السيادة الوطنية : بين قدسية المكان ..والولاء للسلطان !؟
عمر جابر عمر
وطنى لو شغلت بالخلد عنه … نازعتنى اليه فى الخلد نفسى
هكذا أنشد أمير الشعراء ( شوقى ) وتغنى بالوطن … لكن ماذا هو هذا ( الوطن )؟
هل هو الشجر والحجر أم الناس والبشر ؟ هل هو النهر والجبل والسهل أم الذكريات والأنتماء والأصل ؟ ما هو هذا ( الوطن ) الذى نتغنى به أذا رحلنا عنه ونقبل ترابه أذا وصلنا اليه
ونضحى من أجله أذا نادى المنادى؟ هل الوطن مأوى وعنوان أم ( قلب ) ينبض فى جسم أنسان؟ هل للمكان ( الوطن ) معنى بدون الأنسان ؟ يقول ( قيس بن الملوح ) فى حبيبته
( ليلى العامرية ) : أمر على الديار ديار ليلى … أقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبى …ولكن حب من سكن الديار
أذا فأن الأنسان هو المبتدأ وهو الغاية – هو الذى يعطى للمكان قدسيته ومحتواه وأسباب قيامه. منذ بدء الخليقة كان الأ نسان يبحث عن الأمن والأمان أولا ثم عن العيش والرفاهية ثانيا . أنسان الكهوف كان ( الكهف ) هو موطنه يحميه من الوحوش والمجهول … ثم عندما بدأت المجتمعات فى التكوين نشأت العلاقات والمصالح المشتركة والعمل الجماعى وبناء المجتمع المتكامل على بقعة من الأرض …الوطن.
فكرة ( الوطن ) ونظرية السيادة الوطنية مرت بتطورات تاريخية وجدليات فكرية على مر العقود … كان السائد أن الملك أو الحاكم المطلق يملك حق السيادة على الأرض وعلى من فيها من بشر …ثم تغيرت تلك المفاهيم وفى عام 1577 بداية بمساهمات المفكر الفرنسى ( جان بودان ) …وفى عام 1879 صدر أعلان حقوق الأنسان الذى نص على أن السيادة هى للأمة وأصبحت سلطة الحاكم مستمدة من الشعب . وظهرت تبعا لذلك فكرة الرقابة السياسية ( البرلمان ) والقضائية وفصلها عن السلطة التنفيذية.
ما هى الخلاصة ؟ مرتكزات وشروط السيادة الوطنية هى:
1- أن يقرر شعب ما بكامل أرادته تقرير مصيره فى موطنه …
2- تحديد وترسيم الحدود الجغرافية للدولة وتأكيد الأعتراف الدولى بها.
3- أن ينتخب الشعب ممثليه الذين يقومون بسن القوانين والتشريعات نيابة عنه.
4- أن يختا ر الشعب قياداته ( السلطة ) التى تدير شئون البلاد وترعى مصالحه.
5- أن يكون هناك قضاء مستقل يبسط العدل ويطبق القانون فى البلاد وفق دستور يقره الشعب .
6- أن يجد المواطن حقوقه كاملة فى التعبير عن رأيه والتنظيم وأختيار العمل والسفر…
أذا طبقنا المعايير السابقة على الوضع فى أرتريا سنصل الى نتيجة محددة :
منذ الأستقلال كانت السيادة الوطنية الأرترية ناقصة ومنقوصة !؟
ليس ذلك فحسب بل أن تلك السيادة أصبحت تتلاشى مع الأيام … الأرض ضاعت بعد أتفاقية الجزائر حيث أن جزءا من التراب الوطنى أصبح خارج سيطرة الدولة ( 25 كيلومتر) – للتاريخ فأن وزير خارجية أرتريا السابق ( هيلى درع ) رفض توقيع تلك الأتفاقية لكن دكتاتور أرتريا أصر على توقيعها لأن ما كان يهمه هو البقاء فى السلطة حتى مع السيادة المنقوصة! أذا أضافة الى ( بادمى ) فقدنا أرضا أخرى.
