العلاقات الارترية الليبية وانعكاسات انهيار نظام القذافي علي إرتريا
بقلم /طاهر محمد علي
مركز دراسات القرن الأفريقي
كان النظام الليبي المنهار يعتبر من أقرب حلفاء الحزب الحاكم في إرتريا ومن أبرز الداعمين له خلال أكثر من عشر سنوات ، وبالرغم من السرية التي كانت تسود تلك العلاقات نسبة لطبيعة تكوين النظامين،وخاصة في مجالاتها الأمنية والعسكرية ، إلا أن العديد من المصادر تؤكد استطاعة النظامين من بناء شبكة مصالح مشتركة قوية شملت العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية ، وقد وصف الرئيس الارتري علاقات بلاده في آخر زيارة قام بها وفد ليبي رسمي إلي إرتريا قبل الثورة الليبية في 5 يناير 2011م بأنها علاقة خاصة وذات جذور تاريخية ، لكن بات من حكم المؤكد أن تلك العلاقات أصبحت أضغاث أحلام ،لأن تطورات الأحداث والمعطيات الميدانية تؤكد بأن النظام الليبي الذي جسم علي صدور الليبيين 42 عاما قد انهار تماما ، وبسقوط النظام الليبي الذي يتطابق في كثير من أوصافه وطبيعته مع النظام الحاكم في إرتريا كما سنوضح ذلك لاحقا ، فإن ليبيا تكون قد طوت صفحة من تأريخها حملت في طياتها كثيرا من آلام وأحزان الليبيين تحت حكم رجل طاغية اختزل البلاد في شخصه وجعل من ثروات البلاد مزرعة خاصة له وللمقربين منه والخادمين لمصالحه وأجندته التخريبية التي لم تقتصر علي داخل ليبيا فحسب بل تجاوزتها إلي خارجها ، وبسقوط القذافي سيفقد كثيرون ممن تعاونوا معه مصالحهم وامتيازاتهم التي لطالما تمتعوا بها خلال فترة حكم القذافي ، وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء ليبيون من أتباع القذافي وكتائبه الأمنية بل إن هناك متضررون من سقوطه من خارج ليبيا حكومات ومنظمات إقليمية وهيئات دولية وقبائل كلها كانت مرتبطة بشبكة مصالح مع نظام العقيد الليبي المنهار .
فالقذافي الذي كان يتطلع إلي الزعامة القارية قدم المليارات من أموال الشعب الليبي في سبيل تحقيق ذلك الحلم ، فعلي سبيل المثال لا الحصر كان القذافي يدفع 15% من الميزانية السنوية للاتحاد الأفريقي ،فضلا عن الالتزامات المالية المستحقة علي العديد من الدول الأفريقية الفقيرة تجاه الاتحاد الأفريقي ، كما أسس النظام الليبي السابق صندوق الدعم الأفريقي بميزانية بلغت (1.5) بليون دولار وتقدر الاستثمارات الليبية في أفريقيا بخمسة بليون دولار ، إضافة إلي دعم النظام لعشرات من حركات التمرد التي تقاتل ضد الحكومات في مختلف مناطق أفريقيا ، وكما أسلفنا فإن النظام الارتري يعد من أهم الجهات التي استفادت من نظام العقيد الليبي في مختلف المجالات .
وفيما يلي سنحاول إلقاء الضوء علي تجربة العلاقات الارترية الليبية والمراحل التي مرت بها وأهم مجالات التعاون بين النظامين ، وانعكاسات سقوط نظام القذافي علي نظيره الارتري ،كما سنحاول استقراء مستقبل العلاقات الارترية اللبيبة في ضوء التغيير الذي حدث في ليبيا.
