الشيفونية / والحل الفيدرالي …والتشخيص الاصح يضمن العلاج
كتبه/ حامداود محمود
هامش اول:
تحاول العديد من غرف البالتوك رصد تطورات الاحداث، وفعلا انها مع غيرها من المواقع الالكترونية تسهم فى تقريب الاراء وتشكيل راى عام وهذا كله لم يكن متوفرا لسنوات خلت او فى القرن العشرين ،وهؤلاء يستحقوا منا كل تقدير وتبجيل لما يقدمونه من اسهام فى قضية اهلهم واخص بالذكر غرفة الحوار العربى الارترية وكل المواقع الحريصة على نصرة القضية بحرص ووعى.
اننى اؤمن بإن عمليات التفاعل والتفاكر والحوار ،هي الطريق المأمون إلى تحقيق الخصوبة المطلوبة ،وتوليد عملية النهوض باعباء النضال ،وهى نفسها تخدم من ناحية ثانية جدلية الفكر والواقع ،وبالتالى لا ارى اى خوف مبرر من اجتماع المثقفين الاخير ،معتقدا انه سوف لن يغير من جوهر القضية لكنه قد يخلق بعضا من التاثير رغم تهربهم من التوصيف الحقيقى للنظام، والذى هو اى التوصيف ،حجر الزاوية لتبرير جدلية النضال نفسه, والامر المهم الذى عنيته هوان ذلك الاجتماع اصلا سوف لن يغير شيئا فى معسكرنا الوطنى وبالتاكيد سيميع مواقف الغلاة. لكن ليس موضوعنا هنا اليوم هذه مسالة .
ربما كغيرى تابعت التطورات الملحوظة ، فى الاستقطاب المتواصل نحو قاعدة البحث عن الحلول عن طريق تجميع الصفوف وخلق الاجماع ،ولا اخفى تفاؤلى وارتياحى، وطبعا ضمن هذا المشوار، ياتى فى المقدمة توصيف النظام والذى هو احد اركان التحقق من الواقع(الذى نهمله كثيرا ونتعامل مع قشوره) وبالتالى انهاء حالة الضبابية التى من المفترض لا تكون اصلا موجودة لدينا. فلا يمكن ان نستدعى اسماء ونعوت واهمة واهية ،فلا نعرف لماذا نريد ان نعمل.
كما أن الواقع بأحداثه وتحولاته، بإيجابياته وسلبياته، بإنجازاته وإخفاقاته، لا يمكن أن ندركه حق الإدراك ونفهمه حق الفهم، بدون فهم الأفكار التي عملت وأثرت في ذلك الواقع. نحن بحاجة إلى فهم الأفكار التي صنعت أو شاركت في صنع ذلك الواقع،(فكر تثبيت الظلم من ناحية وفكر ازالة الظلم من جانب اخر)، نحن بحاجة إلى فهم الواقع، الذي هو وعاء الأفكار وحاضن الممارسات العملية والبرامج والخطط والسلوكيات المتعددة والمتنوعة المناحي ، والذى سيوادى بالضرورة عند تصاعد الوعى لدى الغالبية، الى الابصار بوضوح والعبور الى الطريق الصحيح .
ففى هذا الخضم، حدثت تغييرات فى مواقف بعضا من المحسوبين على الحالمين ببرنامج اسياس ( منذ ملتقى اديس السابق) من الذين كانوا يرفضون تسمية ما يجرى على وضح النهار ،والصاق نعت الدكتاتورية الفردية فقط على ما يجرى . وهذه التطورارت ربما ستجعل بعضا من التغرنيا الاعتراف ،ولو بخجل ،بوجوده، ومن ثم المحاولة فى الاسهام نحو التسمية الصحيحة ،والتبرؤ من برنامج النظام من انه يمثل التغرنيا ،وهذا الانزياح طبعا اكثر تقدما من مواقف بعض الجهات المعروفة لدينا .
فالمسالتان الهامتان بالنسبة لنا ،وهما التغيير و ضرورة المشاركة الواسعة لكل الساعين لاسقاط النظام ،وهما تتأتيان او يؤسس لهما من خلال تبنى الخطاب الصحيح لتوصيف الحالة ،وعدم التعاطى التمويهى الذى تكون نتيجته التضليل ،وبالتالى ابتعاد الناس من التجاوب البناء معه، لأنه سوف لن يمثلها فحسب ،بل يعتبر هداما وغير صادق ،وهدرا للوقت فى لا شئ.
وبشكل عام من المتوقع ان تتبلور اكثر العديد من المواقف مستقبلا / متى ما نجزنا الكثير من وحدة الفكرة والمطلب ، حين يتصاعد الوعى لدى التائهين الذين لم يصلوا لتقييم مستنير او الذى حرموا من نعمة الادراك ،وكذلك اذا الانتهازيين تراجعوا من خذلان اهلهم ،وهذه ليست بشروط صعبة المنال.
