الشيخ المجاهد حامد تركي مفكر رصين ورجل في قامة أمة يمضي الى رب رحيم
علي عبــد العليـم
12/10/2014م
في الثامن من شهر أكتوبر الجاري ، انهد ركن مكين من أركان عملنا الاسلامي والوطني بفقد رمز سامق ، ومناضل جسور ، ومجاهد محتسب ، ومفكر أصيل ، وسياسي من معدن نفيس ، ووطني من طراز فريد ، ذلكم هو الشيخ المجاهد أبو ماجد حامد صالح عمر الشهير بـ (تركي) لقب جد الأسرة الكبير الذي كان أبيض البشرة يحاكي الأتراك الذين كانوا يحكمون ارتريا في تلك الحقبة من القرن السادس عشر الميلادي ، مما يدل على عراقة الأسرة وكريم منبتها .
لما توفي (حامد تركي) هد ركنا لم يكن بالمهدود * ما دري النعش ولا حاملوه ما على النعش من عفاف وجود
حمل المشيعون من أعضاء الحزب الاسلامي الارتري وأصدقائهم الجثمان الطاهر وأودعوه مقابر (الصحافة) بالخرطوم ، والمآقي تمتلئ بالدموع وتسيل ، و اللحى مخضلة ، والنفوس منقبضة كئيبة ولكنها غير جزعة !. ولا تقول إلا ما يرضي الرب ، برغم فداحة الفقد وجسامة المصاب ..
ان الاحاطة بشخصية فقيدنا الرمز الوطني والمفكر الاسلامي الكبير الشيخ الشهيد أبو ماجد يحتاج الى مجلدات ، ولكنها كلمات صدق في حقه سكبتها حزنا وألما ووفاء على الأسطر ، ذلك أني ممن عاشره لربع قرن من الزمان في قيادة الحزب الاسلامي الارتري ، وبعد رحيل رفيق دربه الشيخ الشهيد أبو نوال أصبحنا أقدم عضوين بتنفيذية الحزب ، وقضينا أوقاتا جميلة وكان أجملها وأرحبها ابان عملنا في اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام الخامس للحزب الاسلامي ، جبنا خلالها معسكرات اللاجئين الارتريين وأماكن تواجدهم الأخرى ، وأدرنا حوارا ثنائيا في مواضيع شتى ، وبرغم أن الشأن السياسي استحوذ على جل وقت الحوار إلا أنه لم يكن الوحيد فالجوانب الاجتماعية والتاريخية والثقافية .. كان لها نصيب في حواراتنا ، فقد كان – رحمه الله – موسوعة في معلوماته ، كما كان متمكنا من اللغة وممسك بناصيتها ، دقيقا في تعبيراته ، ومحددا في مفرداته ، وشاملا في فهمه واستيعابه ، لا تستهويه لغة العشق والغرام فهي عنده مضيعة للوقت ، مبددة للجهود فيما لا طائل من ورائه ، ولا تليق بأصحاب المبادئ والرسالات ، أرباب الفكر الملتزم الذين يجاهدون لوصل الأرض بالسماء . فاللغة التي يستخدمها – رحمه الله – كالحسام العضب في كفه لا ينبو ، يصيب به كبد الحقيقة ، ويوصل رسالته في عبارات دالة ومحددة ودقيقة ..