خلفية تاريخية للعلاقات الارترية الليبية :
جمعت بين إرتريا وليبيا ظروف تاريخية مشتركة حيث كان البلدان ضمن المستعمرات الإيطالية في إفريقيا ،وقد زج الحاكم العسكري الايطالي لإرتريا في تلك الفترة الآلاف من الارتريين إلي صفوف القوات الايطالية الغازية والقتال ضد حركة التحرير الوطني الليبية التي كان يقودها المجاهد عمر المختار ، وقد أورد الدكتور محمد خير في مقال له بموقع عواتي بتاريخ 16مارس 2011م نقلا عن وثائق إيطالية بأن عدد أفراد أول كتيبة إرترية تم إرسالها إلي ليبيا في مطلع عام 1912م كان 1112عسكريا ، وقد ارتفع العدد في يوليو من نفس العام إلي 3728 مجند إرتري ، وهي مشاركة مؤسفة بكل المعايير يتحمل مسؤوليتها التاريخية النظام الفاشي الايطالي البغيض الذي كان يدير شئون الحكم في إرتريا في تلك المرحلة التاريخية .
الا أن الملاحظ لم تكن لتلك المشاركة أي تأثير في نفوس اللبيبين لأنهم أدركوا أنها لم تتم بإرادة إرترية حرة ، ولهذا أيدت ليبيا دعمها بقوة لكفاح الثورة الارترية في عهد الملك السنوسي ،كما أكدت دعمها في العديد من المناسبات الدولية حق الشعب الارتري في تقرير مصيره ، وقدمت مختلف أنواع الدعم المادي والمعنوي للثورة الارترية في تلك المرحلة ، كما فتحت أبوابها للمناضلين والمواطنين الارتريين بالعمل في ليبيا .
وبعد الانقلاب العسكري الذي وقع في ليبيا في سبتمبر1969 واستيلاء معمر القذافي علي السلطة استمر الدعم الليبي للثورة الارترية بسخاء لبعض فصائل الثورة الارترية وخاصة قوات التحرير الشعبية ، وكم كان مفاجئا حينها للعالم وللأفارقة وللإمبراطور الأثيوبي هيلي سلاسي عندما تحدث رئيس الوفد الليبي المشارك في القمة الأفريقية بأديس أبابا عام 1973م عن أهمية استقلال إرتريا ، كما تحدث وزير الخارجية الليبي في مؤتمر طرابلس الغرب عام 1977م عن أهمية العمل بالتنسيق مع منظمة الوحدة الأفريقية في البحث عن حل عادل للقضية الإرترية . يضاف الى ذلك موقف ليبيا الشجاع في القمة الإسلامية تبنيها القضية الإرترية ، كما زاد في تلك المرحلة عدد الطلاب الارتريين الملتحقين بالجامعات الليبية وأيضا أعداد الارتريين العاملين في ليبيا ، كما سمحت السلطات الليبية في تلك المرحلة لجبهة التحرير الارترية ومن ثم للجبهة الشعبية بفتح مكاتب لهما في ليبيا .
وفي الفترة التي كانت فيه الثورة الارترية في أمس الحاجة لزيادة واستمرارية الدعم نسبة للمواجهات العسكرية الواسعة التي كانت تخوضها ضد قوات الاحتلال الأثيوبي ، إلا إنه وللأسف سرعان ما تغير موقف القذافي من الثورة الارترية بعد وصول منجستو هيلي ماريام للحكم عام 1974م حيث وقف نظام القذافي إلي جانب إُثيوبيا ، وحسب المصادر التاريخية فقد قدم النظام الليبي في منتصف عام 1977م دعما عسكريا يقدر 100مليون دولار أمريكي إلي إثيوبيا بالإضافة إلى تبني تحديث سلاح الجو الأثيوبي الذي كان يعتمد على المقاتلات الحربية الأمريكية وبدعم من ليبيا تحول إلى المقاتلات الروسية من طراز ميج بمختلف أنواعها . بل وصل الأمر إلي إقامة جسر جوي لنقل الأسلحة والمعدات لإثيوبيا عبر بنغازي لكسر شوكة الثورة الارترية ، كما عمل القذافي في تلك المرحلة في دعم الاقتصاد الأثيوبي وقدم منحة لإثيوبيا قدرت ب 200 مليون دولار لدعم صناعة السكر في إثيوبيا .
