الطيور المهاجرة
بقلم/ سلمى ادريس
شهدت ارض المعسكرات في سوبا احدث مؤتمر للحركة الشعبية الارترية، الذي احدث ربكة شديدة نتيجة لتشابه الاسم الاول والثاني والاتفاق في الاسم الثلاثي لاسم تنظيم (الحركة الشعبية السوداني). ومن الطريف نشرت احدى الصحف السودانية صباحية يوم 27 من يناير مقتطفات من اخبار نبأ انعقاد المؤتمر الاول للحركة الشعبية الارترية في الخرطوم، وهذا النبأ ساعد على ارغام المتلقي على قراءة الخبر وكذلك لفت انتباه المهتمين والمتطلعين لمعرفة هذه الحركة التي سجلت اول سابقة في ان اوجدت فرصة كبيرة في ان يبث بنأ انعقاد مؤتمرها عبر قناة الجزيرة واسعة الانتشار، وبذلك تكون قد لعبت دورا مهما في تكوين رأي عام عند ملايين المشاهدين حول العالم.
اتيحت لي فرصة بان اشارك في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، وما ادهشني هو الحضور المتميز الذي امتلأت به القاعة، وهذا يعكس وفاق وقوة المعارضة الارترية، فالكل يعم دون كلل او ملل كل حسب المهام التي كلف بها كانهم خلية نحل في النشاط والحركة، حيث لم يتخلف احد من قادة المعارضة ان كان من الذين تصادف وجودهم في الخرطوم او الذين قدموا من الخارج للمشاركة في اجتماع هيئة القيادة للتحالف الديمقراطي الارتري والذي يتكون من ستة عشرة تنظيما معارضا.
كذلك شهد المؤتمر حشد من الحضور الارتري، السوداني والاثيوبي وتغطية اعلامية غير مسبوقة لمؤتمرات المعارضة. وكانت لي اول متابعة لاخبار المعارضة التي سمعت عنها كثيرا في شكل روايات وحكايات. وهذا المؤتمر اهداني فرصة التعرف عن قرب لرموز وقيادات الحركة الشعبية وعشرات التنظيمات الارترية.
ازعجت الصحفيين الذين كنت اتوسطهم عمر ليلش وطاهر حمدي ولاحقتهم باسئلتي كلما وقع بصري على شخص في المقاعد الامامية والخلفية من هذا ومن ذاك. كما لفت انتباهي الوفود المشاركة التي اطلقت عليها الطيور المهاجرة في مقالي هذا، والذين اكتظ بهم معسكر سوبا بعد ان تفرقت بهم السبل واخذوا يتعانقون ويتبادلون التحايا والقبلات والاشواق. واخذت كل مجموعة تتجاذب اطراف الحديث، منهم من بدأ حكاوي عن الجبهة والبعض الاخر له ذكريات في السودان قبل ربع قرن ابان العهد المايوي، والطفرة العمرانية التي حدثت في عهد الانقاذ والكرم السوداني الذي قوبلوا به. وعندما اقتربت منهم عرفت انهم ينتمون الى تنظيمات مختلفة، منهم من ينتمي الى مدرسة الشعبية والبعض الاخر لهم خلفيات اسلامية ومن مروا عبر التنظيم الموحد والاخرون من الجبهة او ساقم. كان امرا جلل لهذا التمازج مما جعلني اتابع هذا المؤتمر عن كثب وبكل شغف وتابعته حتى الجلسة الختامية، وكان ان تدخل القدر واتاح لي فرصة ان اكون من فريق المراقبين لعملية الانتخابات.
استقطب هذا المؤتمر عدد كبير من السياسيين الذين كانوا قد تواروا عن الساحة السياسية. وكذلك عمل على ابراز وجوه جديدة من جيل الشباب لم يكونوا مشاركين فقط في المؤتمر بل وجود مقاعد في القيادة مما اكسبها الكثير من الدلالات والمؤشرات الايجابية. وهذا يعني انه تبنى منهج التجديد الذي تمثل في عملية تطعيم القيادة بجيل الشباب المتحمس للعمل مع الخبرة.
لقد تابعت العملية الانتخابية والتي تميزت بالنزاهة والصدق والشفافية والامانة التي احدثت نقلة في التجربة الدمقراطية الجديدة واكتملت بالنهاية السلمية التي انتهت بالتصفيق الحار. ينطلق التنظيم بقوة نحو افاق ارحب لاحداث تغيير ديمقراطي في ارتريا.
