الرقص مع الذئا ب !؟
عمر جابر عمر
لى صديق أسترالى يعمل فى أحد مراكز الأبحاث ومتابع للشأ ن الأرترى وعلى دراية بطبيعة النظام وسياساته وجرائمه. ولكنه – بما أنه ليس أرتريا –
لا يعرف تركيبة الشخصية الأرترية ومكوناتها وخصوصياتها والموروثات التى تحكم أفعالها وحركتها. ذات يوم شاهد فى الفضائية الأرترية فرقة للغناء والرقص
وتعجب حين رأى كيف يرقص ويغنى هؤلاء الأرتريين وعلى وجوههم الأبتسا مات وتبدو عليهم مظاهر الفرح والبهجة !؟ سأ لنى ما هو تفسير ذلك فى ظل الأوضاع
المأ سا وية التى يعيشها الشعب الأرترى ؟ أدركت مغزى سؤاله فقلت له : هل شاهدت تلفزيون ( بيونج يانج ) ؟ — هناك تشاهد أجمل وأروع العروض الفنية فى العالم يقوم بها المئا ت وعلى وجوههم ترى الفرح والسعادة وأنت تعرف كيف يعيش شعب كوريا الشمالية ! بل أن ذلك الشعب يعتقد أنه أكثر شعوب العالم سعادة لأنهم لا
يشاهدون فى التلفزيون الا مآسى وجرائم تحدث فى بقاع أخرى من العالم – أما عندهم فى كوريا ليحفظ الله لهم القائد وأبنه وأحفاده…!؟ ثم أقترحت عليه أن يسافر الى أرتريا ويحاول أن يجد أجابة لهذا السؤال ؟ وبالفعل أختفى صديقى فترة من الزمن ثم ظهر فجأة وأتصل بى قائلا : لقد وجدتها !؟ نسيت ما كا ن قد دار بيننا وسأ لته
بدهشة : ما هو ذلك الكنز الذى وجدت يا أرخميدس زمانك ؟ بعد أيام ألتقينا وحكى لى القصة كاملة وعلى لسانه أرويها دون زيادة أو نقصان :
التقى فى أرتريا بالفنانين — حضر حفلاتهم وأقام علاقات أجتماعية مع بعضهم وفى ذات يوم التقى بعدد منهم ودار الحديث التالى –
@ سؤال … هل ما يظهر على وجوهكم من تعبيرات وأبتسامات هو شعور حقيقى أم أنكم مجبرون على تمثيل ذلك الدور ؟
ولما كانت المجموعة قد وثقت بالرجل خاصة وأنه من أستراليا ( وما أدراك ما أستراليا بالنسبة للأرتريين ) قال أحدهم – أنت تعرف الممنوعات والمحرمات فى هذا البلد – الأنسان لا يمكن أن يعيش مقيدا ومكبلا وممنوعا عن الحركة والكلام – لا بد أن يكسر ذلك الحاجز دون ألتعرض للمخاطر …
أضاف آخر – الرقص هو ( التحرك ) الوحيد المسموح به ويمكن أن تمارسه من غير ترخيص والغناء هو أيضا فرصة تتيح لك ( الكلام ) وحتى الصراخ !
قال ثالث : أننا عمليا نمارس ( حريتنا ) والفرحة التى تراها على وجوهنا هى حقيقية … أنها ممارسة للحرية حتى وأن كانت محدودة بمساحة المسرح مكانا
ومدة العرض زمانا !
@ سؤال …لكن حتى القيادات السياسية تشترك معكم فى الرقص ؟ هؤلاء هم الجلادون والذين يعتقلونكم بل ويقتلونكم ؟ أنكم ترقصون مع ذئا ب بشرية ؟
جواب …نعم وكما يحدث فى السجون الكبيرة والدائمة فأ ن حرس السجن يشاركون المساجين ألعابهم الريا ضية وحفلاتهم – هؤلاء القادة ( معتقلون )
مثلنا فى السجن الكبير – أرتريا – بل أن وضعهم أسوأ لأنهم مطاردون من المجتمع الدولى ومحاصرون بقرارات تمنعهم من الحركة. نحن نستطيع الهرب
ولكنهم لا يستطيعون لأن كل ما يملكون ( عائلة – ممتلكات ) مرهون وكل منهم يراقب الآخر !