كما شكل النظام الليبي في تلك المرحلة تحالفا ثلاثيا من إثيوبيا واليمن الجنوبي إضافة الى ليبيا ووقعت معاهدة صداقة وتعاون بين تلك الدول في 19 أغسطس 1981م وذلك في مؤتمر قمة حضره رؤساء الدول الثلاثة القذافي و منقستو وعلي ناصر ، وأكدوا في بيانهم المشترك دعم جهود إثيوبيا في الاحتفاظ بكامل وحدتها ، كما أشاروا في بيانهم بأنهم يقاومون استقلال إرتريا التي اعتبرها القذافي في ذلك اللقاء بأنها غير عربية مضيفا بأن دعم إثيوبيا يعد أهم وأكثر جدوى لمصلحة شعوب المنطقة.
واستمر دعم القذافي للنظام الأثيوبي “الدرق” حتى نهاية الثمانينيات إلي أن ظهر على السطح خلاف بين الدرق الماركسي اللينيني والقذافي الذي بدأ في تلك المرحلة يتبنى بعض الأفكار التي تتناقض الماركسية ، كما أن إعادة إثيوبيا علاقاتها مع إسرائيل دفع بالنظام الليبي الذي كان يمر بعلاقات متوترة مع الغرب في تلك المرحلة للتنسيق مع السودان بشأن الأحداث داخل إرتريا وإثيوبيا ، وقد دفع الموقف الليبي الجديد إثيوبيا إلى المبادرة بطرد السفير والقنصل الليبي من أثيوبيا.
العلاقات الارترية الليبية بعد الاستقلال :
بالرغم من أن المؤتمر الشعبي العام الليبي وجه رسالة تهنئة إلي الحكومة الارترية المؤقتة فجر الاستقلال ، إلا أن العلاقات بين الجانبين بدأت بطيئة جدا،لأنها كانت متأثرة بتصرفات المراحل التي سبقتها ولهذا تأخر التبادل الدبلوماسي بين البلدين إلي بعد منتصف التسعينات ، وقد حاول العقيد الليبي في تلك المرحلة التوسط بين السودان وإرتريا إثر اندلاع الأزمة بينهما، ولكن لعدم وجود أي نشاط دبلوماسي بين ارتريا وليبيا لم يكتب النجاح لمسعى الدبلوماسية الليبية التي كانت تبحث في تلك المرحلة عن مخرج لها من العزلة الدولية التي كانت تعيشها بسبب العقوبات الدولية عليها ، أكثر من حريصها على لإصلاح ذات البين بين السودان وإرتريا. إلا أنه يلاحظ بأن انفراجا كبيرا حدث في علاقات البلدين بعد زيارة الرئيس الارتري أسياس أفورقي إلي طرابلس في 3 فبراير 1998م وللعقيد القذافي الذي كان يخضع للحصار الدولي حيث تم في تلك الزيارة وضع الأسس لانطلاقة حقيقية للعلاقات بين البلدين ، بدأت بتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، وقد هبطت طائرة أفورقي في مدينة جربه التونسية ليسافر منها برا إلي طرابلس ، ونشير هنا الى أن أفورقي لم يكن الوحيد الذي زار القذافي في تلك المرحلة بل سبقه العديد من القادة الأفارقة من بينهم الرئيس الجيبوتي الذي زار القذافي قبل ثلاثة أشهر من زيارة أفورقي ، و جاءت زيارة أفورقي تلك قبل ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب الارترية الأثيوبية ، ومنذ تلك الزيارة شهدت العلاقات بين البلدين تحسنا دراماتيكيا ،حيث زار أفورقي في النصف الثاني من عام 1998م ليبيا خمسة مرات ،وبدأت منذ ذلك الوقت ملامح تكوين علاقات شخصية قوية بين الرجلين ،وفي يونيو1998م بدأ القذافي جهودا لإيجاد حل للنزاع الحدودي بين إرتريا