السيادية بين مطرقة الجهل وسندان التجاهل(6)
بقلم : عمر عبدالله
Al.siyada@yahoo.com
أَحِسبَ الذين مارسوا أسلوب التغييب والتهميش لمجتمعنا الإرتري(البسيط)،في فترة الكفاح المسلح لوجود فراغ تنظيمي حينها (الأمر) الذي مكنهم من تحقيق مرادهم ، أنَّ الكُرة اليوم (كالأمس)لازالت في ملعبهم ليعيدوا من خلالها عجلة الزمان للوراء ، فكيف بالله يحكمون ، وقد تغير كل شئ من حولهم ماعدا طريقة تفكيرهم وأسلوب تعاملهم الخاطئ مع مفردة الوطن والمواطن وحقوقه السيادية التي يرتضيها .
وهاهي الخطوة التأريخية التي إتخذها حامد إدريس عواتي (دون إستشارة أحد او توكيل شريحة بعينها) ، أصبحت تمثل المنعطف الأساس للتحول الذي حدث نحو الإستقلال الوطني (الذي تم تفريغه) ، كما ستصبح الخطوة التأريخية التي إتخذها الشباب (دون إستشارة أحد أو توكيل شريحة بعينها) المنعطف الأساس للتحول الذي سيحدث نحو الإستقلال (الحقيقي) من سياسة الإستعمار التنظيمي الهاضم لحقوق شرائح المجتمع الإرتري البسيط (صاحب الثقل السياسي تقديراً لنسبة تعداده الكبير).
ذلك أن المهام التاريخية ليست بحاجة الى إذن من أحد حتى تتحقق ، بل هي بحاجة الى عزيمة وإرادة فولازية مؤمنة بالخط الوطني الذي شقت طريقها عبره ،وأن الإرادة الإستعمارية التي وفدت من خارج البلاد وتطاولت على الكرامة الإرترية وتغولت على حقوقها الوطنية ،كانت الشرارة التي أشعلت الثورة ، وفجرت في دماء الشرفاء من أبناء شعبنا الأبي ، روح المواجهة والتضحية والفداء ، ودفعت افراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين(بقيادة عواتي )، الى توكيل أنفسهم بانفسهم للقيام بمهام تاريخية عجز غيرهم عن التصدي لها ذلك الحين ، بينما إكتفى القاعدون بتهويلها أو التقليل من شأنها ووصفها بالخارجة عن المعقول.
هي ذات الإرادة الإستعمارية المتخفية اليوم وراء ثياب وطنية والممسكة بزمام السلطة القمعية (داخل البلاد وخارجها)عبر آليات تنظيمية تقليدية … فكانت الشرارة التي أشعلت الثورة الشبابية ، وشحذت هممها ،كخطوة إستباقية لمرحلة إنتفاضة حقيقية يقودها الثوار من أجل إستعادة الحقوق الوطنية المغتصبة داخل أقبية الأنظمة التقليدية ، وهي الخطوة التاريخية التي إقتضتها المظالم الفادحة في حق الشعب الإرترية (ولايهم بعد ذلك معرفة هوية من مارس ذلك الظلم أو يمارسه اليوم سواء كان إرتري أو أجنبي) ، لأنه لايوجد مستعمر عادل وآخر ظالم، وعليه لا فكاك لنا من واقع الإمتلاك والسلب والإضهاد التنظيمي لإرادتنا الحرة إلا بتصحيح وجهة الحراك النضالي اليوم ليعمل من أجل إنقاذ السيادة الوطنية من وسائل تأميمها وإحتكارها لصالح نخبة أو فئة قليلة (سواء كانت إرترية أو أجنبية) لا تمثل سوى واجهة جديدة لعصر الإقطاع بإمتلاكها الحقوق السيادية (المخصصة لكل أفراد الشعب الإرتري) كإقطاعيات مخصصة لهم وحدهم بعد الإستقلال ليتقاسمونها ويتصارعون من أجلها ، وذلك حسب إعتقادهم الخاطئ فهمهم الناقص لقيم السيادة بعد تزييفها الذي تم من قبل المستعمر الذي عمم ثقافته الإقصائية (سيادة الإخضاع والسيطرة القسرية) كأساس لأي بناء تنظيمي على وجه الأرض…..