رحلة حياة الشيخ الشهيد التي استهلها من (متكل أبيت) حيث المولد والنشأة الى (الخرطوم) حيث ووري الجسد الزكي الثرى ، محطات ومحطات استغرقت سبعة عقود ، حفلت بعظائم الأمور وجليل المنجزات ، لم تكن مفروشة بالورود فقد تخللتها أوقات عصيبة فيها الألم والدموع والجهد والنصب ، ومزق هدوءها أصناف من التعذيب والتنكيل ، واعترض سبيلها أرتال من العراقيل ، والتضحيات الكبار من أجل الوطن وقضية المسلمين ، فمنذ نعومة أظافره كان – رحمه الله – طفلا مشاكسا ، وصبيا ذكيا لماحا ، يحب العلم ويتطلع الى أدوار كبيرة ينهض بها في المستقبل ، أخذ الهم الوطني موقعا مبكرا في نفسه ، تغرب عن الوطن طلبا للعلم في السودان ومصر والعراق ، وكان من الطلاب النجباء رشح لكلية الطب إلا أن نفسه الكبيرة كانت تتوق لمجال أرحب يخدم من خلاله وطنه السليب ، فاختار القانون حيث وجد نفسه فيه ، وعندما تخرج لم تأخذه بهارج الدنيا ولا المصالح الشخصية الضيقة ، فيذهب بعيدا في المدائن يجمع حطام الفانية ولعاعتها ، فان حامد تركي لم يكن رجل خاصة نفسه ، بل كان رجل عامة ، فهو حصريا لقضية الوطن ولهموم المسلمين ، فلا حظ للقبيلة أو النعرات الأخرى في نفسه ، وأشهد الله لا تحرك هذه الأوشاب والعصبيات خلجة فيه ، وفوق ذلك هو ملم بخارطة ارتريا وقبائلها وأفخاذها وبطونها ، ويحفظ مآثرها وأيامها ومساهماتها في الشأن الوطني ولا يبخسها حقها منه شيئا ، ونجده يحرص على مد جسور التواصل مع كافة المكونات الاجتماعية الارترية ، ويحترم مكانة القيادات الأهلية ويرى أن لهم دورا كبيرا في جمع الصف وحشد الطاقات وتدعيم قضية المسلمين وتكتيلهم دفاعا عن حقوقهم ومكتساباتهم ، وكتاباته تشهد بذلك ، ومن أبكار كتاباته كتابه الشهير (ارتريا والتحديات المصيرية) الذي أسهم فيه بالتعريف بإرتريا وشعبها وقضيتها ..
قلنا أن فقيدنا حال التخرج لم يذهب بعيدا بحثا عن مصلحة شخصية – وهو حق له فأسرته تنتظره – بل ذهب حيث الأسرة الكبيرة بحجم الوطن ، ذهب الى الميدان ليناضل في صفوف الثورة ، وتدرج في سلم المسئوليات من مدير لمكتب جبهة التحرير ببغداد ، وعضوا بالمكتب القيادي للجبهة ، وحتى محكمة الاستئناف العليا بالجبهة ، وقد طاف ورفيق دربه الشهيد الشيخ أبو نوال القرى والبوادي الارترية ، في اطار عملهم القضائي ، باسطين للعدالة وناشرين لواءها ، ورادين الحقوق الى أصحابها ، وناصرين المظلومين ، وقد ساعدهم المامهم الكبير بالقانون والشريعة السمحاء والأعراف المحلية ( حقتات) ..
شخصية الشيخ أبو ماجد – رحمه الله – لم تكن من النوع المهادن والمخادع كان صريحا ومصادما غير هياب ، قوالا للحق ، ومنافحا عنه ، لا يخشى في اظهار الحق والصدع به لومة لائم ، كما أن الحسناء لا تأسر لبه ، ولا يذهب الذهب الأصفر بعقله ، رجل مبادئ زاهد ، رجل بهذه المواصفات لا يمكن شراءه ، ولا مناص أو مهرب من المواجهة مع الأوضاع الجاهلية المنحرفة عن جادة الدين والخلق القويم ، فكان ، رحمه الله ، حربا لا هوادة فيها على الالحاد الذي رفع لواءه حزب العمل الشيوعي ، الذي صبغ جبهة التحرير بلونه الأحمر القاني ، ومارس الاقصاء بأبشع صوره في مواجهة معتنقي الأفكار الأخرى ، وبرغم أن مرحلة التحرير لا تحتمل عقلية الانفراد والأنانية والاستبداد إلا أن حزب العمل ولغ في كل تلك الموبقات في ممارساته ، فكانت المواجهة معه والشيخ أبو ماجد وصحبه من الاسلاميين والوطنيين ، ضد موجة الالحاد والإباحية والفكر المنحرف ..
