السيادة بين مطرقة الجهل وسندان التجاهل (3)

بقلم : عمر عبدالله 

Al.siyada@yahoo.com                       

     خلاصة مايمكن إستقاءه من حديثنا في الحلقة السابقة يتركز في أن السيادة لها قيمتان : الأولى (معنوية ثابتة بثبات أشواق الروح وتطلعلها نحو السيادة والكرامة والحرية والعدالة والوحدة والأخوة الحقيقية ) والثانية (قيمة مادية متغيرة بتغير رياح شهوة النفس وهوى الذات لسد جوعتها وإطفاء ظمأها المؤقت) ، وعليه توصلنا الى حقيقة أن القيم المادية لكونها متغيرة لا تصلح لإدارة وتنظيم حياة البشر المعنوية (الثابتة ، لنؤكد بذلك حقيقة أن قيم السيادة المعنوية هي محور وجود وحراك الإنسان بينما تتضح حقيقة أن القيم السيادة المادية تمثل المدارات المعدة لتنظيم حركة النفس في مسارات تمنعها من الخروج عن القواعد الأخلاقية الضابطة للسلوك العام للمجتمع ، وبالتالي فإن التجازب القائم بين المحور والمدار هو سر التواصل القائم بين المادة والمعنى أي بين القيم المادية والمعنوية وبين الجسد والروح الى درجة شعور كل واحد منهما بالآخر وإستجابته لرغباته وأشواقه الثابتة والمتغيرة ، وبالتالي ندرك من حيثيات هذا السرد أهمية قيم السيادة كنظام حياة وهيكل لتنظيم الحراك وحمايته من الإنحراف ، فالفرد إذن ليس لديه مرجع آخر يستمد منه قيمه (المادية والمعنوية) سوى إعترافه بسيادة الله العليا وإيمانه  بتساوي رتبة السيادة لدى البشر جميعاً وسيادتهم على غيرهم من المخلوقات ، ولذلك فإن الإنسان لا يستمد قيم الكرامة والسيادة والتنظيم والإدارة من قيم خضوعه لشروط عضويته وتبعيته لإطار تنظيمي ما أو لإمتلاكه نفوذاً أو رأس مال وإنما من كونه مخلوق له رسالة أخلاقية محددة من قبل الخالق، وبالتالي يكفي كونك بشر لتحظى بحقك من الكرامة والسيادة وعدالة التنظيم والإدارة والتوزيع للمكاسب.

     وإذا جئنا الى إطار الوعي الديمقراطي بالسيادة أو السلطة نجد أن التركيز يصب على القوة والغلبة لتشريع حق الإنسان في السلطة ، فلا أحد يملك سيادة أو سلطة إلا إذا كان يمثل الأغلبية ، وبالتالي من الطبيعي لنيل هذه القوة أن نرى من لا يؤمن بحق الشعب يسرع لإرتداء زي الترويج لشعار السلطة للشعب أوالسيادة للشعب ليمهد بذلك لنفسه طريقاً سالكاً نحو السلطة عبر آلية تفويض الشعب لقواه التنظيمية (السيادية والسياسية)، فهو لا يؤمن بحقوق غيره لكنه مجبر على التلون حسب اللون السائد لكي يبلغ هدفه كما فعل إسياس قبل الإنفصال بتنظيمه الطائفي ، وبالتالي لن يصعب علينا إذا تتبعنا مسار هذا الذيف إدراك أسباب عدم فصل ممثلي الأحزاب السياسيةعن ممثلي الشعب (الذين لا ينتمون لحزب سياسي) في البرلمان