هامش ثان:
ومن حقنا التساؤل لماذا نتهرب من تعريف النظام؟ اعنى هل من المعقول ومن المنطقي ان نتغاضى عن لب القضية؟!! اذا لا داعى ولا مبرر للنضال او رفض ما هو باين تحت قبة السماء والمطالبة بكذا وثم كذا. وفى ذات الوقت نحتاج ايضا الى اجابة عن الحل المتوفر(مثلا الفيدرالية)، فدعونا نبدا بالتساؤل الاول.
فلنأخذ مثلا التعريف الاتى:
يقول الكاتب جبار قادر(الشوفينية تعني أصلا المغالاة في حب الوطن أو الأمة التي ينتمي اليها الأنسان. و مع مرور الزمن أصبحت صفة تلصق بالأشخاص المتعصبين لقوميتهم والذين يتعاملون بصورة إستعلائية إزاء الأمم و الشعوب الأخرى . كثيرا ما يعتبر هؤلاء شعوبهم شعوبا مختارة لأداء رسالات سامية ، بينما تحتل الشعوب الأخرى برأيهم مواقع دونية . ومن هنا فهم ينكرون على الأمم الأخرى الحقوق و التطلعات التي يعتبرونها شرعية لشعوبهم. وتؤدي الشوفينية في نهاية المطاف الى تبني المفاهيم العنصرية و التمييز العنصري. ويمكننا القول بأن الشوفينية كانت دائما وراء زرع بذور الفرقة و الخصام بين الشعوب و الأمم المتعايشة مع بعضها و تسببت في كوارث أنسانية كبرى).
فالشيفونى لن يتحقق له خبثه ،إلا بعصبية يستقوي بها، فلابد أن يلجأ إلى من تربطه بهم صلة القرابة، ممن يشاركونه اللون، أو العرق، أو العقيدة، أو العشيرة، ليتخذ منهم سندا نصيرا، ويتقاسم معهم مغانم الحياة، من بعد أن ينفث فيهم روح العز والكبرياء، ونزعة الهيمنة والازدراء، الأمر الذي يؤدي إلى إفراز ثقافة خاصة بهم، طابعها (أنا ) الاستعلائية، التي تحاول فرض نفسها على الآخرين، يتخذون منها خطاب تأجيج وتأليب، ثم يتوارثونها جيلا عن جيل، ويعملون على ترسيخها، لا سيما إذا ما قدر لهم الإمساك بزمام السلطان والاستمرارية.
ويقول الدكتور جلال الدين محمد صالح (إذا ما عدنا إلى السيطرة الشيفونية التجرنياوية التي نلمسها اليوم جميعا ونتجرع مرارتها، نستطيع أن نقول: إنها ليست وليدة اللحظة، وإنما هي حصيلة عمل تنظيري دؤوب، وجهود متراكمة، ورؤية واضحة بدءا بالزعيم التجرنياوي ولد آب ولد ماريام، الذي يعد أحد أبرز الذين خططوا لهذه السيطرة). ويضيف (ما كشف عنه السيد ولد آب ولد ماريام للسيد هبتي ودعاه إلى تبنيه، وما نقله السيد ولد يسوس عمار عن السيد هيلي ولد تنسائي يؤكد لنا أن إسياس هو نتاج مشروع، وليس المشروع من نتاج إسياس، ومن هنا فإن كل إصلاح ينطلق من غير هذا الوعي لا يمكن أن يؤدي إلى بسط العدالة الكاملة في الشعب الإرتري، وعليه لا يمكن حل إشكالية السلطة في المجتمع الإرتري في جعل اللغة العربية بجانب التجرنية اللغة الرسمية دستوريا وكفى، ولا في التأكيد على ديمقراطية الحكم، فالاستجابة لهذه المطالب أمر لا يشق تلبيته على النهج الشيفوني الحاكم إذا ما أحس بضيق تنفس، ) ويصل بنا الدكتور جلال الدين الى (إننا في حاجة إلى حل جذري، يستأصل الغدة السرطانية تماما، ولا يكمن هذا الحل إلا في تفتيت السلطة من المركزية إلى اللامركزية، وتمكين كل مجموعة من حكم ذاتها بذاتها، في إطار إرتريا الموحدة، وجعل ذلك حقا دستوريا، لا تمحوه إرادة متغلب، ينتزع السلطة انتزاعا، ويـتأمر على الناس قهرا.)