وإثيوبيا ،وفي هذا الصدد طرح وساطة دعا فيها إلي وقف إطلاق النار، وإدخال قوات حفظ السلام من دول الساحل والصحراء ،ومن ثم الشروع في عملية ترسيم الحدود ،وقد قبلت إرتريا المبادرة الليبية إلا إن إثيوبيا رفضتها واشترطت أن تكون منظمة الوحدة الأفريقية طرفا في أي مبادرة لإيجاد حل للنزاع الحدودي ،الأمر الذي شكل دافعا كافيا للقذافي أن يقف إلي جانب إرتريا داعما لها في حربها ضد إثيوبيا في مختلف المراحل ، وبالإضافة إلي الدعم العسكري لعبت ليبيا دورا هاما في دعم موقف النظام الارتري في مختلف المفاوضات التي كانت تهدف إلي إيقاف الحرب الحدودية ،كما كان لليبيا دور في إيقاف زحف القوت الأثيوبية في عام 2000م إلي داخل الأراضي الارترية ، حيث طلب القذافي من الرئيس الجزائري الذي كان حينها الرئيس الدوري لمنظمة الوحدة الأفريقية التدخل فورا لإيقاف العمليات العسكرية.
الدعم الاقتصادي والسياسي الليبي لإرتريا :
قدم نظام العقيد الليبي مختلف أنواع الدعم للنظام الارتري ،فتعتبر ليبيا من أهم ممولي صفقات الأسلحة التي كانت تستوردها إرتريا في فترة الحرب ،وخاصة التي كانت تأتي من أوروبا الشرقية ، كما أرسل النظام الليبي فترة الحرب خبراء عسكريين ليبيين وأجانب لتدريب القوات الارترية في استخدام مختلف أنواع الأسلاحة التي كان يتم استيرادها عبر ليبيا، فضلا عن تقديم الوقود المدعوم لإرتريا خلال العقد الماضي ، وتقديم مبالغ مالية هائلة علي شكل منح وقروض تباينت الآراء حول مقدارها ،كما اتفق افورقي والقذافي في مطلع عام 1999م لإنشاء بنك مشترك في إرتريا للعمل في مجال العقارات والاستثمار الخارجي ،كما دعمت ليبيا مختلف المنشآت والبنية التحتية في إرتريا ،فضلا عن تمويلها لطريق القرن البري الذي يربط مصوع بعصب ويمكن أن يربط دول القرن الأفريقي . كما وقعت إرتريا العديد من البرتوكولات للتعاون الاقتصادي وتعزيز الاستثمار الليبي في إرتريا .
كما تعمل في إرتريا في مجال التعدين العديد من شركات التعدين الليبية ومن بينها شركة Tamoilafrica وشركة سهارا للتعدين وتعمل في منطقة أوقاروا، كما أنشأ النظامان شركة تعدين مشتركةEritrean Libyan mining share company , وتعمل في منطقة فانكوا ونفاسيت ، كما تعمل مؤسسة Libyan African investment corporation
في تعزيز الاقتصاد بدعم وإقامة شراكة مع شركة البحر الأحمر التجارية التابعة للحزب الحاكم في إرتريا والسماح لها بمداولة أعمالها في ليبيا .
ومن بين المشاريع الكبيرة التي كان يسعي النظام الليبي إقامتها في إرتريا تأسيس جمعية لخريجي الجامعات والمعاهد العليا الليبية، وبناء جامعة ومركز ثقافي ليبي في إرتريا ، وبالرغم من أن هذه المشاريع تم طرحها في فبراير 2003م أثناء زيارة العقيد الليبي لإرتريا ، ألا أن النظام الارتري ظل يماطل بالسماح لتلك المشاريع في البدء في التنفيذ ، لأنه كان يرى أن إرتريا ليست بحاجة الى إقامة مثل هذه المشاريع في الوقت الراهن ، وليست هي من أولوياتها.