كإجراء إنتهازي أُريد له أن يحفظ حقوق الطبقة الحاكمة على حساب تهميش حقوق المجتمع بأكمله ، وعليه ينادون بضرورة دمج السلطة السيادية والسياسية في كيان واحد وتشريع واحد وتنظيم واحد ، والهدف ليس كما يروجون بأنه لا يمكن فصل الجسد عن الروح بل لأنهم صَعُبَ عليهم فصل مميزات المكاسب المعنوية(السيادية) الإضافية عن مميزات المكاسب المادية(السياسية) التي أصبحت من حقهم من خلال سلطتهم السياسية ، بالإضافة الى ذلك فأن المميزات السيادية ستمنح النواب (ممثلي الأحزاب السياسية) حق الحصانة الديبلوماسية من الرقابة والمساءلة القانونية أثناء فترة حكمهم السياسي ، وهي ميزة يحرصون على التمتع بها لأنها تمنحهم حق التصرف والخروج عن القواعد الأخلاقية والدستورية المقيدة للجميع وفق سيادة القانون ، وبالتالي ندرك سبب رفض نواب الأحزاب لفكرة الفصل بين آليات التنظيم السيادي والسياسي كإطار تشريعي عادل ، ليبقى تشاؤلنا المشروع حتى متى نحن كإرتريين سنظل دوماً قيد الوصايا والقهر والخضوع لمصالح السياسيين دون إتخاذ موقف شجاع للمقاومة والدفاع عن مصالح الشعب الإرتري كإطار يشمل مصالحنا ، فما قيمة السيادة والكرامة والعدالة والوحدة والأخوة إذا كانت مجرد شعار لتمرير قيم غيرها تحت الطاولة ، وماقيمة نضالنا إن كنا دوماً سنستسلم لمن يخدعنا بشعاره ويخضعنا لنفوذه بصورة متجاوزة لسيادة شعبنا ولسلطته العادلة التي تمثل الحصن الآمن لسيادتنا وسلطتنا الغائبة.

    وعليه يجب أن نعلن بكل صراحة ووضوح بأن سيادة الشعب الإرتري وسلطته قيمة لا يمكن تجاوزها عند وضع الأساس لبناء الدولة وتنظيم الحراك وتأطيره ، ومن أجل ذلك نضع النقاط على الحروف ونقول بكل صدق وأمانة أن الخطوة الرئيسية الداعمة لهذا الإتجاه هو الإعتراف الرسمي بسيادة الله (مسلمين كنا أو مسيحيين) والخضوع الدائم لقوانينه الأخلاقية العامة كحق أخلاقي (تأريخي) نستمد من ميثاقه (أو عقده الإجتماعي) حقوقنا في السيادة التي قد تم تفعيلها من قبل الخالق (منذ اللحظة التي خلق فيها الإنسان) كأساس متين لأي معادلة تنظيمية لكيانه الحاضن له (الدولة) .

 أما الخطوة الثانية فهي رفضنا لسيادة الجزء على الكل (السيادة الأحادية) والبدء في إعتماد مبدأ السيادة الأفقية التي تساوي بين أفراد الشعب الإرتري الواحد وتضعهم جميعاً في مقام السيادة (الحاكم والمحكوم).

 والخطوة الثالثة تأتي لتشريع نظام الفصل بين السلطة السيادية والسياسية كقاعدة تنظيمية … والخطوة الرابعة تأسيس مؤتمر السيادة الوطنية على مستوى الأقاليم التسعة وإنتخاب مجالس السيادة الإقليمية التسعة ثم إقامة مؤتمر السيادة الفدرالية بعد ذلك من عضوية مؤتمرات السيادة الإقليمية وأخيراً إنتخاب مجلس السيادة الفدرالية من عضوية أمانة مجالس السيادة الأقليمية .

الخطوة الخامسة ضم كل من رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس المحكمة العليا والمحكمة الدستورية ورئيس هيئة أركان القوات المسلحة ورئيس جهاز الإستخبارات والأمن والشرطة الأمنية والبوليس ورئيس المجلس الوطني للصحافة ومحافظ بنك إرتريا المركزي الى عضوية مجلس السيادة الفدرالية لكونها مؤسسات سيادية لا ينتمي أفرادها الى عضوية الأحزاب السياسية  وبالتالي لا يمثل كيانها.