ومن هذا الفهم والرؤيا التى لدينا جميعا، تكون الاجابة على ماهية الحل الناجع لكسر هذه الشوكة التى نمت فى الخاصرة ثم اعتلت فى النهاية الرؤوس و طأطأت البشرية جمعاء وفعلت تمارس فينا القتل والطرد والتشريد والسلب والطمس حتى كفر البعض بالانتماء والمشاركة. وعليه فان المركزية التى تعطى الفرصة والمبرر لاعطاء الاخر حق للدوس على الاخرين تحت اى مبرر او مسمى لن تكن مأمونة و مأموله بعد الان . وعليه يتحتم الاخذ بالبديل الا وهو الفيدرالية.
هامش ثالث:
الدستور وما الدستور ؟؟
يقال ان سائلا قد توجه الى الشيخ الزندانى، يساله فى معنى الجاهل فرد عليه : بان الجاهل هو مثل حال الرجل الذى راى مطرا غزيرا فيقول ما رات البلاد مطرا كهذا قط.
فقال السائل وماذا يعنى هذا ؟
فقال الزاندانى : ان هذا الرجل نسى ان المطر كان يتساقط من قبل ان يخلق، وانه سيسقط لا محالة بعد الان ،مما يعنى انه لا يمكن الجزم بشئ لاتعرف بدايته او نهايته.
وهذا هو حال البعض من الجهل يتبنون مواقف هم لا يعرفون عنها ،وفى نفس الوقت لا يحسنون التعبير عنها ايضا.
اولا منطقية الدعوة الى مثل هذه التدبير يمليها الواقع وتأييدها تجارب الشعوب ، لهذا توافقت جموع المشاركين فى ملتقى الحوار وضمنها التظيمات المقاومة المنضوية فى اطار التجمع ،بان الذي ينبغي العمل عليه هو إقراره منظومة متكاملة ، فكرية، سياسية ،واقتصادية وادارية تقاد من خلالها المرحلة النضالية وايضا تصبح تأسيسا لارتريا الغد.
نحن امام تحد ما اذا كنا نتمتع بوعى كاف ام لا، اى وعى اخلاقى وانسانى يمكننا من الوصول الى صياغة قيم/ فكر /مفهوم /مبادئ شجاعة وناجعة تعالج الحاضر والمستقبل ، تحقيق نظام ديمقراطي بجميع آلياته وضوابطه ،ثم يحقق ويضمن كل الثوابت، طبعا الثوابت تعنى الانسان ثم الارض ثم ما يليه من مستويات الاولويات ،خلاف لما يعتقده البعض من التعريف المبتذل الذى تجاوزه العصر الحديث، ان المعايير الأساسية دخلت الان مرحلة العولمة والانسانية المشتركة ،وهذا ما شهدناه فى مواقف العالم تجاه ثورات العرب الاخيرة .
ان الأهم من هذا كله، أننا أمام دستور يطمح ليكون أول مشروع مشترك للارتريين ،لكى يضمنوا مستقبلا تصان فيه الكرامة الإنسانية و مبدأ العدالة والحقوق والحريات ، وما تحتاج إليه الانسانية من ضوابط داخل حدود كل دولة على حدة، ليكون للنظام الديمقراطي داخل الحدود الاقليمية، اثره عالميا ايضا ليسمهم فى الامن والسلام.
فليتخيل معى القارئ ،انه فى حالة عدم وضعنا لتدابير مسبقة كفيلة لصنع وطن للجميع ،بانتقال سلس، فليتخيل مدى الفراغ الرهيب الذى قد يحدث بعد سقوط النظام، بل ايضا هناك ما يسمى سرقة الفرصة او ظهر بديل اخر من بواقى السلطة نفسها، وهناك العديد من التجارب التى شهدها العالم / الصومال كمثال صارخ /. على كل ان وضع تصور مسبق تمليه تجربتنا نفسها حين جاء الاستقلال ولم يكن فى بال الناس ماذا سيكون المستقبل. لانه لا يمكن بحال من الاحوال الامساك بزمام الامور حال سقوط اى نظام ام استعمار ما لم تكن هناك احتياطات مسبقة وتوافق مسبق وتطميين مسبق ، وليس على المحك فقط مهمة إنهاء الاستبداد القومى (الشيفونى) بل ضمان عدم تكرارها مرة اخرى.
ويمكن القول دون تردد بان الذين يدعون دون مبررات تذكر او تفسير، بان انجاز دستور موقت غير مستحب، سنجدهم صراحة بانهم فعلا فارغين و لايفهمون حقيقة معنى الدستور والقوانين ،ولا حتى معنى للاطر المنظمة والمدبرة لشؤن البلاد والعباد .واذا سالناهم ماذا ستخسرون لو تمت اجازة دستور موقت؟ ايضا ليست لديهم اجابة ،كما هو الحال فى عقمهم من تبرير تقولهم العدمي.
