العلاقات الإرترية السودانية والحركة الإسلامية في البلدين
الحلقة الثالثة
الدكتور عبدالله جمع إدريس
نشأت الحركات الإسلامية السودانية والإرترية بكل إتجاهاتها في كنف الحركات الأم. علي سبيل المثال فقد نشأت جماعة أنصار السنة السودانية برعاية المؤسسة الدينية الرسمية في المملكة العربية السعودية وكانت نواتها الشيوخ والدعاة ( المتفرغين ) ورؤساء المراكز الدعوية خاصة في السودان، وتأثّر بعض مسرّحي جبهة التحرير الإرترية، بعد هزيمة هذه الأخيرة، بمركز أنصار السنة في كسلا وأنشأوا الجبهة الإسلامية لتحرير إرتريا. ولكن الحركة السلفية الطلابية الإرترية كانت نواتها من الطلاب الدارسين بالكويت والسودان بشكل أساسي. وكذلك الحال فإنّ الإخوان المسلمين كانت نواة نشأتهم في القاهرة من الطلاب الإرتريين والسودانيين في كلا الحركتين. ونلاحظ أن السودان كان يتمتع بعلاقة خاصة مع مصر خاصة أثناء الحكم الثنائي (الانجليزي المصري) وكان السودان كياناً سياسياً حتي قبل الاستقلال وذلك لم يكن متوفراً لإرتريا التي كانت مرتبطة قسراً بإثيوبيا. ووجود الإرتريين في السودان كلاجئين وطلاب وكثوّار جعل اليد العليا للطرف السوداني في أغلب الأحوال.
وجدت الحركة السودانية بيئة طبيعية لتطورها في المؤسسات التعليمية ووسط المثقفين السودانيين لأن الحراك السياسي كان متاحاً دوماً، أما الحركة الإرترية فقد نشأت في بيئة ثورية نضالية مع محاذير أمنية وقانونية.
وأول اتصال موثّق للارتريين مع الحركة السودانية كان إتصال المناضل الراحل عثمان صالح سبّي بالشيخ الصادق عبدالله عبدالماجد بغرض أن يتولي الأخير الأهتمام بطلاب العلم الأرتريين العابرين للدراسة بمصر، وقد كان خير معين لهم. وكان سبّي رحمه الله إسلامياً في بداية حياته حيث أسس مع زملائه الطلاب من الإرتريين والإثيوبيين جمعية ( العروة الوثقي ) بل قد كتبوا وثيقتها بالدم. ولما عاد الي بلدته حرقيقو أصبح مدرّساً بمدرستها التي أنشأها المحسن صالح كيكيا، ثم مديراً لها. وقد بدأ نضاله ضد المستعمر الإثيوبي، وأخذ يشجع تلاميذه في المدرسة (لذلك صادف كونهم من حرقيقو، أمثال محمد علي عمرو ومحمد عثمان أبوبكر، وليس ذلك باختياره) للسفر للدراسة بالأزهر عبر السودان، وظل سبّي علي تدينه حتي وفاته، وسأعود لسيرته الإسلامية لاحقاً.
نشأة الحركة الإسلامية في كنف الإخوان المسلمين:-
الشهيد سعيد حسين من طلاب الأزهر التحق بالإخوان المسلمين وجاهد معهم في السويس ضد الغزو الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي وفي مواقع أخر، وكان أحد ست رجال شاركوا في تأسيس جبهة التحرير الإرترية بالقاهرة سنة 1960م، وتم إنتدابه الي الميدان لخبرته في العمليات الفدائية، فلبي التوجيه حيث وصل الي كسلا ثم الي الميدان لتدريب الفدائيين وتمثيل القيادة. ولم يعرف إتصاله بالإخوان السودانيين، وبعد ظهور الخلافات في جسم الجبهة، اتفق مع سبّي علي تزويده هو والشهيد عمر سوبا وآخرين بالسلاح في دنكاليا بعيداً عن أعين الجبهة، وقد تم تصفيته مع مجموعته من قبل حزب العمل بواسطة السمّ غدراً.