ونشير هنا إلى إن السبب الرئيسي في عدم توسع الاستثمارات الليبية في إرتريا يعود إلي ضعف الإمكانيات المادية والبشرية الارترية ، وعدم قدرتها على استيعاب استثتمارات كبيرة.
المجال السياسي :
كان النظام الليبي المنهار يراهن علي أن يلعب أفورقي دورا مهما يتماشي مع الرؤية الليبية في منطقة القرن الأفريقي ،ولهذا ظل النظام الليبي يقدم الغطاء السياسي للنظام الارتري إضافة الى موقفه الداعم للحروب التي خاضها النظام الارتري ضد جيرانه ، وعمل النظام الليبي على إخراج النظام الإرتري من عزلته الدولية التي ظل يعاني منها ،فقد بذلت ليبيا جهودا حثيثة في عام 2000م للتوسط بين إرتريا وجيبوتي ،كما قدمت كل أنواع الدعم المادي والمعنوي لأفورقي عندما زارها في عام 2002م وكانت ارتريا حينها تعيش في فترة ما بعد الحرب بكل تبعاتها السياسية والأمنية والاقتصادية ومن خلال ذلك الدعم استطاع أفورقي تثبيت أركان حكمه،كما زار القذافي إرتريا في الفترة (7-9فبراير2003م) لتقديم كافة أنواع الدعم لأفورقي الذي كان يعيش حالة الانهيار ، وفي تلك الفترة أيضا استجاب النظام الليبي لطلب نظيره الارتري بترحيل المئات من الارتريين قسرا إلي ارتريا ليخضعوا لمعاقبة النظام الارتري .
كما ظل القذافي يقدم الدعوات لأفورقي للمشاركة في كل المناسبات الدولية والإقليمية التي كانت تستضيفها ليبيا خلال العشر السنوات الماضية، فقد شارك أفورقي في قمة الرؤساء التي ترأسها القذافي 2006م لإيجاد حل للنزاع في دارفور، وفي عام 2007م قدم النظام الليبي دعوة لإرتريا للمشاركة في اجتماع ممثلي البرلمانات الأفريقية الذي عقد في طرابلس ،وتمت مشاركة إرتريا في الاجتماع بوفد حكومي ، وقوبلت الدعوة الليبية لإرتريا باستياء كبير من العديد من الدول الأفريقية ، كما شارك أفورقي في قمة أخرى 2008م بطرابلس حول الخلاف السوداني التشادي ، وبالرغم من عدم علاقة إرتريا بالملف أوكلت ليبيا إلي إرتريا مهمة استضافة اجتماعات أمنية عالية المستوي بعد القمة شاركت فيها وفود العديد من الدول التي شاركت في قمة طرابلس استكمالا لقمة طرابلس ، كما لجأ أفورقي إلي القذافي أثناء النزاع الحدودي الأخير مع جيبوتي في 2008م للتوسط لإيجاد حل للنزاع حتى لا يستغل النزاع من أطراف خارجية للضغط علي إرتريا حسب رأي أفورقي ، وفي عام 2009م قام القذافي بزيارة قصيرة إلي إرتريا التقى خلالها بأفورقي ، وبعد انتهاء الزيارة اصدرت الخارجية الارترية بيانا أكدت فيه علي الشروط الارترية المتعلقة بالنزاع الحدودي مع إثيوبيا ، وقد فهم من ذلك أن القذافي كان يفكر في تقديم مبادرة لإيجاد حل للنزاع الحدودي مع إُثيوبيا ، لكن يبدوا أن المبادرة لم تفلح ،وفي مارس 2010م زار أفورقي طرابلس والتقى بالعقيد القذافي ،كما زارها مرة أخري في أكتوبر2010م للمشاركة في القمة العربية الأفريقية التي استضافتها مدينة سرت الليبية، فضلا عن مشاركته في نوفمبر عام 2010م في القمة الأفريقية الأوروبية وكانت تلك آخر زيارة له لليبيا في عهد القذافي .