ما ان وجهت الدعوة للطيور المهاجرة في كل دول المهجر بمختلف الوانها الحزبية والدينية وبما لها من قناعات ومبادئي مختلفة في العديد من الامور لتوحيد الصف والكلمة من اجل انقاذ هذا الشعب من بين ايدي هذا النظام والحفاظ على هذه الحرية التي دفع مهرها غاليا هذا الشعب الصامد. هبوا بالتوافد الى رحى السودان تاركين كل مشاغلهم وهمومهم الخاصة من اجل القضية العامة وتوافدوا فرادا وجماعات، شيبا وشباب، نساء ورجال، من بينهم الدكتور والعالم والطبيب والمفكر والاديب والاستاذ والشاعر والصحفي والمهندس. تركوا كل مهامهم واعبائهم واتوا من كل فج عميق ليشاركوا في هذا المؤتمر التأسيسي التاريخي للحركة الشعبية وترتيب البيت الارتري التي تبعثرت اوراقه هنا وهناك بعد كل المعاناة التي يعيشها الشعب الارتري.
شاهدت عطاء لا حدود له خاصة مجموعة الشباب الذين كانوا يعملون في مجال الاعلام كانوا يبذلون الغالي والنفيس من اجل انجاح هذا المؤتمر لهم الشكر والتقدير.
اعود بالحديث عن الطيور المهاجرة هؤلاء الذين اضطرهم العدو الاثيوبي انذاك لترك وطنهم واهلهم واموالهم واختاروا لانفسهم التفرق في ارض الله الواسعة من اجل ان يتسلحوا بسلاح العلم وهو افضل سلاح وبعدها العودة للمشاركة والمساهمة في عملية التحرير ومن ثم عملية البناء والتعمير. وعانوا هناك الكثير من اجل هذا السلاح وما ان تحصلوا عليه كان قد سبق السيف العزل، لذلك لم تكتمل فرحتهم به حيث وجدوا انهم لا يستطيعون ان يقدموا لوطنهم شيئا مما تعملوه بسبب هذا النظام واختاروا مكرهين البقاء في المهجر.
بكل امانة كان تجمعا رائعا لم تشهد الساحة الارترية له مثيل. وطيلة ايام المؤتمر كان الجو السائد هو الحب والتسامح وتبادل الاراء والمقترحات برحابة صدر وشفافية عالية وتفهم ووعيا كبيرا وكان ذلك سببا في نجاح المؤتمر، وعلى هذا النحو افترقوا ايضا.
ابائي، امهاتي، اشقائي لكم التحية والتقدير والشكر لهذه اللفتة الرائعة التي قمتم بها هذه التحايا والاشواق اوقعها باسم الشعب الارتري الصامد الذي ينتظر منكم الكثير والكثير وان لا يكون تجمعا عابرا واختيار قيادات وكلمات وشعارات رنانة نريد ان نرى عملا وفعلا على ارض الواقع ودوركم كبير ومتعاظم. نثق في ولاؤكم وحبكم لوطنكم وعليكم ان تقفوا وتساندوا القيادات بالدعم المادي والمعنوي حتى تتحقق الديمقراطية في ارتريا ونتذوق طعم الحرية بعد ان نجتمع في طاولة واحدة لنتشاور ونتفاكر في عملية البناء والتعمير والتعمير… الخ
ايتها الطيور المهاجرة طالت بكم الهجرة وازداد شوقكم لتراب ارضكم والى مراتع الصبا ولكن بعد الذي شاهدته في هذا المؤتمر من اصرار وعزيمة وتكاتف وتوحد اقول لكم هيهات هيهات لقد دنوتم من العودة الى ارض الوطن لكي تهنؤا بحضنه الدافئي وتروا له ماحدث لكم في المهجر وعن شوقكم واشتياقكم له وانه لم يبارح مخيلتكم لحظة وكذلك لم تكونوا ابناء عاقين له ولكن كان بغير ارادتكم والكل يعمل الاسباب واولهم الوطن.
انت ياوطن ..
وان تقدموا لهم عصارة جهدكم من علم ونظريات وتجارب تعلمتموها في اراضي المهجر واحتفظتم بها لتطبيقها في هذا الوطن ليعلو ويسمو بكم.
واقول لكم لا يفيد الشمس شيئا ان كانت لا تراها مقلة عمياء.
واتمنى ان يكون اللقاء قريبا في اسمرا
والنصر للوطن
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6495
أحدث النعليقات