وكان رد قيادة حزب العمل رد المفلس !. واجهت الفكر بالرصاص وقارعت الحجة والرأي بالقمع والاعتقالات وتكميم الأفواه ، وكالت للشيخ أبو ماجد وصحبه من الاسلاميين والوطنيين ألوانا من العذاب ، وبرغم أن التعذيب أورثه مرضا مزمنا إلا أنه لم يفت في عضده ، ولم يثنيه عن فكره ، ولم يرتد عن قناعاته ، ولم ينكسر أمام جلاديه ، وأظهر بطولة وجلدا أذهل زبانية حزب العمل ، ولما انكسر حزب العمل وفقد السيطرة على الجبهة وتفرقت أيدي سبأ ، تحرر السجناء والمعتقلون وكان من بينهم شيخنا الفقيد ، وبرغم مرضه وحالته الصحية الحرجة إلا أن الشيخ لم يركن للراحة ولم يلجأ الى حياة الدعة ، لا وقت لديه لاجترار الماضي والانتقام والتشفي ، بل باشر النضال والجهاد من خلال الواجهة السياسية للحركة الاسلامية الارترية التي أنشأها وصحبه الكرام ( منظمة الرواد المسلمين عام 1981م ) سابقا بذلك الكثير من فصائل الحركة الاسلامية في دول المنطقة . وهو صاحب المنفستو الذي اشتمل على العبارة الشهيرة ( الخبز والسلام ) والتي تجسد طرحا سياسيا متقدما حينها ، فشعبنا يحتاج الى السلام والاستقرار ليمارس حياته السياسية بحرية ، كما يحتاج للخبز الذي يرمز للغذاء والتنمية والرفاهية .. ، في الحقيقة الاطعام من جوع والأمن من بعد الخوف ذلك ما كان يحتاجه الشعب الارتري بعد الانعتاق من المستعمر وما يزال ، وهي النعمة التي امتن الله بها على قريش ، وهذه الحاجات الأساسية كانت محل دراسات ونظريات من العديد من العلماء وفي مقدمتهم ابراهام ماسلو وهرمه الشهير القائم على أساس الحاجات الانسانية ، وفي قاعدة الهرم الحاجات الفسيولوجية والحاجة الى الأمن ، ( Physiological and Security Needs ) .
أما دور الشيخ الشهيد في تأسيس حركة الجهاد الموحدة فهو مشهود وغير منكور ، فكان أمينا لمكتبها السياسي وصانعا لأطروحاتها السياسية ، ومنظرا لمواقفها من شتى المستجدات في الساحة ، وممسكا ورفاقه بزمامها حتى لا تنجرف وراء الأفكار المتطرفة وتنزلق في مهاوي الغلو والتكفير ، ويشهد من شهد تلك الحقبة على عمق قراءته للراهن ومستجدات الساحة وتحليله السياسي ، وسبر أغوار مجاهيل المشهد السياسي ، وحل عقد أحداثه .. ويحضرني هنا أن أحد أعضاء مجلس الشورى في ذلك الحين وبعد أن قدم الشيخ الراحل أبو ماجد تقريره السياسي والذي حفل بتحليل رصين لم يتمالك نفسه أن قال منبهرا ( لقد سحرنا الساحر) وهو كان يريد ثغرة في التقرير ينفذ منها ويوجه سهامه ، ولكن براعة الشيخ وحنكته السياسية حالت دون ذلك .
ولأن الشيخ الشهيد ينتمي لمدرسة عرفت بشمولية الطرح والوسطية والاعتدال في التناول والتعاطي مع شتى نواحي الحياة ، لقد ألزم نفسه – رحمه الله – التوسط في الأمور والاعتدال في أحواله المعيشية والاجتماعية والسياسية والدينية .. لأن الاعتدال هو السلامة ، وما ضر الأمة إلا تركها للاعتدال .. بيضأبي
لقد كان رحمه الله ، مهندس الحوارات والتحالفات السياسية مع التنظيمات الوطنية الارترية منذ حركة الجهاد الموحدة وحتى الحزب الاسلامي : ( لقاءات التنظيمات الاربع بعيد التحرير ثم التحالف الوطني الثلاثي ، والتجمع الوطني ، والتحالف الديمقراطي ، والمجلس الوطني ، اضافة الى الحوارات الثنائية ) ، كان يؤمن بضرورة العمل الوطني المشترك ، ويمد يده الى أي فصيل مهما قل شأنه ويرى ألا يقصى أحد عن التجمعات والتحالفات الوطنية لمواجهة الدكتاتورية والطائفية الحاكمة في ارتريا .. وفي كل هذه المراحل كان يجود بفكره الثاقب وعصارة تجاربه السياسية وحكمته الربانية ، ومعلوماته الموسوعية .. ويعتمد على كل ذلك ليدبج الخطط والبرامج السياسية والأطروحات الجامعة والمؤسسة لقاعدة العمل الوطني العريض ..
كان الشيخ أبو ماجد – رحمه الله – مسكونا بالهم الاسلامي وتواقا للم شمل الصف المسلم فكم قدم من أطروحات وأفكار كبيرة يرمي من خلالها ايجاد مواعين وتكتلات جبهوية عريضة تجمع المسلمين والمهمشين في صعيد واحد ، لاسترداد حقوقهم السليبة وحراسة مكتسباتهم ..
