الفدرالية وكيفية معالجتها لقضايا التنوع العرقي والثقافي: السودان
كان هذا عنوان الندوة التي أقيمت في لندن في العشرين من أغسطس الجاري والتي استهلها الأستاذ عبد الرحمن سيد والمهتم بهذا الشأن بمقدمة عن التنوع الثقافي والعرقي في ارتريا وكيفية امكانية أن يكون عامل جمع لكل مكونات النسيج الأرتري بالأستفادة من التجربة السودانية في هذا الخصوص والمتعلقة بموضوع الفدرالية.
وقدم الأستاذ عبد الرحمن الدكتور عمر عوض الله والذي تحدث في الندوة عن أن الفدرالية يمكن أن تكون العلاج الناجع للمشكلات السياسية والصراعات التي أخرت مسيرة السودان في كافة المجالات فعند استقلال السودان كان هناك انقساما في الشعور بالأنتماء بين الشمال والجنوب وعزى ذلك للأستعمارالتركي البريطاني الذي أساء للتنوع العرقي في السودان عن طريق ممارسة الرق على جزء من مكونات المجتمع السوداني(الجنوب)كذالك الاستعمار البريطاني الذي ركز التعليم لأبناء الشمال والعاصمة وحرمان الجنوبيين منه.
كما تحدث الدكتور عمر عن الأحساس بالأنتماء للدولة من قبل الشعوب ورأى بان هناك شعوب قد تكونت قبل الدولة وتشكل هذه ما يطلق عليه الأمة المتجانسة(الصومال,المانيا)وشعوب نشأت بعد الدولة(أمريكا ,سويسرا, السودان) وتسمى هذه الأخيرة دول متعددة الأثنيات ويكون فيها صعوبة في الأنتماء لان هذا التعدد الأثني يحمل معه اختلافا في الثقافات وخصوصية تسعى كل اثنية للحفاظ عليها والدفاع عنها حتى لا يتغول عليها من قبل الثقافات الأخرى أو تهمش قصدا.
هذا وقد تناول الدكتور عمر الآراء السائدة في المجتمع السوداني لدى الساسة والقانونيين وقال بأن هناك ثلاثة آراء في هذا الصدد:
1-المجتمع المتجانس: ويرى أصحاب هذا الرأي ان كافة القبائل قد انصهرت في المدن الكبيرة(أم درمان,مدني والخرطوم)
2- المجتمع الغير متجانس:ان هناك هيمنة من قبل الثقافة العربية والأسلامية(أقلية مسيطر) أو تحالف مجموعات ثقافية وتشكيل ما يسمى الثقافة الغالبة كما يقول الأخوة في جنوبي السودان.
3- المجتمع المتعدد الثقافات: هنالك مجموعات لها خصوصياتها ولها عاداتها وتقاليدها الخاصة التي يجب أن تراعى.
ويأخذ البعض اللغة كمعيار ويقسموا المجتمع بموجبها لمجتمع راطن وغير راطن وهذا الرأي هو السائد في السودان ويرى بأن أصحاب الرطانة غير عرب أما العربي فهو الذي لا يرطن وهذا المعيار الموضوعي لا يصح لتحديد الثقافة لمجموعة ما اذ يجب معرفة شعور الشخص بالانتماء لثقافة ما دون أخرى.
والخلاصة صنف السودان الى ثمان ثقافات:
ضفاف النيل وثقافة الوسط
السافنا وقبائل كردفان
البجا في شرقي السودان
الأنقسنا في النيل الأزرق
الفور
جبال النوبة
النيليون في الجنوب (الدينكا, الشلك والنوير)
السودانية (الاستوائية)
أما موضوع الهوية في السودان فقد أدى الى أزمة بين مكونات النسيج السوداني ذلك لأن كل مجموعة فيه ترى السودان حسب تكوينها, عربي, اسلامي, زنجي, متعدد الثقافات. وقد وجد الساسة في السودان ان الحل يمكن ان يكون في العوامل الموحدة كالدين واللغة ولكن هذا الحل لا يراعي او يجد القبول من قبل كل السودانيين.