ومعلوم بأن ليبيا هي الدولة الوحيدة التي صوتت في مجلس الأمن الدولي ضد القرار رقم (1907) الخاص بفرض العقوبات الدولية علي إرتريا والذي صدر في سبتمبر2009م ،كما ظلت ليبيا تعارض كافة إجراءات عزل النظام الارتري إفريقيا، حيث نجحت في إقناعه أخيرا بعد عشرة أعوام من المقاطعة إلي العودة إلي مقر الاتحاد في أديس أبابا ،فضلا عن قيامها بسداد كافة مستحقات الاتحاد الأفريقي المالية علي إرتريا .
وقد كان للنظامين رؤية مشتركة موحدة للوضع في السودان حيث قاما خلال سنوات النزاع بدارفور بتقديم الدعم العسكري والمادي للمجموعات التي تناوئ النظام الحاكم في السودان ، وكان لهما أيضا موقف متقارب حول الأوضاع في الصومال، ولا يستبعد أن يكون النظام الليبي من كان يقدم الدعم المادي والعسكري للجماعات التي تقاتل ضد الحكومة الصومالية عبر إرتريا وقد ربط العديد من الباحثين تراجع وتيرة تلك المجموعات مؤخرا بتوقف الدعم عنها، كما عمل النظامين من أجل إضعاف إثيوبيا وتحجيم دورها عبر دعم حركات التمرد الأثيوبية، وقد تصدرت إرتريا الدول الأفريقية التي كانت تطالب بنقل مقر الاتحاد الأفريقي من أثيوبيا وهو الطموح الذي كان يراود القذافي طوال حياته ،وعمل الكثير من المحاولات في سبيل تحقيقه من بينها تأسيس مجموعة دول الساحل والصحراء التي كان ينضوي تحتها 34% من الدول الأفريقية بينها إرتريا وقد رفضت إثيوبيا الانضمام إليها، هذا فضلا عن طرح فكرة قيام الولايات الأفريقية المتحدة ، وهي الفكرة التي أيضا عارضتها إثيوبيا واعتبرتها أنها ليست من أولويات هذه المرحلة لأنها دائما كانت تنظر بعين الريبة لكل أطروحات القذافي.
وفي إطار الأجندة السياسية المشتركة للنظامين الارتري والليبي أعلنت إرتريا في عام 2006م ترجمة الكتاب الأخضر الي اللغة التجرنية تحت رعاية المركز الليبي العالمي للدارسات والبحوث، وتم ذلك في إطار البحث عن آليات إيجاد مفاهيم وأيدلوجيات سياسية مشتركة مابين النظامين تحقق مصالحهما ،وفي ذات السياق وفي 19 مارس أورد موقع (شابايت) الحكومي بأن افورقي والقذافي اتفقا في إتصال هاتفي بينهما علي إقامة مؤتمر عالمي حول مفهوم الديمقراطية ،وفي اليوم التالي زار اسمرا وفد ليبي كبير برئاسة منسق العلاقات الخارجية للجان الثورية الشعبية وعقد لقاءات موسعة مع مسئولين من الجبهة الشعبية أثمرت اتفقا علي أن يكون المؤتمر في أسمرا،وفعلا أقيم المؤتمر وشهد مشاركة ليبية واسعة ، فضلا عن مشاركة بعض المثقفين الموالين للنظامين، وكان الهدف من المؤتمر التصدي لمفهوم الديمقراطية والإساءة لسبل ممارستها، والتشويه لبعض التجارب الديمقراطية التي شهدتها المنطقة في تلك الفترة ومحاولة إجهاضها، كما ظلت إرتريا تستضيف العديد من اللقاءات السرية المتعلقة بمنطقة القرن الأفريقي والتي كان النظام الليبي طرفا فاعلا فيها وممولا لتكاليفها المالية مثل دعم حركات التمرد في دارفور.
