الشعب الارتري بالداخل بين مطرقة المجاعة وسندان قمع (الشعبية)
بقلم: علي عبد العليم
9/8/2011م
برغم محاولات النظام الدكتاتوري المستميتة لإخفاء آثار المجاعة التي تضرب ارتريا، مثلما تضرب باقي دول القرن الإفريقي، وتعتيمه على أنبائها، إلا أن بعضا من أنبائها تسرب إلى الخارج!. كما تطالعنا صور ضحايا المجاعة خاصة في الصومال الشقيق، في الإعلام العالمي، صور بائسة حزينة تدمي القلب، يقشعر منها بدن كل من فيه ذرة من الإنسانية، وهي تسئ للمجتمع الدولي أكثر مما تسئ لحكومات الدول التي تطحنها المجاعة، ذلك لأنها لم تحرك ساكنا، وقوفا على المأساة بكل أبعادها، والإسراع في جلب التمويل خاصة من الدول الغنية والتي تصف نفسها بالمتحضرة، لإغاثة الجوعى دون التقيد بالإجراءات البيروقراطية في تلك الدول، التي يعتصر الجوع أفرادها!. حتى بات يهدد حياة أكثر من إحدى عشر مليونا من البشر، غير الحيوانات!.
إن القوت الرئيسي الذرة بات عزيز المنال!. فقد تصاعدت أسعاره في ظل ندرة المعروض منه، إلى مستويات ليست في متناول يد الأغلبية الساحقة من أفراد الشعب الارتري!. فبلغ سعر الجوال الواحد (2000 – 2250) نقفة!. فإذا علمت أن نصف الشعب الارتري معتقل في الخدمة القسرية – على نظام السخرة الذي يستحي منه الإنسان المعاصر!.- ويتقاضى الفرد أقل من (500) نقفة للشهر!. مرتب كم عدد من الشهور يحتاج لشراء جوال ذرة واحد فقط؟. من غير مساعدة قريب مغترب!.
ففي ظل الجفاف لأكثر من موسم، والندرة وتحكم النظام في توريد وتوزيع الذرة، وتهريبه من دول الجوار وإعادة تصديره إلى الصومال وغيرها،.. لتمويل العمليات العسكرية والتخريبية الموجهة ضد دول الجوار.. كانت النتيجة زيادة سعر الذرة بأكثر من 50% في أقل من شهر ونصف!. حتى صار الكثيرون يعيشون على وجبة واحدة، وبشهادة التقارير الدولية أن اثنين من ثلاثة من الارتريين يعانون من سوء التغذية!. ونزيد أن هناك حالات وفيات في الريف الارتري نقلها إلينا شهود عيان من الفارين من جحيم الدكتاتور، يتكتم عليها النظام!. وما يزال يدعي أن الوضع تحت السيطرة!. حتى يفاجأ كما الرئيس السوداني السابق النميري في العام 1984م، الذي ظل ينكر وجود مجاعة في بلاده حتى أتاه الجائعون على مشارف العاصمة الخرطوم!. وما يزال السودان الشقيق يعاني من تداعياتها في شتى الصعد، ويتبدى ذلك في الحروب القبلية وخلخلة النسيج الاجتماعي والتمرد المسلح، والتواجد الكثيف للمخابرات الدولية، وترييف العاصمة، واقتصاد كسيح لم يستطع النهوض برغم المحاولات الجادة من النظام الحالي..
كان في السابق يأتي المواطن الارتري من المرتفعات للعمل في المشاريع الزراعية غربي ارتريا، ليعول أسرته ولوحظ الآن اصطحابه لأسرته فرارا من المجاعة وليكون قريبا من مصادر الغذاء، ولو استدعى الأمر عبور الحدود للحصول عليه!.
معروف عن ارتريا في ظل النظام القمعي لاسياس، أن سياجا من التعتيم يضربها، وعزلة عن العالم الخارجي فرضها النظام، ليمارس داخل أسوارها كل أشكال القمع والسحل والكبت.. دون رقيب أو حسيب من الرأي العام العالمي ومنظماته المعنية بحقوق الإنسان، وهذا الوضع مكنه من الاستمرار في تجاوزاته المريعة بحق شعبنا، دون كشف فظائعه ووحشيته على نطاق واسع، ومن ثم تفاعل المجتمع الدولي حيالها، والضغط بشتى السبل لتصحيح الأوضاع فيها..