حرية الأنسان وكرامته هى التى تعطى معنى للوطن وسيادته – كل القيم يمكن أن تتبخر أذا لم يشعر الأنسان بعزته وأنتمائه الى تلك البقعة التى تسمى ( وطن ) – لذا فأن الدفاع اليوم عن ( سيادة الوطن ) هو فى حقيقة الأمر دفاع عن السلطان لأنك تدافع عن سيادة منقوصة والبديل هو أزاحة النظام حتى تكتمل تلك السيادة. الأرض لن تضيع ولكن الأ نسان يمكن أن يتم أستلابه وتغيير هويته وهذا ما يفعله النظام – وأذا ( ضاع ) الأنسان كيف يمكن أستعادة السيادة الوطنية ؟ الشتات الذى يعيشه الأرتريون فى بقاع العالم علامة من علامات ضياع تلك السيادة – أزدواجية الأنتماء التى يعانى منها الأرتريون خاصة الأجيال الجديدة تعكس عمق الجراح التى أ صابت الذاكرة الجمعية الأرترية. حتى الذكريات التى تربط الأنسان بالوطن أصبحت تختفى ويطويها النسيان والسلطان لايهمه من أمر الوطن وسيادته الا أن يسود هو ويبقى على الكرسى.الغريب أن من يصرخون ويلطمون الخدود ويشقون الجيوب على ضياع ( السيادة الوطنية ) ينسون ويتجاهلون الأنسان الأرترى وحاله ويتحدثون عن ( التراب) ؟ الأنسان الأرترى ضحى من أجل تحرير ذلك التراب ليعيش هو فى كرامة وعزة وحرية … أ ين كل ذلك ؟ أذا كان النظام الحالى قد سرق السلطة عنوة وغدرا كيف يمكن أن يكون مؤتمنا على سيادة الوطن ؟ ألا تكفيكم تجربة عقدين من الظلم والطغيان لتقنعكم بأنكم تصفقون لأ نتصارات وهمية فى حين أن الوطن يتبخر وسيادته تتآكل وشعبه يتبعثر وتؤيدون نظاما يخوض معاركا ( دون كيشوتية ) وسيأتى اليوم الذى سيترككم فيه فى العراء وستندمون سا عة لا يفيد الندم!؟
عندما قال ( لويس الرابع عشر ) فى فرنسا : أنا الدولة !! كان ذلك مفهوما فى ذلك الزمان
لكن أسياس أفورقى أكد ذلك كتابة – بعد أنتخابه رئيسا للدولة من قبل اللجنة المركزية للجبهة الشعبية كتب بنفسه صلاحيات الرئيس :
@ هو رئيس الدولة
@ هو رئيس مجلس الوزراء
@ هو القائد الأعلى للقوات المسلحة
@ هو رئيس المجلس الوطنى
@ هو القائد الأعلى للشرطة !
وأعطاها للمستشار لنشرها فى الجريدة الرسمية – لكن المستشار طلب منه فى حيا ء أسقاط الفقرة الأخيرة لأن الشرطة جزء من القوات المسلحة .. وقد كان !!
وتتحدثون عن سيادة وطنية ؟
مفوضية الدستور عملت لأكثر من عام فى أعداد دستور وقدمته الى أسياس ولكنه رمى به فى سلة المهملات فقط لأنه تضمن فقرة عن اللغة العربية …وتتحدثون عن سيادة وطنية ؟
لجنة أعداد قانون الأحزاب والتحول الديمقراطى أنهت أ عمالها وطلبت أجتماعا لمناقشة ماتوصلت اليه ..لكن الدكتاتور رفض .. وعندما نشرت اللجنة تقريرها فى الصحف .. تم أعتقال البعض وهرب البعض خارج البلاد .. وتتحدثون عن سيادة الوطن؟
عجبت لمن ناضل من أجل تحرير الوطن وضحى ثم نراه يصفق ويهلل للدكتاتور ؟
حسنا .. نصبوه ملكا .. أو ملك الملوك خاصة وأن المنصب أصبح شاغرا بعد رحيل القذافى! الملوك لا يتم أختيارهم وهو لا يحب الأ نتخابات – لتكن مملكته ( شمال بحرى ) أو ( رأس مدر ) لكن فى كل الأحوال ستكون ناقصة السيادة !؟ سيادة الوطن لا تكتمل الا برحيل الدكتاتور – المعادلة هى: لا سيادة مع الدكتاتورية – وكل السيادة مع الديمقراطية وحكم القا نون.
عندما يختار النا س حكامهم طواعية وبقناعاتهم ثم يحدث أعتداء على الوطن من الخارج
فأن الدفاع عن الوطن فى تلك الحالة يكون دفاعا عن النفس – عن الأختيار – عن الأرادة وليس عن السلطان – أما وأن على رأس السلطة مغتصب وسارق لها ومفرط فى سيادة الوطن ويقول ( أنا ربكم الأعلى ) فأن الدفاع هنا سيكون عن ذلك السلطان وبمعنى آخر سيكون ضد سيا دة الوطن !؟ أما ما نشاهده من مشاحنات ومبارزة بين النظامين الأ رترى والأثيوبى تارة بالكلام وتارة أخرى با لقتال فهو عبارة عن ( رقصة الأ فاعى ) ستنتهى بموت أحدهما ولا تتعلق بالسيادة الوطنية بقدر ما تتعلق بمحاولة كل منهما تأكيد سيطرته على شعبه وبسط نفوذه فى منطقة القرن الأفريقى.
سيبقى الوطن عزيزا شامخا كامل السيادة متى ما أستلم الشعب زمام الأمور وعادت الحرية وحكم القانون الى البلاد وأصبحت العدالة ملك الجميع.
أذا غاب أو تم تغييب دور الأنسان فى بنا ء الحياة وصياغة الحاضر ورسم المستقبل – أذا فقد الأ نسان حريته وعزته وخياراته – أذا أصبح الأنسان همه الأول البحث عن ( مكان ) يجدد فيه حياته ويبدأ مستقبلا واعدا – عندئذ يكون ذلك المكان ( الوطن ) مجرد ( معبد وثنى) يتعبد فيه الذين أ صابهم العمى السياسى والصمم العقلى ويقدمون فيه فروض الطاعة والولاء للسلطا ن !؟
كان الله فى عون الشعب الأرترى
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=22050
أحدث النعليقات