العمل الوطني الإرتري المشترك وآفاق العقد الثاني (2-3)
بقلم / علي محمد *alisaed30@hotmil.com
الحركة الإسلامية الإرترية (3-5)
ومادام الحديث عن آفاق المستقبل والحديث عن الانتقال من عقد إلى آخر كان لا بد من الحديث عن الحركة الإسلامية – المباركة بإذن الله – سيما وقد دخلت في شهر ربيع الآخر 1430هـ العام الـ (22) من عمرها المجيد والمديد فهي إذن الآن في الثلث الأول من العقد الثالث من عمرها الحركي والتنظيمي والسياسي فكان لا بد من كلمات في حقها .
لا يختلف إثنان بأن الحركة الإسلامية أصبحت لا عباً رئيسا في مسرح العمل السياسي الإرتري المعاصر سواء أختلف الناس معها أم اتفقوا فهذا شيئ آخر إلا إن الأمر المؤكد بأنه يصعب الوصول إلى آفاق تسوية سياسية في إرتريا لا تكون الحركة الإسلامية طرفاً فيه .
صحيح أن الحركة الإسلامية لم تسلم مما لحق بالثورة الإرترية وتنظيمات المعارضة من داء الفرقة والاختلاف ولكن كما كانت الحركة الإسلامية فريدة في نشأتها وتعاطيها مع القضية السياسية فقد أثبتت رغم كل الظروف والضغوط وطنيتها وتغليبها للهم الوطني على العمل الحزبي ، وكما كانت فريدة في ذلك كانت بذات القدر تمتاز عن الآخرين في إدارة الخلافات التي نشبت بين صفها رغم محاولات التضخيم التي حاول البعض ابرازها واعتبار الحركة الإسلامية امتداداً طبيعيا لما سبق – فالذي يترجح عندي شخصياً غير ذلك ؟!.
ولكن ثمت تساؤل ما الجديد الذي أضافته الحركة الإسلامية الإرترية ؟ وما آفاق ما ينتظرها وهي في عقدها الثالث ؟!
إن مما أضافته
1/ تجديد طبيعة الصراع مع النظام القائم فالأمر يتجاوز عملية تداول السلطة وإتاحة الحريات على وجاهة هذه المطالب وأولوياتها .
2/ الثبات المبدئي ضد النظام وتجاوز كل محاولات العصر والاختزال طيلة الفترة منذ التأسيس .
3/ تحديد لغة مقاومة النظام وأنه لا يفهم إلا لغة النار والحديد
4/ الوقوف ضد مشروع التجرنة الذي تبنته الجبهة الشعبية بقوة ومنذ وقت مبكر مع أن هذا لا يعني أن ليس للآخرين أدوار في ذلك .
5/ إمكانية تجاوز خلافاتها في وقت وجيز وعدم الجمود في مربع حدث الخلافات دائما والحراك السياسي الإسلامي في صف المعارضة يعرف ذلك جيد .
تقديم النموذج العملي من خلال التمسك بخصوصيات المشروع التغييري الذي ينطلق من الاسلام والتعاطي السمح مع مشكلات العمل الوطني .
أما ما ينتظرها وهو الأهم فكثير ومن ذلك :
- القدرة على تقديم البرنامج المقنع للرأي العام الإرتري من خلال الجمع بين خصوصيات الزمان والمكان وضبط العلاقة بين الثابت والمتغير والمطلق النسبي وترتيب الأولويات والتدرج في إنزال المشروع الإصلاحي الإسلامي وترجمته إلى أفعال لا أقوال بدء بالذات وانتهاءا بالآخرين .
- ضرورة أن تلعب الحركة الإسلامية دوراً قيادياً بارزاً في المرحلة القادمة في صف المعارضة والانتقال من مربع الانقياد والاختفاء وراء الآخرين إلى البروز في المحافل الاقليمية والدولية وطرح نموذجها التغييري ذي المرجعية الإسلامية آخذة في الاعتبار ما تقدم في النقطة (1) .
- حماية مكتسباتها التنظيمية والحركية والدعوية بكل الوسائل وعدم السماح بخلط الأوراق أو سحب البساط من تحت أقدامها فإن الذي يدور في الخفاء وما لايطفح لأمر مريب حقاً ؟!! .