إن نداءات بعض الدول الكبرى الموجهة للنظام أن يفتح ارتريا أمام الإعلام والمنظمات العالمية للوقوف على حجم الآثار المترتبة على المجاعة، لا يكفي ما لم يتبعه قرار أممي يفرض عليه فعل ذلك، أن المسئولية لم تلقى عن عاتق تلك الدول بمجرد إرسال النداء، بل يجب إتباعها الضغط بشتى السبل بما في ذلك استصدار قرارات من مجلس الأمن لحماية الإنسان الارتري المهدد بالفناء بفعل المجاعة والقمع، الأمر الذي يتباطأ فيه المجلس حتى الآن، بينما سارع في معاقبة النظام عندما تجاوز شره إلى دول الجوار، بحجة تعريضه السلم الإقليمي والعالمي للخطر!.
إن التفرج على سحق أمة بأكملها، وتركها نهبا للمجاعة والمسغبة، دون تحريك ساكن، هل يخدم السلام الإقليمي؟، إن لجوء أفواج الجوعي إلى الجوار، وتأثيرات ذلك على مجتمعات واقتصاديات الدول المستضيفة، والتي تعاني أصلا من الضعف والتدهور، ألا يهدد ذلك السلام الإقليمي ومن ثم السلام العالمي!. إن رؤية جحافل الجوعي وآلاف الأطفال المحتضرين، والهياكل العظمية وأشباح الإنسان تسير في معسكرات اللجوء، أيسر ذلك المنظر المجتمع الدولي، ألا يضعه أمام حالة من فقدان الاتزان والمصداقية، ألا يعتبر مخلا بواجباته التي رسمها نظامه الأساسي، ورسختها العهود والمواثيق الدولية.!.
لا حجة تسند عدم قيام المجتمع الدولي بواجبه تجاه ارتريا تحديدا، والالتفات إلى الوضع المأساوي بالداخل، وعلى وجه السرعة، خاصة والمجاعة تضرب أركان البلاد، وتنشب بمخالبها في فؤاد الإنسان الارتري المغلوب على أمره، فالسيادة الوطنية ، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول!. ليست حصانة ترفع لحماية النظام المجرم، بل الشرعية الدولية هي الأولى بالنفاذ والإتباع لحماية حقوق الإنسان الارتري من الضياع، بل حماية الإنسان الارتري من الانقراض!. وعلى مرأى ومسمع من المجتمع (المتحضر)، في الألفية الثالثة!.
على الارتريين في الخارج بتنظيماتهم ومنظماتهم وإعلامهم المستقل ومواقعهم الالكترونية وجالياتهم وشخصياتهم وأصدقائهم ومعارفهم .. عكس أوجه المجاعة التي تضرب ارتريا وآثارها المدمرة على كافة المجالات، والتحذير من مغبة تجاهل معاناة الإنسان الارتري وما سينجم عنها من آثار سالبة لا تقف عند حده فقط بل ستعم دول الجوار وتلقى بظلالها على الإقليم برمته..
عليهم حث المجتمع الدولي للتدخل العاجل لدرء مخاطر المجاعة قبل استفحالها بإرغام النظام لإعلان المجاعة رسميا حتى يتسنى للمنظمات الدولية استقطاب الدعم وتقديم الاغاثات للشعب المنكوب بالداخل..
كما عليهم أن ينشطوا في اتجاه جمع المعونات الغذائية وغيرها لإيصالها إلى المتضررين من الارتريين في معسكرات اللجوء، في كل من السودان وإثيوبيا، وحشد الجهود الذاتية والدولية وبمختلف الوسائل لمواجهة أسوأ الاحتمالات، ومنها اتساع دائرة الكارثة، وما ينجم عنها من الموت الجماعي، والتدفقات نحو دول الجوار، وتدهور الوضع الصحي وخشية أن يؤدي إلى تفشى الأوبئة والأمراض.. واتخاذ كافة التدابير لإغاثة أهلنا خاصة في هذا الشهر الكريم الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون فيه، وكان جوادا سخيا كالريح المرسلة، فهلا تأسينا بحبيبنا المصطفى، وتذكرنا ضحايا المجاعة ليس في ارتريا فحسب بل في مجمل القرن الإفريقي..
هذا المنتظر من كل الارتريين بالخارج، والله المعين وهو الهادي إلى الطريق القويم.
علي عبد العليم:alialawe2000@hotmail.com
>
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=16756
أحدث النعليقات