أوجه الشبه مابين العقيد الليبي وأفورقي :
يجد المتأمل وجود تشابه كبير مابين العقيد الليبي وأفورقي فليس من باب الصدفة أن تكون علاقة الرجلين قوية ، بل أن الذي يجمع بينهما من صفات ومواقف أيضا ليست قليلة ،ومن الصفات الكثيرة التي تجمع مابين الرجلين: إيجاد نظام استبدادي متخلف، الإصابة بجنون العظمة ، اختزال الدولة في شخص ، نفي الحقائق الساطعة عند الأحداث ، إلقاء اللوم علي الآخرين، تصوير نظام حكمهم بأنه الأفضل عالميا ، التمتع بصلاحيات مطلقة ، الرفض التام والعملي للدستور والانتخابات ، التدخل في شؤون الدول الأخرى ، التعامل بوحشية مع الخصوم السياسيين ، المزاج المتقلب وعدم استقرار القرار السياسي ، الاستعلاء علي شعوبهم.
وإذا كانت الجرائم التي أرتكبها القذافي ما زالت تتكشف يوما بعد يوم إذ تشير آخر الإحصائيات أن عدد المقتولين في ليبيا وصل إلي (30) ألف ،والمفقودين إلي (50)ألف ، والذين تم أطلاق سراحهم من السجون نحو (11)ألفا ، فيا تري كم سيكون عدد المقتولين والمفقودين والأحياء في أقبية سجون أفورقي بإرتريا ؟
موقف النظام الارتري من ثورة 17فبراير الليبية :
عندما بدأ ربيع الثورات العربية تعامل معها الإعلام الحكومي الارتري بالتجاهل ظنا منه بأنها أحداث عابرة لكن ومع انتقال عدوى الحرية من بلد لآخر اتخذ النظام الارتري العديد من الاحترازات والإجراءات الأمنية كان من بينها منع مشاهدة الفضائيات العربية في الأماكن العامة.
ومع تلاحق الأحداث أصدرت الحكومة الارترية بيانا مطولا في مطلع مارس 2011م وخلص البيان إلي تفهم الحكومة الارترية دوافع الثورة التونسية والمصرية ومطالبها السياسية والاقتصادية حيث أورد البيان العديد من المظالم التي عانى منها شعب البلدين ، فضلا عن تبعية النظامين للقوى الخارجية ،ولم يتوان البيان من شن هجوم عنيف علي النظام المصري السابق ، ولكن سرعان ما تغير الموقف الارتري وانفضح الأمر عندما انتقلت الثورة إلي ليبيا ، حيث أصدرت الخارجية الارترية بيانا في 2مارس حول تعليق عضوية ليبيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جاء فيه أنه من غير القانوني والمنطقي والأخلاقي تعليق عضوية ليبيا ، ودعا البيان إلي القيام بكافة التحقيقات الشاملة المتعلقة بالمسألة.