وفرضهاعلى المجتمعات التي كانت خاضعة لنفوذها العسكري والسياسي والإقتصادي ، بل الأدهى والأعحب أن مجتمعات الغرب (السيد ذاته) وبأكملها خاضعت لنفس الآليات الإستعمارية المغلفة برتوش وأدوات تجميل الذكاء الصناعي لإخفاء ملامح الخدعة التنظيمية القابضة (بصورة غير شرعية) على زمام وأنفاس المجتمعات الجاهلة بأسرار هذه المعادلة القمعية بعد زر الرماد على أعينها كي لا ترى سوى مايعكسونه من آراء ونظريات براقة مستخدمة كشعار ترويجي يسلط الأضواء على آخر ماتوصل إليه إبداع العقل البشري المتحرر من سلطة الدين ورجالاته الرافضين لمبدأ العلم والعقل والفكر المتقدم الذي بلغوه ، ولكي لا تستيغظ الأمم من غفلتها عن الحقيقة قاموا بربط هذا التقدم بالتحلل من الدين والأخلاق الذي وصفوه بأنه يريد إعادتهم لمربع التخلف بتخليهم عن هذه النظرية التقليدية (الغير علمية).
وإلا .. لماذا .. أصبح المطلوب اليوم من الإنسان (الفرد أو المجتمع) لكي يتطور أن يتحلل من كل روابطه القديمة (الدين- الأخلاق- الأسرة أو القبيلة-السلطة) كأساس تنظيمي لقيام دولة ديمقراطية على أرضه ، ولماذا تم تصميمها بعاية حتى لا يتمتع بها (سوى) النخب السياسية الى جانب النخب الرأسمالية (الإرث الجدلي لمنطق الإحلال والإبدال الذي يؤمنون به !؟ أي إحلال النخب (المؤمنة بالعلمانية) محل رجال الدين ورجال البلاط الملكي في العصور الوسطى)…؟!، أين إذن الديمقراطية في ظل ضياع حق الشعب في السيادة داخل هذه المعادلة ..؟! ولماذا يتم تجاهل هذا الحق كلما تطرق الساسة الي الحديث عن السلطة والمجادلة حول إستحقاقاتها… !؟ ، هل يعني هذا أن قسمة السلطة (بكاملها) ستُمْنَح كحق حصري لمن يحكم …!؟ ولا نصيب مقتطع من هذه السلطة للمجتمع (المحكوم) ، إن كان ذلك كذلك فلا قيمة سنجنيها من وراء الإدعاء بضرورة فصل السلطات الثلاثة (التشريع والتنفيذ والقضاء) والتداول السلمي للسلطة طالما أن الحق المشروع الذي يستحقه الشعب بجدارة (حق السيادة) سينزع منه ، لتنكشف سر اللعبة وتسقط الأقنعة ، طالما أن من يؤمن بالعلمانية لايؤمن بأن السلطة في الواقع هي لمن يملك حق التفويض وليست لمن يتم تفويضه بصورة مؤقتة وصلاحيات محددة من قبل الأحزاب السياسية، وإن كانوا مصرون على إكمال مشوار الإدعاء(لهوى في نفوسهم) فلماذا لايؤمنون ويتفقون على ذلك الحق للشعب ..؟!. لماذا يأتي الإختلاف في إلحاق السيادة بمن يملك سلطة التفويض (أي الشعب) ، إن السيادة قيمة عليا كيف يصح منحها لمن لا يملك حق التفويض بينما يعقل نزعها ممن يملك هذا الحق (الشعب)، هل يعاني العلمانيون من ضعف النظر وضبابية الرؤية تمنعهم من رؤية الحقيقة بجلاء..؟؟؟ ، إن كان ذلك كذلك فلايصح إطلاق لقب سياسي على من تضيق أمامه قراءة التفاصيل اللازمة والتعرف على الحقوق الدامغة التي يستحقها الشعب ،إذ أن الجهل بها أو تجاهلها بهذا السلوك الغريب يقصيهم عن حقهم في التفويض.