كما سعت قيادات عسكرية وقضائية وسياسية في الجبهة الي إصلاح الأوضاع بها وعرفت بحركة الإصلاح، وكان فيها عدد من الإسلاميين أمثال الشهيد سعيد حسين والشيخ الراحل محمد إسماعيل عبده، رئيس القضاء، والمناضل المخضرم حامد صالح تركي والشيخ الداعية إدريس سعدالله، وكان فيها من غير الإسلاميين الرافضين لسيطرة حزب العمل الشيوعي أمثال المناضل سليمان موسي حاج والمناضل سليمان آدم سليمان، وكان فيها من القوميين العرب أمثال المناضل علي أسد، وكان فيها من العسكريين عدد كبير من الجند والقيادات أمثال الشهيدين عبدالقادر رمضان وسعيد صالح. وقد قُمعت الحركة كما في حالة سعيد حسين، وتم إعتقال معظم أعضاء الحركة من السياسيين وتعذيبهم حتي أستشهد بعضهم، ولم يشفع تدخل الأصدقاء للإفراج عن بعضهم مثل تدخل العراق لصالح القوميين. وبعد هزيمة الجبهة عام 1981م، خرجت القيادات الإسلامية لتجد عملاً تنظيمياً تم تأسيسه بقيادة الجيل الثاني ومن بقي خارج السجون من الجيل الأول عام 1979م باسم الحركة الإسلامية الإرترية، وتم تسميتها في عام 1982م بحركة الرواد المسلمين بزعامة الشيخ محمد إسماعيل عبده، وعمل معظم كوادر التنظيم سراً في إطار الإتحادات الطلابية للتنظيمات الأخري خاصة قوات التحرير الشعبية والتنظيم الموّحد، وعمل بعضهم في جهاز التعليم الإرتري وأنشأ البعض الآخر خلاوي ومعاهد في كل من إرتريا والسودان.
وكان نشاط التنظيم يغطي كل مناطق تواجد الطلاب الإرتريين مثل مصر واليمن والسعودية وقطر والعراق وسوريا وليبيا وعلي وجه الخصوص السودان. وقد تم توجيه الكادر الجديد للانخراط في صفوف الحركة الإسلامية السودانية، وقد إستفادت تلك الكوادر من المحاضن التربوية والوسائل الدعوية والتلاقح الفكري والتدريب الإداري والتنظيمي والأمني. ولكن لطبيعة سرية الحركة الإرترية وعوامل تجنُّس تلك الكوادر، وجهل السودانيين علي مستوي الكادر الوسيط بارتريا، وعدم رغبة القيادات العليا السودانية في إبراز تلك الحركة الإرترية وعلاقتها بها وغيرها من العوامل أدّت الي حدوث تشوُّهات في العلاقات الثنائية بين الحركتين.
وتجدر الإشارة الي وجود سياسة متعمدة من قبل الإخوان المسلمين وممثلهم في التنظيم الدولي د. عصام البشير حجب الحركة الإرترية عن علاقة مباشرة بذلك التنظيم بغرض جعل الحركة تحت إبط الحركة السودانية، أما الإتجاه الإسلامي (جبهة الميثاق الإسلامي) والجبهة الإسلامية القومية فكانوا ينظرون للارتريين بعين الريبة لاعتقادهم بارتباط حركتهم بالمصريين، والطريف أنّ المصريين كان لهم إعتقاد معاكس وذلك لنشوء الحركة الإرترية في السودان. وكانت الحركة الإرترية تدافع عن ذاتيتها وإستقلاليتها فدفعت الثمن بانّها حرمت تمر اليمن وعنب الشام كليهما.
