الشيخ/ أبو سهيل: بين الوصاية وحق تقرير المصير
صدمت كثيرا من بعض ما جاء فى المقابلة التي نشرت مؤخرا للشيخ محمد أحمد صالح (ابو سهيل) حيث قارنتها مع كلمته التي القاها في الاحتفال الذي اقيم بمناسبة مرور عشرة أعوام على انطلاقة حركة الجهاد. ما لفت نظري في كلمته كان قوله (ان حركة الجهاد لا تلغي أحدا ولا تقبل ان يلغيهاأحد). احترمته كثيرا على هذا الفهم واعتبرته من افضل القيادات حيث ان السائد دائما في اوساط التنظيمات الارترية هو الغاء الاخر.
ان موقف الشيخ أبو سهيل اعلاه يتنافى مع ما قاله عن فقرة تقرير المصير التى وردت فى الملتقى حيث قال: وأن أسوأ ما فيه ، إقحام فقرة تقرير المصير البالغة الحساسية ، وكان يمكن أن يستعاض عنها بإقرار الظلم الواقع على القوميات وضرورة رفعه عنها ، وإعطاءها شيئا من التمييز الإيجابي ما يساعدها على التطوير الذاتي. (إنتهى حديثه).انني لم اكن ضمن الحضور في الملتقى لتاكيد أو نفى كيف وردت أو (أقحمت) فقرة تقرير المصير. وفي تقديري انه ليس من المهم ما اذا قيلت أم لا. الخلاف حولها يشير الى التفكير الخاص بمن يؤيدها ومن هو ضدها من حيث المبدأ.
كان غريبا جدا ومؤسفا للغاية بان تصدر معظم تنظيمات التحالف بيانات ضد الفقرة في حين انني لم يصادف ان قرأت من يعارض بشكل واضح فقرة ان الوحدة طوعية. فما دام ان الحضور في الملتقى متفقون على ان الوحدة طوعية، فلماذا يعارضون مبدأ تقرير المصير؟
هناك من يقف ضد مبدأ تقرير المصير عن وعي لانه يعتبرها تحد من هيمنته القومية على الاخرين، وبالتالي من الطبيعي ان يقف ضدها. في مقدمة هذا الاتجاه حزب الشعب – ومن يدور في فلكه من المواقع والشخصيات والتنظيمات – وفعلا روج ضدها كثيرا. هؤلاء يشعرون بان ما تم تحقيقه في ارتريا عن طريق الجبهة الشعبية هي انجازات يجب الحفاظ عليها مع تحميل المشاكل لاسياس كدكتاتور.
هناك تنظيمات تعتبر من حيث التكوين غير متنوعة مع انها ضمن المهمشين ولكنها تفهم العلاقات الارترية من الناحية العرقية(علاقات الدم) وتعتبر ان لديها وجود في كافة الاقاليم الارترية مع ان ذلك غير صحيح في تقديري حيث ان من ذهب الى مناطق اخرى قبل مئات السنين اصبح ضمن مكون اخر من حيث اللغة والعادات والتقاليد والمصالح.
هناك خلط لدى البعض بين العلاقات العرقية والانتماء الثقافي. من المعلوم ان المجتمع الارتري نتاج لهجرات بعضها من داخل ارتريا والبعض الاخر من خارج الحدود. ومثال لذلك هجرة الناطقين بالتقرنية والناطقين بالساهو الذين هاجرو الى المنخفضات الارترية قبل مئات السنين حيث غيروا لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم وارتبطوا بمن سبقهم هناك واصبحوا جزءا منهم.
هناك من يتخوف من ان حقوق القوميات تهدد مصالحه حيث ان خلافه مع المسيحيين من الناطقين بالتقرنية هو الدين وبالتالي يرى ان طرح القوميات يضعف موقفه. في تقديري ان هذه المخاوف نفسية حيث ان الحقوق لا تتجزأ. اذا نال الجميع حقوقه فلا يمكن استثناء ذلك المكون الارتري من ان ينال حقوقه في اطار منطقته باعتبار ان المبدأ الاساسي هو ان تنال كافة المكونات حقوقها كل حسب وضعه(بمعنى اذا كان الحق لا يتأتى على اساس جغرافي فيتم تحقيقه على الاساس المجتمعي).