@ سؤال … وماذا سيحدث بعد هروبكم ؟ هل سيتوقف برنامج الغناء والرقص ومع من سترقص الذئا ب البشرية ؟
جواب – كلا سيتواصل البرنامج … ألم تشاهد برنامج ( شنقروا ) ؟ أنه البرنامج الوحيد الناجح فى الدولة – مهمته تفريخ جيل بعد جيل من الفنانين
حتى يستمر الغناء والرقص !؟
تنهد صديقى وأرسل آهة تعبر عن حيرته أكثر من ذى قبل – فقلت له : ألم تجد أجابة على سؤالك ؟ قال نعم ولكننى وجدت أسئلة جديدة لا جواب لها ؟
ثم بدأ يشرح قائلا – لقد حدثت فى أفريقيا جرائم كثيرة ( حروب وأبادة بشرية وتطهير عرقي وتعذيب وقتل ).. . جرائم يعترف المجتمع الدولى بأنها
ضد الأنسانية . لكن ما رأيته فى أرتريا هو شىء آخر تماما .. أنه أغتيال لأرادة شعب – مصادرة لذاكرته الجمعية – تزوير وتحريف لتاريخه – أستلاب
لقدراته العقلية وتحويل الفرد الى أنسان آلى ( روبوت ) متلقى يردد ويعكس صدى ما يصل الى سمعه وبصره. أنها مأساة أن ترى الفرد يسير وهو واقف ! يتكلم وهو ساكت – يعيش وهو ميت !؟
نعم عليه أن يقتنع أنه يقوم بكل تلك الأفعال ويمارسها رغم أنه لا يفعل شيئا !؟ تلك هى النسخة الأفريقية من التجربة الكورية الشمالية. وتصل المأساة ذروتها حين تعلم
أن ظاهرة الأستلاب تلك لا تتوقف عند مستويات الجنود والقيادات الوسطى بل تشمل قيادات عليا فى الدولة والحزب !؟ منتديات العاصمة أسمرا تتداول ( نكتة )
عن وزير عرف بولائه الشديد للرئيس … تقول الرواية : بينما كان الوزير فى مكتبه تلقى مكالمة من الرئيس وكانت تقف الى جانبه سكرتيرته – منذ اللحظة الأولى
بدأ الوزير يردد نعم .. نعم .. نعم …وقبل أن يقفل الخط قال .. لا !؟ ونظرت اليه السكرتيرة وهى فى حالة هلع وخوف وقالت : سيادة الوزير لقد قلت للرئيس لا ؟
لكن الوزير رسم أبتسامة عريضة على وجهه وقال : لقد سألنى الرئيس : هل تعبت من ترديد كلمة نعم – قلت لا !؟
فجأة سرحت بعيدا وأنا أسترجع قصة سمعتها من أحد الشباب الذين لجأوا الى أسرائيل فى حوار مع راديو ( أسنا ) – لم أشأ أن يشا ركنى صديقى فى سماع تفاصيلها
فمهما كان – عزتى وكبريائى كأرترى لم تسمح لى أن أرددها أمامه. يقول ذلك الأرترى أنهم كانوا خمسة وثمانون فردا كلهم من خلفية عسكرية أستوقفتهم عصابة
من الرشايدة – عددهم أثنان فقط ( نعم أثنان فقط ) واحد فقط يحمل رشاشا !؟ كانوا يأخذونهم واحدا واحدا ويضربونهم و أذا لم يتصلوا بأهلهم لطلب الفدية يقتلونهم !
بل – يضيف المتحدث – كنا نساعدهم فى تقييد الآخرين ويسأل نفسه اليوم : كنا نستطيع أن نلتهمهم ألتهاما ولكننا لم نفعل لأننا تربينا على الطاعة والخنوع والأستسلام
فقدنا الأرادة والقدرة على الفعل والمقاومة !؟ قاتلكم الله – جعلتم من شعب قاوم وهزم أكبر أمبراطورية أفريقية ملهاة لعصابات الرشايدة .
ويبدو أننى دون أن أشعر سقطت دمعة من عينى فلاحظ صديقى ذلك وقال : هل أنت بخير ؟ قلت نعم … نعم ربما كان بسبب الهواء البارد الذى تعرضت له ؟
قام صديقى ليودعنى وقال : ولكن ما يبعث على التفاؤل أنكم فى أرتريا ليس لديكم وراثة وتوريث كما هو الحال فى كوريا الشمالية ؟
قلت له – لا تذهب بعيدا فى التفاؤل – الوريث فى مرحلة الأعداد والأستعداد وحتى لو حدث طارىء هناك ( مجلس وصاية ) يقوم بالمهمة حتى يبلغ ولى العهد سن الرشد السياسى !؟
كان الله فى عون الشعب الأرترى
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=15930
أحدث النعليقات