- تطوير أداءها وخطابها السياسي والوصول إلى نقاط الارتكاز الحيوية ومراكز صناعة القرار في السياسة الدولية وجعل الآخرين يلتفتون إليها وعدم الركون مع إجادة فن التحالفات السياسية الذكية ، وقبل ذلك ضرورة تجاوز الحالة الراهنة في علاقاتها الداخلية فيما بينها بصورة أكثر فاعلية وعقلانية .
- القدرة على تسويق مشروعها السياسي التغييري على المستوى المحلي والإقليمي والدولي والتعرف على ما يجذب أولئك للتعامل مع حركات التغيير التي تعارض نظاماً مثل نظام أفورقي ذي الخصوصية الزمانية والمكانية .
- وأخيراً فإن الحركة الإسلامية هي نبت طبيعي وغرس طيب نبت في أرض الصدق إرتريا وقد اعتراها ما يتعري غيرها من البشر فالخلاف كما يقع بين القيادات الإسلامية يقع عند غيرهم دون أن يكون ذلك مبرراً لادامة الخلافات والتستر وراءها. ولكن ما يعصمها أكبر مما يقصمها وقادتها ليسوا هم ملائكة ولا هم كذلك الصنف المناظر للملائكة . هذه أفكار وقراءة شخصية لا تعبر عن الأطر الرسمية للحركة الإسلامية الإرترية .
النظام الإرتري خلال هذا العقد (4-5):
(1999 – إبريل 2009م )
أما الحديث عن النظام الإرتري فلا تكفيه الصفحات بل المجلدات ولكن حسبي أن أشير هنا إلى أبرز القضايا المحورية التي حدثت خلال فترة الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه ويمكن تقسيم ذلك في الفقرات التالية :
أ / المجال الاجتماعي والخدمات العامة التي تخص المواطن :
قد يعجز القلم عن تصوير واقع الإنسان في داخل إرتريا وقد يجد القاري صعوبة في فهم ما يقال وما يقرأ إلا ان الشيئ غير المظنون والمشكوك فيه إن إرتريا يمكن وصفها بسجن كبير ، ووطن طارد لبنيه فتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية والتي لا يمكن أن تتهم بانها ضد النظام الإرتري لخلفيات معروفة هي التي تدينه سنويا في مجال حقوق الإنسان .
فإرتريا تعيش في ظل أزمة اقتصادية خانقة فقد جاء في تقرير صندوق النقد الدولي بأن إرتريا هي الدولة الأولى من حيث التضخم الاقتصادي إذ بلغت النسبة 25.6 وجاءفي تقرير مؤسسة التراث الأمريكية بأن إرتريا مصنفة في المرتبة قبل الأخيرة في العالم من حيث الحريات الاقتصادية والتجارية وتحتل الرقم (182) من دول العالم .
فحركة التجارة والاقتصاد كلها مملوكة لجنرالات الحزب والقيادات العليا في الدولة وحتى مواد الإغاثة التي تأتي من المنظمات الدولية تقوم باستلامها وتتولى توزيعها ، ومن يخالف هذه القوانين مصيره الطرد والابعاد .
جاء في تقرير اليونسيف الصادر 20/11/2008م بأن انتشار أمراض الأطفال والتهاب الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية قد أصاب نسبة 90% من الريف الإرتري ، وليس في الريف خدمات كافية لنمو الأطفال خاصة إقليم القاش بركة ، وإرتريا من حيث سوء التغذية تحتل الرقم (87) من أصل (88) دولة في العالم ! .
كما جاء في حساب مؤشرات الغذاء العالمي الصادر عن المعهد الدولي للسياسات الغذائية ضمن تقرير 2008م .
اما من حيث الحريات والاعتقالات وتشريد الشباب فحدث ولا حرج فقد بلغ مجمل الذين غادروا إرتريا إلى السودان خلال العام 2008م ما يفوق (36) ألف لاجئ طبقاً لما جاء في التقارير الرسمية الصادرة من جهات الاختصاص .
وهذا يعني انعدام الحريات فإرتريا مصنفة في مجال حقوق الإنسان والحقوق المدنية والسياسية ضمن (42) دولة هي الأسوء وأخيرا بدأت المجاعة تضرب البلد حيث قلة الأمطار خلال السنوات الماضية وتقول تقارير موثوقة بأنه قد حدثت (30) حالة وفاة خلال الـ (3) أشهر الماضية . إذ يعتمد السكان على الزراعة ورعي المواشي وحتى المحاصيل – على قلتها – قامت سلطات النظام بوضع اليد عليها وأخذت توزع على السكان الذرة والخبز بحساب دقيق و بعدد أفراد الأسرة وحتى من تتوفر له النقود لا يجوز أن يشتري أكثر من الحصة المقررة له ! .