المقصد الاساسى:
اذا كيف تصبح الفيدرالية حلا مناسبا؟ طبعا لا اريد تكرار ما قيل عنه الكثير، وفى نفس الوقت انا لست فيلسوفا او منظرا، وليست لدى مقدرة ادعيها . ولكن ان ما تعلمته وفهمته بعمق، هو ان لكل مشكلة حل وان الحلول عدة ولابد ان تتناسب وموضوع المشكلة حتى نقرر بها كحل. وقد اجمع اهلنا حتى الان ان النظام الفيدرالى هو الانجع لما نحن فيه ،ولم يقولوا حتى الان الكنفيدرالية التى تصل فيها الخيارات حتى حق الانفصال. اذا الفيدرالية حل فعال لامتصاص الخلافات بين الشعوب المنقسمة عرقيا أو ثقافيا .و ̓ان دواعي تشكل النظام فدرالية يعود الى الرغبة في تحقيق مصالح لا يمكن الوصول إليها عبر طريق آخر كالأمن والازدهار الاقتصادي الذى فقدناه فى المركزية.
ثم ان الفيدرالية او للامركزية يمكن تطبيقها على مساحات ومستويات جغرافية تصل الى ادنى حدود جغرافية / مثلا حدود مدينة او مديرية او منطقة اوسع /وهذا يكون خيار اهل المنطقة المعنية طبعا ،وليس بالضرورة ان تمثل للامركزية او تطبق فى حجم بمستوى رقعة جغرافية كبيرة مثل اقليم (اقليم دنكاليا يمكن ان تولد منه ثلاث فيدراليات ،واقليم الساحل خمس فيدراليات). وبالتالي يترتب على المواطنين أن يقوموا بواجباتهم تجاه سلطتين اثنتين هما الحكومة المركزية والحكومة المحلية التابعة للولاية . ولدينا من الدول الناجحة فيدراليا النمسا بعظمتها وايضا سويسرا كندا وأستراليا بلجيكا الارجنتين والبوسنة والولايات المتحدة ايضا والعديد من الدول التى تشهدا استقرارا كاملا بل وتطورا مشهودا لتبنيها نظم تحكم فيه وتتحكم الناس على شؤنها الذاتية وتشارك غيرها بالتساوى على شان البلاد.
المسالة الاكثر كسبا والتى يجب ان نلحظها فى مثل هذا النظام الادارى هى انها تمنع حدوث استبداد شيفونى اودكتاتوري أي كان مشربه او اية ازمة و فشل دستوري .علما ان المركزيات فى العديد من الدول فى العالم النامى ،حتى وان كانت من قومية واحدة، ليس لانها لم تالف نصوص دستورية و سنن قانونية ، بل لانها راكمت حق الفيتو (السلطة والتحكم ) فى يد الرئيس ،الذى بدوره ،سوى بالتحايل وغيره ،يستحوذ على السلطة وبالتالى يمارس الاستبداد ،ويضرب عرض الحائط بالقيم والمواثيق والحقوق والحريات ،ثم ايستباح الدماء والأعراض والثروات وسائر حقوقه (اليمن مثلا).
ولكن الفيدرالية نفسها ،لا تعنى حدود ومنطقة جغرافية فحسب ،بقدر ما هى اطار يجرى هيكلته وصياغته باستمرار من مفاهيم وقوانين نابعة من عمق الواقع الاجتماعى والتاريخى ،ورغبة الناس فى ان تشبه نفسها ،وتحدد هذه المعالم فى الدستور اولا وتستفتى الناس فى شانها لتكون واقعا يمثل الواقع.
واخيرا ،ان الفيدرالية الفيدرالية تعطى دفعة اكبر فى توطيد اواصر التلاحم والوحدة واعلاء شان الوطن وصيانة سيادته.
خارج الهوامش:
بالامس كنت عبر الماسنجر مع صديق محبب يعرف بشكل كبير واقع اهله فى الداخل والخارج وكنا نتبادل اطراف الحديث فى الهم والغم وفيما بينهما من توحد، وطلبت منه منتهزا هذه الفرصة ان يعيننى فيما قد يكون خفى عن ذاكرتى من مشهد او حدث او مؤشر او ما شابهه ذلك ،يوكد ان الويان تغراى عدو للشعب الارترى من بعد الاستقلال ، لعلى وعسى ياتنى بنباء عظيم. طبعا انا اعرف وهو يعرف والكل يعرف بان حرب بادمى ماهى الى صنيعة اسياس وملته ضربنى وبكى،سبقنى واشتكى. لكن ابتلعنا الطعم وبمرارة دامية ومظلمة.
على كل، انا اتفهم حال الناس ومدى ما تعرضت اليه من دعاية واراجيف النظام وكذاك الجهات المحسوبة على النظام وتوابعه لخلق قطيعة مع جيراننا.
awedgaddi@gmail.com
—
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17905
أحدث النعليقات