ما هو غير مفهوم هو موقف التنظيمات الاخرى التي معظم مكوناتها من الناطقين بالتقري. انها مضطهدة ومهمشة وخارج السلطة ولا تطالب بحقوقها ومع هذا تقف ضد من يطالبون بحقوقهم مثل الكوناما والعفر ويفرضون عليهم الوصاية مثل ما فعل الشيخ ابوسهيل وان لم يسمي تلك المكونات صراحة. لماذا هذا الفرض للوصاية على الاخرين؟ لماذا التحديد لهم في مدى مطالبتهم بحقوقهم، مثل ما يفعل اسياس؟ اذا كان الناطقين بالتقري لا يطالبون بحقوقهم فلماذا يقفون ضد من يطالب بحقه؟ انه امر محير ان ياتي مثل هذا الفرض ممن هم مهمشين ومضطهدين لدرجة الشك في مواطنتهم من قبل الشريك الاخر في الوطن.
ان ما قاله الشيخ ابو سهيل في مقابلته بان ليس هناك شعب يعطى حق تقرير المصير ويطالب بالوحدة في رده على موضوع جنوب السودان غير صحيح. من المعروف ان الجنوبيين في اكثر من موقف صوتوا للوحدة مع الشمال بشكل او باخر(عام 1947م، وعند الاستقلال، وعام 1972م، ومؤخرا كان الدكتور جون قرن يناضل من اجل سودان جديد موحد). عندما انتفت امكانية السودان الجديد جاءت نتيجة الاستفتاء بنسبة قاربت المائة بالمائة.
ماذا يقول الشيخ ابو سهيل عن موقف الاندنت لصالح الوحدة مع اثيوبيا؟ هذا كان شبه استفتاء للانضمام وليس للانفصال حيث ان اثيوبيا لم تحتل ارتريا عسكريا عن طريق جيوشها؟ هناك كويبيك في كندا لم تتمكن من الحصول على الاصوات التي تمكنا من الانفصال. وبالمقابل هناك اثيوبيا التي يتيح دستورها حق تقرير المصير حتى الانفصال منذ اكثر من عشرون عاما ولم تنفصل اي جهة.
ان ما يضمن الوحدة هو ضمان الحقوق وليس فرض الوصاية، ولا يوجد من له مصلحة في الانفصال اذا وجد مصالحه مصانة ضمن الوطن. ما ذا يعني البقاء داخل وطن لا تصان فيه كرامة الانسان ولا تحترم فيه معتقداته وثقافته ومصالحه؟
ان ماذكره الشيخ لا يتوافق مع حقيقة النضال الذي يقوده.لا اعتقد انه يناضل من اجل الارتريين جيمعهم، حيث انه في احسن الظروف لا يستوعب مشروعه المسيحيين الارتريين. ولو تفحصنا ما قاله في نفس المقابلة: سياسات التوطين من أخطر السياسات ، إذ هي تعني إحلال وإبدال ، و تستبطن التطهير الديني العرقي والثقافي ، ولما ذا يمنع ( أفورقي ) من أن يبني الناس في أسمرا ؟ ، حتى قيادات الحزب من أبناء المسلمين قد منعت من أن تبني مساكنها , كما يمارس ضغوطات رهيبة على سكانها الأصليين لمغادرتها ، حتى تكون قلعة خالصة لأناس معينين في المستقبل ، وهنا لابد وأن يرفض أصحاب الأرض ويقاوموا هذا الاستيطان القسري . كما أن الشعب المهجر يجب ألا يمالئ النظام في عملية الاستيطان حتى لا يكون له شريكا في الجريمة . كما عليهم المهجرين قسرا أيضا أن يقاوموا ضد الخروج من أوطان أجدادهم حتى لا يحل عليها قوم آخرون .والقضايا التي تطرق كثيرة ، والتي يتحاشاها الناس دائما ، وإن ذكرت فعلى استحياء ، من بينها : مصير المستوطنين الجدد ، والأراضي المغتصبة ، وكيفية رد المظالم ، وعودة اللاجئين كيف وإلى أين يعودون(إنتهى حديثه) .