السياسية التعليمية للحكومة الارترية
مركز الخليج
7/9/2006
كثير من المواقف لا نستطيع تقييمها أو الحكم عليها بأنها صواب أم خطأ إلا من خلال فهم هذه الأحداث والوقائع في سياقها الذي أتت فيه ، إذ بغير الإحاطة بالسياق والظروف الموضوعية التي صاحبت الحدث يستحيل فهمه بعمق ومن ثم الحكم عليه.
عند رواية الحدث لا بد أن نرويه بجميع تفاصيله السابقة واللاحقة وأن لا نغفل السياق الذي أتى فيه و أن نكون أمناء في نقله ،موضوعيين في نقده مع عدم التدخل فيه وتوجيه الوجهة التي نريد ، لذلك كان الاتزان مهم في نقد الحدث كمتطلب ضروري وكمقدمة أساسية وإذا غابت العلمية الموضوعية في التعاطي مع الأحداث والحقائق التاريخية فإن هذا سيقودنا إلى إشكالية وخيمة مما يؤدى إلى تردى مستوى النقد الذي قد يصل لمرحلة الإسفاف .
في الأسبوع الماضي طالعتنا بعض المواقع الارترية الملتزمة بالخط الوطني ببعض المقالات التي قيدت بأسماء مستعارة تناولت بعض المواضيع ذات الصلة بالشأن التعليمي , وكان من الأحرى في نظرنا القيام بدراسة علمية متكاملة عن الوضع التعليمي العام قبل الخوض في جزيئه وإهمال أخرى حتى نعطى الحدث حكما متزنا لأنه بغير الإحاطة بالسياق والظروف الموضوعية التي صاحبت الحدث يستحيل فهمه بعمق ومن ثم الحكم عليه , وحتى لا نكرر نفس الخطأ بين يدي هذا المقال محاولة موجزة لرصد حاله التعليم التي وصلت إليها ارتريا منذ الاستعمار وحتى الاستقلال .
لقد شغلت قضية التعليم منذ زمن اهتمام السياسيين والمثقفين و الأكاديميين وأولياء الأمور و ذلك منذ فجر الاستعمار في ارتريا ,نظرا لما أقدم عليه المستعمر من اهتمام ملحوظ إلى هذا القطاع الحيوي حيث سعى بكل ما يملك من ترسانة أيديولوجية وعسكرية و بشرية إلى وضع سياسة تعليمية تهدف إلى هيكلة التعليم من أجل أن يصبح في خدمة إستراتيجيته التي تستهدف إخضاع الشعب الارتري و نشر ثقافته خدمة لمشروعه الاستعماري الذي يسعى إلى السيطرة على الثروات الطبيعية و إخضاع القوى البشرية .
كان رد الفعل الشعبي واضحا لمقاومة هذا المخطط الاستعماري و ذلك بتأسيس مؤسسات التعليم الأهلي والديني في كبريات المدن الارترية حينها مثل كرن واسمرا ومصوع ,بالإضافة الي مؤسسات التعليم التي أنشأت خارج ارتريا كجهاز التعليم الارتري الذي أسسه الشهيد عثمان صالح سبي ليحمل في برامجه البعد الوطني و القومي من أجل تحرير البلد و مقاومة سياسة المستعمر.
وبعد الاستقلال من براثن الاستعمار ظهر استعمار جديد استعبد الإنسان الذي حرر الأرض , وإذا كان هذا حال الإنسان في ارتريا فحال التعليم فيها لا يقل سوءا حيث قامت الحكومة الارترية على سن سياسات تعليمية ينعدم فيها تكافؤ الفرص في مجالات التثقيف والتكوين والمعرفة ناهيك عن الارتقاء الاجتماعي ومن هنا يمكن تسجيل البعد التاريخي للصراع حول قضية التعليم التي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا ، و النقاش الدائر اليوم سيبقى مستمرا ما دامت تحكمه الأهداف الأيديولوجية و السياسية للحزب الحاكم التي تعتبر قطاع التعليم مجالا للارتقاء الاجتماعي لابد من ضبطه.
و للقيام بهذا الضبط استخدمت سياسة تعليمية تستخدم نظام أل(إثينك قروب) التي لا تراعي الخصوصيات الثقافية حيث يتعلم التلاميذ بلغة إلام وهي لغة وإن كانت غير غريبة عن محيطهم الاجتماعي والجغرافي لكنها وفق (بيداغوجيا) ذات منطلقات علمية وحضارية مخالفة لمجالهم ، مما يحول المدرسة إلى كائن غريب عنهم لا يقوم بالدور المنوط به بقدر ما يكون عرقلة للارتقاء الاجتماعي ,إضافة إلي ذلك قامت الحكومة الارترية بتفكيك جامعة اسمرا إلي كليات وتوزيعها خارج العاصمة بحجة تنمية الريف والضواحي .
من هذه المحاولة الموجزة تتضح لنا جليا سياسات الحكومة الارترية تجاه التعليم ,والموضوع الذي أثير مؤخرا عن تقليص عدد المنح المقدمة للطلاب الارتريين بمصر ليس إلا حلقه من سلسة حلقات تقوم بها الحكومة الارترية لتجهيل الإنسان الارتري الذي أصطلح-في فلسفتها- على عدم اعتباره كائنا اجتماعيا يملك رغبات و حاجيات و طموحات تتطور حسب المستوى الحضاري و الثقافي . وعليه إن كان هناك ثمة انتقاد يوجه فعليه أن يوجه للحكومة الارترية وليس لسفارة القاهرة التي كما هو معلوم لدي الجميع عبارة عن جهاز تنفيذي لما يتم تشريعه من قبل الحكومة ,كذلك إن كان هناك ثمة انتقاد يوجه عليه أن يتسم بالموضوعية واللباقة وان لا يصل مرحلة الإسفاف والتهكم والسخرية عند التعرض للأشخاص, لان هذا النوع من النقد يفرغ الفكرة من محتواها وينعتها بالسلبية خصوصا إذا كان المنتقد مجهول الهوية يختفي وراء أسماء مستعارة مما يفتح المجال إلى التشكيك وسوء الظن وعدم الاطمئنان إلى كل ما يرد من أقوال .
لقد ظلت المواقع الارترية الملتزمة بالخط الوطني محل إجماع من الكثيرين علي إتاحتها لهامش كبير من حرية الرأي والرأي الأخر مع الالتزام بوتيرة النقد الموضوعي العلمي للحالة السلوكية للنظام بعيدا عن التهكم بالأشخاص وبروز خطاب مطلبي واضح الملامح ينادي بحل أزمة الحريات التي تشهدها ارتريا على المستوى الفردي والجماعي، ومن هنا نوجه نداء لجميع المواقع الوطنية بضرورة الاستمرار على هذا النهج القويم والعلمي في سرد الإحداث بعيدا عن المقالات المشبوه التي انتهكت شرف الكتابة وأرادت فصل القضايا الكلية عن مفرداتها واختزلتها في أشخاص اختلفنا أو اتفقنا معهم يمثلون جزئية من منظومة متكاملة يطلق عليها مجازا اسم (الحكومة الارترية) .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6794
أحدث النعليقات