اما الاعتقالات العشوائية والاغتيالات والاختطافات فهو أمر شبه عادي وبصورة راتبة في إرتريا و آخر ضحايا الاغتيال هو الاستاذ / محمد داود ركا الذي كان يعمل استاذاً للغة العربية في مدرسة الأمل بأسمرا حيث اغتيل في شهرمارس من العام 2009م أمام منزله ليلاً لأنه يعارض سياسات النظام في تطوير اللهجات المحلية والتي جعلها النظام لغة التعليم وبعد أن فشل النظام في إقناع الناس بجدواها يريد فرضها بقوة الدولة و يبعد أو يغتال كل من يعارض هذا النهج وأخطر ما بدأ يمارسه النظام حالياً ضمن برنامج خلخلة التركيبة الاجتماعية والسكانية وخلق فتنة مستقبلية هو جلب السكان من منطقة المرتفعات إلى مناطق المنخفضات التي منع أهلها من العودة إلى إرتريا حيث أخذ يوزع على هؤلاء القادمين الآراضي الزراعية والسكنية وتمليكهم أراضي السكان الذين منعوا من العودة إلى ديارهم نتيجة رفض سياسات النظام فالأرض في إرتريا معروفة ولها قوانين تحكمها ولها ملاكها عبر التاريخ ولكن الدولة الحالية تريد تغيير العادة المعروفة وهو ما سيؤدي إلى حدوث نزاعات عنيفة بعد سقوط هذا النظام بين أصحاب الآراضي الأصليين وبين المملكين القادمين الجدد .
ب/ المجال السياسي وإدراة الدولة
أبرز مظاهر الدولة الإرترية من حيث العجز والضمورالسياسي والإداري يتمثل في الآتي :
– ليس هناك برلمان منتخب في إرتريا إذ لم تجر أية عملية انتخابات أصلا وآخر جلسة للبرلمان المعين كانت في فبراير 2003م
– وزراء الحكومة عبارة عن موظفين في مكتب الرئيس وليس لهم أي سلطات أو صلاحيات أو مهام معروفة ، والوزراء الذين يمكنهم الاستمرار في الوزارة طويلاً هم الذين يجيدون سياسة التصفيق للزعيم الأوحد ( أفورقي ) ! .
– هروب أكثر من (60) شخصية سيادية بما في ذلك وزراء وسفراء ومسئولين كبار في الدولة ومنهم وزير الدفاع الأسبق وسفير إرتريا بكل من السودان ، الصين ، نيجيريا ، والدول الاسكندنافية وكان آخر الذين هربوا هم (20) من الرياضيين حيث طلبوا اللجوء السياسي بالأردن وكان ذلك 5/4/2009م كما هرب نحو (32) من قوات البحرية الإرترية إلى اليمن في شهر إبريل الجاري وفيهم رتب عسكرية كبيرة .
– ليس في إرتريا صحافة واحدة مستقلة ، وحتى الأصوات التي ظهرت من داخل الحزب تم اعتقالها وأوقفت صحفهم .
– الدستور الذي أجازه النظام وحده قام بتجميده في عام 1997م .
– تحكم إرتريا بحكام عسكريين من جنرالات الجيش والأمن والاستخبارات وليس للحكام المدنيين أي صلاحيات تذكر بحجة أن أمن البلاد في خطر !.
– فشلت الدولة في توفير الحد الأدنى من الأمن الغذائي والسياسي والنفسي للمواطن البسيط والآن تعيش الدولة على حافة الانهيار وتحكم من خلال الإرهاب والقبضة الحديدية وإرهاب المواطنين وشغلهم بقضايا المعيشة الأساسية حتى لا يفكروا في قضايا الدولة وكيفية إدارتها .
لذلك من المستبعد في ظل هذه الظروف قيام أي مظاهرات احتجاجية من قبل السكان ، وحتى عندما أبدت بعض الوحدات العسكرية وتقدمت بمطالب قام النظام بقمع رموز هذه الوحدات وحتى جرحى حرب التحريرعندما طالبوا النظام بتحسين وتسوية أوضاعهم فتح عليهم الناروذلك في منتصف التسعينات من القرن الماضي .
د/ النظام الإرتري وسياساته الخارجية خلال الفترة .
