي:
اما ايران واسرائيل فلهما مصلحة شديدة بالانتشار في هذه المنطقة، وبحسب تقرير صدر عن مركز «ستراتفور» للدراسات الامنية والاستراتيجية عام 2012 فإن لكل من الدولتين حضورا عسكريا في اريتريا، فلإسرائيل وحدات بحرية صغيرة في أرخبيل دهلك وميناء مصوع، ومركز للتنصت في جبال أمبا سويرا.
من جهتها، وقعت طهران استنادا الى التقرير، اتفاقا مع إريتريا تحتفظ بموجبه ايران بقوة عسكرية في أساب، والسبب الرسمي هو حماية المصافي التي توجد في تلك المنطقة.
لقد خزنت ايران مخازن هائلة من الأسلحة والإمدادات اللوجستية على مدار سنوات لدعم الحوثيين أمام قوات التحالف العربي مما يعني أهمية وجود البوارج الحربية وقطاع سلاح الطيران والقوات البرية وهو الخيار الذي يحسم التواجد الأجنبي في اريتريا العربية ويطهر جزرها المحتلة، خاصة ان ايران باتت خائفة جدا على نفوذها في سورية، لذا فكرت بجدية في نقل هذا الثقل والنفوذ إلى مناطق اليمن مستغلة العلاقات التي تربطها بالنظام الإريتري، وفي حين تنفي طهران مرارا تدخلها في البحرين والعراق وسورية ولبنان وأيضا اليمن! دعا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إيران لأول مرة الى احترام سيادة بلاده.
مصدر المقال : الانباء الكويتية
اقراء المقال من المصدر الاصلى
http://www.alanba.co/kottab/youssuf-abdulrahman/553542/24-04-2015
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=34308
أحدث النعليقات