كما أصدرت وزارة الإعلام الارترية بيانا أخرا بتأريخ 22مارس 2011م ومما جاء فيه أن المؤامرة التي كانت تمارس ضد ليبيا وصلت إلى ذروتها بعد القيام بعمل عسكري واسع النطاق على الأرضي الليبية وأن هذه الضربات الصاروخية التي بدأت منذ 19 مارس تعتبر انتهاكا صريحا لسيادة الشعب والحكومة الشرعية في ليبيا وأضاف البيان أن هذه الأعمال غير الشرعية تأتي تحت غطاء غير شرعي باسم الجامعة العربية والمنظمات الإقليمية الأخرى . وتوظيف بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي كأدوات لخدمة الأجندة الغربية ، كما تساءل البيان عن المبررات القانونية لفرض منطقة حظر الطيران فوق الأراضي الليبية وعن الأساس المنطقي لصدور قرار التصعيد العسكري في ليبيا ، وأضاف البيان إذا كان الهدف من التدخل العسكري هو حماية المدنيين فلماذا لم يطرح التدخل العسكري في بلدان أخري شهدت مثل تلك التطورات؟
ولم يتوقف النظام الارتري بإصدار بيانات الإدانة والاستنكار عن تطورات الأوضاع في ليبيا فحسب بل أن هناك معلومات أوردتها مصادر إعلامية إرترية بأن النظام الارتري أرسل قوات خاصة إرترية لدعم النظام الليبي بناء علي طلب من القذافي تحت غطاء عمال نظافة وفني كهرباء ، من جانب آخر أورد موقع (عدوليس) بأن الحكومة الارترية استقبلت ودائع ثمينة وأموال خاصة بالقذافي وأسرته وصلت إلي مطار مصوع علي ثلاث دفعات جوا وتم تأمينها في مناطق محصنة بالقرب من منطقة (قرقسم) بمصوع .
مستقبل العلاقات الارترية الليبية:
لا يختلف اثنان بأن النظام الارتري فقد نظاما حليفا كان بالنسبة له صديقا حميما وداعما حقيقيا ومؤازرا في السراء والضراء،ومن الصعب جدا علي افورقي أن يجد بديلا للقذافي علي المدى المنظور ولاسيما وأننا نشاهد أن عصر الأنظمة الدكتاتورية علي شاكلة القذافي وافورقي بدأت تتساقط كأوراق الخريف الواحدة تلو الأخرى ،ومن المتوقع أن علاقة النظام الارتري ستكون سيئة للغاية مع نظام الحكم الجديد في ليبيا المتمثل في المجلس الانتقالي الذي يتكون أفراده من إسلاميين وليبراليين ومسئولين سابقين مع القذافي انحازوا إلي ثورة شعبهم ،لأنها حتما ستتأثر بماضي العلاقة القوية التي كانت بين أفورقي والقذافي ، فضلا عن موقف النظام الارتري من الثورة الليبية التي أسقطت نظام القذافي، وللعلم ان إرتريا من الدول التي لم تعترف حتى الآن بالمجلس الانتقالي في ليبيا ، بعكس دول الجوار الإرتري إثيوبيا والسودان وجيبوتي التي اعترفت بالمجلس ، كما إن المجلس الانتقالي وبناء علي علمه المسبق بارتباط النظام الارتري بالقذافي لم يرسل أي وفد إلي إرتريا للاعتراف به كممثل للشعب الليبي .
نـأمل أن يسود الأمن والاستقرار ليبيا ويقوم فيها نظام حكم ديمقراطي عادل كما وعد بذلك المجلس الانتقالي ، وفي تلك الحالة يتوقع أن تكون ليبيا الحرة داعمة لنضال الشعب الارتري ومساندة له من اجل إحداث التغيير الديمقراطي المنشود في إرتريا وعلى القوى السياسية الإرترية والباحثين والكتاب توضيح طبيعة العلاقة بين نظامي القذافي واسياس افورقي من أجل تمليك الشعب الليبي والثوار الليبيين حقيقة موقف الشعب الإرتري.
وفي الختام لابد من تهنئة الشعب الليبي العظيم بهذا الانجاز التاريخي.
للتواصل مع الكاتب :tahira@ymail.com
المصادر:
1http://awate.com/the-fall-of-gazafi-the-eritrean-libyan-relations-part-ii/
2http://www.scribd.com/doc/40240994/Libyan-Policy-in-the-Horn-of-Africa
http://www.shabait.com/editorial/press-release
http://ecss-online.com/category//a editorial
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17361
أحدث النعليقات