على الرغم من الفشل الذريع داخلياً في إدارة الدولة إلا أن نظام أفورقي استطاع وبامتياز أن يحدث دوياً هائلاً وكبيراً على مستوى منطقة القرن الأفريقي بل تجاوزها إلى مناكفة الدول الكبرى مثل أمريكا .
خاض خلال هذه الفترة ثلاث جولات من الحرب مع الجارة الجنوبية لإرتريا إثيوبيا في الأعوام 1998م ،1999م ، 2000م على خلفية نزاع حدودي راح ضحيته من الجانبين ما يفوق ال 70 ألف قتيل ، أما الخسائر المادية فهي أكثر من تخصى وتقول بعض المصادر أنها كلفت أكثر من ملياري دولار ، كما دخل في نزاعات مستمرة مع السودان الجارة الكبرى التي تقع على الغرب من إرتريا حيث الرعاية الواضحة لمعارضي الخرطوم بدءاً بثورة جنوب السودان ووصولاً إلى الحركات الدارفورية المسلحة والمتواجدة إلى الآن في أراضيه على الرغم من تحسن العلاقات مع الخرطوم حالياً .
وفي محاولة من الخرطوم لامتصاص هيجان أفورقي وتفلتاته قبلت به وسيطاً في اتفاقية سلام شرق السودان الذي رعته إرتريا في العام 2006م وذلك لتفادي نظام اسمرا في هذه المرحلة ، وأتبعت ذلك بإغلاق مقار معارضي أفورقي في مايو 2008م كل ذلك في محاولة من الخرطوم لتجنيب مواجهات مع نظام أفورقي الأرعن ، وتفويت الفرصة حتى لا يستغل من قبل أعداء وخصوم نظام الرئيس البشير وهي سياسة قد تفيد لحين إلا أن نظام أفورقي إذا وجد عروضاُ مغرية وسد حاجته من الذرة والوقود قد يتخلى عن الخرطوم في أقرب (ملف) ممكن والخرطوم قد خبرت نظام أفورقي خلال هذه المدة الطويلة من التعامل المزاجي المتقلب .
– شهدت هذه الفترة انهيار الدولة في الصومال منذ سقوط نظام سياد بري في العام 1991م وكان من تداعيات هذه الحالة التدخل الأثيوبي المباشر ووصول الجيش الإثيوبي إلى قلب عاصمة البلاد مقديشو وما تبع ذلك من انتقال حرب الوكالة بين إرتريا واثيوبيا حيث تبنى نظام أفورقي نظام المحاكم الإسلامية وحاول توظيفهم لصالحه إلا أنه يبدو بأن الفشل قد اقترب منه مؤخراً حيث أصبح شيخ شريف رئيساً للصومال وأفادت الأنباء باحتمال أن طاهر عويس سيدخل في مصالحة مع حكومة شيخ شريف وبالتالي فإن اللعب بورقة الصومال قد لا يجدي النظام .
الإرتري بعد الآن ! .
وفي محاولة منه لاغاظة الغرب قام في منتصف العام 2008م بالاشتباك مع القوات الجيبوتية والتنازع حول جزيرة ( دميرة) في البحر الأحمر وأخيراً سمح لإيران بإقامة قاعدة عسكرية في عصب على الشاطئ الإرتري في البحر الأحمر لا بداء المزيد من النكاية بالغرب وفي محاولة منه لإرسال رسائل للغرب بأنه لا يمكن أن تستقر الأوضاع أو تؤمن من مصالحكم إلا إذا تعاملتم معي تحديداً ، وها أنا ذا مازلت أشكل لكم خطراً فإذا كانت ايران مصنفة في محور الشر أمريكياً فهي ذي قد وطئت أقدامها شواطئ البحر في أهم الممرات المائية الدولية حساسية ولكن يبدو بان سياسة الغرب القائمة على مبدأ إن السياسة تعتمد على مبادئ المصالح المتبادلة والبراجماتية وليس على مبادئ العداوات قد غابت عن أفورقي فها هي إدارة (أوباما ) بدأت تغازل إيران وتبدي رغبتها في الحوار المباشر معها !.
