الطــــــــــــــــــــــــــــاووس
قلم/ عمر جابرعمر
ملبورن
20/02/05
الدكتاتورية نظام سياسى يستند الي تركيبة ثقافية واجتماعية تجعل فئة من المجتمع ( حزب _ عشيرة – وطائفة – قومية ) تتسلط علي الأخرين وتستأثر بالسلطة والثروة وتحتكر القرار , وتبرر ذلك بشتى الوسائل:
* تفوق عرقى – النازية
* تفوق اجتماعى وثقافي ( العالم الثالث ارتريا نموذجا )
* حرص على المصلحة العامة (الشيوعية )
والدكتاتور الفرد لايستند الى ذلك النظام ويؤمن به فحسب ، بل تتملكه حالة نرجسية وعبادة ذات تجعله يعتقد انه فوق الأخرين ولا أحد يجب أويمكن ان ينافسه والمرء لايصبح دكتاتورا بين عشية وضحاها – ولكن علامات ذلك التوجه تبرز تدريجيا – فهو أولا يتابع ويراقب – يصنف الذين معه ويركز علي من هم في المقدمة|
( معه أو أمامه ) يبحث عن نقاط الضعف لكل من هؤلاء ويحاول خلق الفتنة والفرقة وبينهم ويتقدم في الوقت المناسب كمصلح وكشخص يتفق عليه الجميع ,
ثم يبدأ في التخلص من هؤلاء الذين يشكلون خطرا عليه او يمكن ان يتنافسون معه . ويتواصل هذا الطموح ويصبح ” الكرسى ” هو الهدف والغاية والوسيلة والحلم . هنا يبرز سؤال اذا كان الدكتاتور بهذا ” الذكاء ” في ادارة الصراع والتخلص من خصومه فلماذا يفشل في نهاية الأمر ؟
السبب بسيط : ان حلم الدكتاتور وهدفه هو ” السلطان ” والتربع علي الكرسي – ليس له ” فكر ” ايجابي وجامع ومتفاعل مع محيطه – بل ان فكره هو سلبى وعازل ومتعالى . لايهتم بالتاريخ بل باللحظة الراهنة – لا يكترث بالمستقبل بل يعيش يومه وكأن الشمس لاتغيب عليه . ان فكره وحركته ورؤيته ضد التاريخ ولهذا فمهما كانت انتصاراته فهى مؤقته , ومهما أحاط به من بريق زائف وزائل ومهما تظاهر بالعنجهيه والتحدي ففي داخله يعيش خوف ورعب من فقدان عرشه وفي لحظات الاختباء الحقيقى لصلابه الرجال ومدى قدر تهم على اظهار مواقف العزة والكبرياء يسقط الدكتاتور وينهار ويعود طفلا يستجدى الرحمة والابقاء علي حياته ! ( صدام حسين نموذجا ).
في عالم الطيور يمثل الطاووس حالة فريدة تتمثل في التباهى بريشه وألوانه – والغريب ان الطاووس الذكر هوالذى يتجمل ويحاول اغراء الأنثى وجزب انتباهها الي ألوانه الزاهية وريشه المنفوش . والدكتاتور حينما يصل الى المرحلة الطاووسية يصبح خطرا ليس على نفسه فحسب بل وعلى نظامه وكل من حوله . ” أسياس أفورقي ” طاووس وقع أسيرا لعبادة الذات وتملكه شعور بالخيلاء والتباهي بما ليس فيه وبما لا يملك . أصبح في المرحلة الطاووسية لايسمع الاصوته ولايرى غير صورته ويعتقد بأن العالم يدور حوله ويتوقف عند قدميه . قضى علي كل معانى الحياة في ارتريا – اعتقل وعذب وقتل خصومه حاول ان يمنع تدفق واشاعة المشاعر النبيلة والقيم الفاضلة في نفوس الارتريين . لايدرك معنى للمساواة ولايعترف بحقوق البشر . نشر الدمار والخراب في ربوع الوطن . معنى الحياة بالنسبة له هو ان يكون هو الأول والأعلي والأوحد – يتطاول علي من هم أعلى قامة منه ويتجرأ علي من هم أقوى منه وعندما يهتز الكرسى من تحته يصيبه الارتعاش ويهرع الى خصوم الأمس يتذلل أمامهم ويطلب الصفح . وعندما تلحق به الهزائم وتضيق به السبل يقوم بتشغيل اسطوانته المشروخة :
وياني *** وياني *** وياني
ياله من طاووس ضعيف الذاكرة :
* من غيره أتى بوياني ؟
* من سواه تحالف معهم ؟
* من أكثر منه قربا وقرابة بهم ؟
يستثمر ويوظف كل شئ في البلاد في سبيل الحفاظ علي سلطانه . اذا أراد ان يرسل رسالة يأمر ببغاواته التى أصيبت بالصمم العقلي ان تردد المديح وتبرر الخطايا . واذا اراد تهديد من يمثل عليه خطرا ليطلق كلابه المسعورة وأبواقه المأجورة لتنهش في أجساد الشرفاء والمناضلين . العهد لديه مادة للابتزاز والمساومة والوعد عنده سلعة للمتاجرة وجنى الأرباح , لا يهمه المستقبل لأن التاريخ كله – كما يعتقد ـ يمكن تغييره بجرة قلم واعادة صياغته في لحظة زهو وتباهى بقدراته التلوينية وصوره الباهتة .
أنه لعنه أصابت البلاد.
أنه وباء تفشى ولحق بالعباد.
أنه أفعى شريرة تنفث سمومها لتقتل كل شئحى ومن بعده الطوفان هذا البلاء يجب ان يزول الاًن وليس غداً . انه سبة في جبين هذا الشعب المضحي والصابر .
أنه وجه قبيح لايجوز ان يكون على رأس دولة بنيت بدماء الشهداء . انه غير وفي : خان أمانة الشهداء وقتل جرحى حرب التحرير في ” ماى حبار” وأباد الشباب في ” عدى أبيتو ” انه سمسار علي استعداد لبيع الوطن بكامله – التراب والسيادة والكرامة – من أجل الحفاظ علي عرشه المهزوز. زرع الفتنة في المجتمع ولايهمه أمر الأرامل واليتامى ولا يكترث للأحياء ناهيك عن الشهداء. الآن وقد زادت عزلته واكتمل الحصار من حوله أن الأوان للزحف المقدس لابد في عامنا الجديد هذا من إقتلاع قلعة الدكتاتورية وان نعيد الى الوطن صورته الناصعة الجميلة والى الأطفال ابتسامتهم والي الأرامل واليتامى الأمل في غد جديد . لابد من كتابة صفحة مجيدة في دفتر الوطن وتسطير أمجاد هذا الشعب والحفاظ علي عزته وكرامته .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6561
أحدث النعليقات