ان هذا الجزء من المقابلة يعني ان هناك مكونات ارترية مظلومة من قبل مكون مهيمن، وهذا يعني ان نضالات الشيخ هي نضالات من اجل استرداد حقوق وبالتالي فان الكفاح المسلح مبرر لديه. وهذا هو الواقع الذى من المفترض أن تكون عليه الأمور ويتوافق معه الخطاب السياسى المعبر عنه. في حين ان الخطاب السياسي لمعظم التنظيمات التي غالبية مكونها الاجتماعى ينتمي الى الناطقين بالتقري يختلف فى تعبيره عن واقعه من حيث عدم تطابق الفكر مع الممارسة . واذا كان هذا ناتج عن عدم وضوح في الرؤية فهذه مصيبة ، أمااذا كان السبب اخفاء الحقيقة عن قصد فالمصيبة اكبر. في تقديري ان هذا هو ما تعانيه معظم التنظيمات التي يعتبر مكونها من الناطقين بالتقري وبالتالي عدم تمكنها من حشد جماهيرها لتحقيق أهدافها بالتعاون مع بقية المهمشين والمضطهدين وكذلك المنصفين من القومية المهيمنة.
أود تذكير الشيخ / ابو سهيل بان الاسلام يتيح حق الانفصال بين الزوجين، وهو ابغض الحلال ولكن الاصل هو بقاء الاسرة مجتمعة ، فهل الجميع مطلق نتيجة لوجود هذا الحق؟ ان العلاقة الزوجية فيها الكثير الذي يضمن استمرارها وليس من السهل اتخاذ قرار الانفصال الا اذا تعذر التعايش، حيث ان هناك الجانب العاطفي بين الزوج والزوجة وهناك الابناء بين الجانبين وهناك الاعراف المعمول بها حيث ان المطلقة او المطلق يعتبر شانه اقل في المجتمع وخلافه.
في شان المجتمع الارتري هنالك كثير من المصالح التي تربط مكونات الشعب ببعضه البعض حيث ان انفصال بعض المكونات صعب جدا ان لم يكن مستحيلا من حيث الموقع الجغرافي والموارد وخلافهاوبالتالي لا يوجد ما يخيف المتشككين من ان الاعتراف بالحق سيؤدي للانفصال ولكن هذا لا يعني إسقاط حق تقرير المصير عن كل من يرى أنه يعانى من الإقصاء والتهميش الذى يستهدف مكونه الاجتماعى بصفة خاصة ومحددة وهو حق مشروع تقره جميع المواثيق الدولية.
هناك من ذهب الى أن الاطماع الاثيوبية في ارتريا واملائها للمطالبة بحق تقرير المصير على بعض المكونات الارترية هو الدافع لهذا التوجه. في تقديري ان من يقول بهذا الرأى لا يعى تماما التطورات الإقليمية والعالمية فى هذا الصدد و مثل هذا التوجه لا يعتبر اجحافا في حق الاخرين المطالبين بحقوقهم المشروعة فحسب بل ايضايعتبر اساءة لهم حيث انه اتهام بالعمالة لاثيوبيا وفي احسن الفروض تعتبر وصاية عليهم باعتبار انهم لا يعون مصالحهم ويقعون فريسة لأطماع الآخرين. يتضح ذلك من قول الشيخ ابو سهيل في موضوع الجنوب بانه لا يوجد شعب اعطي حق تقرير المصير واختار الوحدة.
هناك من الافراد من كتبوا عن ارائهم حول حق تقرير المصير من منطلقات مختلفة ولا اريد ان اتطرق لذلك في هذا المقال.
وللحديث بقية
نوراي محمد أسناي
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=11127
أحدث النعليقات