فحتى هذه المحاولة قد لا تجدي ولا تنفع نظام أفورقي ولا يستبعد أن يكون وراء عصابات القراصنة بالقرن الأفريقي هذه الأيام أفورقي فهو مشهود له بالجنوب والدخول في المغامرات حتى ولو ترتبت عليها خسائر كبيرة وخلاصة القول إن نظام أفورقي وخلال الفترة العصيبة جداً من عمره السياسي لم يستسلم ولم يبد العجز بل يظهر على العكس من ذلك كما لو كان في كامل قواه السياسية والإرادية ويمارس مهامه المعتادة بصورة اعتيادية ، ولا تبدو في القريب العاجل مظاهر الانهيار الوشيك اللهم إلا أن تكون الضائقة الاقتصادية هي قاصمة الظهر أو تحدث تحولات ما غير متوقعة فكل الاحتمالات في عالم السياسة متوقعة وممكنة الحدوث في ظل تسارع الأحداث في هذا العالم الذي يموج بالصراعات والتقاطعات والمفاجآت ! .
4/ التطورات الإقليمة والدولية وإنعكاساتها
(1999م – إبريل 2009م )
لا شك بأن العامل الخارجي يلعب دوراً مؤثراً في السياسية الداخلية للدول ، وقد يتغلب حتى على الإرادة المحلية خاصة العولمة والأحادية الدولية حتى لو لم يستمر طويلاً ، ولذلك لا يمكنه تجاهله في قراءة الخارطة السياسية ونظام أفورقي نفسه وصل إلى السلطة نتيجة تصفيات دولية وترتيبات إقليمية إذ لم تكن إرتريا تستحق أن تنال استقلالها في مايو 1991م وإنما كانت تستحق ذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، ولكن وكما قال وزير خارجية أمريكا فوستر دالاس ( من وجهة نظر العدالة تستحق إرتريا الاستقلال ولكن المصالح الأمريكية تقتضى أن تربط بإثيوبيا ) وفي الثمانينات من ذات القرن قال هيرمان كوهين . (بأن إرتريا تستحق أن تنال استقلالها ويجب ان تحرتم رغبات الشعب الإرتري ) ولذلك يعتبر ضرباً من الخيال أن يتوقع أهل الرأي والقادة من الذين يتعاطون السياسية طويلاً عن اتخاذ قرار سياسي ما دون اعتبار للعامل الخارجي . هذا ليس دعوة للإرتهان ولكن من باب التذكير والتعمل بوعي و تطورات العملية السياسية
شهدت هذه الفترة بالإضافة للخلاف الإرتري الإثيوبي المذكور آنفاً وانهيارالدولة الصومالية ، تحولات كبيرة على مستوى السياسة الدولية خاصة عقب وصول اليمين المتطرف أو”المحافظ ” إلى سدة الحكم في امريكا من العام (2000- يناير 2009م ) وقاد بوش الابن حملة عالمية ضد ما أسماه (بالإرهاب الدولي)عقب أحداث (11) سبتمبر 2001م وصنف العالم بأن من ليس معنا فهو ضدنا وبما أن الحدث وجهت فيه أصابع الاتهام إلى جهات محسوبة على التيار الإسلامي فإن الإسلاميين كانت بالنسبة لهم هذه من أصعب المراحل حتى إن بعض الشانئين قد حسبوا بأن هذه الفترة فرصة مواتية ليغادر الإسلاميون ساحة الفعل السياسي وينزووا أو يتواروا عن الأنظار ولكن خاب أمل هؤلاء إذ لم يحدث ذلك وإنما إزداد أمل الإسلاميين أكثر وارتفعت اسهمهم !.
وقد شهدت هذه الفترة التدخل السافر من قبل إدارة بوش بغزو كل من العراق وأفغانستان والتدخل المباشر في سيادة الدول وابتكار أساليب التعذيب الوحشية والاعتقالات وما إلى ذلك .ولكن بفضل من الله خرج بوش من المسرح السياسي مهزوماً غير مأسوف عليه وكما كانت أيامه عصيبة فإنه أدخل العالم في الأزمة الاقتصادية العالمية ثم غادر ، وما زال العالم يعيش تداعيات ذلك .
