السَّفِينَةُ
شعر : حسين راكي
سَفِينَةٌ مِنْ صَنِيعِ قَومِي تطوفُ البِحارَ واليمَّ
بُغْيَةَ نَجَاةٍ مِن ظُلْمٍ لمآتِ السنِينِ قد عَمَّ
وكَادَتِ الأمْوَاجُ أنْ تُغْرِقَها فازْدَادُوا إصْرَارًا وعَزْمًا
فَثَابَرُوا وَصَبَرُوا ووهَبُوا الغَالِيَ والنّفِيسَ جَمَّ
وَمَضَى رُبعُ قرنٍ وخمسٌ وبَدّلَ اللهُ الخَوفَ أمنًا
وأصْبَحَ بَرُّ الأمَانِ قابَ قَوسَيْنِ أو أدْنَى
فَهَلَّلُوا وبَشّرُوا خيرًا إذْ بَدَا لَهُم أنّ مُرَادَهُم قد تمَّ
وكلٌ بَنَى حُلمًا يُحَقِّقُه فى وطَنٍ مَرْتَعِ الغُزَاتِ ظَلّ
فَشَمّرُوا عَن صَوَاعِدِهِم لا أَحَدٌ فِيهِم مَلاّ ولا كَلاّ
رِفْعَةِ الأوْطَانِ مُبْتَغاهُم لا عِزًا يَخُصُّ ولا فَضْلا
ولكِنْ سُرْعانَ ما تَوَاتَرَتِ الشّكُوكُ فِيمَا الجَمْعُ ظَنّ
نَوَايَا رُّبَانِ السّفِينةِ قد أقْلَقَ القومَ
إذْ كُلٌ مِنْهُم في بَسْطِ سُلْطَانِه هَمَّ
وحَبْلُ الإخَاءِ -أسَفًا – قد أوْشَكَ الصَّرْمَ
وأصابَ السفينةَ خلَلٌ هيكَلاً ومَتْنَا
فَحَالَتِ الهَمَسَاتُ ضَوْضَاءًا وهَلَعُ النّاسِ عَمّ
ثُمَّ أذَّنَ مُوأَذِنٌ حِينَ الظَّلامُ جَنَّ
” يا أيُّها النَّاسُ إلى نَفَقٍ ضَيِّقٍ أقْبَلْنَا”
فَنَزَعَ الرُّبَانُ قِنَاعَهُم وأصَابَ الذُعْرُ قَوْمَ
في ثِيَابِ صَدِيقٍ بارٍ قراصِنَةً إذْ يَرَوْنَ
أهَؤلاءِ رِفَاقُ أمْسٍ مِيثَاقَ الإخَاءِ قد سَنّ؟
وإبَاءِ الضَيْمِ ونَبْذِ ال فُرْقَةِ كَثِيرًا مَا تَغَنّى؟
كلاّ ثُمَّ كلاّ إنّ مَنْ لَمْ يَمِزْ: بِهِ عَقْلٌ قدِ اخْتَلَّ
فَتَبَجَحَ كَبِيرُهُم واسْتَخَفَّ القَوْمَ وَزْنَا
ومَضَى يُلبِّسُ التارِيخَ إذْ بَاعَ كذِبًا وَوَهْمَا
وأَمْعَنَ في بَطْشِ الرِّجَالِ وكُلَّ مَنْ يَرْفَعُ عَيْنَا
وسَعَي فى الأَرْضِ فَسَادًا وإِرْهَابًا وَظُلْمَا
ومَضَى رٌبْعُ قَرْنٍ أخَرُ ومَازَالَ الوَضْعُ مُرًّا بَلْ أَمَرَّ
كَيَانٌ يَحْكُمُهُ فَرْدٌ جَبّارٌ في إِقْصَاءِ الأخَرِينَ قد أَصَرَّ
وخَالَهُم عِبْأً أثْقَلَ كَاهِلَه بعدَ إذْ كَانوا الصَّاعِدَ اليُمْنَى
مَنْهَجٌ البُغْضِ الخَبِيثِ لا دُسْتورا ولاعُرفا آقَرَّ
نِظامٌ أشَاعَ جَاهِدًا أصْنَافَ البُؤْسِ َ والفَقْرَ
وأبْدَعَ في خَنْقِ البِلادِ باسِطًا المَنْعَ والحَظْرَ
فأنَّتْ البِلادُ مِنْ وجَعٍ إِذْ بِهَا دَاءٌ قد ألَمَّ
فَغَادَرَ الشِّيبُ والشَّبَابُ هَرَبًا قَاطِعًا البَرَّ والبَحْرَ
وَيُوَارَى جُثْمَانُ الرَّعِيلِ في بِلادِ الغُرْبِ الثَّرَى
لِهَذا يَمُوتُ قَلْبُ المَرْءِ مِن كَمَدٍ إنْ هَمَّهُ الأمْرَ
ألِهَذَا تَجَرَّعْنَا كَأْسَ المَنِيَّةِ مَدَدًا حَدِّثْنِي يَا دَهْرَ
فَصَبْرًا أيُّها الظَّالِمُونَ إنَّ الأيامَ دُوَلٌ لا مَفَرَّ
إنّمَا العُقْبَى لِمَنْ أُلْهِمَ خَيرًا فَأصْلَحَ فيها وأبَرَّ
وأمَّا بَغْيُ الطُّغَاتِ يَزِيدُ نُفُوسَ الشُّرَفَاءِ عَزْمَا
وإِنْ هُجِّرَ النَّاسُ مِنْ الدِّيَارِ وفَقَدُوا الأُنْسَ واللّمّ
وَطَنِي الحَبِيبْ إنَّ ذِكْرَا كَ في فُؤادِى دَوْمَا
أَبْشِرْ أيُّها المَلأُ إنَّ الله َ مَعَنَا وَإِنِ الظَّلامُ جَنّ
فَالنَحْشُدَ الطَّاقَاتِ والنَجْمَعَ القَوْلَ
جُلَّ مُبْتَغَانَا الحَقَّ والعَدْلَ
والحَقُّ يَعْلُ يَقِينًا ولا يُعْلَى عَلَيْهِ زَعْمَا
زَوَالُ طُغَاتٍ لا مُحَالَ وإنْ طَالَ أمَدُهُم يَوْمَا
عَمّا قَرِيبٍ سوف يأْتِي النَّصْرُ بِعَونِ اللهِ حَتْمَا
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=42948
أحدث النعليقات