والدكتور الترابي، حتي نهاية الثمانينيات، كان يعتقد بضرورة بقاء إرتريا في إطار إثيوبيا لأنّ فرص مسلمي إثيوبيا (الغالبية السكانية) في الوعي بحقوقهم وقيادة كل إثيوبيا أكبر مع وجود مسلمي إرتريا لتقدمهم في الوعي السياسي وتجربتهم العسكرية، وكان رأيه أنّ الهند كانت ستتحوّل الي الإسلام لولا إنفصال باكستان، وقد عُرض الأمر علي الحركة الإرترية بشكل رسمي لقيام تنظيم سياسي وعسكري إثيوبي إرتري بدعم سوداني غير محدود، وقد رُفض العرض وتم معاقبة الحركة الإرترية بتجاهلها وتم دعم الأورومو والأوغادين بسخاء، ولكن دون جدوي. وعند قيام حركة الجهاد الإسلامي الإرتري عام 1988م، بتحالف حركة الرواد المسلمين والجبهة الإسلامية لتحرير إرتريا ولجنة المصالحة بين الساهو والأساورتا ولجنة نصرة المستضعفين الإرتريين (ولحق بالتحالف الإتحاد الإسلامي للطلاب الإرتريين في المؤتمر العام)، ترددت الجبهة الإسلامية القومية السودانية في التعامل مع الحركة الجديدة لارتباط الجبهة السودانية بتفاهمات مع الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا، ولعدم إستشارتها من قبل الإرتريين عند تكوين الجهاد. فكان أن تداعت الأحداث التي أدت الي سقوط نظام منغستو هايلي ماريام بواسطة الجبهتين الشعبيتين الإرترية والتغراوية وبدعم حكومة الإنقاذ السودانية غير المحدود.
ومع تحرير إرتريا لم تكن التفاهمات تلزم أسياس بأي شئ لصالح السودان، لذلك رأي د. الترابي ضرورة تكوين تحالف من الجبهات الأخري لمفاوضة أسياس، ولكن تعنّت الأخير وضغط جهاز المخابرات السوداني في اتجاه عدم إغضاب النظام الجديد في إرتريا وقناعة البشير بذلك الرأي أدي الي فرض الاستسلام علي كل التنظيمات الإرترية وإلزام قادتها بالدخول الي ارتريا كأفراد. وتجدر الإشارة الي أنّ إختراق الجبهة الشعبية لأغلب تلك التنظيمات ساهم في إحراج د. الترابي بمواجهته بكل تحركاته لتكوين تحالف معارض للنظام.
بداية العلاقة بين الجبهة الإسلامية والجبهة الشعبية:-
بعد المصالحة بين الحركة الإسلامية السودانية والرئيس الأسبق جعفر النميري عام 1977م، تمددت الحركة في جسد النظام خاصة في الجهاز الأمني علي مستويات قيادية مثل د. نافع وعروة وغيرهم، مما أتاح للحركة معرفة أكبر بالساحة الإرترية، ثم كان وصول الجبهة الإسلامية الي البرلمان والحكومة في الفترة الديمقراطية بما أغري الجبهة الشعبية لدعوة الإسلاميين السودانيين لحضور مؤتمرها الثاني عام 1988م، وقد تم إبهار الوفد الزائر بالإنشاءات والمصانع والمستشفيات والقاعات والمخازن تحت الأرض وفي عمق الجبال وبالقوات المؤهلة والسيطرة الميدانية، وكل ذلك رفع الي القيادة السياسية التي قررت الدخول في حوارات مع أسياس. قام أسياس بطرح نفسه كحليف إستراتيجي للشماليين ومنع أي فرصة لقيام تهديد لسيطرة السودان علي إقليمه الشرقي (من قبل عدو داخلي محتمل أو من البجا الإرتريين الطامحين في إنشاء دولة البجا). وأتفق الطرفان علي القضاء علي حكومة منغستو في أديس ووصول أسياس والتغراي الي السلطة، وساهمت الجبهة الشعبية في تحرير مدينتي الكرمك وقيسان في النيل الأزرق من قوات جون غارنق.
الي الملتقي لإكمال القصة…
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=30191
نشرت بواسطة فرجت
في فبراير 10 2013 في صفحة المنبر الحر.
يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0.
باب التعليقات والاقتفاء مقفول
أحدث النعليقات