الصومال : اختيار رئيس الوزراء وجس نبض
بقلم : محمود محمد حسن عبدي
انطلقت وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، تنقل خبر اختيار رئيس الجمهورية الجديد (حسن شيخ محمود)، للسيد (محمد عبدالله محمد “فرماجو”) لمنصب رئيس الوزراء، خاصة مع ارتفاع وتيرة الترقّب، وخشية فئات عريضة من الشعب، من أن يتم تحديد متقلّد ذلك المنصب، دون اعتبار للكفاءة أومفروضًا على الشعب بإملاءات خارجية.
لكن الملفت حقيقة أن ذلك التسريب الإعلامي، تسبب في موجة من الابتهاج والسرور، عمّت الصوماليين في العاصمة وخارجها، ووصلت أصداؤها إلى الخارج والمغتربات، حتى بلغت حدًا لم يجد وزير الداخلية بُدًا من إصدار أمر لقوى الجيش والشرطة بالتوقف ـ هم أنفسهم ـ عن إطلاق الأعيرة النارية في الهواء ابتهاجًا بالخبر، ناهيك عن تحريك الدوريات الإفريقية والوطنية في محيط القصر الرئاسي، للحد من استمرار المدنيين في إطلاق تلك العيرة في الهواء، إذ كاد من لا لم يعرف بالخبر السعيد، أن يتصوّر أن هناك معركة تدور في كل أحياء العاصمة من شمالها إلى جنوبها!.
ولم تمضِ برهة حتى طلع علينا الناطق باسم الرئاسة الصومالية، عبر أثير إذاعة مقديشو الحكومية، مفنّدًا الخبر وطالبًا الهدوء، لتتلاشى معالم الفرح وتحل مكانها من جديد، حالة من الترقّب تضاعفت مع هذا التسريب غير المسؤول الذي لم يستثن حتى موقع هيئة البث البريطانية BBC.
لقد أثار هذا التسريب، وردّ الفعل الشعبي المرحّب، ثم سحب الخبر وتفنيده علامات استفهام كثيرة، خاصة مع الحماس الشديد الذي استقبلته به قوى الأمن والجيش، وموجة التفاؤل التي عبّر عنها الصوماليون في كل مكان، عبر وسائل الاتصال، وضمن مواقع التواصل الاجتماعي، فالصوماليون يعوّلون كثيرًا على هذا الرجل الذي أثبتت تجارب سابقة وطنيته، وكفاءته على كل الصعد.
فهو في الفترة القصيرة التي تولى فيها منصبه، رئيسًا للوزراء في بلدنا المضطرب والخاضع للوصاية الأجنبية، تمكّن من تحقيق ما يشبه المعجزة، بأن أعاد العمل المؤسسي من جديد إلى أروقة الحكم، مما مكّن رئيس الدولة شيخ شريف شيخ حسن من تولّي المسائل السياسية بشكل أكثر من رائع، وتحقق خلال عهده القصير، تنظيم لموارد الدولة الشحيحة أصلًا، حتى تمكّن من دفع الرواتب المتأخّرة للكادر الحكومي، وقوى الأمن والجيش والذين على قلة أعدادهم عانوا من تأخر رواتبه لمدد تزيد عن ستة أشهر.
أما على الصعيد الخدمي، فقد تمكّن من تفعيل آليات الجباية في ميناء (مقديشو)، بحيث حدّ من الفساد المالي في مفاصل إدارة ذلك المرفق الحيوي، ونجحت حملته في تنظيف العاصمة، وإعادة روح التفاؤل للمواطنين، خاصة أن الجيش – بارتفاع معنوياته -حقق خلال فترة ولايته تلك، انتصارات مهمة دفعت بحركة (الشباب المجاهدين) للتقهقر، نظرًا لتراجع التأييد للحركة في ظلّ إنجازات رئيس الوزراء.