أما شرقاً فقد حدثت تطورات إيجابية وخطيرة فمن الإيجابي صمود المقاومين للظلم سواء في العراق أو أفغانستان وأخيراً فلسطين وإثبات بأن صاحب الحق يظل يقاوم مهما كانت الظروف و في ذلك درس بليغ للمعارضة الإرترية ، ومنه أيضاً ما توصلت إليه حكومة البشير والحركة الشعبية في السودان من اتفاقية السلام الشامل في 2005م وأخيراً على مستوى القرن الأفريقي وصول الإسلاميين إلى السلطة بقيادة شيخ شريف وبداية محاصرة نظام أفورقي إقليمياً وايقاف تمدده تجاه الصومال والمطالبات المستمرة من مجلس الأمن إرتريا بسحب قواتها من الأراضي الجيبوتية وإصدار برلمان الاتحاد الأوربي قراراً بشأن الأوضاع في القرن الأفريقي في 15/1/2009م وإظهاره للقلق العميق وأبداء مخاوفه الحقيقية من جراء ممارسات نظام أفورقي . إن كل ذلك يصب في مصلحة المعارضة الإرترية وهي تدخل آفاق العقد الثاني وعليها ضرورة استثمار كل ذلك .
وأخيراً التحول الخطير في منطقة القرن الأفريقي حيث أعمال القرصنة شبه اليومية فقد أفادت المصادر بأن المعتقلين من رهائن السفن يزيد عن (300) رهينة واحتجاز أكثر من عشر سفن وما يتردد حالياً باحتمال جعل مياه القرن الأفريقي مياهاً دولياً ، وزيادة التواجد الغربي الأمريكي وحتى الإيراني والصيني في هذه المنطقة إن كل ذلك يضاعف الجهد على المعارضة الإرترية ويستدعي منها أن تزيد من تحركها السياسي وأن تقدم مشروعها الذي يمكن أن يساهم في استقرار الإقليم فكلما اشتدت المخاطر والمخاوف حملت بين طياتها الفرص والسوانح في عالم السياسية !
لا شك إن كل هذه التطورات قد انعكست على المعارضة الإرترية سلباً في المرحلة الماضية وقد حملت لها العديد من الفرص أبرزها قيام حلف تعاون صنعاء الذي يضم كل من السودان وإثيوبيا واليمن ويضم إليه الآن جيبوتي والصومال . فالحالة الإنسانية مقروءة بالوضع السياسي في إرتريا قد يحمل العديد من المفاجئات إذا استثمر استثماراً حقيقياً وما يظهر من التحالفات في صفوف المعارضة هنا وهناك وما يمكن أن يسفر عنه إن كل ذلك من شانه أن يعجل من خطى التغيير ويعد من آفاق العقد الثاني .
وأبرز حدث ينبغي أن يتحقق في العقد الثاني وبصورة ناجزة هو ضرورة إنجاح مؤتمر التحول الديمقراطي الذي تتبناه المعارضة الإرترية المزمع عقده خلال العام 2009م في الغالب . وإن التفريط في إنجاحه أو إخراجه بصورة هزيلة يعني هدر فرص قد يصعب تكرارها ! .
فمأساة الإنسان الإرتري وما يعنيه من الضياع والفقر والتشرد لا تحتمل أن تضيع أي فرصة يمكن أن تكون سبيلاً لتخليص شعبنا الذي طال انتظاره .
فعلى تنظيمات المعارضة الإرترية العمل بجد واجتهاد ومضاعفة العطاء وان لا تتوقع أو تنتظر التغيير بل ينبغي أن تصنع التغيير مع وضع تحسب لأي طارئ قد يطرأ في معادلات السياسة الدولية والإقليمية والاختراقات الذي أحدثتها المعارضة في الفترة الأخيرة حيث وصلت إلى البرلمان الأوربي ، والتقت بالعديد من دوائر صنع القرار أن تزيد من مثل هذه الأعمال دون ان تكون هي النافذة الوحيدة فالقوم يتحركون بحسابات دقيقة ومحسوبة سلفاً .
ولا يسعني في الختام إلا أن اشيد بجهود قيادة تنظيمات المعارضة الإرترية إذ تجاوز مرحلة الانقسام الذي حدث في العام 2007م وعليهم مضاعفة الجهد والاستمرار في العمل الذي يصل النهار بالليل وآفاق العقد الثاني تبدو أكثر إيجابية بإذن الله وكل من سار على الدرب وصل بإذن الله وأخيراً إذا كانت منطقة القرن الأفريقي هي المحطة التي أعلن فيها الحلفاء انتصارهم على دول المحور من القرن الأفريقي في الحرب العالمية الثانية فكانت نهاية الحرب فهل يشهد القرن الأفريقي الذي يقع ضمن ما يسمى بقوس الأزمات الآن مخاضاً ما يمكن أن يكون بداية المواجهة بين أقطاب صراع الإرادات المحلية والإقليمية والدولية ؟!!
* باحث في شئون القرن الأفريقي .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=39495
أحدث النعليقات