ولهذا يجب أن نرسم ملامح جديدة للسيادة الوطنية التي تشوهت اليوم بفعل إنعكاسات الرؤية الناقصة المفتعلة من قبل المتصارعين لتمرير مبدأ تقاسم حقوق ومكاسب المجتمع الإرتري المستحقة (السيادية) ، أليست هذه هي سر الأزمة ومنبع جريان الخصومة والصراع بين الفرقاء (السياسيين) ، إن الواقع الجماهيري يبصم (بأصابعه العشرة) أنه لا وجود لأزمة سياسية بين أفراد المجتمع الإرتري البسيط الذي إنتفض بصدق لإزالة الوجود والثقافة الإستعمارية الناهضة لسلب حقوقها الشرعية في السيادة وبالتالي يمثل هذا الهدف لدى هذه الشريحة التي تمثل الغالبية العظمى للشعب الإرتري إجماعاً سياسياً يؤهلها لعقد وحدة وطنية حقيقية لا تعكر صفو التماسك والتعاطف والتكاتف الذي شعروا به في مرحلة الثورة عكس ما كانت عليه قيادات العمل الثوري ، ممايعني أن الأزمة كانت ولازالت محصورة داخل دائرة السياسيين وخاصةً من يؤمن منهم بالثقافة الأجنبية (الشيوعية – العلمانية)، ولعل إدارك هذه الحقيقة سيؤهلنا للإنتقال الى مربع تفعيل الإرادة الموجبة وليست السالبة ، أي تفعيل القوى الجماهيرية والشبابية المؤمنة بحقوقها الوطنية بعيداً عن ثقافة الإستلاب التي تدير معادلة الصراع السياسي وتجعل قياداته ملتصقة بخلفية مجتمعات أخرى لا تمت الى المجتمع الإرتري بصلة، وعليه متى ماتمكنا من إبعاد هذه الثقافة من منصة التوجيه ستفقد الأزمة مركز إدارتها وموضوع حراكها ، وستتحول من ثم الى مجرد إرث غربي يوضع على رفوف المكتبات لا علاقة له بمستقبل إرتريا، وهو الأمر الذي سيعيد المؤمنين به الى واقعهم الإرتري وسيساهم في منعهم من التبجح بصلاحيات هذا الفكر الغربي كموجه لحراكنا الوطني ،ذلك بالتأكيد ماسيحدث متى ماأدركوا أن الفكر الإرتري قادر على ملئ فراغه السياسي والثقافي والإجتماعي والإقتصادي بدون اللجؤ الى التسول أو الشعور بالنقص أمام المجتمعات المستلبة فكرياً (عبر هذا التوجه الحضاري (القمعي))، الذي وجدت الشعوب الغربية نفسها مزعنة لموجهاته بوحي وتأثير مباشر من آليات الضخ الإعلامي لهذا السلوك وبمباركة مثقفيها وعلمائها وقياداتها المتعلمة.