حتى مع تحوّل إنجازات رئيس الوزراء الناجح، لورقة ضغط مهمة في يد الفريق العامل مع الرئيس (الشيخ شريف شيخ أحمد)، على المجتمع الدولي، الذي تعمّد طويلًا تأخير أي مسعىً لإنضاج المسألة الصومالية داخليًا، فقد كانت التسوية التي أدّت إلى عزله من منصبه قادت لارتفاع كبير في شعبيته، وحوّله إلى رمز وطني حيّ، يكافح لإخراج البلاد من منطقة الظل، إلى مرحلة الاستقلال التام عن المؤثرات، التي تتعامل مع الصومال ككيان، لا يمكن أن يصلح لأن يأخذ حقه في التعافي!
وهو ما ظهر جلّيًا في الموقف (الأوغندي –الإثيوبي)، الذي رأى أن المسألة الصومالية بدأت تأخذ منحى “طبيعيًا”مقلقًا، يقوده رجال وطنيون نحو تقوية الدولة، عبر إعادة بناء مؤسستها بالموارد المتوفّرة، للوصول بفاعلية إلى الحد من التدخل الأجنبي، وهو ما لم يكن مقبولًا في نظرهما، و نظر عرّابي دعم الوجود الأجنبي الأبدي في الصومال، مع تخاذل ـ أزلي ـ للجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي كذلك، عن إعارة الشأن الصومالي ما يتناسب مع أهميته.
كما أن التوجّه الشعبي الكاسح نحو القبول بـ”فرماجو” رئيسًا للوزراء، يعتبر في نظر الكثير من المحللين مؤشّرًا آخر على رغبة الصوماليين في الخروج من حالة العداء القبلي، التي كانت مزمنة طوال عقدين، فانتماء ذلك الرجل إلى قبيلة الأكارم من (مريحان)، والتي انحدر منها الرئيس(محمد سياد برّي)، الذي تعتبره فئات واسعة من الشعب مجرمًا خارجًا على الشرع والملّة، فإن التأييد الذي يحظى به (“فرماجو”) اليوم من خلال ذلك المنظور، يدلّ بوضح على رغبة وطنية جماعية، في تجاوز تلك المرحلة المدمّرة التي نشأت عن سلطة الفرد والتحيّز القبلي الأعمى، لصالح المواطنة واعتماد الكفاءة، كسبيل نحو تحقيق مصالحة تفصيلية وشاملة .
خاصة أن التقارير لا تني تتحدث عن ضغوط تمارسها، أجنحة على قدر كبير من النفوذ، لاعتماد حصر اختيار شاغلي منصب رئاسة الوزراء، ليكونوا من المنحدرين من ولاية “أرض البونت” تحديدًا، ليكون “تخصيصًا”عالي الكلفة، لبنود المحاصصة القبلية المعمول بها، في ظل تجاهل حكومة (أرض الصومال)، لكامل الواقع السياسي والميداني المتغيّر إلى الجنوب، بدعوى الاستقلال التام والسعي نحو اعتراف محلّي ودولي بسيادتها، أو على الأقل انتظار شريك مفاوضات كفئٍ قادر على الوفاء بالتزاماتها.
وبالعودة للخبر الذي تم نفيه، فإنه وفي ظل كل ماسبق، فإنه لا يمكننا اعتبار ما تسريبه، سوى محاولة من مؤسسة الرئاسة الصومالية، للفكاك من حالة الضغط الخانق الذي تمارسها بعض الفئات، نحو اختيار رئيس الوزراء ضمن “التخصيص” المذكور للمحاصصة، وهو ما استوجب ـ بتصوّرنا ـ، وضع الأطراف الضاغطة، في صورة العامل الشعبي المؤيد لمرشّح قادم من خارج ذلك”التخصيص”، وما يعنيه التأييد الشعبي العارم، من إضعاف لزخم الضغط السياسي القاسي والمدعوم خارجيًا، على مؤسسة الرئاسة في هذا الصدد.
محمود محمد حسن عبدي
باحث وشاعر من الصومال
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=26159
أحدث النعليقات