الخطوة السادسة إنشاء مكاتب فرعية لمجلس السيادة الفدرالية (مكاتب الرقابة الدستورية) وضمها للمستويات الإدارية  لهيكل المؤسسات التنظيمية المختلفة للدولة (الفدرالي والإقليمي) بالإضافة الى إنشاء مكاتب فرعية لمجلس السيادة الإقليمي.

الخطوة السابعة : إقامة مؤتمر السياسة الفدرالية وعضويته من ممثلي الحزاب السياسية المصعدة الى المؤتمر لشغل عضوية مجلس السياسة الفدرالية (المجلس الوطني) من عضوية كل الأحزاب المسجلة ، وتصعيد عشرة أحزاب من مجمل عضوية الأحزاب المشاركة في المؤتمر (عبر قرعة الإنتخاب الحر المباشر) الى عضوية مجلس الوزراء وتحديد الحزب الفائز برئاسة مجلس الوزراء بنسبة 1/10 وترتيب الأحزاب التسعة الأخرى المشاركة في عضوية المجلس لملئ المقاعد الشاغرة بنسبة الـ9/10.

الخطوة الثامنة : الفصل بين مهام مكاتب الرقابة الدستورية التابعة لمجلس السيادة الفدرالي وبين مهام مكاتب الرقابة الدستورية التابعة لمجلس السيادة الإقليمي ، فلا يجوز إنتماءها لرقابة هيكل إدارة مستوى لا تنتمي إليه ، فالرقابة الفدرالية تنتمي لهيكل إدارة المؤسسات الفدرالية العاملة في الإقاليم والمركز بينما الرقابة المحلية تنتمي لهيكل إدارة المؤسسات المتواجدة في الإقاليم التسعة .

ذلك أن مهام مكاتب الرقابة الدستورية هي مهام سيادية تقدم خدمات كبيرة للمجتمع من خلال ضبطها لإيقاع آليات إتخاذ القرار وآليات المصادقة على الإجراءات التفصيلية للمشروع أو الخطة أو الإتفاقية أو البرنامج التنفيذي المعد لجميع للمستويات التنظيمية المختلفة للدولة (المستوى الفدرالي والإقليمي).

  

الخطوة التاسعة : إنشاء مكاتب الغرفة الإستثمارية لدعم إقتصاد المجتمع وتفعيل الحق السيادي لرفع مستوى الإنتاج للأسر الفقيرة والأقاليم الفقيرة :

أولاً : دعم إقتصاد الأسر الفقيرة من خلال الخطوات الآتية:

1- إنشاء مكاتب الشراكة الإقتصادية بين الأسر الفقيرة والغنية.

2- ملئ إستمارة الدعم من قبل الأسر الفقيرة لتحديد حجم الدعم المطلوب ونوع الإستثمار وتحديد مكانه .

3- ملئ إستمارة الشراكة من قبل الأسر الغنية لتحديد قدراتها المالية ومدى رغبتها في زيادة دعمها خارج القسط العام الموضوع لجميع المستويات .

4- ربط الأسر الفقيرة بعد إستلامها المشروع بالبنك المركزي أو القريب منها لدفع الأقساط المستردة حسب دخلها الشهري .

ثانياً : دعم إقتصاد الأقاليم من خلال الآتي :

1- فتح نوافذ بحرية (موانئ) للأقاليم الداخلية (الغير مطلة على البحر الأحمر)