خدم ، رحمه الله ، وحدة الصف المسلم من خلال الحوارات بين الفصائل الاسلامية والعروبية فكانت الحوارات الثنائية مع حركة الاصلاح وجبهة التحرير والحركة الفيدرالية .. والتي تمخض عنها التحالف الاسلامي ثم جبهة التضامن وفي كل المحطات كان رحمه الله ، يعمل جاهدا لتدعيم أواصر الثقة والعمل المشترك ، وتقديم الأفكار والآراء النيرة التي تساعد على ذلك ..
وفي اطار الحزب الاسلامي كان ريحانة اجتماعاتها وسمناراتها ولقاءاتها السياسية .. ومن خلال متابعاته للأوضاع السياسية ( فالمذياع لا يفارق مخدعه ، والصحف يلتهمها التهاما ) ، يعمل على ربط الأحداث ودلالاتها وتأثيراتها على القضية الارترية ، نشهد أن له باعا كبيرا في التنظير والتحليل السياسي ، وهو في هذا الميدان فارس لا يشق له غبار ، ثاقب النظر ، بارع في استخدام أدواته ، ومدرك لمتشعب علاقاته ، ماهر في استخلاصاته واستنتاجاته ، ومتقن في الوصول الى المآلات المرجوة ..
وهو في كل ذلك بعيدا عن الهوى والغرض ، فلا تدنسه قبلية ولا جهوية ولا حزبية ضيقة ولا عصبية ايا كان منزعها .. انما يبتغي وجه الله ثم الوطن ، جعله الله في ميزان حسناته .
ان اهتمامات الشيخ الجليل لم تقتصر على الوطن ارتريا فقط بل امتدت الى دول الاقليم فلم تغيب قضاياها عن باله بل ظلت حاضرة في تنظيراته وتحليلاته ، وينوه دوما الى الترابط والتشابك بين مصالح شعوب المنطقة وضرورة ايجاد تعاون يرقى الى تكامل في شتى الصعد والمجالات ، وكم من صلات وصداقات كثيرة تربطه مع القيادات الوطنية والإسلامية بالمنطقة .
كان الشيخ ذو نفس أبية وإرادة قوية وهمة عالية تنطح الجبال ولا ترضى بدون النجوم .. فالشيخ مع سابقته وعلمه وفضله وتراكم خبراته .. كان ذو قلب كبير يسع الكل ، متواضع جم الأدب مهذب الأخلاق ، عطوف كريم يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة ، ويخدم اخوانه وهو أكبرهم سنا ومقاما ( خادم القوم سيدهم) .
كانت ثقته في نفسه كبيرة ألهم بها الآخرين ثقة واجتذبهم تحت قيادته ، ومعتد برأيه يقارع عنه بالحجة والمنطق ، ويستميت في سبيل الأخذ به واعتماده ضمن مقررات الحزب ، كيف لا وهو يسهر في تقليب الرأي ومقارنته ومضاهاة بدائله للتنبؤ بمآلاته اذا وجد الطريق الى التنفيذ ، وبعقل راجح وفهم عميق وعلم واسع فانه رحمه الله يدلي برأيه وغالبا ما يأتي به مكتوبا ليكون مادة للنقاش ، وكان بحق يشحذ الأفهام ، ويستدر الأفكار ، ويستولد الآراء والمقترحات .. فكان باختصار يثري الاجتماع ، ويشعل المداولات ، والتباري الحكيم ، والتنافس الشريف ، والرأي السديد .. حتى يشكل جماع آراء الحضور وينال رضاهم ويفوز باعتمادهم ويخرج كقرار حزبي ملزم .
الشيخ رحمه الله ينافح دون رأيه وما يعتقده صوابا في كل المحطات الشورية ، أما وان رأت الأغلبية خلاف ما يرى فانه نزال عند أمر الشورى ، فمخرجاتها عنده ملزمة وليست فقط معلمة ..
الشيخ أوتي يراعا سيَّالا يتدفق بالحكمة والرأي القويم ، وقد كانت كتاباته تثير حراكا في الساحة السياسية ، وتشغل الرأي العام ردحا من الزمن بجرأة طرحها ، وتطرقها للمسكوت عنه ..
كان يتفرس في الأحداث ويسبر غورها ويعقد بين حلقاتها ، ويستل أطراف خيوطها ويدرس روابطها وعلاقاتها ، ثم يُعمل فيها العلم والفكر النافذ ليتنبأ باتجاهاتها المستقبلية ، فكانت في الغالب تصدق تنبؤاته كأنما هتكت له حجب الغيب ، وتتجسد في المشهد السياسي ونراها رأي العين ..
