الفهلوة السياسية والمتاجرة بقضايا الشعوب
بقلم الأستاذ/ ابراهيم فار
(إختلت الموازيين .. إختفي الحق
البعض يحاول حتى خداع الآلهة
يذبحون (الأوز) كقرابين ويقدمونها للآلهة زاعمين إنها ثيران).
عن إحدى البرديات الفرعونية .
عندما كنا ندرس بالمرحلة الثانوية كان أستاذ اللغة الإنجليزية بريطاني الجنسية ،وإسمه(أندرو)، وكان يهتم في تدريسنا للغة بكتابة مواضيع تعبيرية (Composition) وكلما سألنا ماذا فعلنا بكتابة تلك المواضيع، كانت إجابتنا له بعبارة (إنشاءالله) تبريرا لحالة الكسل التي كنا نركن إليها أحيانا- وذات مرة وعندما إستفزته فهلوتنا ، كتب فى السبورة وباللغة الإنجليزية (عليكم كتابة موضوع التعبير ورجائي منكم ان لاترددوا عبارة (إنشاءالله). وبالمقابل كان لدينا إستاذ اللغة العربية واسمه يحي محمد أحمد(يحي بلاغة)، أمد الله فى عمره وعندما كان يدرسنا أسلوب الخطابة كان يقول لنا، بأن هنالك نظرية عند علماء اللغة تقول بأن إستعمال الإشارة باليدين أثناء الحديث تظهر ضعف المتحدث وعجزه اللغوي فى إيصال مايقوله عبر النطق باللسان- أعادت الى ذاكرتي تلك المواضيع وأنا أشاهد المؤتمر الصحفي للديكتاتور أسياس أفورقي في ختام زيارته للخرطوم(13-6-2006)، فعندما طرح عليه سؤال حول علاقات أسمرا بالخرطوم، أجاب الديكتاتور أسياس إجابة إستخدم فيها الفهلوة السياسية فقال- أنا لاأقول تطبيع العلاقات السودانية الإرترية، ولاخلق علاقة سودانية إرترية، بل أقول والكلام للديكتاتور تقوية العلاقة، مردفاً قوله بأن العلاقة بين السودان وإرتريا موجودة أصلا، وإستخدم عبارة( إنشاءالله) الأيام القادمة بل وخلال أسبوع أو أسبوعين تشهد العلاقة نموا لامثيل له (إنشاءالله)، وعندما سئل حول المحادثات السودانية السودانية بخصوص شرق السودان أجاب(إنشاءالله) ستعقد هذه المفاوضات في أسمرا، وفي موعدها المحدد وستكون (إنشاءالله) سودانية خالصة دون تدخل إلا كمسهل و(إنشاءالله) سنبذل جهد لإنجاحها.. أنتهي كلام الديكتاتور أسياس .
وفي جانب أخر وعندما كان يتحدث الديكتاتور أسياس وهو جالس علي يمين الرئيس السوداني عمر البشير في مطار الخرطوم كان يستخدم يداه في الحديث حتي أن يده اليسرى كانت أحيانا تعلو فوق رأس الرئيس عمر البشير، واليمني تقارب وجهه، وأحيانا يرفع أسياس كلتا يديه حتي تظهر أبطيه. وكما أسلفت أعدت تلك الملاحظات أثناء مشاهدتي للمؤتمر الصحفي، لأن كل ماكان يستخدمه الديكتاتور أسياس ذكرني بالفهلوة التي كنا نبديها عندما كان يطلب منا الأستاذ ( أندرو) كتابة موضوع التعبير جاعلين من موروثنا الثقافي الديني شماعة نعلق عليها تكاسلنا من أداء الواجب أو تحايلنا علي استاذنا بإسم الدين وتحويل قناعتنا الإيمانية الي أداة للمتاجرة هروبا من مسئولياتنا الأكاديمية ، وهذا ينطبق علي الديكتاتور أسياس في معرض تكراره لعبارة (إنشاءالله) هروبا من إستحقاقات تتطلبها إعادة العلاقات بينه وبين الخرطوم . وكما يقول (فولتير) إن الإغتيال بإسم السماء كان وسيظل دوما لعبة من العاب السياسة .
فإن الديكتاتور أسياس يريد بإسم الدين وإستخدام مفرداته للتخدير والمتاجرة بقضايا الشعوب وعلاقاتها . فالعلاقة السودانية الإرترية تحتاج في فهمنا الي إعادة نظرة كاملة منذ أيام الثورة وحتي يومنا هذا، ويجب أن يتخلي الطرفين الإرتري والسوداني وخاصة الحكومتين.
عن إستخدام العبارات الإنشائية هل يستطيع التي تقال في إطار المجاملات، لأن الخصومة بين النظامين وكذلك العلاقات المتينة بينهما لاتنحصر أثارها في الغرف المغلقة بل تمتد وتمس علاقة الشعبين وأوضاعهما الحياتية ، فعبارات بأن الشعبين يرتبط بعلاقات أزلية ممثلة في التداخل الإثني وعلاقات ثقافية وتأريخية، هذه المفردات لانجد لها معنى في قاموس عصرنا هذا، وخاصة في العلاقات بين الشعوب والدول فمعايير علاقات اليوم تجاوزت هذه المفردات وأصبحت تقوم علي المصالح والمنافع وخاصة الإقتصادية والإنسانية، فمن الممكن أن يفرح الشعب الإرتري في الداخل بزيارة وفد شبابي طلابي ياباني وفرق موسيقية أسيوية أو أوروبية او أمريكية بنفس قدر فرحته بزيارة وفد شبابي طلابي وفرق موسيقية سودانية لأن كل هذه الزيارات، تلبي منفعة إقتصادية من خلال السياحة وتنعش القوي الشرائية في السوق حتي ولو لمدة يومين في بلد تسحقه المجاعة جراء سياسات النظام الحاكم، كما أن الأنغام الموسيقية لاتحتاج لنمطية معينة من وجود وشائج قربى بين الشعوب، لأن لغة الموسيقي تحتاج لإحساس وتذوق بالوتر الموسيقي والرقصة الفلكلورية بغض النظر عن جنسية عازف الوتر ومؤدي الرقصة . لأن لغة الموسيقى لغة عالمية إنسانية تدخل أذن المستمع دون المرور بحواجز التأشيرات ولا تحتاج لجواز سفر.
وعلى الديكتاتور أسياس أن يلتفت الى أوضاع إرتريا قبل الهروب وممارسة الخداع فى التوسط لحل مشاكل الأخرين، فتجربة نظامه أثبتت براعته في إشعال النزاعات الداخلية في دول الجوار، وليس في قاموسه تجربة مساهمة في حل النزاعات مما يجعله غير مؤهل ليصبح وسيطاً، ففاقد الشئ لايعطي شيئاً.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6754
أحدث النعليقات