2-توزيع الثروة المعدنية والنفطية والصناعية والمائية والزراعية على الأقاليم

     فهل قرأ أحدكم من قبل مرجع أو كتاب أو مقال يتناول السيادة بهذا الوضوح والشرح الموضوعي لمفاصل الأدوار السيادية المستقلة عن الأدوار السياسية……؟ بالتاكيد لا..!!! لم نسمع بها  أو نقرأ عنها بهذا الأسلوب ولن ….!!!، لماذا ….؟؟؟ لأن تواكلنا على قدرات الغير(المجتمع الغربي السيد) قد عطلَّ قدراتنا وأشعرها بالعجز التام والرغبة الكاملة في إستنساخ ما ينتجه الرجل الأبيض (في جميع المجالات) ، فنحن أصبحنا كغثاء السيل لأننا نظن بأننا لم نخلق لنخترع أو نكتشف أو لنحدد خياراتنا بل لنسير وفق خيارات الآخرين وللتمتع بما يخترعونه ويكتشفونه ، وبنفس المستوى أصبحت أعيننا عندما تقع نظرتها على مثل هذا الإبحار الواعي في أغوار قيم السيادة الغائبة عنا كجهد إرتري خالص ، فإنها لن تتجاوب مع ما قرأته … وليس ذلك  إستدراكاً وتجاوزاً لجملة الأخطاء التي رأتها …!!! بل لأن مصدر هذا الوعي إرتري وليس غربي أي محلي وليس مستورد ، وللأسف الشديد أن نسبة هذه الشريحة من الإرتريين الخاضعة لهذا المنظار والمؤمنة بفعاليته تظداد يوماً بعد يوم ..!!!

ولعل ذلك ما حال ويحول دون تقدمنا في مجال العلم والتعلم والإجتهاد والتأمل ويجعلنا ننحرف عن مسار التقدم والتطور .

   ومن هنا يجب على الحادبين على مصلحة الوطن أن يدركوا حجم هذا الإستلاب الحضاري ومساحة الضعف والهوان الذي إلتف حولنا بمساراته التنظيمية ومحاوره الثقافية والفلسفية النابعة عن الوعي الناقص بقيم السيادة، ولعل الوجدان الإرتري الخاضع اليوم لقواعد هذا الإستلاب بحاجة الى دعم من الشريحة المستنيرة التي أدركت هذه الأبعاد وتسعى لرفع تأثير هذه الآليات التنظيمية التي تريد سلب إرادتنا وجعلنا مجرد أتباع لمنظومة الغرب الثقافية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية ، كما أنه (الوجدان الإرتري) بحاجة الى التأكيد بأن دور المجتمع لا يتوقف عند إنتخاب نواب الأحزاب( ليمارسوا عليه دور الأسياد بعد نزعهم لسيادته وإجباره للتنازل عنها) ، بل يتعدى ذلك الى إنتخاب نوابه الحقيقيين(ليمارسوا أدواره وينفذوا تعليماته وموجهاته وتطلعاته المصيرية والمعيشية) ، فمجلس السيادة (الفدرالي أو الإقليمي) هو الواجهة الرسمية لسيادة الشعب ولآليته التنفيذية التي بدونها يصبح الشعب بلا وعاء تنظيمي وبلا قواعد أخلاقية تحمي حقوقه في السيادة والكرامة والعدالة والوحدة والأخوة الحقيقية وتراعي العدالة في قسمة الثروة (البحرية والبرية) وقسمة ثروة الإنتاج والإستثمار الإرتري.

   وعندها سيدرك إنسان إرتريا النعمة التي أصبح يتقلب في أحضانها آمناً على حياته ومستقبله وعلى مصيره ومعيشته ،  فلاوجود بعد اليوم لدرجات مواطنة متفاوتة للإرتريين (درجة أولى وثانية وثالثة) لأن الجميع لآدم وآدم من تراب ، حتى الأجانب يجب أن يشعروا أنهم في وطنهم الأم إستحقاقاً لمميزات السيادة الإنسانية والمواطنة الحقيقية لكل البشر على أرض الله .

وكل عام وأنتم بخير وتمنياتنا لكل من ينتمي لإرتريا أن يحظى بحقوقه الكاملة في السيادة والكرامة والعدالة والوحدة والأخوة الحقيقية .

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17168

نشرت بواسطة في سبتمبر 4 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010