ولأنه الرائد الذي لا يكذب أهله ، والحريص على مصلحتهم فهو النذير لهم من المهددات المحتملة ، كما زرقاء اليمامة تنذر قومها بقولها اني أرى أشجارا تتحرك ، فسخر منها قومها ، فوقعت الواقعة واستباح العدو الديار ، وكذلك الشيخ رحمه الله ، فكم تعرض للإساءة والطعن والتجريح .. إلا أن كبير النفس لم يرد على جهالات الجاهلين ، واحتسب عرضه لله تعالى ، واكتفي بالقول : ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) .
كان صمام أمان للمسيرة ، وحامي حمى الحزب والمنافح عنه في شتى المنابر والمحافل ، والمدافع عن قضايا المسلمين والمهمشين ، وهو في كل ذلك لا يشطط في الرأي ولا يفتئت على الحقيقة ، انما يعدل في الحكم على القضية موضع البحث ( وهو القاضي المخضرم ) ، ولو كان في غير صالح من هو محسوب عليه ، أو لغير صالح حزبه الذي ينتمي اليه .!!. فشعاره دوما ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) .
مع زهده وورعه كان متجردا محتسبا ينشد الكمال في أي عمل يقدم عليه ، فينكب عليه ويعمل فيه فكره ويفرغ فيه جهده فيخرج العمل متقنا كاملا .
الشيخ المجاهد لا يعرف البطالة أو الراحة ، لا يخلو فكره من الاشتغال بقضية من قضايا الوطن والمسلمين ، يمعن فيها النظر ، ويجيل فيها الفكر ، ، وينشد فيها الخير والصلاح للوطن وللمسلمين ، فيخرجها رأيا ناضجا ومقترحا بناءا . ومع مشغولياته الكثيرة فان حق ربه لا يفرط فيه ابدا فلا يفوت صيام التطوع ، واستغفار السحر ، فكم من مرة افتقدته في سفر وفي حضر فإذا هو قائم في مصلاه يناجي ربه ، لا يمنعه مرض ، ولا يصده نصب ، ولا يحجزه كثرة التكاليف التنظيمية ، يواظب على ذلك في كل الأحوال ، أسأل الله أن يجعلها له قربى وزلفى اليه جل وعلا ، ونور وأنس في قبره انه سميع مجيب .
كان صبورا جلدا ، وقد هد المرض جسده الا أن نفسه الكبيرة لا ترض بالانطواء والبعد عن مسرح الفعل السياسي ، وهو لا يحب الأضواء ، ويعمل خلف الكواليس بتجرد ونكران ذات ، له رسالة يؤمن بها ويريد أن يبلغها ، له دور يرى ضرورة الاضطلاع به مهما كان الثمن ، دون الاكتراث للمثبطات والعقبات الكثيرة ، ودون الوجل من العواقب ..
كان عف اللسان وعفيف اليد طاهر الأثواب ونظيف الدواخل لا يحمل حقدا أو غلا لأحد ، يبادر بالاتصال بخصومه ، ويقابل من أساء اليه هاشا باشا في تسامح عريض وتواضع جم ، وهو من هو في المقام والفضل ..
كان للشيخ أبو ماجد أن يتمرغ في زهرة الحياة الدنيا ويستمتع بزينتها لو أراد ، وقد أتته منقادة أكثر من مرة ، فصدها عنه حتى لا تفسد عليه دينه وآخرته ، وآثر حياة الكفاف ، وبارحها وهو خفيف فلم يورث ورثته الذهب والعقارات ، بل ترك لهم تركة الانبياء العلم وهذه الدعوة ، فهي منحته البركة والنجاح وهي كفيلة ــ بعون الله – أن تنقل ذلك الى ذريته ، فالتحية لأسرته الصغيرة الصامدة الصابرة ، جعلهم الله خير خلف لخير سلف ..
والله نسأل أن يلهم كل محبي الشيخ الشهيد وذويه وزملائه ورفاقه ومعارفه حسن العزاء وجميل السلوان ، وأن يخلف الحزب الاسلامي بل الوطن أجمع في هذا الفقد الجلل خيرا ، انه ولي ذلك والقادر عليه ..
( انا لله وإنا اليه راجعون ) ،،،
علي عبد العليم
Alialawe2000@hotmail.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=31698
أحدث النعليقات