اذن ما الذي يجمع بين السودانيين لتكوين الدولة؟
وما هي الوسيلة السياسية والدستورية التي تجمع الكل؟
نرى ان الأصلح لجمع السودانيين هو العقد الأجتماعي الذي يتم فيه التراضي بين مكونات المجتمع المختلف الثقافات والعادات والتقاليد. اما عن الوسيلة فان الفيدرالية في نظري هي الأنسب لأنها تحفظ خصوصية كل ثقافة عن طريق الدستور والقانون مما يمكنها من الأسهام في بناء الدولة ويحقق المصالح المشتركة لهم لأن الفيدرالية توازن بين المصلحة الذاتية والمشتركة وكذالك لا تطغى الأغلية على الأقلية حتى ولو كان ذلك بالأسلوب الديمقراطي فحسم الأمور بالتصويت دائما يجعل الأقليات غير قادرة على الأسهام ومقموعة بهذا الفهم للديمقراطية بينما تتيح الفيدرالية للأقليات ابراز دورها في المجتمع من خلال حفظ هذا الدور وتمكينها من ابداء رأيها بجعلها أغلبية في مناطقها أو عن طريق اعطائها لحق الفيتو أو ما يسمى (التمييز الايجابي) مما يجعلها مسيطرة كما لو كانت هذه المجموعة قد همشت في الماضي أو اعطائها حصة أكبر في التنمية أو التعليم.
تطبيق هذا الفهم للفيدرالية واعطاء الأقلية الفرصة لحكم نفسها يتطلب :
1-أن تشكل كتلة كبيرة ولا تكون مجرد أفراد
2-أن تكون محصورة في رقعة جغرافية محددة ولا تكون مشتتة
3-أن يكون هنالك تجانس بينها
أما اذا لم تكن هذه المتطلبات موجودة فيمكن اعطاء هذه المجموعة مساحة أقل أو ما يعرف بالحكم المحلي.
والسؤال الأهم بعد ذالك ما هي العناصر أو الأسس الواجبة للعيش المشترك في مجتمع متعدد الثقافات؟
1- المجتمع: اذ ان مكونات المجتمع هي العامل الحاسم وذلك من خلال الأعتراف والأحترام لهذا التنوع والتسامح بينهم لخلق الدولة المرجوة.
2- النظام السياسي: يجب ان يراعي الأقلية ويعطيها الفرصة في التعبير ويحفظ حقوقها.
3- النظام الاقتصاد: يجب أن يزيل الفروقات بين المجتمع مما يجعل هناك تناسب بين الطبقات المختلفة فيه وانعدام هذا هو ما جعل الناس تلجأ لحمل السلاح.
4- الدستور: يجب ان يضمن كل الحدود السياسية والأقتصادية ويضمن خصوصية كل ولاية من خلال دساتير ولائية كما ان تعديله يجب أن يتم بالتوافق لا من جانب واحد دون رضاء الكل (مثال لذلك تقسيم الجنوب الى ثلاث ولايات عام 1983م).
وان المحكمة الدستورية يجب أن تعطي الحق في ايقاف القوانين والقرارات الغير متوافقة مع الدستور وايجاد مؤسسات تتيح للولايات أو الأقاليم في المساهمة في صنع القرار على مستوى المركز وأيضا وجوب وجود مؤسسات دستورية فيها تمكنها من ابداء الرأي والمهم كذلك ان يكون الدستور الفيدرالي حياديا ولا يجب ان يرسل اشارات لمجموعة بعينها كما ان الديمقراطية لا يجب ان تكون وسيلة للمعاقبة كما لو طلبت مجموعة ما التعليم بلغتها الأصلية ولم تقم الدولة بدورها في هذا الشأن وتركته للمطالبين به نكاية بهم.
رموز الدولة:
وتتكون من الدين, اللغة, العاصمة, نظام الحكم, العملة, العلم, والنشيد الوطني ولابد أن يشعر المواطن برموز الدولة وأن كل المجموعات ممثلة بها. فمثلا العلم السوداني عربي السمات ولا يشير الى مكونات كل المجتمع كذلك النشيد الوطني الذي يعبر بلغة واحدة قد لا يجد فيها الاخرون احساسا بالتعبير عن مشاعرهم بل معبرا عن مجموعة مهيمنة ومسيطرة على الدولة.
هذا وفي ختام هذه الندوة القيمة والتي تجاوب معها الحضور, أجابة الدكتور عمر عوض الله على أسئلة المشاركين التي تراوحت ما بين من اراد فهم تفاصيل الفكرة في واقع الأرض ومن تساءل عن المعايير والمقومات المطلوبة لانجاح تطبيق نظام الحكم الفيدرالي.
من اعداد: خالد كجراي
ل:عركوكباي.كوم (www.arkokabay.com)
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7243
أحدث النعليقات