ذلك لأن الكنيسة الغربية التي سجلت تجاوزات خارج حدود صلاحياتها الدينية وباشرت صلاحيات سياسية قامعة لهؤلاء العلماء ومانعة إياهم عن السير في طريق التقدم العلمي المُدَعَّم بإختراعات أزهلت هؤلاء القساوسة الجهلة بعلوم الطبيعة والفيزياء والكيمياء والفلك …الخ ، هي التي تسببت في وجود هذا الفراغ التنظيمي (الأخلاقي)، ومن ثم عندما إمتلكت هذه النخبة (المتعلمة) مقود القيادة باشرت مهامها السياسية بوضعها لنظريات إنتقامية لاتمت الى العقل والمنطق بصلة ولا تعبر بحق عن التطبيقات العلمية المتطورة المواكبة لسنن الطبيعة وقوانينها التي إختبروا صحتها ومطابقتها مع الواقع الإجتماعي ،ذلك أنهم إعتقدوا أن الإعتراف بهذا الترابط بين سنن الله في الكون وسنن الله في الحياة الإنسانية سيمنح أعدائهم (القساوسة) مساحة جديدة لممارسة أدوار وصلاحيات موازية لأدوارهم وصلاحياتهم السياسية ، وهو الأمر الذي يرفضونه البتة نتيجة تجربتهم السابقة المميتة التي مروا بها وأودت بحياة علماء أفذاذ منهم ، ومن ثم جاءت نظرياتهم (تقليدية) لا تعبر عن روح التطبيقات العلمية للمفهوم الديمقراطي ، ومن ثم نراها وبوضوح لا تسعى لترجمة مبادئها على الواقع الإجتماعي ترجمة تضر بمصالح هذه المعادلة، ولهذا ركزوا على الجانب الشكلي لأنهم أرادوا من خلالها ممارسة روح التشفي والإنتصار على النظريات الأخلاقية التي كانت تدعو لها الكنيسة، وهكذا تحول العلماء الى مجرد سماسرة لبيع أرضية صلاحيات جديدة للنخبة السياسية تجعلهم (دائماً في القمة) زعماء مجتمعاتهم وسادتها وحملة مشعل الديمقراطية الحديثة الباعثة لروح الديكتاتورية ولكن بصورة مقنعة بالإختراعات العلمية ، المكملة لمهام وخدمة أغراض التمويه والخداع السياسي كهدف رئيسي لبقاء تلك النخبة الغربية في كابينة القيادة والتوجيه القسري لمجتمعاتها، وذلك مايفسر سر الخضوع الغريب الذي بلغته تلك المجتمعات والإستسلام العام لكل مايصدر عن السلطة السياسية، لأن علماءها وعباقرتها إشتركوا في هذه اللعبة الخبيثة ، التي أقعدت العقل الغربي ومنعته من التفكير في التخلص من هذا الإضطهاد المنظم والمستخدم لأساليب علمية متقنة بل ومزهلة تدعم القمع والترهيب بأحدث وسائل الإقناع التكنلوجي الحديث .
إن ترسيخ الواقع الأخلاقي للنظرية الديمقراطية على أرضنا الإرترية كواقع بات حلم المجتمع الإرتري برمته لتجاوز خدِعَة الديمقراطية التي صنعت لقمعهم وليس لتحريرهم ، ولأنَّ آلياتها التنظيمية تم تحريف مسارها لصالح النخبة التي إنتزعت كل المكاسب ولم تترك لشعبها غير مساحة التمتع بالترف الإقتصادي كأي دابة لا تريد من وجودها سوى ملئ البطون والنوم في سكون واللهو والمجون ، نعم…. الى هذا الحد باتت الديمقراطية المزيفة تقمع المجتمع وتصرفه عن مهامة السيادية الى مهام أخرى (إنصرافية) لمنع العقل البشري كي لا يستطيع إختراع آليات تنظيمية أنجع من هذه وأنفع ، هذا ماننبه إليه نخبتنا المتعلمة كي لا تحزو حزو النخب المتعلمة الغربية ،وكي تتدخل (وبسرعة) لصالح المجتمع الإرتري (ككل) وليس لصالح فئة مستعمرة (وثقافه قمعية بالية تصطنع الخصومة بين أبناء الوطن الواحد) ، لاشك أن الوعي الإستباقي لنخبتنا المثقفة (الحادبة على مصلحة الوطن) بهذه اللعبة الذكية سيحمي حراكنا النضالي (أثناء وبعد مؤتمر الحوار القادم) من الوقوع مجدداً في شباك الديكتاتورية(المتمثل في مفهوم سيادة الإخضاع والسيطرة القسرية المتعارف عليه اليوم كحق من حقوق السلطة السياسية الحاكمة) بعد إسقاط النظام الحالي ، إذ أن هناك جهات كثيرة مقنَّعة تتخفى وراء شعارات المرحلة المرفوعة اليوم كمحددات لمجرى حراكنا النضالي وتريد عند توفر الفرص المناسبة قلب الطاولة على الشركاء والإنفراد بالدولة كما إنفردت من قبل بالثورة .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=18141
أحدث النعليقات